الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة الطبقة الوسطي المصرية

محمد دوير

2013 / 4 / 3
العولمة وتطورات العالم المعاصر


لم تعاني مصر مشكلة طائفية عندما كانت الطبقة الوسطي تدير الحياة السياسية المصرية وتناضل ضد الاحتلال الإنجليزي. ولم تعرف هذا النوع من المشكلات الطائفية إبان إدارة الطبقة الوسطي لعجلة الإنتاج والتقدم في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.ولكن ما إن وضع الوطن علي موائد التبعية للرأسمالية الغربية ونمط الثقافة البدوية حتي بدأت تتقاذفها كرات اللهب المشتعل الإثنية والعرقية والطبقية والثقافية، فصار الوطن بلدين يفصل بينهما مئات السنين.
***
وعندما اختل ميزان المجتمع المصري اعتبارا من منتصف السبيعنيات بدأ الخلل يدب في أوصال مركز وأطراف المجتمع، حيث تزامنت قوانين الاستثمار العربي والأجنبي بدءا من القانون 43 لسنة 1974 وحتي القوانين الحالية مع تأشيرة السادات التي منحها للتيار الإسلامي علي بياض ليعيدوا رسم خريطة الثقافة المصرية وفق شروط الفكر الوهابي، لحقها درجات متفاوتة من الإزاحة الاجتماعية التي تمثلت في الهجرة من الريف الي الحضر ومن مصر الي دول الخليج والعودة وتغيير نمط الحياة المصرية نحو الاستهلاك المبالغ فيه، ثم تنامي النشاط الرأسمالي الطفيلي عما عاداه من أنشطة مع شركات توظيف الأموال والاقتصاد الأسود وظهور طبقة جديدة ارتبطت مصالحها المباشرة مع بعض الدوائر الرأسمالية العالمية، صاحب ذلك هبوطا حادا في مستوي الذوق العام سواء في السينما أو الأدب أو الفن أو حتي الأغنية. كل ذلك مهد التربة وعبد الطرق نحو ضرورة اختفاء الطبقة الوسطي المصرية بمفهومها الكلاسيكي ودورها التاريخي في الحفاظ علي درجة محددة من اتزان المجتمع المصري والحفاظ علي إنجازاته عبر القرنين الماضيين منذ تجربة محمد علي وحتي اليوم.فالطبقة الوسطي المفترضة هذه أصبح مكانها هو طابور البطالة الطويل إما بسبب عدم التوظيف أو بسبب سياسات الحكومة فيما سمي بالمعاش المبكر أو تصفية قوي الإنتاج الكلاسيكية، وبالتالي فلابد أن يؤثر هذا التغير الهيكلي في الطبقة الوسطي علي دورها ووظيفتها واستعدادها لممارسة دورا ايجابيا لتقدم الوطن أو للحفاظ علي إنجازاته التاريخية.إن غياب الطبقة الوسطي ترك مساحات شاسعة من الفراغ في العقل الجمعي للأمة، تلك المساحات كانت مستعدة تماما لاستقبال حزمة قيم جديدة تماما وغريبة علي طبائع هذا المجتمع، ومن ثم أمكن لهذه القيم الجديدة أن تضرب صلب عقيدة التسامح والتنوع التي اتسمت بها الحياة المصرية فيما سبق.
***
هذه المتغيرات وغيرها الكثير - مما لا يسمح بالاستفاضة في تناوله - أحدث أمرين هامين وخطيرين، الأول تفريغ الطبقة الوسطي من وجودها الحقيقي بكل ما يعني هذا الوجود من معني متصل بدرجة أو بأخرى باستعدادها لامتصاص مشكلات المجتمع قبل وصولها لمرحلة الأزمة والانفجار. الثاني، أصبحت القوي المفترضة لتكوين الطبقة الوسطي هذه " خريجوا الجامعات – الموظفون- التجار – بعض أثرياء الريف- لا يمثلون من حيث وضعهم المالي القوة الواجبة للقيام بمهامهم المطلوبة، فإما سافر بعضهم الي الخليج ليأتي بمال النفط وثقافته، وإما انزوي البعض الآخر في زاوية العمل المتعثر وهبط معظمهم الي ادني السلم الاجتماعي وأصبح معبرا عن فئة المهمشين أو العاطلين. وفي كلتا الحالتين شكلت هذه القوى في بعدها البشري أو بعدها النفطي ذخيرة حية ومتجددة لتيار الإسلام السياسي الذي حقق طفرة خطيرة وقفزة هائلة ساعدته كثيرا في إحكام السيطرة علي جزء كبير من منافذ العقل المصري.ومن بين تلك المنافذ بالطبع القضية المحورية في تكوين الشخصية المصرية وهي التعايش مع الآخر، وهذا الآخر دائما ما كان في عقود سابقة سندا حقيقيا سواء في مواجهة الاحتلال أو في التصدي للاستبداد أو في الدفاع عن تراب الوطن.وإذ بسبب فقدان المجتمع لطبقته الوسطي فقدانا وظيفيا تاما ووجوديا نسبيا ؛ تحولت المفاهيم الدالة علي التعايش الي مفاهيم ضالة للتعايش، فتبدلت النظرة الي الآخر بوصفة خصما أو عدوا يجب التخلص منه أو علي اقل تقدير الحذر والمجافاة، وهذا الموقف السلبي من الآخر ليس موقفا صامتا مختزلا في المراقبة عن بعد بل هو موقف تحريضي قائم علي التحرش بالعقائد وغير راغب في الاستماع الي نصائح الآخرين الذين يعلون من قيم المواطنة، فصرنا أمام خطابين، خطاب رسمي من الدولة والمثقفين والإعلام المعتدل يؤكد علي أهمية قبول الآخر. وخطاب سري أسود يدعو إلي الإقصاء والتهميش تقوده بعض الفضائيات ولكن معظمه مركز في مواقع الانترنت وبعض دور العبادة.
***
إذن من الهام ملاحظة أن قوة الطبقة الوسطي هى الحصن الحقيقي لسلامة الوحدة الوطنية، وإنني علي استعداد تام لتقدير كافة المحاولات التي تبذل من قبل المثقفين المصريين ورجال الدين من الطرفين لتهدئة الأجواء وتصفيتها، ولكن يبقي أن عمق الجرح الوطني اكبر من معالجات سطحية مؤقتة، لأن القضية متعلقة بمسار أمة واختيارتها في التعليم والإعلام والثقافة وذات صلة أيضا بمدي استعداد رجال الدين هنا وهناك لتجديد الخطاب الديني باتجاه القيم المعاصرة وبما يتواكب مع إنجازات البشرية في العلوم الطبيعية والإنسانية.إن مفاهيم الطبقة الوسطي وقيمها تكاد تتطابق مع مفاهيم وقيم الوحدة الوطنية والتي هي التسامح – الحرية – العدالة – الشعور بالملكية العامة أو بالمواطنة- المساهمة في تكوين العقل الجمعي- المشاركة في بناء المستقبل- المساواة- الاشتراك مع الآخر في الجذر الفكري والوطني- الوحدة في إطار التنوع، التجانس الاجتماعي. وكذا سنجد أن مجال عمل الطبقة الوسطي هو ذاته موضع أو حصانة الوحدة الوطنية: كالمؤسسات الدينية- المجتمع المدني – المنظمات الأهلية – الأحزاب السياسية – النخبة المثقفة – الدستور المدني – كافة فصائل الطبقة الوسطي الحية الفاعلة المؤهلة بحكم تكوينها الفكري والاجتماعي للقيام بدورها الحضاري كأساتذة الجامعات والنقابات المهنية – ورجال الصحافة والإعلام والفن والأدب.. الخ.
إن حديثا عن مشكلات الوحدة الوطنية سيظل مجمداً عند رصد ومعالجة الأعراض وليس الجوهر ما لم يتنبه الجميع الي أن مشكلة الوحدة الوطنية هي مشكلة ارتقت الي حد الأزمة عندما اختفي دور الطبقة الوسطي ولن تختفي جذرا وموضوعا إلا إذا أصبح للطبقة والوسطي دورها وهذا الامر يفرض علينا إعادة صياغة المعادلة من جديد.فمحاولات التقارب الديني بين الطرفين – في ظل حالة التدني الفكري الحالية- ليس سوي حديث بين اثنين يسيران علي طرفي قضيب قطار متوازيان لن يلتقيا أبدا، وبالتالي لن تحل تلك المشكلة بعيدا عن التناول العلمي بوصفها ظاهرة نتجت عن تغير هيكلي وجذري في السياسة المصرية في العقود الأربعة الماضية اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا، وبالتالي فإن إعادة تنظيم الواقع المشوه تحتاج الي العودة من جديد الي قيم العلمانية والتنوير والحداثة بكافة مستوياتها.وحقيقة الأمر فان قناعتي بقدرة الثورة المصرية علي التصدي لهكذا أزمة هي قناعة تامة بعدما تمكن الشعب المصري من إقصاء نظام لا يعبر عن الطبقة الوسطي والتأهب لخلع نظام آخر معبر عن تيار مناهض لمفاهيم الوطن والحداثة والوحدة الوطنية.وبناء عليه أطالب القوي السياسية الوطنية والتقدمية بأخذ زمام المبادرة بتحويل الأزمة من أزمة طائفية – حيث التعبير هنا يتجه نحو دغدغة المشاعر لدي الطرفين- الي أزمة وحدة وطنية ذات طابع مجتمعي متفرع اثني وثقافي وطبقي.. الخ والالتفاف حول برنامج وطني والعمل من خلاله.إن ثنائية مسلم ومسيحي ليست هي الثنائية الوحيدة في المجتمع المصري وان كانت هي الأكثر خطورة وظهوراً ولكن هذا لا يعني أن الليبرالية المتوحشة بريئة من الإصرار علي تقسيم المجتمعات وتفكيكها وعلي إلغاء الطبقة الوسطي في بلدان العالم النامي من أجل تسييل المجتمعات ووضعها في فلك التبعية المطبق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - خيبات مصرية بجدارة
محمد البدري ( 2013 / 4 / 4 - 22:54 )
المشكلة الطائفية كانت في حدها الادني زمن الليبرالية المصرية ليس لان الطبقة الوسطي وفقط كانت تدير الحياة السياسية المصرية لكن لوجود طبقة فوقية لم تتمكن مصر من انشاء بديل لها حتي الان منذ تم اجتثاثها سياسيا بحل الاحزاب واقتصاديا بالتأميم. فالطبقة ليس فقط مالكة للثروة وهياكل الانتاج حسب التصور الماركسي المسطح انما هي حاملة للقيمة التي لم يعد ممكنا ايجاد قيم بديلة لها بعد تآكلها منذ انقلاب يوليو العسكري. بل لم يفرز نظام يوليو مثقفين يرقوا الي الحد الادني من مثقفي الفترة اللبرالية، فمازال المصريون يتعيشون عقليا ومعرفيا وفكريا علي أعمال مثقفي تلك الفترة. من المضحكات ان يناضل القوميين واليساريين ضد الاسلاميين بالتشدق باسماعيل ادهم واسماعيل مظهر وطه حسين بما كتبوه نقدا للاسلام ولم يخجلوا من انهم لم يقدموا هم شيئا سوي ان يذهب بعضهم لانتخاب مرشح الاخوان مثل ما فعل علاء الاسواني العروبي الناصري وأحمد فؤاد نجم الشيوعي الماركسي. خيبة تقيلة مش كدا؟

اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي