الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المغفرة في وقت لاحق

خيري حمدان

2013 / 4 / 12
الادب والفن


المغفرة في وقت لاحق
خيري حمدان

تذكرت صاحبي رضوان ذلك الرجل الطموح التقيّ، الذي غالبًا ما كان يبتعد عن الخطيئة في كلّ مظاهرها، ويحاذر في كلّ خطوة يقوم بها كيلا يغضب الأصدقاء والغرباء على حدّ سواء. كان ساهمًا معظم الوقت وما أن يحدّثه أحد حتّى ترتسم على تضاريس وجهه ابتسامة عريضة، يردّ بودّ وتشعر بأنّه على استعداد لأن يقدّم لنديمه الدنيا وما حملت عن طيب نفس. لكنّ - سرعان ما تعود مسحة الحزن على وجهه ثانية. تصعب قراءة ما يعتمل في روحه، وبالرغم من العلاقة الحميمة التي كانت تربطنا إلا أنّه كان يحبّ الانعزال والوحدة. سألته مرّة عن أمنيته، قال لي بأنّه يتمنّى الحصول على سيّارة. كان يعيد ويكرّر هذه الأمنية في كلّ المناسبات، لم تكن لديه الكثير من الأماني خلال مشوار حياته، فقط سيّارة من النمط التجاري المتوسّط الجودة، وكان بالطبع قد حصل على رخصة لقيادة السيّارات في انتظار تحقيق أمنيته. نصحته بشراء سيّارة بالتقسيط، لكنّه أوضح لي بأنّ دخله لا يسمح باقتطاع المال لتسديد الأقساط الشهرية، وفي الوقت نفسه كان يشعر بالحيرة من قدرة معظم أصدقائه ومعارفه على شراء سيّارات حديثة سريعة.

- كيف تمكّن علي وحسن وراغب من شراء مرسيدس؟ هذا أمرٌ محيّر للغاية. لقد بدأنا سويّة عملنا في المؤسسات الحكومية قبل عقد من الزمان!
- رضوان يا صاحبي، هؤلاء قادرون على التلاعب وبيع ضمائرهم، ألا تعلم بأنّ معظم المعاملات التي ينفّذونها يحصلون على دخل إضافي لتمريرها وتسريع إصدار المصادقات من رؤساء الأقسام. عليك أيضًا أن تسير في هذه الطريق كي تحصل على سيّارة مرسيدس، تقودها في شوارع المدينة وتذهب مع عائلتك وأصحابك في رحلات ونزهات.

- أللهمّ أرزقني ما يكفي لشراء مرسيدس، لا أريد سوى ذلك.
لكن دعوات رضوان على ما يبدو لم تجد آذانًا صاغية من السماوات العلى، ولم يتمكن رضوان من تحقيق أمنية بسيطة وبات همّ شراء سيّارة يقلقه ليل نهار. انقضت بضع سنوات ولم أقابله خلالها، كثرت مهمّاتي خارج البلاد ونادرًا ما كنت أقابل أحدًا من أصدقائي القدامى. في أحد الأيام وقفت سيّارة جميلة بالقرب منّي، أطلق السائق العنان لزامور السيّارة فرحًا، نظرت إلى داخل العربة، وعلى الفور عرفت في السائق صديقي القديم رضوان. دعاني للجلوس إلى جانبه في السيّارة وانطلق بمرسيدسه يعبّ شوارع المدينة ثمّ دعاني لتناول طعام الغداء في أحد مطاعم المدينة الواقع بالقرب من سفح جبل، وكان مشهورًا بطهي السمك.
- أخيرًا تحقّقت أمنيتك يا صاحبي، لكن أخبرني بالله عليك، من أين حصلت على المال يا رضوان؟ سيارتك تبدو ثمينة!
- قلبت المعادلة بكلّ بساطة. أنت تعرف بأنّني رجل مؤمن ولم يمضِ يوم دون أن أدعو الله أن يرزقني بسيّارة، لكن دعواتي لم تجد آذانًا صاغية.
- لا أفهم، كيف قلبت المعادلة يا رجل؟
- هل تعدني بأن يبقى هذا الحديث ما بيننا؟
- نعم، هذا وعد منّي، كلمة شرف يا رضوان، أخبرني الآن كيف حصلت على هذه العروس؟
- أجريت بعض التحقيقات في دوائر المؤسسة وتبيّن لي بأنّ العمولات التي يقبضها المدير تفوق رابته السنويّ، تعرّفت إليه عن قرب وزرته لأكثر من مرّة. بدأ يطلب منّي تنفيذ بعض المهام وسرعان ما كسب ثقتي، عرفت أسرار بيته ومخبأ أمواله. أخبرني بأنّه سيغادر إلى أحد الجزر اليونانية لقضاء عطلته السنوية لمدّة شهر، لم أفكّر كثيرًا وتمكّنت من دخول بيته بعد سفره بأيّام. نعم، سرقت فقط من أموال العمولات التي كان يجمعها، سرقت ما يكفي لشراء هذه السيارة وتركت له ما تبقّى وهو كثير. بعد عودته بدا مهمومًا ومغمومًا، لكنّه لم يجرؤ على إبلاغ أجهزة الأمن فقد كان من الصعب توضيح كيفية حصوله على كلّ هذه الأموال، كان حقيقة متخوّفًا من فضيحة قد تودي بمنصبه. باختصار قبل بالأمر الواقع واستمرّ في نهجه السابق، لكنّه بات شديد الحذر وتوقف عن استقبال الزائرين في منزله. أخذ يشكّك في ولاء جميع أصدقائه وابتعدت عنه بعد تلك الحادثة. انتظرت قرابة العام لإبعاد الشبهات عنّي ثمّ اشتريت هذه السيّارة.
- معقول يا رضوان. أنت تسرق!
- ألم أخبرك بأنّني قلبت المعادلة. طلبت من الله تحقيق رغبتي وبقيت خالي الوفاض لسنوات طويلة، لذا سرقت المال المسروق، حقّقت أمنيتي بشراء هذه السيّارة ثمّ أكثرت من زيارة المسجد طلبًا للمغفرة. ألم يعلّمونها ونحن صغارًا بأنّه غفور رحيم؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام إيراني يناقض الرواية العراقية حيال -قاعدة كالسو- وهجما


.. شبّه جمهورها ومحبيها بمتعاطي مخدر الحشيش..علي العميم يحلل أس




.. نبؤته تحققت!! .. ملك التوقعات يثير الجدل ومفاجأة جديدة عن فن


.. كل الزوايا - الكاتب الصحفي د. محمد الباز يتحدث عن كواليس اجت




.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله