الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب [1] المدينة الإسلامية [1]

يونس بنمورو

2013 / 4 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كيف نشأة المدينة الإسلامية ؟ و ما هي أهم مراحل تكونها ؟ و ما مجموع عوامل تطورها ؟ هل من طبيعة علائقية بين الفكر الإسلامي و إستراتيجية العمران و التعمير ؟ و ما المقصود بالتخطيط العربي للمدينة من جهة ؟ و كيف هو ذات التخطيط المديني الإسلامي من جهة أخرى ؟ ما الذي يميز العمران الإسلامي إذن ، عن العمران البشري الغربي ؟ هل من طرق تحصينية للإطار المديني لذات المدن الإسلامية ؟ و كيف هي منشآت مدن حضارة الإسلام ؟ ما هي خصائصها إذن ؟ و ما الذي يميزها و يضفي طابع التفرد عليها ؟ و كيف هي حياة السياسة و كذلك الإجتماع ، داخل أسوار مدن الإسلام و المسلمين ؟


أسئلة تصطف إلى جانب أخرى ، تساءل فرادة و أصالة مدن الإسلام ، تناقش كيفية نشأتها ، و تسعى لفهم عوامل تشكلها ، بل و ميكانيزمات تطورها ، و حتى مراحل سيرورتها ؛ تبدي قراءات تحليلية ، متعددة البطانات في إستراتيجيات عمرانها و سبل تخطيطها ، بدءا بالتوكأ على متن الجغرافيا و وعاء التاريخ ، و بالإستناد ثانيا على علوم الآثار و براديغمات العمران ، دون إغفال المرور بتنظيرات أل السياسية ، و حتى أهل علم الإجتماع ، بل و التوقف قليلا عند عتبات الأنتروبولوجيا ، و بانورامات الثقافة و علوم الإنسان ، أسئلة بحثية تأمل أيضا في مزيد من الفهم ، لما تنشغل به الحياة المعتملة داخل أسوار مدن الإسلام ، و حتى في جوانب أحوازها ؛ هذه هي شواغل كتاب المدينة الإسلامية ، لمؤلفه الدكتور محمد عبد الستار عثمان ، الواقع في 367 صفحة ، و الصادر عن المجلس الوطني للثقافة و الفنون و الأدب – الكويت [ عالم المعرفة ] ؛ بين دفتي الكتاب ، يقدم المؤلف دراسة للمدينة الإسلامية ، تحاول أن تعطي صورة كلية لنشأتها و تخطيطها و مرافقها ؛ و كيفية إنتظام الحياة فيها ، من منظور يوضح أسس الفكر الإسلامي للعمران النظري ، و تطبيقاته العملية ، في المدن الإسلامية ، من خلال تتبع مراحل تاريخها المتتالية حتى نهاية العصر العثماني ؛ إذ تحكم دراسة المدن الإسلامية أسس واضحة ، يجب إعتبارها عند تناول أي جانب من جوانبها ، و تشكل هذه الأسس الإطار العام ، و المحاور الواضحة التي تميز المدينة الإسلامية عن غيرها من المدن ؛ هذه الدراسات المعنية بمدن الإسلام ، لم تبدأ إلا في العصر الحديث ، مرتبطة في ذلك بحركة الإستشراق و تطور إتجاهاتها ، و لا سيما بعد أن إهتمت الدراسات الإستشراقية بحقل التمدن الإسلامي ، و يفسر هذا الإرتباط أسس التوجه البحثي الذي يحكم هذه الدراسات ، و لا أدل على ذلك ، من أن الإطار و الأسس التي قامت عليها دراسات المدينة الإسلامية ، إذ بدت متأثرة إلى حد بعيد بالمفاهيم و النظم الإجتماعية ، و السياسية و الإقتصادية التي تحكم المدينة الغربية ، فإنتهت هذه الدراسات إلى نتائج خالفت الواقع إلى حد بعيد ، و بدت الحاجة إلى تصحيح تلك النتائج بإتباع منهج سليم ، يقيم المدينة الإسلامية تقييما يقوم في أساسه على معايير و المقاييس المستمدة من التجربة الإسلامية ، التي وجدت في التشريع الإسلامي المفصل لنواحي الحياة ، دستورا مهيئا سارت علية حركة حياة المجتمع ، فالإسلام دين مدني ، وساعد ذلك على سرعة إزدهار الحضارة الإسلامية بصورة منقطعة النظير ، و لا سيما أن هذه التشريعات سدت النقص الذي إعترى الفكر الإنساني في المراحل السابقة ، و أعطت قواعد صالحة لكل زمان و مكان ، سعى لها فكر الإنسان على مراحل تاريخه في رؤيته الفكرية النظرية للمدينة الفاضلة ، و عجز أن يحقق واقعا ملموسا لها بأي صورة من الصور ؛ إذ تناسبت الأحكام الإسلامية مع النظرة الإنسانية التي تكيفت معها في سهولة و يسر و تدرج ، إذ هذب الإسلام من طبائع النفس البشرية و إرتقى بها ، و إنعكس ذلك في صفاته التي تمثلها المدينة الإسلامية ، بإعتبار أن المدينة هي الحضارة ، ذات المدينة نسبت إلى الإسلام ، فهي بالإضافة إلى ما تتميز به من خصائص حضارية عامة ، تتسم بالصفة الإسلامية ، بإعتبار أن الإسلام منهج حياة فيها ، فقد إعتبر القرآن و السنة مصدري التشريع في كل وقت ، و إجتهد الفقهاء في تفسير ما ورد فيها من أحكام ، طورت نفسها مع تطور مظاهر الحياة الحضارية ، التي تتجدد في إطار من التغيير ، و سارت هذه الأحكام وفق أصول الفقه الإسلامي ؛ و لما كانت حياة المدينة الإسلامية مرتبطة إرتباطا أساسيا و كاملا بالإسلام ، كمنهج و طريقة في الحياة ، فإن أي دراسة علمية سليمة للمدينة الإسلامية ، لا بد من أن تضع في إعتبارها ، أن الإسلام و نظمه و أحكامه هي المحور الأساسي الأول ، الذي تدور حوله حياة المدينة بأسرها ، و بكل تفاصيلها و جزئياتها ، بجوانبها المختلفة ، إجتماعية كانت أو إقتصادية أو سياسية ، و أيضا في شكلها المادي للمدينة الإسلامية ، مفسرة دلالاته المختلفة في جونب الحياة الأخرى ، من إجتماعية و إقتصادية و سياسية و غير ذلك ، و لعلها تكون بجانب دراسات أخرى متخصصة من جانب الإجتماعيين و الجغرافيين و المؤرخين و غيرهم ، لتبرز الصورة الحقيقة للمدينة الإسلامية ، و تدفع عنها إتهامات دراسات بعدت عن المحاور الأساسية لدراستها ؛ و من ثم فالإسلام كان محورا من المحاور التي إعتبرها هؤلاء الباحثون الغربيون في دراستهم للمدينة الإسلامية ، و قد إختلفت من باحث إلى أخر ، درجة التعمق و البحث عن العوامل الإسلامية الدافعة إلى التمدن الإسلامي ؛ و وفق هذا السياق ، نجد إهتمام بعض الباحثين ينصب نحو إبراز دور الإسلام في تاريخ التمدن ، و أثره على المدينة الإسلامية ، أمثال Lompard : ؛ الذي أشاد بإهتمام الإسلام بالتمدن مقارنا بعصور التقدم السابقة عليه ، و ركزت Janet Abu Lughud ؛ على دور الإسلام في السيطرة على التمييز الطبقي و التمايز الثقافي ، و تقليل الأبعاد الإجتماعية بيت الجماعات المختلفة ، و يقول Benet ؛ إن الإسلام دين تمدن ، و له دور فعال في إعادة البناء التمدني الذي نراه متمثلا في المدن ، و إشارة إلى الربط بين المدينة و الإسلام معرجا على التعريف الفقهي للمدينة ، و أكد Spencer ، من جهته على إنسحاب السمة الإسلامية على المدينة الإسلامية ، من عصورها المبكرة حتى العصر العثماني ؛ و أكد على أن إنشاء المدن ، كان من مظاهر تمسك المسلمين بدينهم الفريد و بخضائصه ؛ لكن بالمقابل نجد رؤى باحثين مستشرقين آخرين ، يحددون عناصر معمارية لوصف المدينة الإسلامية بعيدة عن النسق الديني ، إذ نجد مثلا Planhol ، يرى بأن الإسلام لم يكن مشجعا أو دافعا إيجابيا لحركة التمدن ، و من ثم ينفي أثر الإسلام على تكوين المدينة ؛ و يعضد هذا الرأي Hammond ، الذي يذكر أن الحضارة الإسلامية كانت ضد حركة التمدن ، رغم ما يذكره عن التطور الكبير الذي أحرزته بعض مدن العواصم الإسلامية ، و تكشف و جهة نظره في الإسلام ، ما يذكره من أن الإسلام قد إعتبر المدينة مجرد وجود ديني لا سياسي ؛ و قد أدى عدم الفهم الواضح إلى تضارب أراء هؤلاء الباحثين ، و إلى الوصول إلى نتائج خاطئة تخالف من إتخذ منهم الإسلام محورا أساسيا لفهم المدينة (...) إذ توصلت Janet Abu Lughud ، من جهتها ، إلى أن المدن العربية تسير وفق قانون إسلامي يحدد أشكال الملكيات و حقوق الإرتقاء تحديدا واضحا ، إذ يحدد ـ الدين الإسلامي ـ علاقات الملكيات الخاصة بالمرافق العامة ؛ و ينظم علاقات أصحابها بالجهات الرسمية للدولة ، و أن هذا النظام يختلف عن نظام القانون الروماني الذي كان يحكم مدن أوربا في العصور الوسيطة ؛ و في المقابل يقول Stern ، أن المدينة الإسلامية خالية من المؤسسات ، لأن المجتمع الإسلامي لم يرث أيا من المؤسسات المدنية ، عن الحضارات القديمة اليونانية و الرومانية ، كما أن الإسلام لم يطور أيا من هذه المؤسسات ؛ و يرى بأن الحضارة الإسلامية ، كان بإستطاعتها السيطرة على ما كان موجودا قبل الفتح الإسلامي ، من مؤسسات مدنية قديمة و تطويرها ، غير أنها لم تقم بهذه العملية لإنتهاء دور فعالية المؤسسات المدنية القديمة ، فلم يبق هنالك شيء تسيطر عليه هذه الحضارة ؛ و يكشف هذا الرأي غياب ماهية الإسلام عند Stern (...) بل حتى وحدة المسلمين حسب ذات الباحث ، لم تنبثق من خلال تماسكهم تجاه القانون كما هو الحال في المدينة الإغريقية و الرومانية و الأوربية في العصور الوسطى ؛ فأهالي المدينة الإسلامية منقسمون على أنفسهم دينيا و إقليميا و عنصريا ، إلى جماعات و كتل لكل منها رئيسها و قوانينها ، و أنهم لم ينتظموا في نقابات أو تنظيمات حرفية ، و يخلص هذا الرأي ، إلى أن سكان المدينة مجرد ساكنين فقط و لا يمتون بصلة مدنية لها ؛ حتى أن Claude Cahen ، يرى أنه من الخطأ أن نطلق عليها مسمى المدينة الإسلامية ، و الأحرى أن نسميها مدن دار السلام ، إمعانا في تجريد المدينة الإسلامية من أي صفة مدينة مستقلة ، و في سبيل تأكيد ذلك يقول Cahen Claude دائما ، بأن الكثير من سمات ما يسمى المدينة الإسلامية في الواقع ، ما هي إلا صفات و سمات المدينة البيزنطية و الوسيطة ، و صفات المدينة الإيطالية أيضا ، قبل القرن 11 ؛ لكن نشوء المدينة الإسلامية إذن ، و كيفية تطورها ، وفقا لما سبق ، بدأ مع بداية الدعوة إلى الإسلام ، و تطورت بتطور حضارته ، و من ثم ، لا يمكن أن نغفل هذا الأساس ، عندما نتعرض للمدينة الإسلامية بالبحث أو الدرس ، فهي كائن حي يتأثر و يؤثر ، يأخذ و يعطي جريا على سنة الحياة التي إختلفت عصورها ، و ظروفها السياسية و الإجتماعية ، و الإقتصادية و الثقافية ، و إذا ما إعتبر ذلك ، فإن نهج البحث يستقيم ، و تتضح الظواهر وضوحا يقينيا لا لبس فيه و لا غموض ، و يجنبنا مرة أخرى ، تقييم المدينة الإسلامية في إطار المعايير و المقاييس التي تقيم بها المدينة الغربية ؛ لذا فمحتوى هذه الدراسة ، يتضمن مدخلا تمهيديا ، يتناول الفكر الإسلامي و إستراتيجية العمران ، من منظور يوضح جوانب هذا الفكر المنطلق أساسا من الكتاب و السنة ، ثم تتبع أسس هذا الفكر في العصور الإسلامية التالية ، التي تعكسها بوضوح مصادر التراث الإسلامي ، و يؤكد تطبيقاتها ما كشف من أثار المدن الإسلامية ، و ما نراه واضحا في بعض المدن المحتفظة ببعض أحيائها الأثرية ، فيكون هذا المدخل إطار يجسم هذا الفكر و يكشف عن أسسه ؛ إذ في الفصل الأول ، من صفحات قراءتنا لكتابنا هذا ، سنحاول التعرض بالدراسة و التحليل لنشأة المدينة الإسلامية و تطورها ، مركزين على نشأة تخطيط المدينة ، و مراحل هذه النشأة في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم ، و عهد الخلفاء الراشدين من بعده ، و بعد ذلك ، تعرض دراسة الكتاب مراحل التطور و النضج التي وصل إليها تخطيط المدينة الإسلامية ، و المؤثرات المختلفة التي أثرت فيه من فترة إلى أخرى ؛ و الفصل الثاني : يعرض تخطيط المدينة الإسلامية ، إذ تعرض الدراسة أسس هذا التخطيط و محاوره الأساسية ، مع إبراز أثر القيم الإسلامية في ذلك ، و ربط الجانب النظري الفكري ، بالجانب التطبيقي الميداني من واقع ما هو قائم من نماذج المدن الإسلامية ؛ و يختص الفصل الثالث : بدراسة تحصين المدينة الإسلامية من منظور تاريخي و أثري ، يبرز أثر التحصين على تخطيط المدينة ، و يكشف عن نظام تأمين المدن و الدفاع عنها ، و يوضح جانبا من التاريخ الحربي لهذه المدن ، و أثره المباشر في حياة مجتمعنا ؛ و في الفصل الرابع : تعرض الدراسة ، الشوارع و الطرق في المدينة الإسلامية ، فتبرز الأسس التي قام عليها تخطيط هذه الشوارع و نوعيتها المختلفة ، و إيضاح العلاقة بين الشوارع و الطرقات و تخطيط المباني المطلة عليها ، ثم تلقي الضوء على نظام الحياة في شوارع المدينة الإسلامية في إطار القيم و القواعد الإسلامية مع إبراز أهمية الشارع كعنصر إتصال ؛ و يختص الفصل الخامس ، بدراسة المنظمات و المرافق العامة في المدينة الإسلامية ، كالمساجد و الأسواق ، و البيمارستانات و المدارس و الأسبلة ، و أحواض الدواب و غيرها ، و إرتباط توزيع هذه المرافق بتخطيط المدينة العام و نظام الحياة فيها ؛ و يخلص الفصل السادس ، إلى دراسة جوانب و نظم الحياة السياسية في المدينة الإسلامية ، من منظور يؤكد على مفهوم السياسة في تلك العصور التي عاشتها المدينة الإسلامية ، و يربط بين هذه الحياة و تكوين المدينة و مؤسساتها ؛ و في الفصل السابع ، من هذه الدراسة يعرض جوانب الحياة الإجتماعية في المدينة الإسلامية ، من خلال قراءة تكويناتها المادية و مؤسساتها المختلفة ، بإعتبار أن المدينة الإسلامية بهيكلها التخطيطي و العمراني ، ما هي إلا صدى لجوانب الأنشطة الإجتماعية فيها ؛ و في خاتمة هذه الدراسة ، تبرز النتائج الهامة التي كشفت عنها ، و التي تضع المدينة الإسلامية في موضعها الصحيح من تاريخ المدينة العالمي ، لا سيما أن الدراسات الهامة التي تعرضت لتاريخ المدينة العالمي ، أهملت المدينة الإسلامية و أهميتها في ذلك التاريخ الممتد في المدينة ، و الذي يعكس بوضوح تطور حياة الإنسان ؛ لذا لا يستقيم البحث في مدائن الإسلام إذن ، دون العودة للنسق الديني الإسلامي بإعتباره منظومة تنظيمية شاملة ، مؤطرة لمناحي الحياة بإختلاف تشعباتها و تلويناتها ، و التي إنعكست على المناحي المادية للثقافة و الحضارة ، و بتالي فالمدينة العربية هي إسلامية دينية في أصلها ، تمتح من الدين ، و تأسس بنياتها على ذات الدين .


المـراجــع :

1 : محمد عبد الستار عثمان : المدينة الإسلامية ، المجلس الوطني للثقافة و الفنون و الأدب ـ الكويت .
2 : M.Lompard : The Golden Age of Islam translated by Spencer , Netherland .
3 : Janet Abu Lughud : Varieties of Urban Experience .
4 : F.Benet : The Ideology of islam Urbanisation in International Journal of
Comparitive Sociology .
5 : W.Spencer : Urbanisation in North Africa .
6 : Xavier de Planhol : The Word of Islam , New York 1959 .
7 : Mason Hammond : The City in the Ancient World , Harvard , 1972 .
8 : M.Stern : The Construction of The Islamic City , The Islam City , Oxford 1972 .
9 : C.Cahen : Y a-t-il eu des corporations professionnelles dans le monde musulman .
10 : http://www.wikipedia.org


يـتـبــــــع ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تضرب إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية؟ • فرانس 24


.. إدانات دولية للهجوم الإيراني على إسرائيل ودعوات لضبط النفس




.. -إسرائيل تُحضر ردها والمنطقة تحبس أنفاسها- • فرانس 24 / FRAN


.. النيويورك تايمز: زمن الاعتقاد السائد في إسرائيل أن إيران لن




.. تجدد القصف الإسرائيلي على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة