الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البيدوفيليا: عندما يندغم الجنس بالإستغلال..

خالد ديمال

2013 / 4 / 11
العلاقات الجنسية والاسرية


في موضوع البيدوفيليا، بالضبط في اندغام الجنس بالإستغلال، هناك سؤال يلح على الظهور شرطيا، وهو: "لماذا الأطفال بالذات، خاصة عندما يتحول الطفل إلى مادة (أو موضوع) جنسي، ينخرط قسرا، بإيعاز جبري ومكرور، وتحت ضغط ظروف اجتماعية واقتصادية، وأيضا نفسية، في عمل جنسي مفروض، تتمطى فيه علاقات القوة والسيطرة بداهة، وتتبدى كسلوك جنسي منحرف، ينحى عن المألوف، مستبدلا محدده الطبيعي، باتجاه رغائبي مختلف، ساعيا لأن يترسخ كفعل جنسي يأخذ حيزه غير المثير للتقزز في عموم النسق الإجتماعي؟.. لذلك، كان لابد أن نطرح سؤالا عريضا منذ البدء: "ما هو الجنس كفعل إنساني/طبيعي؟".. "ولماذا الأطفال بالذات؟".. "ولماذا نتحدث عن سلوك شاذ حينما يتعلق الأمر بممارسة جنسية على الأطفال؟"..
الجنس ومحتماته:
أو الإنتقال من مجال الإنجاب، إلى مفهوم اللذة الجنسية..
ما هو الجنس؟.. هل هو شكله الوظيفي التوالدي (المرأة ومقابلها الرجل)، بمعنى الإقتران المميز بالتناسل (البيولوجي)، مضافا إليه محددات اجتماعية من نوع آخر، كبنية الجسم، والطبع، ونوع العمل، والوضع الإجتماعي؟.. أم أن الجنس هو ذلك الوضع الخاص للفرد، كرجل وامرأة، ذكر وأنثى، القائم على أساس بنية الأعضاء التناسلية، وأحيانا على أساس ميزات جسدية وسلوكية، والذي تتحدد منه "الخصائص الجنسية" المفهومة بشكل موسع، والتي لا تكون مرتبطة دائما بالوظيفة التوالدية (الإنجاب)؟..
هناك تدقيق اصطلاحي آخر، ويقصد به "الجنس البيولوجي العام"، الذي هو مجموع الصفات الدالة على ظواهر مرتبطة بتمايز واختلاف الرجل والمرأة، في مقابل مفهومات أخرى ك"الجنوسة" و"الجنسية"، كمعان ضيقة (محصورة)، والتي تعني في مجموعها جملة الأحاسيس والعلاقات الشبقية الجنسية(1).
ولكن، ما هي الغريزة الجنسية؟..
إذا كان السلوك الجنسي تعبيرا عن حاجة ماسة للتوالد، ورغبة دافعة نحو استمرار النوع، والتي تميز ليس الرجال فقط، بل النساء أيضا، فإن التركيب الغريزي هو تلك الحاجة العضوية المحفزة على التخلص من منتجات نشاط الغدد الجنسية، أي من النطف.
إذن، ما هي دوافع السلوك الجنسي؟.. وكيف تعلل بعض أشكاله التي لا ترتبط باستمرار النوع، بشكل جلي، مثل الإستمناء، و"الممارسة الجنسية على الأطفال"؟..
إن نظرية الإنتخاب (الإصطفاء) النوعي لدارون، ومع إقرارها بأن أساس السلوك الجنسي هو الحاجة للتوالد، تساءلت في الوقت نفسه حول طبيعة المكونات الجمالية والشبقية والنفسية للرغبة: "لماذا يكون موضوع الجنس هذا الكائن وليس ذاك؟"(2).
حين نستقرأ مفهوم الجنس، فإن ما يمكن تبينه هو أن الجنس محدد طبيعي –بيولوجي- في الإنسان، غايته التكاثر عن طريق التوالد، يكون مشترطا منذ البداية بالإنجاب، ومقترنا بالزواج بين جنسين مختلفين، رجل وامرأة في الغالب، وما عداها من العلاقاتالجنسية، وعلى الأرجح من نفس النوع –الجنسية المثلية-، أو مع أطفال، فما هي إلا تعبير عن إحدى طرائق تصريف الغريزة الجنسية بالمعنى الشبقي، أي عملية إحقاق اللذة دون إيلاء أي اعتبار لنوع الجنس المشروط في هذه العلاقة الجنسية، كأن يكون طفلا (ذكرا أو أنثى) تحت طائلة الكبت الناتج عن القمع الاجتماعي. لكن: "كيف يمكن للقمع الاجتماعي أن ينقلب إلى ظاهرة سيكولوجية، أيإلى كبت ينقلب انحرافا يمس شريحة اجتماعية بالاعتداءوالاغتصاب؟"..
انطلاقا من هذا المنظور، يرفض فرويد اعتبار الكبت مرآة سيكولوجية للقمع الإجتماعي للجنس. إن فرويد، كما يقول لبلانش Laplanche قطعي في هذه النقطة، فعدم إشباع الحاجة أو حتى قمعها قاصران لوحدهما على تفسير الكبت. وفعلا، وراء القمع باسم الواقع (...)، يجب اللجوء إلى عامل بنيوي يفسر لماذا يتحين القمع في شكل الكبت في الجهاز السيكولوجي" (3).
وإذا كانت الممارسة الجنسية المثلية (بين نفس النوع الجنسي) تعتبر شذوذا (كتصورسائد في مجتمعاتنا لاعتبارات ثقافية صرفة)، إلا أن التساؤل ينطرح مضاعفا في الممارسة الجنسية على الأطفال: "هل يمكن تأييد نفس الرأي، بحيث نتحدث عن شذوذ، أم هيطرائق أخرى في تصريف السلوك الجنسي، بحيث تتجه الرغبة–خاصة في مجالها الشبقي الإيروسي-، من البحث عن الجنس كمؤشر بيولوجي/طبيعي، ومؤثر في السلوك العام، يتمركز مجاله بصفة خاصة في عملية جنسية تتوخى الإنجاب للمحافظة على استمرار النوع–البشري-، لتنتقل إلى عملية الجنس لذاته، أي البحث عن اللذة الجنسية دون إقامة أي اعتبار لمراكزها الطبيعية والأصلية، ونقصدبها المرأة (الراشدة)، وبالذات على طريقةالإيلاج المهبلي؟"..أم أن ما يحدث مع الأطفال، هو بحث الكبار (الراشدين) عن إشباع جنسي بتأليف مخارج اللذة الشبقية –الأورغازم-، من خلال عملية الإحتواء الجسدي، بسيطرة القوي (الراشد) على الضعيف (الطفل)؟..
الطفل كموضوع جنسي
إن الوقوف على ظاهرة الإعتداء الجنسي على الأطفال تكتنفه بعض الصعوبة، والسبب سكوت الضحايا خوفا من لوم الآخرين وعذلهم، مضافا إلى ذلك غياب مراكز الإستماع. ورغم اعتبار الإعتداء الجنسي على القاصرين جريمة تدخل في باب الجنايات المعاقب عليها قانونا، إلا أن دائرتها ما زالت تتسع لوجود شبكات ناشطة في مجال دعارة الأطفال، وبالضبط فيما يسمى بالسياحة الجنسية.
وإماطة اللثام لا تقف عند هذا الحد، فهتك أعراض الأطفال يطال أيضا مؤسسة الأسرة، كنواة لا تخلومن أثر هذه الظاهرة، خاصة عندما نقف عند صور الإعتداء الجنسي على أطفال لا يتجاوز سنهم ثلاثة أعوام في أحضان آبائهم. وهي حالات ترصد ميولات ينسج خيوطها أحد أفراد الأسرة، أو أحد المقربين منها، دون إغفال فئة أخرى قد يطالها الإستغلال الجنسي، ويتخذ صورة اغتصاب في غالب الأحيان، يتجاوز الأبناء، وهي فئة الخادمات، مما يعني الزج بفئة عريضة من الأطفال في دعارة مبكرة.
أسباب الظاهرة
إن اغتصاب الأطفال، والذي أضحى يأخذ مظاهر مأساوية، أصبح يطرح نفسه بإلحاح ضمن النسيج الإجتماعي المؤسسي/المتعدد، ولكن تناولها بالتحليل لا يمكن أن يتم بمعزل عن شروط إنتاجها. فثمة أسباب كثيرة تساهم في استفحالها، وهي أسباب ترتبط في مجموعها بالأبعاد الإجتماعية والتربوية والنفسية.
الملاحظ أن أغلب المعتدين على الأطفال، هم إما سيكوباتيون (ساديون) أو شواذ، يجدون متعة كبيرة ولذة هائلة في القيام بتعذيب الأطفال، وهم -حسب التحليل النفسي- ممن افتقدوا في طفولتهم لتربية جنسية سليمة، والواقع أن "التحليل النفسي أدى ثمن هذا القبول: التنازل عن أولوية العامل الجنسي في تفسير الأمراض النفسية لحساب التجارب السيكولوجية الطفلية، وكان رايخ هو الوحيد الذي تشبث بالعامل الجنسي ظنا منه بأنه الاكتشاف الثوري الأصيل الذي يميز التحليل النفسي عن باقي السيكولوجيات" (4)، لتجاوز بعض الأسئلة الإعتيادية من مثل "كيف ولماذا؟"، من خلال جعل المعلومات العلمية الدقيقة مؤثرا رئيسافي اتجاهات الأفراد وسلوكهم،فيما يشبه إندغامابشبكة من المعلومات القائمة على التوصيل، خاصة فيما يتعلق بالمسائل الجنسية، وبارتباط مع مكونات أخرى كالنمو النفسي والجسمي والعقلي للفرد، تماشيا مع القيم الروحية والإجتماعية للمجتمع،للبحث في الأسبابالمفرزة لبعضالظواهر الخارجة عن المنحى الطبيعي في الإنسان، وفي المجتمع أيضا، خاصة فيما يتعلق بالإنحرافات السلوكية، والجنسية منها تحديدا.
لقد "كانت نظرية الأورغازم بالفعل احتجاجا على إهمال أولوية العامل الجنسي في ظهور العصاب، وركزت على المؤشر القضيبي على حساب المؤشرات ما قبل – القضيبية-. ويظهر هذا جيدا في قول رايخ: "إن العصاب لا ينتج عن اضطراب جنسي بالمعنى الفرويدي الواسع فحسب، بل عن اضطراب قضيبي محدد، عن العجز الأورجاستيكي"(5). علاوة على هذا، لا يظهر في السلوك الجنسي عند العصابي، أي أثر لتصرف لا إرادي ولاحتجاب الوعي ولاشعور بالأنا لفائدة الإحساسات اللذية الصرفة. وفعلا، عوض أن يشعر العصابي بارتياح بعد الأورجاسم، يبقى التوتر على حاله إذ تكون الطاقة المحررة أقل بكثير من الطاقة المختزنة نظرا لعدم قدرة العصابي على التعاطي الذاتي الكلي أثناء الأورجاسم"(6).
إن مسايرة المنطق الطبيعي في الإنسان يكون بتوجيه الفرد توجيها سليما يتماهى مع الجوهر، لأن أي خروج عن هذا المنطق الطبيعي لا يمكن أن نسميه إلا شذوذا وانحرافا.
إذن، الإعتداء على الأطفال يدخل في هذه الخانة، والتي سميناها تصريف الرغبة الجنسية المنحرفة، وبالضبط تلك الموجهة بطريقة نرجسية. حالات أو أشكال الانحراف هذه، يمكن النظر إليها من زوايا متعددة،أهمها:
1) فشل الفرد في تعلم الأسس الصحيحة / الناضجة لممارسة الجنس.
2) حالات التقلب الجنسي بسبب إحباط راجع إلى الدوافع الجنسية بحد ذاتها. وهي قد تؤدي إلى ما يأتي:
أ‌) الفشل في التوافق مع الميول الجنسية الصحيحة مع الجنس الآخر.
ب‌) تأخر النمو الطبيعي المساعد في الإنتقال من مرحلة لأخرى من مراحل النمو الجنسي.
كل هذه التقسيمات، لحالات الإنحراف الجنسي، تفيد أنها انحرافات غير مقصورة على شخص معين، لكنها تظهر بكثرة في حالة الشخصية السيكوباتية(7).
هذه الموانع الكابحة للحب الطبيعي بمدلوله الحيوي للفرد كمحل للإعتبار، تكون عاملا مساعدا في إفراز المرض والمرضى السيكوباتيين، وهم عديمي الشعور ممن يقترفون أعمالا عدوانية لا قدرة لهم على التحكم فيها، بالرغم من إدراكهم لخطورة هذه الأفعال وطابعها اللاإجتماعي. ومن أشكال ذلك:
أ‌) حب الصغار: وهو ذلك الميل لحب الأطفال غير الناضجين، وهو ناتج (رغم نسبية هذه الحالات) عن الخوف والتعقيد الذي يتطلبه حب البالغين(8).
ب‌) السلوك السادي: وهو الإحساس بلذة الحواس حتى الشبق، هذا الإحساس الناجم عن عمليات التحقير، والإذلال، والعقاب، والقسوة التي تمارس على الشخص الآخر(9). فالسادي يشعر، في هذه الحالة، بأنه اغتنى وازداد قدرا وتميزا ككائن حي، من خلال لذة الآخرين، اللذة الناتجة عن لذته هو بالذات(10).
ويكفي أن نشير إلى حضور ثلاثة عناصر في هذه العملية حضورا ثابتا:
أ‌) عنصر القوة: يبدر عن الإنسان السادي، أو عن الآخرين (كسلوك مادي/جسمي، صرف)، أو كسلوك عدواني يعتبر الآخر موضوعا للسلوك السادي.
ب‌) عنصر العنف: بمعنى تحويل الأطفال إلى موضوع أساسي للعنف تحت ضغط السلوك السادي، وهي لذلك تتحول إلى كائنات فاقدة للقدرة على الصد أو وقف العدوان.
ت‌) عنصر تدمير الحياة وشللها وإماتتها: تحصل خلال عملية التعذيب التي يقوم بها مباشرة الإنسان السادي، أو إنسان آخر يكون قد عهد إليه بذلك.
إن وظيفة العناصر الثلاثة تتحدد وترافق الإثارة حتى الشبق الجنسي(11).كما أن مختلف صور العنف الجنسي، ومنها الإعتداء الجنسي على الأطفال، يتم تفسيره كذلك بازدياد ثقافة المرأة ووعيها، وحريتها، وهي محددات تساعدها على الإنفلات من سيطرة الرجل، ومن ثم لم يعد يجد من حل لممارسة نزواته ورغباته الجنسية سوى الطفل، باعتباره كائنا ضعيفا، لا يقوى على مجابهة جبروت الراشدين. وما دامت العزلة غير مستطاعة، فلا يمكن حماية الطفل من انعكاسات الفساد في المجتمع إلا بجهد تبذله التربية المنزلية. و"الواقع أن السمات الطبعية تساعد المريض لا شعوريا على ضبط غرائزه الجامحة وعلى التوصل إلى توازن، ولو أنه توازن عصابي، حيث يحمي المريض من دوافعه الشاذة. في هذا الصدد يرى فرويد في كتابه "ثلاث مقالات في نظرية الجنس" أن "العصاب هو النسخة السلبية المضادة للشذوذ". من ثم، يظهر أن مقاومة المريض صمود أمام محاولة المحلل لهدم "التوازن العصابي l’équilibre névrotique"(12). وإذا اعتبرنا أن العصاب في نظر رايخ عجز أورجاستيكي بالأساس، نستخلص أن تجاوز هذا العجز لا يتم عن التأويل الدماغي، وإنما يتطلب بالخصوص حل الدرع الطبعي والقضاء على الأرضية الطبعية المرضية(13).
زنا المحارم كشكل من أشكال الإستغلال الجنسي للأطفال
إن الاختلاف الجسدي والنفسي بين الأجناس هو أول موضوع للتفكير الجنسي، لذلك، فالإنسجام داخل الأسرة وفي المجتمع، لا يكون إلا بخلق المسافات بين المتماثلين في الرحم والدم، لأن زنا المحارم لا ينشأ كاستعارة، إلا في الجماع بين الأقارب، كنوع من التمثل للعلاقة الجنسية التي يتمركز فيها الإحساس المضاعف بين المتماثلين أنفسهم، وهو يأخذ أوصافا عدة (بمعنى الجنس الحرام)، فهو يبدأ بزنا المحارم الإستيهامي، ثم يعرج على زنا المحارم الغيري، ثم ينتهي إلى زنا المحارم المثلي (السحاقي/اللوطي)، وهي في مجموعها نتاج للإضطراب المتعاظم في التكوين العاطفي، ذلك أن العلاقات المثلية (الحرام) تترجم عنف الإندفاع الجنسي، وهي في عمومها تلخص عدم القدرة على تحويل الموضوع الجنسي إلى التماثل الغيري، بسبب الخجل أو الرعب أو الإحساس بالغثيان اللاشعوري، أو بسبب موت الزوج، أو الطلاق، ليقع التعويض في حيز المحيط الحريمي الأليف، بدل المحيط الذكوري المعادي والعنيف(14).
من دون شك، ثمة أسئلة كثيرة تفرض نفسها بإلحاح: "أية لذة جنسية يمكن أن تنتج عن ارتباط يجمع إبنة بوالدها، أو عما بابنة أخيه، أو خالا بابنة أخته، أو إبنا بأمه، أو أخا بأخته، ولو بالرضاعة.. واللائحة تطول؟"..
لقد بينت بعض الأبحاث أن أغلبية العاهرات (65 بالمائةتقريبا)، سبق لهن أن عشن في وسط يسوده العنف، بل أن معظمهن مارسن العلاقة الجنسية الأولى مع آبائهن أو إخوتهن أو أمهاتهن.. إلخ. هل يفسر هذا الوضع ممارستهن للدعارة بدافع من الجنس الحرام؟، أم أن الأمر يتعلق بتداخل للأدوار والأحاسيس لدرجة جعل من زنا المحارم أمرا ممكنا، أكثر من هذا، سماحه بمثل هذه الممارسة؟..
إن الأمر يتعلق بأزمة، العنوان الكبير فيها هو عدم الإعتراف بالخطأ، فبعض الأوساط الإجتماعية كرست أعرافا تعتبر اختلاء الأجساد العارية بين الجنسين أمرا مستحبا، وتسببت بذلك في خلق الزنا المثلي "الجنوسية" أو "اللواط"، رغم أن زنا المحارم قديم وسابق للعري في المجتمعات الحديثة، بل يمكن الوقوف عند حالات عديدة منه في الأرياف حيث الإحتشام أكثر من الحواضر. لكن السؤال يأتي هكذا: هل يعقل أن رجلا رأى نساء عاريات سيلجأ إلى أخته لإشباع غريزته؟. قد يكون ذلك مقبولا في زمن ولى، أما اليوم فإن نقودا قليلة، أو فقط بنوع من التحايل يمكن للرجل أن يحصل على ما يريد خارج بيته. إنه يصعب إيجاد تفسير للإقدام على زنا المحارم، حيث يفقد المرء توازنه، فقد يعود الأمر إلى عقد لازمت المريض منذ صغره، وقد يكون عبارة عن انتقام من امرأة ما في شخص أخرى محرمة(15).
إذن، فزنا المحارم ليس ناتجا بالضرورة عن حرمان جنسي، بقدر ما هو اضطراب جنسي، دليل ذلك وجود أشخاص لا مانع لديهم من إشباع حاجاتهم الجنسية بالطريقة الطبيعية، أي بالزواج، (وأحيانا متزوجون)، أو بالزنا خارج المحارم مما هو سائد في المجتمع. إذن، هو ضرب بالممنوع الإجتماعي والقانوني عرض الحائط، مما ينتج عنه تصدع في البناء النفسي للضحية (الطفل /أو الطفلة)، الشيء الذي يمكنه أن يفرز انعكاسات متعددة كالإكتئاب أو الهستيريا(16).
جدار الصمت
إن الإعتداء يولد لدى الطفل نوعا من اللبس confusion والإرتباك، ويحدث شرخا عميقا في أناه العليا، يؤدي إلى تعرضه للإصابة بالهستيريا. فهذا السلوك المرضي – الإعتداء الجنسي – تترتب عنه مضاعفات خطيرة تنتهي في أغلب الأحيان بانهيارات عصبية، أو انفصام في شخصية المعتدى عليه، وقد يتسبب في الإنتحار، لدرجة تصبح فيها حياته غير مستقيمة(17)، إذ يصاب الطفل المعتدى عليه جنسيا بنوع من التركيز على الجاني une fixation، يقف حاجزا أمام تفاعله مع محيطه الخارجي، ويعيق السير العادي لدراسته.
هذا دون أن ننسى أن نسبة كبيرة من الأطفال الذين يتعرضون للإغتصاب وتنتهك أعراضهم تنتمي لفئة اجتماعية مقهورة تفتقد لأبسط شروط العيش. إذن، واقع الحرمان والتشرد الذي ترزح تحته هذه الفئة يساهم بنصيب وافر في استدراجها وانغماسها في براثن السلوك المرضي.
أضف إلى هذا صعوبات عدة تتعلق بالجانب القانوني، خاصة عندما نتحدث عن الأطفال ضحايا الإعتداء الجنسي، فالمساطر القانونية المتبعة لا تساعد على تطويق الظاهرة، خصوصا إذا كانت تندرج حقيقة في إطار التحرش الجنسي، خاصة وأن هذا الإعتداء لا يترك آثارا بادية، ويتطلب شهودا، إضافة إلى اشتراط التشريعات القانونية للعلانية من أجل إثبات الفعل. وهذا المعطى يدفع بالضرورة في اتجاه تحفيز المحامين والقضاة على الإجتهاد في القانون لتجاوز الفراغ الحاصل في مثل هذه النوازل(18).
العقدة الأوديبية
لا شك أن تجاوز هذا الوضع يرتهن إلى محاربة شروط إنتاجه من خلال العناية بالنواة الأسرية التي تحتاج إلى الدفء في نسيج علاقة أفرادها، وشروط العيش الضرورية، وتزداد حاجتها إلى ذلك حينما تنفك أواصرها، مما يعني مراقبة الأسرة والحرص على وحدة بنائها حتى لا يتعرض الأطفال إلى التشرد والإستغلال الجنسي، بالإضافة إلى التأكيد على القيم، وخلق ثقافة جديدة تأخذ بعين الإعتبار المسألة الجنسية كموضوع لا يصنف في مجال المحرمات، ثم الإهتمام بالطفولة داخل جميع المؤسسات، بالنظر إلى شروطها التربوية والنفسية والإجتماعية، واستنفار كل طاقات المجتمع لتطويق مثل هذه الظاهرة المرضية، ولتنمية روح المواطنة والتضامن والتآزر بين أفراد المجتمع"(19)، والدفع في اتجاه خلق فضاء للحوار والإنفتاح داخل الأسرة، عبر تكسير مفهوم "الطابو"، أو المحظور الجنسي.
هكذا يلاحظ أن الكبت الجنسي خاصة، دافع في اتجاه إفراز السلوك الشاذ، والتصرف المرضي، إضافة إلى الكبت الإقتصادي، والكبت السياسي، والكبت الإجتماعي، وهي – كالكبت الجنسي – مسؤولة عن كثير من الجرائم، وكثير من الإنحرافات، أو ليس الفقر – وهو كبت قهري – مسؤولا عن انحرافات كثيرة فيها الحقد والحسد، والسرقة والنهب والغصب والقتل والتشرد النفسي(20).
إن التصريف الجنسي المنحرف، لا يتولد إلا من خلال الكبت الجنسي، والذي يجد مجاله الخصب داخل الأسر التي يكون أفرادها مضغوطين جنسيا في نواة العقدة الأوديبية، أو ما يطلق عليه "زنا المحارم". لذلك فاجتثاث الظاهرة لا يكون إلا عبر تكسير جدار الصمت، سواء داخل الأسرة أو في المجتمع، من خلال المتابعة العقابية لرأب الصدع النفسي.

المراجع:
1 - أ.س. كون، الجنس من الأسطورة إلى العلم. ترجمة منير شحوذ، الطبعة الأولى. ص: 52.
2 - المرجع نفسه. ص: 53.
3 –Laplanche : « notes sur Marcuse et la psychanalyse » ; la nef ; n 36. Janvier / mars 1969.
4–د. عبد الصمد الديالمي، المعرفة والجنس: من الحداثة إلى التراث. الطبعة الثانية 2010، دار النشر اتصالات سبو، ص: 35.
5 – المرجع نفسه، ص: 35.
6- المرجع نفسه، ص: 39.
7 - د. مصطفى فهمي، الشذوذ النفسي. دار مصر للطباعة. الباب الرابع، الفصل الأول، (الإنحرافات الجنسية). ص: 153.
8- المرجع نفسه. ص: 160.
9- فاوستو أنطونيني، عنف الإنسان أو "العدوانية الجماعية". ترجمة نخلة فريرفر. سلسلة الكتب العلمية. معهد الإنماء العربي. عدد 10. ص: 70.
10- المرجع نفسه. ص: 72.
11- المرجع نفسه. ص: 74.
12 – د. عبد الصمد الديالمي، مرجع سابق، ص: 48.
13 – المرجع نفسه، 49.
14–جريدة النشرة. 7/8 أكتوبر 1998. عدد 156.
15–المرجع نفسه.
16– جريدة المستقل. الخميس 11 فبراير 1999. عدد 263، ص: 6.
17– جريدة مغرب اليوم، 6 / 12 ديسمبر 1997، عدد 97. ص: 28.
18 – المرجع نفسه.
19– جريدة النشرة. مرجع سابق.
20– محمد قطب، دراسات في النفس الإنسانية. دار الشروق، الطبعة السادسة، 1983، ص: 319.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجز أخبار الواحدة - منظمة دولية: غزة أصبحت مقبرة للنساء وال


.. رنا.. امرأة جريئة بادرت وطلبت يد ابن صديقتها




.. حديث السوشال | اعتقال امرأة بسبب عدم التزامها بالحجاب في إير


.. دراسة جديدة تُشير إلى ارتفاع معدل وفيات النساء تحت رعاية الأ




.. صباح العربية | سر غريب.. دراسة تفسر سبب صدق الرجال مع النساء