الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة

يوسف رزين

2013 / 4 / 9
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


في عمله هذا قام الكاتب خليل عبد الكريم بتسليط الأضواء الكاشفة على الصحابة، مجتمعا و أفرادا، من اجل تصور واقعي عنهم. ذلك أن الفكرة السائدة عن هذا "السلف الصالح" هي أنهم كانوا مثاليي السلوك، لا تجري عليهم قوانين التاريخ المادية باعتبارهم شخصيات ميتا تاريخية. فإذا كنا نتصارع حول المادة و نستسلم لنوازع الرغبة و الشهوة، فهم حسب ما نتصورهم تعالوا على الماديات و زهدوا في الدنيا و تحابوا و تآلفوا، باعتبارهم صحابة رسول الله. و لهذا حينما تسوء أوضاعنا و نبحث عن الحل نسمع الإجابة التالية : يجب العودة إلى عصر السلف الصالح و الاقتداء بأعمالهم ، و هي إجابة سبق و أن عمل فرج فودة على تبيان تهافتها . و هذا العمل هو استمرار للمشروع الذي دشنه فرج فودة و لكن بتفصيل أدق و تناول أوسع .
إن عمل خليل عبد الكريم يندرج ضمن بحث المؤرخ عن الحقيقة الكامنة وراء الأفكار الشائعة و الرائجة بين عامة الناس و قد قام بذلك انطلاقا من مصادر السنة المعتمدة و هي الكتب الستة الصحاح، حتى لا يشكك مشكك في معلوماته. فقد اعتمد في دراسته لمجتمع الصحابة على مصادر لا يملك السنة القدرة على تكذيبها ، و من خلالها بين أن الصحابة ليسوا بشخصيات ميتا تاريخية بل هي شخصيات يجري عليها ما يجري على الأشخاص العاديين من حب و كره و بغض و تنافس و صراع الخ ... من النوازع البشرية . إذن لا داعي لفكرة السلف الصالح ، فهم لم يكونوا صالحين و نحن لسنا بطالحين و لكل عصر ظروفه و رجالاته ، و كل فرد يسعى نحو اللذة و يفر من الألم مع بعض الاستثناءات التي لا يمكن أن نبني عليها قاعدة ندرس بها مجتمعا ما .
إذن كما قلنا فإن خليل عبد الكريم من خلال عمله هذا يهدف إلى بناء صورة واقعية عن مجتمع الصحابة و بالتالي فكلما نجحنا في ذلك كلما تصالحنا مع واقعنا و تخلصنا من عقدة الذنب و اندمجنا أكثر في محيطنا بل و الأكثر من ذلك يصبح بإمكاننا امتلاك نظرة مستقبلية بدلا من ارتكاسنا المستمر و المرضي نحو الماضي .
هذا كان الهدف الأساسي لعمل خليل عبد الكريم،لكن و من خلال تجميعه للمادة التاريخية عن الصحابة من المصادر الأصلية للسنة يجعل القارئ/الباحث يتعرف ليس فقط على الصحابة في صورتهم الحقيقية بل و يعيد النظر في كثير من الوقائع التاريخية و التفسيرات التي أعطيت لها . إن هذه النصوص تدفعنا إلى طرح تساؤلات عديدة حول أحداث السقيفة و حرب الردة و الفتوحات و مقتل عثمان الخ ... فعلى سبيل المثال ينقل لنا الكاتب من المصادر السنية أن أربعة ممن قتلوا عثمان كانوا من الصحابة ، اثنان منهم (محمد بن أبي بكر و عمرو بن الحمق الخزاعي) فرا إلى منطقة نفوذ علي بن أبي طالب ، لكن ما يستغرب له الباحث هو فرار الصحابيين الباقيين (محمد بن أبي حذيفة و عبد الرحمان الخزاعي ) إلى منطقة نفوذ معاوية ! . و هو ما يدفعنا إلى طرح السؤال التالي: لماذا فرا إلى هذه منطقة و كيف يعقل ذلك ؟ سؤال يدفعنا الجواب عليه إلى وضع فرضيات قد تؤدي في حال الإجابة عنها إلى إعادة كتابة تاريخ هذه الواقعة (مقتل عثمان) من جديد و ذكر ما قد لا ترغب المؤسسات الدينية عندنا في ذكره .
لكن رغم أهمية العمل النقدي الذي قام به خليل عبد الكريم فإنه عمل في نظرنا لا يخلو من عيوب . فالكاتب انطلق من فكرة أن الكتب الصحاح الستة هي فعلا صحيحة و لا يمكن التشكيك بها ( و لهذا فهو يعارض القرآنيين الذين يتحفظون على الأحاديث النبوية و يعتبرونها محل نظر) و رغم ذلك فقد تناقض مع نفسه ، فحس المؤرخ لديه جعله لا يجيز الحديث القائل بأن المسلمين سيتصالحون على يد الحسن حفيد الرسول ، و اعتبره حديثا موضوعا رغم انه مذكور في صحيح البخاري . أيضا الكاتب رغم نزعته العقلية إلا انه أجاز أحاديث و روايات تندرج ضمن اللامعقول و الأسطرة و بنا عليها تحليلاته ! فعمر يقاتل الغول و يخاطب قائد جيشه على بعد ألاف الأميال و الثور يتكلم و النار لا تحرق الخ ...من الخرافات . و هي روايات تبدوا فيها الصنعة العباسية واضحة بشكل جلي خصوصا بعد انتصار الأشاعرة و الصوفية حيث شاع الفكر المنكر للسببية و المروج للكرامات الصوفية ..
ما يمكن قوله إذن بخصوص عمل خليل عبد الكريم هو انه قام بنقد لعالم الصحابة المبجل انطلاقا من مصادر السنة المعتمدة علما أن هذه المصادر مرت عبر القناة الأموية و العباسية كما أوضح ذلك المؤرخ العراقي عبد العزيز الدوري في كتابه نشأة علم التاريخ عند العرب و رغم ذلك نجح عبد الكريم في إزالة هالة القداسة عن الصحابة و إخراجهم من حيز اللامفكر فيه علما أن هذه المصادر يشوبها كثير من الاضطراب و يختلط فيها المعقول باللامعقول و هو ما كان على الكاتب ان يعيه و يحذره ، لكنه للأسف لم يفعل فاتسم الجزء الثالث من كتابه (الصحابة و المجتمع) بكثير من الضعف الناجم عن القبول بالروايات لمجرد أن سندها صحيح و هو منهج سبق و أن انتقده ابن خلدون .
و مع ذلك يمكن القول أن هذه المصادر التاريخية على علاتها إلا أنها لم تستطع أن تخفي أن الصحابة مجرد بشر عاديين و أن فيهم من انحدر إلى مستوى المجرمين و المفسدين و إن كانت هذه المعرفة بهم لا يمكن أن تتأتى إلا لمن يغوص في الكتب و لا يكتفي بالسطح .
لقد حاولت هذه المصادر أن تجمل صورة الصحابة و تدافع عنهم و تسيجهم بسياج اللامفكر فيه عن طريق وضع الحديث المنسوب الى النبي " عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( لا تسبوا أصحابي لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ) " لهذا يظل السؤال التالي مطروحا : لماذا يحاول المذهب السني الدفاع عن جميع الصحابة دون استثناء تحت شعار " كل الصحابة عدول" و جعل توقيرهم و عدم الاقتراب منهم جزءا من العقيدة السنية ؟ ثم السؤال الثاني الذي قد يتبادر إلى ذهن الباحث و هو : ماذا لو كان أبطال الإسلام الحقيقيين هم غير الأبطال المذكورين عندنا في هذه المصادر ؟ (إذا علمنا عدد الصراعات التي اندلعت بين الصحابة مباشرة بعد وفاة الرسول و أن التاريخ يكتبه المنتصرون ) أليس غريبا أن العشرة المبشرين بالجنة لا يوجد فيهم أي أنصاري؟ هل حقا كان النبي يؤسس لدولة قريش في المدينة المنورة دون أن يشعر الأنصار بذلك ؟ (كما قال سيد قمني و خليل عبد الكريم)أم أن التاريخ الذي بين أيدينا هو غير التاريخ الذي جرت وقائعه منذ أربعة عشر قرنا ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم