الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استشهد ميسرة أبو حمدية، ماذا عن الآخرين؟

خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)

2013 / 4 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


بالأمس، كنتُ عائداً من عزاء أحد الأصدقاء توفيت أمه، وفي الطريق كان راديو السيارة مفتوحاً على موجة غريبة، تتلو تصريحاً من المتحدث باسم الأسرى، كان يتحدث عن ميسرة أبو حمدية، قال كلاماً كثيراً لكن ملخصه كان: إن ميسرة وصل إلى حالة لم يعد فيها يتمكن من الأنين...

لدغتني الجملة تحت إبطي كعقرب مختبئ، وفي الصباح أول خبر طالعني كان استشهاده بعد اثنتي عشرة سنة في سجن إسرائيلي مصاباً بسرطان في الحنجرة.

مات ميسرة أبو حمدية، لن أقول عنه كلاماً يشبه الكلام عن الأبطال الأسطوريين، فهو رجل مثلنا جميعاً "مثلنا من حيث كونه لحم ودم"، لكنه يختلف فقط في شيء صغير، أنه كان عاشقاً وثورياً، والعشاق والثوريون مصيرهم معروف سلفاً، الموت.

مات ميسرة أبو حمدية، حسناً، سنكتب عنه القصائد كما فعلنا مع عرفات جرادات، وربما نبكي قليلاً، وننشر صوره وقصة حياته التي أصبحت فجأة ذات أهمية عالية، وسيتضاءل الاهتمام به كما هي العادة بعد عدة أيام، لتبقى حسرة استشهاده في قلوب أهله وأولاده وحدهم، فصدقاً: الموتُ شخصي جداً، لمن يموت أولاً، ولطقسه العائلي ثانياً، وأي كلام غير هذا هو كذب محض.

لا بأس، مات ميسرة أبو حمدية، وفي الوقت الذي نفكر فيه بنوعية الرثاء الذي يمكن أن نقدمه له كي يليق به الكلام، ماذا لو تذكرنا أن هناك أسرى آخرين في سجون الاحتلال الإسرائيلي؟ ماذا لو انتبهنا ـ بسبب من استشهاد ميسرة أبو حمدية ـ إلى أن هناك عشرات الأسرى مرشحون للاستشهاد؟ لماذا لا نقدم الخدمة الجليلة لميسرة أبو حمدية ونجعل من موته حدثاً ذات معنى أبعد من مجرد شهيد في سجون الاحتلال، حدث لا ينتهي باستشهاده بل يبدأ به؟

لا أعرف إلى من يجب أن أوجه الكلمات، لكني على ثقة أنها غير موجهة للأحزاب والفصائل الفلسطينية التي باتت أقل من حوانيت بيع الحلوى في المخيمات، بل إن بعض هذه الحوانيت أكثر شهرة وفائدة، وبالتأكيد أن الكلمات غير موجهة إلى أي سلطة حاكمة في فلسطين ولا في العالم العربي، ما أعرفه أن الأسرى الذين ينتفضون الآن ويكسرون أبواب السجون ويوجهون الضربات لحراسهم، هم في حالة يأس أكثر مما هم في حالة ثورة، يأس من القيادات، يأس من الجماهير، يأس من التنظيمات، يأس من الحكام، يأس من الوزراء، يأس من الشجر والجدران والرمل، هم يائسون إلى حد التخمة، وجاء استشهاد أبو حمدية كي يفجر يأسهم في شكل لا يعلم أحد أين سينتهي.

الأسرى أسنة رماح أية حركة مقاومة، ومن المفروض أن يحلّوا في المرتبة الثانية بعد الشهداء من حيث الاحترام والأهمية، لأنهم شهداء طوال فترة سجنهم، معزولون عن العالم وعن أهلهم وأحبتهم، عن أسرتهم الدافئة، عن علامات أبنائهم المدرسية، عن أكلات زوجاتهم، عن فناجين القهوة مع الأصدقاء، معزولون عن الأشجار التي تكبر في الطرقات، كل شيء يكبر ويتحول ويتغير، فيما هم محاطون بجدران رمادية لا تتبدل لعشرات السنوات، كي يبقوا اسم فلسطين حاضراً، وكي يقولوا لها: ما زال من أبنائك من يدافع عنك ويحبك، وفلسطين تصدقهم هم، هم فقط، ولا أحد غيرهم.

مات ميسرة أبو حمدية، حسناً، فليكن، شهيد آخر في القائمة الفلسطينية الطويلة، وإذا أردتم أرقاماً فهو الشهيد الثامن والتسعون بعد المئة الذي يستشهد في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وهنا يرقد فخ السؤال مخبأً في رمل الحزن الساخن والدموع الغزيرة، هل سيكون هناك شهداء آخرون في سجون الاحتلال الإسرائيلي؟ أم أن موت ميسرة أبو حمدية سيتحول من موتٍ شخصي إلى حياة جماعية لآلاف الأسرى، وسيغذي موته تلك الشعلة الخافتة في صدور الشعب الفلسطيني الذي نسي تاريخه النقابي والجماهيري، عفواً، هذا كان سؤال ميسرة أبو حمدية الأخير قبل أن يغلق عينيه على مشهد السجان، ولا أعرف إن كان الشهداء ينتظرون إجابة أسئلتهم التي سألوها مباشرة قبل أن يموتوا.

الثاني من نيسان 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة