الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيرة الحرب والحب في رواية تيو

هويدا صالح

2013 / 3 / 30
الادب والفن



اتفق الأخوان أن يرسلا أخاهما الأصغر إلى الوطن خوفا عليه من الدمار، وحماية له من رائحة الموت التي تسكن كل شئ. تمكن أخوه الأكبر أن يحدث له جرحا قطعيا غير مميت حتى يعيدوه للوطن، لكنه حين علم بذلك أثناء وجوده بالمستشفى شعر بأسى بالغ، وخشي أن يعود لبلاده فيحتفلوا به كبطل حرب وهو العائد منها برجوع غير مشرف. تمنى البقاء في المستشفى حتى لا يعود ويشارك في احتفالات النصر. هكذا بدأ بطل رواية " تيو " سرده لهذه الملحمة الدرامية المعقدة التي تحكي قصص الحرب والحب والحياة والموت. هكذا رسمت باتريشيا جريس خيوط تلك الملحمة في الرواية التي صدرت عن سلسلة الجوائز المصرية، وقام بترجمتها كل من : مصطفى محمود وطاهر البربري.
تكتب جريس عن عن الكتيبة 28 الماورية ، التي أتت من نيوزيلندا لتشارك في الحرب الدائرة في أوربا، لكن من أي نبع تغرف ذاكرة جريس تلك التفاصيل الحية والدقيقة عما يعانيه الرجال في حرب حولت مدن أوربا إلى خرائب ؟
لقد اعتمدت الكاتبة النيوزيلندية " باتريشيا جريس " على مفكرة والدها الذى كان عضوا بالكتيبة 28 و رحل للانضمام للحرب العالمية الثانية حتى أن الرواية أصبحت رحلة بحث متعمقة في ذاكرة وذكريات الكثير ممن شهدوا هذه الحرب. حاولت معرفة كل ما يتعلق بهذه الكتيبة من المتطوعين، واستعانت بكل مصدر متاح من شهادات الأحياء من الجنود وشهادات عائلات المتوفيين منهم، وكتب المؤرخين و الباحثين و الصحفيين الذين أرخوا عن فرقة المتطوعين الماورية.
تبدأ الرواية من مصحة عقلية حيث يقيم البطل " تيو " الذى يرسل مذكراته، إلى أبناء أخيه مؤكدا لهم أن هذه المذكرات لم تكتب ليقرأها أحد و أنه أراد إحراقها أكثر من مرة، ولكنها بقيت ليتعرفا من خلالها على حقيقة والدهم الذى مات قبل أن يروه و يتعرفوا إليه .

ترك " تيو "المدرسة مخيبا آمال أسرته التى ضحت بالكثير لتعلمه ليصبح ذا شأن ، و لكنه منذ رأى فى طفولته مسيرة الجنود السائرين إلى الحرب وهو قرر أن ينتمي لهذا العالم حينما يكبر. أراد " تيو " دوما كونه الأخ الأصغر الذى يحاول الكل حمايته و مراقبته أن يخرج إلى العالم و أن يعيش المغامرة و يكون مصدرا لفخر بلاده ،و يساهم فى إنهاء الحرب .
"بيتا" الأخ الأكبر كان يتمنى أن تنتهى الحرب خوفا على أخويه خاصة الصغير تيو ، و لكن تيو كان ينتظر بشوق متى ينطلق لساحة المعركة .
" بيتا " كان شخصية منطوية فقد شب قبل أوانه ، ليقوم بدور الأب و الراعى لأسرته و يطلق عليه الجميع " الأب الصغير ، و رغم عودة والده من الحرب ، و لكنه عاد كومة مترهلة لا يظهر منه سوى رأسه المضمدة ، لا يشبه كثيرا صورة الجندى الضاحك المعلقة بالمنزل، أما رانجى فكان يشبه والده كثيرا قبل ذهابه للحرب، ثرثار كثير الضحك وكثير المتاعب .
شارك الأب قبلا في الحرب، وعاد صامتا وكئيبا، ومن ثم تحول بعدها إلى رجل مهووس وعنيف، تصيبه النوبات العصبية، فيكسر كل ما يقف في طريقه. رغم أن الأب عاد حيا من ميدان الموت إلا أنه ترك روحه وعقله هناك :" عودة أبيكم المسكين إلى البيت من الحرب لا تعنى أنه لم يمت هناك " .ظلت الأسرة البائسة تعاني من نوبات الجنون التي تتلبس الأب، ولم تتحرر الأسرة إلا بعد أن مات، فقرروا الرحيل إلى ولينجتون تاركين وراءهم الذكريات الحزينة، بحثا عن بداية جديدة، ،لكن بمجرد وصول الأسرة الجريحة يصمم الأبناء على الاشتراك في الحرب ، ويعيدون تاريخ الأب المؤلم، يشترك الأبناء الثلاثة( بتيا ورانجي وتيو الصغير) في تدريبات الحرب، يمضون أوقاتهم فى الغناء واللهو، ينامون فى برد قارص و تحت سيول الأمطار ، فى انتظار دورهم للانضمام للمعركة، حتى جاء دور الكتيبة 28 للإنضمام .
السرد بضمير الأنا على لسان تيو الصغير أعطى الرواية حميمية محببة ، يكاد القارئ معها أن يتصور أن الكاتب رجلا، لولا أن اسم باترشيا جريس يطالعه منذ الغلاف ، ليخبره كم بذلت الكاتبة جهدا غير عادي لترسم لنا هذه الملحمة الإنسانية العميقة.
وسط ضجيج المدافع و الرشاشات و صرخات الرجال، و أصوات الطائرات تحوم فوقهم تمطرهم القذائف من كل جهة، و الشظايا تتناثر فى كل مكان، يحاول الأخوة أن يحتموا بأي شئ حتى لو كانت المقابر ، وسط عظام الموتى و الذى كان الأكثر هولا .
رائحة الموت النتنة عالقة بالجو ، مدن كانت يوما رائعة الجمال هى الآن حطام، فى كل مكان يرون المدنيين نساءاً و أطفالاً و عجائز شردتهم الحرب، يكسو وجوههم الرعب،ينامون فى الخرائب والكهوف .
كان "بيتا" الأب الصغير، أكبر الأخوة ، والذي كان يرعاهم يشعر أنه رجل وحيد وتعيس، لم يعرف كيف يعيش الحياة، حتى حينما أحب جيس فتاة محل الحلوى، و لكنها كانت بالنسبة له بمثابة الحلم الذى يعرف أنه لن يتحقق حتى و لو أصبح العالم حرا. أحبته جيس أيضا رغم أنه لم يفصح لها أبدا عن مشاعره، أحبته رغم أنها تعلم أنها لن تكون له فهى ليست ماورية و لا كاثولوكية كما تريد له عائلته .
بعد حين تزوج "بيتا" من آنى روز و التحق بالحرب، و مات هناك قبل أن يعلم أن له طفلين قادمان للحياة . " أن الشعور العميق بالحزن يشبه موتا داخليا يتجاوز الدموع " هكذا شعر الأخوان بفقدان أخيهم الأكبر. رانجى لم يعد الشخص المرح كما كان، انطفأ قلبه من هذة الأنقاض، و تحول لحارس تيو .
انتهت الحرب و مات " رانجى " و شاعت الاحتفالات فى كل مكان بالنصر، و تيو بالمشفى أصيب بالتهاب كبدى بسبب الجرح الذى لن يمكنه من الزواج و تكوين أسرة ، فرح لأنه سينضم لكتيبته قبل الرحيل ، لم يشعر بالانتماء قط سوى للكتيبة 28 هى الوطن هى العائلة .
بعد عودته آثر الابتعاد عن عائلته عن صور أخوته الأبطال. سامحهما رغم حزنه. عكف على كتابة مذكراته مع الحرب والموت والحب ، وفتح صندوق الذكريات المغلق، ليملأ كل هذه الأوراق التي سوف يتركها لأبنيي أخويه، ليعرفا الحقيقة، أنهما ليس أشقاء، بل أبناء عمومة. عاش العم تيو ليحكي لهما كل شئ عله يستطيع أن يبعد عنهما ويلات الحرب إن جاءت.
الجدير بالذكر أن الرواية اتسم نصفها الثاني بلغة شعرية رهيفة ، أفادت من تقنيات السرد لتصور عن طريق البوح والاعتراف ما يعانيه تيو وهو يفتح صندوق الذكرة ويستدعي الذكريات في حين أن النصف الأول اتسم بلغة أقل شعرية، ولا أعرف هل هذا لأن الرواية ترجمها مترجمان، أم أن الكاتبة حين صورت حيياة تيو في المستشفى كانت أكثر شاعرية وشجنا؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن