الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطاب البيوطيقي عند هانس جوناس

عامر عبد زيد

2013 / 4 / 5
الادب والفن


هانس جوناس Hans Jonas( )، واحد من ابرز الداعية إلى الموازنة بين حاجات الإنسان والبيئة لهذا يعد فيلسوف الفكر البيئي الألماني وتلميذ هايدغر بزعزعة القيم الديمقراطية باقتراحه "حلولا سلطوية" تحد من الحريات الفردية حينما تشكل هذه الأخيرة خطرا على استمرار البشرية، إنه فيلسوف مزعج لكنه شديد الواقعية.فهذه الدعوة تدخل في خيار البعد الاستثنائي الذي يدعيه الإنسان على الطبيعة التي كانت جزء من القراءة الحداثوية وفهمها أليبرالي وخطابها الاداتي الذي خلق المحن من هنا جاء مشروعه يحاول ان يقدم علاجاً وهو جزء من عملية مراجعة ونقد كبيره لقيم الحداثة ، إلا إن لهذا الفيلسوف قراءة مهمة في هذا المجال أي البيوتيقا .
تشير سمية بيدوح في بحثها "هانس جوناس والمشكلة الايكولوجي او الايكولوجيا الجوناسية "عرف المسار الفلسفي لدية تطورا مكن من اكتشاف ثلاث مراحل هي : الغنوصية ، والأسئلة الانطولوجية والبيولوجية ، ومشاكل الاتيقية ، إلا انه مدين للاهوتي رودولف بيلتمان ومارتن هايدغر الذي تأثر به في البداية من خلال فلسفته إلا إن جوناس ابتعد تدريجيا عن فكر أستاذه للوصول إلى الوضع النقدي .( ) وتذكر له نص مركزي :"نحن نحتقر "المجتمعات سيئة النظام " للعالم الثالث التي لا تحترم حقوق الإنسان ولكن نحن نلتزم دون الاعتراف ( وغالبا دون وعي ) بال" جريمة المؤجلة " على نطاق كوكبي . العقلانية نفسها التي نلتحفها ونحتفل بها ستضمحل (وفقا لمعيار كانط) طريقتنا في الحياة ليس كونية ...هذا النمط اللاعقلي محكوم عليه بالتدمير الذاتي ، واذا لم نتمكن من يقاف سباقنا نحو الهوة فان الاجيال القادمة ستكرهنا حتما لاننا قمنا بتدمير المحيط الحيوي" .( ) ومعلوم أن بول ريكور(1913-2005) من الفلاسفة الذين رأوا في الفلسفة البيئية ل"هانس جوناس" مكسبا قيميا كبيرا، وحاول من خلال المقالات العديدة التي خص بها هذا الفيلسوف الألماني المثير للجدل إبراز مقاصدها الفلسفية والعملية وتداعياتها على مستوى إدراك الأبعاد الكونية والإنسانية آنيا ومستقبليا. لذلك نجد ريكور يقول بأن "الإحساس العميق بالانتماء إلى المنظومة الكونية لا يتعارض مع التفكير في إعلان حقوق البشرية في المستقبل"، وهذا هو رهان هانس جوناس الذي يعتقد أن "مستقبل البشرية ليس مضمونا بطبيعته، ولا ينبغي أن يكون فقط مرغوبا فيه، بل مفضلا ومقيما بمعنى: "عش بالطريقة التي تتيح بها أن تستمر البشرية بعدك"، ولكي تستمر البشرية بعدنا يضيف بول ريكور -معلقا على جوناس- لابد أن تستمر الطبيعة بعدنا، وبهذا المعنى فإن الحفاظ على الطبيعة يتأطر فلسفيا ضمن مشروع إنساني. ومقتضى ذلك حسب بول ريكور هو ضرورة القيام بنقد العقل الأداتي انطلاقا من الأخلاق التواصلية éthique de la communication المنبثقة فلسفيا عن "أخلاقية الانتماء" بحيث ينبغي الحرص على أوج هذا التوازن الهش بطبيعته بين "الكون داخل الطبيعة وفي الوقت نفسه استثناء لها".كتب بول ريكور مقالا حول هانس جوناس في مجلة Le messager européen( ) انطلق فيها من أطروحة جوناس حول الفلسفة البيولوجية باعتبارها المفتاح الرئيس لفكره. لقد أبرز ريكور في هذه المقالة له : أن جوناس لما كتب سيرته الذاتية أبرز كيف أن تعاقب مراحل حياته الثلاث كان مترابطا وذا معنى بحيث بدأ حياته العلمية بتحضير أطروحة حول "الغنوصية" Gnose la بحيث رأى فيها رفض العالم وتحقير الجسد واندحارا إلى ما يسميه نيتشه "العوالم الخلفية" arrières monde. في مرحلة حياته الثانية طرح جوناس سؤالا إشكاليا عن معنى تجذر الإنسان في الكون. ويرى ريكور أن هذه المرحلة الفكرية من حياة جوناس هي مرحلة "فلسفات الحياة" التي كان ينظر إليها قدحيا باعتبارها فلسفات رومانسية!! كان من أبرز منتقدي "فلسفات الحياة" هوسرل وهايدغر على الخصوص انطلاقا من غلبة "الشاعرية والرومانسية" عليها، لكن جوناس انفرد في "فلسفته للحياة" باعتبارها فلسفة "بيولوجيا الحياة" وهو ما لا علاقة له بـ"فلسفة الحياة الرومانسية"؛ لقد كان جوناس يعتقد أنه من أجل بناء "فلسفة للحياة" لابد من الانطلاق مما يشتغل عليه البيولوجيون وليس من مجرد الشعور القوي والحميمي بالحياة.يتعلق الأمر هنا بفلسفة شعورية مرتكزة على المعرفة البيولوجية وليست مستقلة عنها، وهنا يرى ريكور نقطة قوة فكر جوناس. أما جوناس المرحلة الثالثة: فهو جوناس المسؤولية في وقت أضحت فيه "مقاولات السيطرة على الطبيعة" تنحو منحى التدمير الذاتي وإفناء الطبيعة..من هنا يصر جونس على أنه يجب أن تتساوق مسؤولية الإنسان مع تقدمه التكنولوجي، إذ يقول: " إن مسؤولية الإنسان يجب أن تسير بذات خطى قدرته"نستنتج هنا ركيزتين من ركائز المسؤولية الإنسانية، فهناك أولاً الجانب الانطولوجي المتمثل بضرورة تناول الطعام لضمان البقاء على قيد الحياة، وهناك ثانياً الجانب الظرفيّ المتعلق بأهمية تنظيم العمل ونشاط الإنسان من أجل استغلال ما تقدمه الطبيعة من ممكنات استغلالاً سليماً متزناً. ( ) ليس بديهيا أن تستمر البشرية في البقاء، نستطيع ذلك فقط بإرادة عازمة. من هنا تصبح المسئولية موضوعا لـ"الأخلاقية" éthique. يتضح إذن من خلال تتبع مسيرة جوناس الفكرية أن مشروع البقاء فوق الأرض هو مشروع أخلاقي؛ لأنه يستتبع تلقائيا تقييما للحياة في ذاتها.( ) إذن هذه العلاقة الجدليّة بين الطبيعة والإنسان (حتمية الوسط الجغرافي وحرية الإرادة ومسؤوليتها) هي من أنتجت وتنتج الحضارات الإنسانية عبر العصور، وذلك من خلال ما يتمتع به هذا الكائن من قدرات خلاقة وما توفره الطبيعة بدورها من سياقات ممكنة لتحقيق طموحه في العيش الكريم، وفي استمرار نسله بشكل متزن. إن الرغبة بالحفاظ على ما أبدعه الإنسان عبر التاريخ تضطره لتحّمل مسؤولية احترام هذه العلاقة والسعي لمراعاة شروط بيئية متزنة لمرحلة مستقبلية ليست ملكاً لحاضره.
إما في مجال البيوتيقا قبوله التدخلات المعالجة للمرض والرافضة لكل أنواع التدخلات التي من شأنها أن تعمق الأبحاث وتتعدى القيم ويتضح موقفه من خلال التجارب الجينية فهو يحافظ على نفس الموقف فلا ينصح الاشخاص حاملي الأمراض الوراثية الإنجاب ولا يقبل فكرة الإجهاض؛ إلا في حالة الفحص الجيني و يقدم الأولوية لفائدة الطفل أما عن تحسين النسل الايجابي تقنية والاستنساخ فهما ممنوعان لأنهما يضعان مباشرة ماهية الإنسان – الصورة في التساؤل وجوناس من خلال أعماله يظهر الجسد البشري و كأنه الدرجة الأكثر ارتفاعاً من التعقيد الأنطولوجي .( )
يبدو إن هذه المعالجة التي جاءت ضمن البيوتيقا الجديدة كانت تتسم بالشمولية من خلال ربطها بين أخلاقيات البيئة من جهة -كما مر بنا أعلاه - ومن خلال أغناء وتطور أحد المفاهيم الأساسية التي يقوم عليها الفكر البيوتيقي وهو مفهوم المسؤولية من جهة ثانية بالإضافة إلى تنبيهه إلى منظور الأبحاث الطبية / البيولوجية بشكل خاص والأبحاث والتجارب العلمية بشكل عام ، ليس على حاضر الإنسانية فحسب بل وعلى مستقبلها أيضا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا