الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سامر العيساوي، لم أرَ من قبلُ جيشاً في نظرةِ عين...

خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)

2013 / 4 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


في وجهك المائل إلى الإغريق قليلاً، كنت ألمحُ أمّاً وبقايا شهيدٍ ما زال يمشي في الشوارعِ يطمئنُّ على ما استشهدَ من أجله، وأراك حلماً ينبتُ على الأشجارِ ويتطلّعُ من بين أوراقه إلى الأرضِ خفيفاً ومغمساً بالمأساةِ، أراكَ تكتبُ دون يدٍ ما عجزنا جميعاً عن كتابته، أراك حين ألتفت خلفي، حين أنظر أمامي، حين أنام، وحين أشتمُ العربات في الشوارع، أراكَ حيث لا ترى نفسك.

يقتلونَك، فاصرخ، لماذا تسكتُ كلّ هذا الوقت؟ ماذا تملك غير الصراخ؟ ولماذا تغيّرَ اتجاه الريح حين قبّلتكَ أمُّكَ في صباحٍ من غير قهوة، حين نسيتَ أن تحضرها في المساء وقد أوصتكَ، لماذا تنسى وصية أمك؟ وهل يليق هذا برجلٍ شكّلَ الحلمَ على هيئةِ عينٍ غائرةٍ وكلماتٍ لا تقال؟

هل ما زالت جدوى الحبِّ قائمةٌ في البلاد؟ هل أنت حقاً فلسطيني؟ حواريٌّ ربما، نبطي ربما، سامري ربما، عموري ربما، كنعاني ربما، حثي ربما، مؤابي ربما، يبوسي ربما، أرامي ربما، فينيقي ربما، وربما أمةٌ ستسمى باسمكَ، فابتهج، فقريباً ستملأ التاريخ، وسيملأ التاريخُ سنابكَ خيلكَ النائمةِ في نظرةِ عينِكَ، لم أرَ من قبلُ جيشاً في نظرةِ عين، لم تكسرني نظرةٌ أمام نفسي كما فعلت عيناك، لا أعرف إذا كان الآخرون قد انكسروا أيضاً أمامها، يا لعينيك كيف جيّشَتْ هذا الوطن؟ وكيفَ أصبحت فلسطين كاملةً تتعلق بحدقتين من وجع، فلسطين كاملة، بحيفاها ويافاها وصفدها وناصرتها وقدسها وكرملها ونابلسها وطولكرمها وخليلها ورام اللهها وبيت لحمها وغزتها وبئر سبعها ورملتها ولدّها ونقبها وعسقلانها، نعم ما زالت جدوى الحب قائمة في البلاد، لأنك لست وحدكَ، أنتَ معك.

أما وقد حمّلناكَ متاهاتنا جميعها، أريدكَ أن تصرّحَ أن سبب إضرابِك ليس اعتقالك ورغبتك في الحرية، فمن حيث المبدأ، طول مدة إضرابك تعطيك الحق أن تعلن أكثر من مطلب، فعليك أن تقول إنك مضرب عن الطعام لأنك تريد فلسطين من النهر إلى البحر، ولأنك تريد أن يخرج المعتقلون دون استثناء، ولا بأس أن تستعمل تعبيراً مثل "تبييض السجون" كي يعرف العالم ثقافتك، وعليك أن تقول إن إضرابك أيضاً من أجل اللاجئين في لبنان وسوريا والأردن والضفة وغزة، من أجل عودتهم أقصد، وأن تقول أيضاً إن إضرابك من أجل القدس موحدة وعاصمة أبدية لدولة فلسطين، وأنك مضرب كي تزيل إسرائيل مستوطناتها، وأنك مضرب كي تحصل على دولة فلسطينية كاملة السيادة، ويمكنك أيضاً أن تعلن أن إضرابك يأتي احتجاجا على التدخل الأمريكي في العراق وأفغانستان، وأنه أيضاً ضد التسلح النووي الكوري والإيراني، وضد التفرقة العنصرية، وضد القتل وضد الجوع وبقية القائمة التي يتضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فأنت من القوة بحيث يمكنك إصلاح العالم، ولا حاجة بك للاستعانة بأحد، على الأخص أحد منا نحن، الذين ننتظر موتك كي نفخر بفلسطينيتنا التي أنجبت رجلاً مثلك.

سامر العيساوي، كن نفسك ولا تكنّا، إبق كما أنت، أكبر من التنظيمات والأحزاب والأعلام والرايات، أعلى من الأرواح التي تجلس على كراسٍ من جلدٍ ومكاتب من خشب الماهوجني، أكثر وسامةً من الخارجين من مراكز التجميل قبل الجلوس أمام الكاميرات، إبق كما أنت، أكثر جمالاً من إمضاءاتهم على الاتفاقيات، أشد وفاءً من كرمةٍ لزارعها، ولا تلتفت إلينا، دعنا كما نحن، منخورين بالسوس، عالقين في أرواحنا نتعثر في عدد ركعاتنا أمام الله، وأمام الله، دعنا نفكر في إجابة واحدة مقنعة حين يسألنا: لماذا تركتم سامر العيساوي وحده، وقد أوصيتكم بألا تفعلوا...

السادس من نيسان 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتساع رقعة الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية للمطالبة بوقف فو


.. فريق تطوعي يذكر بأسماء الأطفال الذين استشهدوا في حرب غزة




.. المرصد الأورومتوسطي يُحذّر من اتساع رقعة الأمراض المعدية في


.. رغم إغلاق بوابات جامعة كولومبيا بالأقفال.. لليوم السابع على




.. أخبار الصباح | مجلس الشيوخ الأميركي يقر إرسال مساعدات لإسرائ