الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آرغو لبن أفليك: السينما في خدمة السياسة ..

ماءالعينين سيدي بويه

2013 / 3 / 28
الادب والفن


هكذا بدأت القصة ... بعد سنوات عديدة على مرور أزمة الرهائن الأمريكيين في إيران، شجع "جورج تينيت" مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السابق "توني منديز" على كتابة القصة "آرغو" التي شقت طريقها للسينما، وقام بن أفليك بإخراج الفيلم ولعب دور البطولة به بعد أن قابل زوجة مينديز، الذي توفي بالسرطان منذ سنوات.
قصة واقعية صارت فيلما سينمائيا. في عام 1979 تعرضت السفارة الأمريكية في طهران للاقتحام من قبل طلبة ثوريين إيرانيين وتم أخذ عشرات الأمريكيين كرهائن. ومع ذلك، ستة منهم نجحوا في الفرار الى مقر السفير الكندي ثم صدرت الأوامر للمخابرات الأمريكية بتهريبهم خارج إيران. وضع العميل "توني منديز" المختص في مهمات الإنقاذ خطة جريئة وهي إنشاء مشروع مزيف لتصوير فيلم كندي "أرغو" في إيران ويقوم بتهريب الأمريكيين خارج البلاد على أنهم جزء من طاقم الإنتاج. بمساعدة بعض المصادر الموثوقة في هوليوود. ينفذ "منديز" حيلته ويصل الى إيران على أنه مساعد المنتج.
إستغل "توني مانديز" تاريخ التعاون الطويل بين المخابرات الأمريكية وهوليوود، خاصة بعد أن بدأ تطوير عمليات التمويه. وخلال العملية إستأجر كاتب سيناريو محترف بدأ في العمل على الفور، وبحث عن مكتب يحمل اسم شركة الإنتاج المزيفة "ستوديو 6" كما استوحى الرقم من عدد الرهائن الأمريكيين الذين يعتزم إنقاذهم.
إستغرق الأمر من "منديز" بضعة أسابيع ليقنع رؤسائه بالمخابرات، وعددا من رجال الحكومة الكندية بخطته، بسبب القلق الذي كان موجودا من أن فشل الخطة يمكن أن يؤدي لإحراج الرئاسة الأمريكية، و بالتالي تعريض حياة الرهائن الست للخطر، ولأنه لم تكن هناك خطط بديلة للعملية، ولم تكن هناك خطط للهروب، حتى الطائرات التي تم إرسالها بكومندوس مدرب على تحرير الرهائن فشلت في ذرْع الصحراء الإيرانية بعد تعطل بعضها.
على خطى "ايزنشتاين و شارلي شبلن و جيمس بوند" الذين كان لهم السبق في تزويد مسار السينما بالفيلم السياسي والإجتماعي والأخلاقي ، كذلك إستمر المخرج و الممثل "بن أفليك" في جعل السياسة حاضرة في قلب السينما وجوائز الأوسكار بعد غيابات متكررة ناتجة عن هرب المشاهدين منها إلى أفلام الرويات والحرب والأكشن والخيال .
لقد نجح المخرج "بن أفليك"، وهو الممثل الذي تحول للإخراج في اختيار توقيت الفيلم ،الذي جاء في ظرفية تنادي بحرب على دولة ايران بسبب مشروعها النووي المهدد لإسرائيل بعدما كان صعود إسلامها الأخضر يهدد مصالح أمريكا في المنطقة منذ أزمة السفارة 1979،التي حدثت ربما بمؤامرة بين الفقيه الامام الخميني و الرئيس الأمريكي "ريغن" والذي يؤكد ذلك هو تأخير تسليم الرهائن الى بعد سقوط الرئيس "كارتر" بدقائق وقبلهم الرهائن الستة الذين نجح في تهريبهم "توني مانديز" .إلا أن مكافأة ريغن للخميني كانت هي الحرب، لأن تهديد مصالح أمريكا في العالم يعد مسّا بأمنها القومي ،فقد باركت دخول العراق في حرب إستنزاف ضد إيران لثماني سنوات .
المخرج وبطل الفيلم بن أفليك إختار أيضا توقيتا سياسيا دالا. فأحد طلبة المرحلة كان ضد عملية الاختطاف التي جرت دون علم الإمام الخميني. ولكن لدواع إستدعتها المرحلة السياسية تبنى الخميني العملية ربما قصد ليِّ يد أمريكا وصدّها عن إفشال ثورته. وهي العملية التي جرى تمديدها وتسببت في إسقاط الرئيس الديموقراطي جيمي كارت. وسمحت بصعود رونالد ريغان، اليميني المتصهين والذي زود إيران بالسلاح في حربها ضد العراق. ولم يكن الطالب الذي اعترض على الاختطاف سوى أحمدي نجاد. رئيس إيران حاليا.
لهذا يطرح توقيت تصوير فيلم "أرغو" أسئلة سياسية في ظل الجدل في الإدارة الأمريكية بين من يريد ضرب إيران ومن يريد محاورتها. في طهران استقبل تتويج الفيلم بالأوسكار بغضب من طرف المحافظين. في واشنطن، ولحد الآن انتصر الاتجاه المؤيد للتهدئة مع إيران. وقد حصل الفيلم على الأوسكار في وجه أفلام جلها مسيس. أهمها فيلم لينكولن لستيفن سبيلبرغ. وهذا تخليد لعلاقة السينما بالسياسة، لعلاقة هوليود بالمخابرات الأمريكية. فالسينما ليس فنا فقط، بل موقف إبداعي من العالم وطرح أيديولوجي يخدم المصالح القومية.
تم تصوير "آرغو" بدولة مسلمة هي تركيا، طبعا وُفق بن أفليك في اختياره للمكان، فالفيلم يظل أقرب لوثائقي يحكي قصة واقعية نظرا للتشابه العميق بين أربيسك وفسيفساء تركيا مع إيران، وإلى حد ما تمكن من إعادة تمثيل الأحداث، مكان السفارة، الشوارع والمظاهرات، الأسواق الشعبية، ثم المسجد الذي سيلتقي فيه "توني منديز" بن افليك مع عميل المخابرات الأمريكية .غير أن الإنطباع الذي يترتب عن مشهد محاصرة الرهائن الستة أو الممثلين المزييفين في سوق شعبي أو أثناء مرورهم بإجراءات المطار، هو تصوير الشعب الايراني كشعب غير عقلاني ومجنون وشرير. وهذا إعادة إنتاج لتصورات الإستشراق كما عرضها إدوارد سعيد في كتابه الشهير.

بسبب إعادة استخدام هذه الأحكام المسبقة، يُداخل الكثيرين الشك في مجريات أطوارها خاصة نجاح "منديز" في تزييف شخصيات الرهائن والعبور بسلام من إجراءات ثوار المطار... يبدو الإيرانيون سذجا بينما الأمريكيين خارقي الذكاء. من حسن الحظ لم نصل لتهور رامبو – سيلفستر ستالون – وهو يقاتل في جبال أفغانستان لوحده.
لذلك فنظرة بن أفلك هي شخصية وذاتية للعالم ولتصوره لحقيقة مذكرات "منديز". وهي تكثيف لتجربته في تمثّل بعدي لأحداث السفارة الأمريكية، لأن الأعمال الفنية في السينما وفق ما قال "أندريه تاركوفسكي"، تسعى إلى تشكيل نوع من التكثيف للتجربة التي يجسدها الفنان في فيلمه...إن ذاتية المخرج المميزة تحدد نمط علاقته بالعالم وتحصر إرتباطاته معه. وإختياره لهذه الروابط يجعل العالم ذاتيا أكثر.(كتاب النحت في الزمن).
هذه الذاتية رغم أنها نجحت في تصدر الفيلم للجوائز العالمية، بسبب إعتبارات أمريكية وغربية، إلا أنها جرّت على المخرج والفيلم إنتقادات الأصدقاء والأعداء معا. فقد وصفت جريدة اشنطن تايمز فيلم أرغو بأنه "يرتكز على السرد بدل الإحساس". في حين أثار غضب البرلمان النيوزيلندي بسبب إظهاره لدبلوماسيين نيوزيلنديين يردّون مجموعة من الأمريكيين كانوا يحاولون الفرار من طهران، وتناسى المخرج كليا أن من نقل الرهائن في سيارة الى المطار كان نيوزيلنديا على عكس الفيلم الذي يصور الأمريكي توني منديز على أنه هو من نقلهم في السيارة .
من جهته، انتقد السفير الكندي "كين تايلور" - الذي كان شاهدا على الأحداث ف- الفيلم بسبب أنه لم يلقٍ الضوء الكافي على مساعدته للرهائن الستة في الخروج من طهران الى سويسرا، كيف وهو و زوجته من أحتضنهم في بيته الدبلوماسي ؟
أما إيران الدولة العدوّة والمستهدفة ، فقد أعلنت أن حكومتها أوكلت لمحامية فرنسية لها خبرة في مثل هذه القضايا تحريك دعوى قضائية ضد المخرج بن أفليك ومنتجيه لأنه حرّف التاريخ وشوه الحقيقة بإقتحام السفارة والتعامل مع الرهائن خاصة مشهد الإعدام الوهمي رميا بالرصاص لمجموعة منهم، ثم لمناهضته لدولة إيران المسلمة .
كل هذه الدّعاوي والإنتقادات ستسجل في رصيد الفيلم ومخرجه كنجاح للسينما السياسية الأمريكية بالخصوص،فهي قادرة على تحويل الهزيمة نصرا ،كما حدث مع "رامبو" في أفغانستان ،أو أفلام الحرب في اليابان وفيتنام. والفيلم نصر شخصي لابن أفليك. ففي فيلمه الثالث كمخرج، حصل على الأوسكار أمام العمقلاق ستيفن سبيلبرغ، والذي كان من المنتظر أن يتوج فيلمه "لينكولن". لكن أرغو تفوق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3


.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى




.. أنا كنت فاكر الصفار في البيض بس????...المعلم هزأ دياب بالأدب


.. شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً




.. عوام في بحر الكلام - الفن والتجارة .. أبنة الشاعر حسين السيد