الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرحية [ منعطف على الدانوب ]

فاضل خليل

2013 / 3 / 31
الادب والفن


تأليف : فرانتس كارنيتي ترجمها بتصرف : د . فاضل خليل
الشخصيات : [ البائعة ، الزبون ، البائع ]
* * * * * * * *
البداية : [ مساء ليلة ربيعية خلال أحد أيام الأسبوع ، الموقف الأخير لطريق طويل في مكان ما على نهر الدانوب ، بين وقت وآخر يخطر ضوء يمرق لسيارة عابرة . ينتهي الطريق إلى حانة ، تتوزع فيها طاولات وكراسي لاستقبال الزبائن . موسيقى ، ماكنة لصنع القهوة ، براد زجاجي ، حلويات ، مشهيات ( مازات ) ومقبلات ، إضافة إلى أنواع المشروبات . على إحدى المناضد جهاز هاتف ، وراديو ] .
البائعة : [ ترتدي صدرية بيضاء ، متعبة يغلبها النعاس ، تنظر إلى ساعتها تارة وأخرى تخرج حتى الباب تنظر إلى الطريق كأنها تنتظر أحدا . تكلم نفسها ] يا الهي .. متى يعود ؟ لم يبق وقت طويل ونغلق المحل ..!! [ تعود أدراجها حيث ماكنة القهوة فتصب لها آخر فنجان قهوة ، ثم تغلقها ، لتضع لنفسها قطعتان من السكر وتقوم بتذويبها ، لتجلس على إحدى الطاولات فترتشف القليل من القهوة وببطء ، تولع بعدها سيجارة ، تضعها على صحن السجائر لتبدأ بعد النقود . تنتهي لتعود إلى ترتيب بعض الحاجيات بفقدان صبر واضح . فجأة تنتبه إلى الظلمة ، لتسمع صوت دوي محرك سيارة تتوقف فجأة . بعد برهة يفتح الباب ليدخل رجل في الثلاثين ، يرتدي سترة سبورت من القطيفة ، المخملية المريحة ]
الزبون : [ ينظر إلى كل الجهات وبسرعة ، ليتأكد من المكان ، وأين حط رحاله ] أرجوك هل ستعطيني فنجانا من القهوة ؟
البائعة : [ تنظر إلى مقياس ماكنة القهوة ] .. آه .. لا أدري ، قبل قليل أطفأت الماكنة .
الزبون : [ باستغراب ] لماذا ؟ كم الساعة الآن ؟
البائعة : [ لاإراديا تنظر إلى ساعتها ، دون ان تجيب ]
الزبون : كم الساعة تنهون عملكم يوميا ؟
البائعة : في الحادية عشرة اسلم الواجبات .
الزبون : [ ينظر إلى ساعته ] هناك تسعة عشرة دقيقة على باقي الوقت ؟
البائعة : [ تنظر لاإراديا مرة أخرى ] سبعة عشرة دقيقة . الآن سأسلم العمل .
الزبون : [ تساؤل فيه عدم اكتراث ] ماذا تفعلين !؟
البائعة : سأسلم [ بفقدان صبر ] سأسلم العمل .
الزبون : [ يعتذر عن عصبيتها التي كان سببا فيها ] آسف ، أبدا ، لم اسمع .. مجموعة من الكلمات الأخيرة كانت حادة مما ضاع علي فهمها .
البائعة : حسنا ، ماذا أعطيك غير القهوة ؟
الزبون : ماذا عندك ؟
البائعة : كونياك ، فودكا ، فينو ، سليفوفا ، روم ، كوميرس …
الزبون : [ يقاطعها ، ثم بعد أن يمط شفتيه ] أريد شيئا يسيل له اللعاب .
البائعة : لدينا كذلك ، عصير فواكه طبيعية ، وكيك أو قطعة حلوى ؟
الزبون : قهوة ؟ ألا يمكنك أن تعطيني قهوة ؟
البائعة : [ ظنا منها انه يناكدها ] ألم اقل لك أنني أقفلت الماكنة أتهيأ لتسليم واجبي ؟ ثم ليس لدي في الماكنة ما يكفي لفنجان واحد من القهوة التي تطلبها .
الزبون : [ بألم وحسرة ] كم أنا أحمق ، يا لحظي العاثر ، بعد عشرة ساعات قاسية من التجوال على طول نهر الدانوب ؟ لا أستطيع أن احتسي فنجانا واحدا من القهوة ؟ كل الأماكن التي طرقتها مغلقة .. يا للحظ العاثر ..
البائعة : نحن في بداية الطريق ؟ أين كانت كل تلك الأماكن التي طرقتها ؟!
الزبون : على كل حال ، كنت سأطرقها . مستقبلا ، بعد أن أقيم قريبا من هنا . أي أنى سأطرقها بعد خمس أسابيع ، أو خمسة سنوات ، أو بعد ثلاثين سنة ؟
البائعة : آووه .. يا لمزاجك يا سيدي !
الزبون : هل تعرفين أنى اليوم في مزاج سئ ؟ أو قولي يوم سئ ؟ [ بعد فقدان صبر ، تستدير لتذهب إلى أحد الكراسي لتجلس ، يقطع عليها الفكرة ] أعطني كأسا من الكونياك .
البائعة : مع العصير ؟
الزبون : [ بعد تفكير ] آ..آ .. نعم ، مع العصير ، كل على حدة .
البائعة : [ بنفاذ صبر ، لنفسها ] إن أمر هذا الرجل عجيب !! [ تصب له كأسين واحد من الكونياك والآخر من العصير ، تسلمه الطلب ثم تذهب لتجلس على إحدى الطاولات ، يأخذ الكأسين ليذهب فيجلس قبالتها ]
الزبون : يجب أن اشرب ..
البائعة : متى ؟ [ وهي تنظر إلى ساعتها ]
الزبون : الآن ، ألم أقل لك إنني اليوم في أسوء مساءاتي ؟
البائعة : [ بلا تعليق ]
الزبون : [ يحتسي كأسه بسرعة ، يناولها كأس الكونياك الفارغة ] نصف الكمية لو سمحت من الكونياك ، 100غرام من الكونياك .
البائعة : [ تنهض من مكانها باتجاه البار ، تصب له الكونياك ، تضع الكأس أمامه على المنضدة حيث يجلس ]
الزبون : شكرا [ ينظر إليها ] ألا تأخذين كأسا ؟
البائعة : [ تنظر إليه بلا كلام ]
الزبون : ألا تشربين شيئا على حسابي ؟
البائعة : [ كذلك لا تجيب]
الزبون : أريد أن أضيفك .. هل أستطيع ؟
البائعة : [ تهز رأسها بالموافقة ] سآخذ كأسا صغيرا من …
الزبون : [ يقاطعها ] من الكونياك أيضا ؟
البائعة : كلا ، أنا افضل الجن ، كأسا من الجن [ وهي تهم بالذهاب إلى البار لتنفيذ طلبها ]
الزبون : [ بعد أن تنتهي من صب الجن في الكأس ، يرفع الكأس ليرتشف منه ] صحتك [ يرمي مفاتيح السيارة على المائدة ] .
البائعة : [ تنظر إلى المفاتيح ] صحتك [ ترمقه بنظرة لها معنى ، وهي ترفع سلسلة المفاتيح لتقرأ على الميدالية ] أورفيوس ؟‍‍
الزبون : نعم .. بالضبط ..اورفيوس ..
البائعة : [ تكمل حديثها ] أحد الزبائن أهداني علبة كبريت إيطالية الصنع ، كان مكتوبا عليها نفس الكلمة : أورفيوس ‍..
الزبون : مع صورة الكاتدرائية أورفيوس ؟
البائعة : نعم .. كان عليها صورة الكاتدرائية .
الزبون : [ باستغراب] قولي لي ..؟
البائعة : [ تنتبه لكلامه بحذر شديد ]
الزبون : ماذا كنت تشتغلين قبل الآن ؟
البائعة : ماذا تقصد ؟
الزبون : كلا .. انه مجرد سؤال .. ليس إلا ؟
البائعة : أرجوك .. احتسي شرابك .. لانتهي من عملي وأذهب الى النوم ..
الزبون : أرجوك أن تخبريني ماذا كان عملك قبل الآن ؟
البائعة : وهل ستحاكمني إذا كنت اشتغل شيئا آخر أم لا ؟
الزبون : لا .. من يدري ربما كنت أميرة ، أو كونتيسة ..
البائعة : [ تقاطعه ] بل كنت بائعة قهوة ( باستهزاء ) ..
الزبون : فقط ؟
البائعة : فقط ..
الزبون : [ يقترب منها ويهمس بأذنها ] وقبل هذا ؟
البائعة : [ وقد غالبها النعاس ] ما هذا التحقيق الممل ؟
الزبون : ولماذا تعتبرين سؤالي هذا تحقيقا مملا ؟
البائعة : ماذا تسميه إذن ؟
الزبون : هل أنت هنا دائما وحدك ؟
البائعة : حسب الواجب ..
الزبون : كيف ، حسب الواجب ؟
البائعة : نتناوب أنا واحد الزملاء على العمل ، أسبوع هو يستلم العمل وأسبوع انا استلمه .
الزبون : وأين هو ليستلم النوبة ؟
البائعة : ذهب إلى الفرن قبل اكثر من ساعة ، على أن يعود ليستلم مني ، لكنه تأخر ..
الزبون : يعني انه سيفتح بعدك ؟
البائعة : آهاااا .. لكني سأتركه لو تأخر اكثر ..
الزبون : والمفتاح ؟ كيف سيستلمه لو ذهبت ؟ وقفلت المحل ؟
البائعة : يوجد مفتاحان ..
الزبون : ماذااا..؟؟
البائعة : ثم ، لماذا أنت مهتم بالأمر هكذا؟
الزبون : فعلا .. هو فضول مني ..
البائعة : كنت خائفا أن توصله أنت إليه ..؟ [ يضحكان ]
[ يسود صمت ، يطول بعض الشيء ، تنهض البائعة لتكمل تجهيز بعض الآمر الخاصة بإغلاق المحل ]
الزبون : [ يقطع الصمت ] عندي بيت قريب من هنا .. صغير ومريح .. فيه غرفة واحدة ، ومطبخ ، [ يسود الصمت مرة أخرى ] انه قريب من هنا .. فيه حمام أيضا ، بالماء الساخن .. فيه بالكون يطل على الجبل .. شئ لا يصدق ‍‍.. يأخذ العقل ..
البائعة : في مدينة فودينا ؟
الزبون : [ يطير من الاستغراب ] تماما .. مدينة فودينا ..
البائعة : في أي شارع ؟
الزبون : شارع كاجال ..
البائعة : [ مندهشة جدا ] مستحيل .. هذا يعني أننا قريبين من بعض ..
الزبون : ماذا ؟ متجاورين ؟ يعني انك تسكنين في نفس المكان ؟
البائعة : بالضبط ..
الزبون : وكيف تستطيعين الذهاب والمجيء إلى هنا ؟؟
البائعة : بالباص ..
الزبون : [ باستغراب ] من الساعة الثامنة وحتى الحادية عشرة عمل ؟ وبالباص ؟
البائعة : لا يوجد حل آخر ..
الزبون : [ يحتسي آخر ما تبقى من كأسه ] إذا لم يكن لديك مانع سأوصلك في طريقي مادمنا نسكن قريبين من بعضنا ..
البائعة : [ تبدي اعتراضا ] …
الزبون : [ لا يدعها تقول شيئا ] لا..لا فقط لأريك الفرق بين الوصول إلى بيتك بالباص والوصول بالسيارة الخاصة ..
البائعة : [ شبه موافقة ] أخشى أن أضايقك ..؟
الزبون : أبدا .. لاسيما ونحن متجاورين ..
البائعة : حسنا .. ما دمت تصر على ذلك ..
الزبون : أشكرك جدا ، لأنك لم تفسدي علي متعة إيصالك إلى البيت .. هيا اكملي مستلزمات انتهائك من عملي بينما اهئ أنا السيارة [ يركض باتجاه الشارع ، بينما هي تنزل الباب لتقفلها على المحل . يعود مسرعا ] هيا بسرعة ..
البائعة : [ بغنج مبالغ فيه ] حسنا ها أنا اقفل المحل لتوصلني في طريقك ..
الزبون : ما رأيك أن نشرب قهوة في مكان آخر قبل الذهاب إلى البيت ؟
البائعة : [ تتثاءب ] ولكن النعاس يغلبني ..
الزبون : أي نعاس .. سنقضي عليه بفنجان قهوة ..
البائعة : ألا تجد نفسك متسرعا بعض الشيء ؟
الزبون : أنا متسرع ؟ ربما .. ذلك يعود إلى أني أؤمن بما يحصل في الغيب ؟ أو بما يجري خارج الحياة ؟
البائعة : لهذا تطلب مني أن نجلس ونشرب القهوة في مكان آخر ، وربما لنتبادل الآراء ؟
الزبون : تماما ، ذلك لأنك لا تستطيعين أن تقدميها لنا هنا ؟ .. أليس كذلك ؟
البائعة : [ وقد فهمت ما يريد ] بالتأكيد ..
الزبون : [ بشيء من الإقناع ] الحياة قصيرة جدا .. خمسين ..ستين .. سبعين سنه ؟ كلها ستنتهي يوما .. أليس كذلك ؟
البائعة : ومع كل هذا هو وقت قصير .. [ بغنج ] هه ..؟
الزبون : لا أدري .. ربما .. إليك هذا السؤال النسائي [ وكأنه ينومها مغناطيسيا ] .. كم ؟ والى متى ؟ من أين أدري ؟ أو من يدري ؟ من هو المذنب في أن تكون الحياة قصيرة أو طويلة ؟؟؟ إذا أقفلت الراديو وانتهت الموسيقى .. من المسؤول عن ذلك ؟ هل هذا لايهمك ؟ ها..؟ من هو المهم ..أنت ، أم هذا البرنامج الممل ؟؟ ..
البائعة : إذن هكذا أنت تفهم الحياة ؟ ربما كما افهمها أنا تماما .. إنها لا تعدو اكثر من مسكن وحمام .. وماء ساخن ..
الزبون : هو.. هو.. تماما ، هذا لم يعد سرا .. ولا يتم ببساطة ، لم يبق هكذا . أن تغنميني أو تأسريني .. أرجوك : اجعليني من حاشيتك أولا .. استلبي روحي أولا ، اجعليني أميل إليك ، ولاشيء آخر اقل أهمية . أنا تواق للحب ، للملاطفة ، للانسجام ، للتلاقي الروحي .. وبعد هذا سنرى ؟ ألا ترين أني لست مصنوعا من الخشب..؟
البائعة : [ بوله تام ] ولا أنا ..؟ أنا لا أصلح لأن أغني لك أغنية السرينادا(*)
الزبون : هل رأيت .. كم مضحك هذا ؟ عندما يتكلم أحد الرجال اليوم على طريقة روميو حين يناجي جولييت من تحت شباكها ؟
البائعة : [ تضع يدها في يده ، بعد أن اقفلا المكان ليسيرا خارج المكان حتى يغيبان عن النظر ]
البائع : [ يأتي مسرعا بمبالغة كبيرة ، وهو ينظر إلى ساعته كما وينظر إليهما . يهم بمناداتهما ، لكنه لا يفعل بل يخرج مفاتيحه الخاصة ويفتح المحل لبداية نوبته في العمل . يدخل ويذهب مباشرة إلى جهاز التسجيل ، لتنطلق بعد ذلك موسيقى قصة حب love story ] .

(*) السرينادا : لحن يعزف أو يغنى ليلا في الهواء الطلق ، وبخاصة من قبل عاشق تحت نافذة محبوبته.

- النهاية –








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بعيدا عن الموضوع
د.قاسم الجلبي ( 2013 / 3 / 31 - 13:49 )
اخي د. فاضل المحترم
سبق وان التقينا في المركز الصحي ف 28 نيسان في الصالحيه في 1995 مع المخرج صلاح القصب ان كنت تتذكر وقد حملك صديقنا الصحفي الرياضي د. ضياء المنشىء في حينه سلاما خاصا , وقد سمعت اخيرا وعن طريق الصدفه من القناه البغداديه عن مرض ااد المنشىء ويدعون له الشفاء العاجل , ورجائي لك ان تعرف بعض الشىء عنه ارجوا اخباري وعبر الاميل وهو a
علما انه الان متواجد في الاولايات المتحده الامريكيه مع الشكر الجزيل [email protected]


2 - بساطه الحياه
د.قاسم الجلبي ( 2013 / 4 / 1 - 10:52 )
حوار انساني هادىء وممتع يعبر عن بساطه الحياه , ونهايتها حب وعشق وموسقى , احسنت ياسيدي

اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في