الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجهوية الموسعة أساس الاتحاد المغاربي

سعيد هادف
(Said Hadef)

2013 / 4 / 13
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


ندوة"الجهوية : أي نموذج للدول المغاربية؟"، كلية الحقوق بجامعة محمد الأول، وجدة، يوم الفاتح من دجنبر 2010.
انظر الرابط http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=238221


على سبيل التذكير:

بعد أن دخلت الأقطار المغاربية غمار استقلالها الوطني، كان من المنطقي والبديهي أن تعمل على تنمية هذا "الحق" الذي ظلت محرومة منه طيلة عقود من الزمن؛ كانت مدعوة، مجتمعة وعلى حدة، على تنمية استقلالها، انطلاقا من هويتها الإسلامية وخصوصياتها المحلية، وفي ضوء تاريخ الغرب بوصفه، أولا، سيرورة وصيرورة التاريخ البشري، وثانيا، بحكم ارتباط هذه الأقطار بأهم دوله الكولونيالية، وثالثا، بوصف الغرب، والغرب الجرماني بالتحديد وريث الحضارة في بعدها الإنساني الكوني.
ومع أن هذه الأقطار ورثت من الغرب مؤسساته وأساليبه في تدبير الشأن العام التي خلّفها من ورائه، وعلى الرغم من أن الخطابات السياسية لهذه الأنظمة ظلت تحبل بـ"المفاهيم" التي أنتجها الغرب، غير أن ماحدث كان خلاف ذلك.
واتضح أن الخطابات التي ظلت تحمل تلك "المفاهيم" التي أنتجها الغرب، كانت تعاني من أمراض بنيوية لم تنفع معها الإسعافات الموسمية، وبعبارة أخرى؛ إن تلك الخطابات السياسية لم تكن في أغلبها سوى صياغات فرجوية إشائية لاصلة لها بمحيطها المحلي ولا العالمي، ولا بالتاريخ في بعده الاستشرافي، ظلت تحاكي الغرب كما يحاكي الهر "انتفاخا صولة الأسد". واتضح أن السياسات التي كانت تخفيها تلك الخطابات، وإزاء "مكر التاريخ"، لم تزدد إلا ارتباكا، وبالتالي لم تنجب بعد مخاض اصطناعي عسير إلا وضعا مغاربيا يعاني من جفاف في الخيال الخلاق، وضْعًا بات مرشحا للانحطاط والفوضى إزاء رفضه للاستشفاء من قابليته للتبعية والتخلف.
لم تفتر الإرادات المتطلعة إلى غد مغاربي أكثر تماسكا ومردودية، رغم حيرتها التي ما فتئت تزداد جراء التطورات التي جعلت هذه الأقطار، اليوم، لا هم لها سوى الهاجس الأمني؛ والتي – إن لم تتدارك الأمر – ستجد نفسها، بعد فوات الأوان، عاجزة حتى وإن رضيت من الغنيمة بالإياب، مثلما هو ماثلُ أمام أعيننا حالُ عدد من الأقطار الشقيقة.
على المستويين، العربي والإسلامي، ليس هناك ما يبشر بالأفضل، سياسيا، اقتصاديا وأمنيا؛ وطالما أن المغرب الكبير هو جزء من هذه الجغرافيا السياسية والثقافية، وطالما أن أسباب الأزمة توجد بداخله وعلى جواره، فإن أقطاره مرشحة لأكثر من سينايو من الأزمات، بل من الكوارث التي قد تعصف بما تبقى من استقرار المنطقة.
ترى هل ثمة أمل في الذهاب إلى مستقبل مغاربي يكذب هذه التوقعات؟ وما هي البدائل الكفيلة بتجنيبه هذا المستقبل الكارثي؟
إن مغرب اليوم (le Maroc)، في ضوء التحولات التي عاشها العالم في الخمسة قرون الأخيرة، هو كل ما تبقى من المغرب(le Maghreb) كمجال ترابي وكيان سياسي؛ فالمغرب كشعب وكأرض قد تعرض إلى تقطيع وتجزيء وبتر منذ بداية القرن السادس عشر، إثر التحولات التي حدثت بعد فتح القسطنطينية وسقوط غرناطة. وهذا الذي تبقى من المغرب، أصبح منذ نصف قرن هدفا للتجزيء؛ أي بعد الحرب العالمية الثانية وبعد ما يسمى بالاستقلالات الوطنية (ليبيا سنة 1951، المغرب وتونس سنة 1956، موريتانيا سنة 1960، الجزائر 1962)؛ ومنذ سنة 1975 لا يزال "مخطط التجزيء" يحاول بكل ما أوتي من قوة ومكر أن يفصل أقاليم المغرب الجنوبية كدولة مستقلة.
مع بداية القرن السادس عشر أصبح المغرب بين قوسين: قوس أوروبا الغربية الطامحة إلى التوسع بعد استرجاعها للأندلس، وقوس تركيا العثمانية الطامحة بدورها إلى التوسع بعد فتحها للقسطنطينية. إن الرواية التاريخية الشهيرة تقول أن العثمانيين بسطوا نفوذهم على كامل الأقطار العربية باستثناء المغرب؛ وهي رواية لا تعكس كل الحقيقة استنادا إلى أن المغرب كشعب وكأرض يمتد شرقا حتى ليبيا؛ وعليه فإن العثمانيين بسطوا نفوذهم على الجزء الأكبر من المغرب، وفي ذات الوقت كان المغرب في صراع دائم مع الإسبان والبرتغال ثم الفرنسيين.
مع النصف الأول من القرن العشرين شرعت أوروبا في تنفيذ مخططها التوسعي، فبدأت تحل محل العثمانيين، وكانت الحماية الفرنسية والإسبانية على المغرب جزءا من هذا التوسع. بعد الحرب العالمية الثانية، وما أسفر عنها من مؤسسات أممية جديدة، وبروز الفدرالية الأمريكية كقوة، دخل العالم زمنه الجديد الذي لا زلنا نسير على إيقاعه. هذا الزمن الذي فرض على أوروبا الكولنيالية الرحيل عن مستعمراتها تاركة من ورائها هذه المستعمرات تعيش في فوضى مفتوحة، حيث لا تخرج من أزمة إلا لتدخلها من باب آخر وبشكل أكثر فظاعة. ومثلما أشرت في البداية ، بدأ مسلسل استقلال الأقطار المغاربية، بعد أن وضعت الحرب العالمية أوزارها، ومعها وضعت مؤسساتها الأممية؛ وهو استقلال كان يكتسي طابعا انفصاليا في بعض الأقطار؛ حيث عملت بعض أنظمة الاستقلال على عزل الأقطار عن بعضها وتسويق خطاب الكراهية، واتضح في ما بعد أن هذه الأنظمة كانت تخدم مخطط التجزيء، وقد ظهر ذلك جليا مع دعمها اللامشروط للمخطط الإسباني الطامح إلى فصل الصحراء عن جذورها المغربية.
في ضوء ما تقدم نجد أنفسنا كمؤمنين بوحدتنا المغاربية، مدعوين إلى تفكيك الماضي بهدف فهمه واستيعابه وتملكه، حيث بدون ذلك لا يمكن بناء مستقبل مغاربي ديمقراطي. لقد كتب المناضل والمؤرخ المغاربي السيد محمد لبجاوي، في كتابه "باسم الجزائر" سنة 1976: "إن عدد الشهداء الذين منحوا أرواحهم في سبيل مغرب مثالي أكبر من ارتيابنا في أن نحقق ذات يوم المغرب الكبير. هناك عوائق أخرى، لكن هذا الحلم، حلم أسلافنا، حلمنا وحلم أبنائنا سيتحقق لأنه حتمية تاريخنا وهاجس حاضرنا وأمل مستقبلنا". المواد التي شملها هذا الكتاب، من مقالات وحوارات وتصريحات جاءت منذ الوهلة الأولى ضد تفعيل مخطط الانفصال سنة 1975، لتعبر دون تلعثم عن موقف وحدوي صارم، خاض فيه المناضل لبجاوي معركة دون هوادة ضد المخطط المعادي للمنطقة المغاربية ولشعبها، مخطط ظلت ترعاه شبكة متعددة التخصصات والمواقع والانتماءات، جعلت من الجزائر معقلا لها، وجعلت من المغرب هدفا وجب ضربه بكل الوسائل. بعد ذلك بعقد من الزمن، أصدر ميشيل جوبير، السياسي والحقوقي المغاربي ذو الأصل الفرنسي، كتابه " المغرب الكبير في ظل يديه" انتصارا للمستقبل المغاربي الموحد الذي ما فتئ يتعرض للتمزيق، وقد كتب قائلا: "إن المغرب الكبير حتى يحتمي من لهب الشمس الحارق لا مخرج لديه سوى استظلال يديه، فليجمعهما، من نواكشوط إلى طرابلس الغرب".
معطيات:
I- قمة تونس 1956
مع بداية القرن العشرين بدأ الحديث عن "المغرب العربي" كفكرة مجردة؛ وخلال الربع الثاني من ذات القرن، في سياق نضالات الحركة الوطنية المغاربية، سرعان ما تحولت الفكرة إلى "مفهوم". فالفكرة المجردة تبلورت كمفهوم في خضم النضال التحرري الذي قادته نخب الحركة الوطنية لكل من المغرب والجزائر وتونس.
إن الفكرة المجردة التي تبلورت كمفهوم كادت أن تتجلى كمشروع غداة استقلال المغرب وتونس، حيث كان من المقرر أن تلتئم أول قمة مغاربية بتونس العاصمة سنة 1956، غير أن الطائرة المغربية التي كانت تحمل قادة حرب التحرير الجزائرية من الرباط إلى تونس تعرضت إلى قرصنة جوية حيث اعتقلت السلطات الفرنسية القادة الجزائريين الذين كانوا على متنها مما تسبب في إلغاء القمة. فالقرصنة الجوية الفرنسية التي استهدفت الطائرة كانت قرصنة مدروسة ضمن "مخطط سري محكم" استهدف المشروع المغاربي وأفلح في ذلك عبر كل المحطات التي توالت.
II- مؤتمر طنجة (28 ـ 30 أبريل 1958)
بعد سنتين، أي سنة 1958 بطنجة انعقد مؤتمر ثلاثي بين حزب الاستقلال المغربي، وحزب الدستور الجديد في تونس، وجبهة التحرير الجزائرية،وكان من المقرر أن يكون مشروع الاتحاد المغاربي هو المحور الأساس في جدول أعمال المؤتمر، غير أن حرب الجزائر أصبحت محور النقاش الرئيس وتراجع مشروع الاتحاد إلى الخلف. وقد بحث المؤتمر عدة مبادئ منها:
1- تشكيل مجلس استشاري للمغرب العربي ينبثق من المجالس الوطنية المحلية في الأقطار الثلاثة (المغرب، تونس والجزائر)، وتكون مهمته دراسة القضايا ذات الاهتمام المشترك في بلاد المغرب العربي، وتقديم التوصيات بخصوصها للسلطات التنفيذية المحلية.
2- بحث قيام اتحاد فيدرالي بين الأقطار المشاركة في المؤتمر.
3- استئناف الاتصالات، بصفة دورية، بين المسؤولين المحليين في البلدان الثلاثة.
4- تأسيس أمانة دائمة من ستة أعضاء ـ (مندوبين عن كل حركة شعبية مشتركة في المؤتمر) لضمان تنفيذ مقررات المؤتمر.
فالفكرة المجردة التي تحولت إلى مفهوم كان من المفترض أن تخرج من رحم مؤتمر طنجة مشروعا قائم الذات، غير أن القدر السياسي أراد خلاف ذلك.
III - اتحاد المغرب العربي (17 فبراير 1989)
بعد إحدى وثلاثين سنة، أي في سنة 1989، احتضنت مدينة مراكش لقاءا خماسيا وصف باللقاء التاريخي، أسفر عن الاتفاقية القاضية بتأسيس اتحاد المغرب العربي. وقد أسفر عن عدة قرارات وتوصيات واتفاقيات. و لأن الحلم لم يستوف شروط هويته قضت (الصدفة) أن تكون مراكش سنة 1994 هدفا لعمل إرهابي طال أحد فنادقها و بسرعة البرق تبادل الطرفان (المغربي و الجزائري) رسائل الوداع اختلط فيها التأنيب بالتثريب.
VI- لقاءات ثنائية
من مؤتمر طنجة 1958 إلى لقاء مراكش 1989، ظلت الأقطار المغاربية، تلتقي من أجل وضع أسس للتعاون الاقتصادي والسياسي في اتجاه الاندماج. وعقدت عدة اجتماعات ثنائية.
1- عام 1962 - معاهدة دفاعية بين المملكة الليبية والمملكة المغربية.
2- 11 فبراير 1963- مؤتمر الرباط.
3- عام 1964، اقترحت تونس ضم ليبيا للاتحاد المغاربي، وأيدت المغرب هذا الاقتراح.

4- مؤتمر تونس (1 أكتوبر 1964)، وفيه اتخذ وزراء الاقتصاد المغاربة عدة قرارات وتوصيات أهمها:
- إنشاء نظام الأفضلية المغاربية للمبادلات التجارية وأسبقية التزود المغربي.
- تنسيق الإجراءات الجمركية بين سياسات التصدير.
- توحيد السياسة في الإنشاءات الصناعية وفي بناء التجهيزات الأساسية، خصوصاً في قطاعات المناجم والطاقة والنقل والمواصلات .
- إنشاء نظام مشترك للعلاقات مع مجموعة السوق الأوروبية، في نطاق سياسة التنمية الاقتصادية المغاربية، واحترام السيادات القطرية.
- إنشاء أجهزة التعاون المغربي المتمثلة، على نحو خاص، في اللجنة الاستشارية للمغرب العربي ومركز الدراسات الصناعية.
5- مؤتمر طنجة (نوفمبر 1964)
اهتم هذا المؤتمر بـ:
- التنسيق بين المخططات الوطنية للتنمية ومختلف الوحدات الصناعية.
- قضايا تمويل مشاريع التنمية، وتوحيد السياسات، في ميدان القوى العاملة والتكوين المهني.
6- مؤتمر طرابلس (27 مايو 1965)
اتخذ التوصيات الآتية:
- توصية بشأن صناعة الفولاذ ودعوة لجنة مختصة لدراسة هذا القطاع.
- توصية بشأن قطاع التأمين والمواصلات.
- تنسيق سياسات التصدير وتنظيم الإحصاءات الصناعية.
7- مؤتمر الجزائر (11 فبراير 1966)
اتخذ عدة قرارات أهمها:
- اختيار العاصمة التونسية مقراً للجنة الاستشارية، التي أوصى بها المؤتمر الأول، وتعيين ممثلي الحكومات بها وكاتب اللجنة.
- تنسيق السياسات التجارية الخارجية وسياسات السياحة والحسابات الوطنية والإحصاءات التجارية والصناعية.
- تأييد التوصيات السابقة المتعلقة بصناعة الحديد والصلب وصناعة الزجاج والتركيب الهندسي، خصوصاً في قطاع صناعة السيارات.
8- مؤتمر تونس (23 فبراير 1967)
وقد كلف المؤتمر اللجنة الاستشارية بالآتي:
- دراسة آفاق التعاون من منظور شامل خلال مرحلة تجريبية لمدة خمسة أعوام.
- إعداد اتفاقية بين الحكومات للتعاون الاقتصادي.
9- مؤتمر الرباط (20 يوليه 1970)
قدمت الجنة الاستشارية مشروع اتفاقية للتعاون الاقتصادي، بين الدول الثلاث، التي أوصى بها مؤتمر تونس إلى مجلس وزراء الاقتصاد حيث ظهرت عدة اعتراضات تقنية في مضمون الاتفاقية تتعلق بالآتي:
- أسلوب مراجعة رأس المال ومصدر السلع.
- هيكل تكلفة الإنتاج والقيمة المضافة.
- تقرر أن يعاد النظر في المشروع مرة ثانية.
10- مؤتمر الجزائر (21 مايو 1975)
- عرضت اللجنة الاستشارية صيغة جديدة للاتفاقية على مجلس وزراء الاقتصاد؛ فوجدوا فيها عدداً من المآخذ وقرروا رفضها.
- أوصى المؤتمر بالعودة إلى طلب التعاون، من خلال التحاليل القطاعية، وأعطي مهلة لذلك حتى عام 1981.
11- فبراير 1982: التكامل الاقتصادي بين ليبيا وتونس
واعتباراً من عام 1975، منذ المؤتمر السابع في الجزائروبعد احتضان الجزائر وليبيا لجبهة البوليساريو، توقفت اجتماعات وزراء الاقتصاد. وتوقف العمل في العديد من المشاريع التي كان قد تقرر إقامتها؛ بسبب الخلافات السياسية الناجمة عن النزاع حول الصحراء وانحصرت المشاركة في ثلاث دول هي تونس والمغرب وموريتانيا؛ واكتفت كل دولة بالعمل الثنائي.
وفي الفترة بين 23 ـ 27 فبراير 1982، زار العقيد معمر القذافي تونس، يرافقه وفد حكومي كبير، عقد خلالها عدة اجتماعات مع الرئيس الحبيب بورقيبة ورئيس الوزراء محمد مزالي، وتم التوقيع على اتفاقيات لتحقيق التكامل الاقتصادي كخطوة أساسية على طريق الوحدة.
12- مارس 19- 1982: اتفاقية الأخوة والوفاق
اتفاقية الأخوة والوفاق بين الجزائر وتونس في 19 مارس عام 1982، ثم انضمام موريتانيا إلى هذه الاتفاقية.
13- 1984: اتفاقية وجدة
في عام 1984، دعا الرئيس الليبي معمر القذافي إلى قيام شكل من أشكال الاتحاد مع المغرب، ورغم الخلافات القائمة بين البلدين، وتأييد ليبيا لحركة البوليساريو، فقد عقد اتفاق بين ليبيا والمغرب في وجدة وقعه الرئيس الليبي القذافي وملك المغرب الحسن الثاني، في غشت 1984، لإنشاء اتحاد بين البلدين كخطوة أولى نحو قيام المغرب العربي. ونصت الاتفاقية على تعزيز العلاقات الاقتصادية والثقافية والدفاعية بين البلدين. وفي 31غشت 1984، طرح مشروع الوحدة على الاستفتاء في المغرب، فنال 97,99 من الأصوات. كما وافق مؤتمر الشعب الليبي عليها بالإجماع. ولكن هذه الاتفاقية أُلغيت عام 1986.
14- ماي 1987: عودة العلاقة المغربية الجزائرية
نظراً لتوافر الإرادات الطيبة ورغم عقبة الصحراء، فإن المغرب الوحدوي قرر مواجهة الواقع بعزم وإصرار، فأثمرت الجهود سنة1987 يوم 2 ماي بإنعاش العلاقات المغربية الجزائرية بلقاء الحدود ما بين الرئيس الشاذلي بن جديد و الملك الحسن الثاني.
15- 1988 سبتمبر: الوحدة بين ليبيا والجزائر
في العشرين من سبتمبر 1988، دخلت الجزائر في مشروع وحدوي مع الجماهيرية العربية الليبية، وقد وُصِف هذا المشروع بأنه حجر الزاوية في بناء المغرب الكبير.
أصبح هذا المشروع قيد التداول في المكتب السياسي واللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني الجزائرية. واتفق على إجراء استفتاء عليه في مطلع عام1989 ، لكن نهاية الحرب الباردة كان لها رأي آخر، حيث أحداث أكتوبر 1988 بالجزائر أنسَتْ البلدين هذا المشروع، وبالرغم من التئام لقاء مراكش 1989 بين الزعماء الخمس، فإن الإرهاب ضرب هذا اللقاء بعد خمس سنوات من انعقاده، وأرجع العلاقة المغربية الجزائرية إلى درجات تحت الصفر من البرودة، فتجمد مشروع الاتحاد. ويبدو أن التئام قمة مغاربية خماسية بات من المستحيلات .
افتراضات: التاريخ المعطى والتاريخ البديل

I- افتراضات في الماضي

إن ما وقع في الماضي لا يمكن تغييره؛ ومع ذلك لنحاول معا أن نتدخل في "الماضي" انطلاقا من إعادة بناء افتراضي للأحداث من خلال لعبة تسمى الأكرونيا ابتدعها المؤرخ الفرنسي شارل لوفيني، وهي باختصار تعتمد على "فن اللعب بـ "لو".
- لنبدأ بسنة 1956؛ ماذا لو انعقدت القمة المغاربية بالرباط؟
- ماذا لو لم تدعم الجزائر جبهة البوليساريو؟
- لو لم تنجح الجزائر في إقامة مخيمات تندوف، هل كانت البوليساريو ستحظى بهذا الصيت؟
- لنفترض أن عملية اغتيال بوضياف فشلت؟
- ماذا لو فشلت العملية الإرهابية التي استهدفت مراكش 1989؟
- لنفترض أن المغرب بعد تفجيرات مراكش لم يفرض التأشيرة على الجزائريين؟
- ماذا لو أن الجزائر لم تغلق الحدود البرية؟
إنها افتراضات، ويمكننا أن نتخيل التطورات التي كان من المفترض أن تترتب عنها، فـ"لو" نجحت المشاريع الوحدوية، لكان التاريخ أخذ مجراه الصحيح ولكان المغرب الكبير مثالا في الأمن والرفاهية والعدالة، وهذا ما نسميه "التاريخ البديل" الذي كان من المفترض أن يكون. إن ما حدث قد حدث ويستحيل تبديله.
غير أن ما حدث في الماضي قد أفضى بالمنطقة إلى مايلي:
- استنزاف للثروة والجهد والوقت تعانيه الجزائر والمغرب وموريتانيا، بسبب جبهة البوليساريو.
- العلاقة المغربية الجزائرية متجمدة والحدود مغلقة.
- وضع أمني متدهور ومرشح للتفاقم.
- وضع اقتصادي يزداد هشاشة.
- اتساع رقعة الفقر والبطالة والفساد.
- تلاشي ثقة الشباب في وطنه وإصراره على الهجرة.
- باختصار، الوضع مرشح للمزيد من الفوضى..
ولكن ماذا لو حاولنا معا أن نلعب بـ"لو" ولكن في المستقبل. فإذا كان الماضي قد مضى، فإن المستقبل يمكننا التحكم فيه- نحن الحالمين باتحاد مغاربي ديمقراطي- يمكننا ذلك، إذا نظرنا إلى الواقع نظرة صحيحة، ورصدنا "المخطط المعادي" للديمقراطية ولمغربنا الكبير.
لنلعب، إذاً، بـ "لو" وسنرى المستقبل الذي نريد، والذي لانريد:

II – افتراضان في المستقبل

الافتراض الأول: الانفصال

لنفترض أن الصحراء انفصلت، وأصبحت دولة تدير شؤونها جبهة البوليساريو؛ ما الذي سيحدث؟
- إن الانفصال ليس هو الاستقلال؛ فالاستقلال هو تحرر شعب ما من نير الاحتلال ومن الأسباب التي أفضت إلى الاحتلال؛ أي التحرر مما يسميه المفكر مالك بن نبي "القابلية للاحتلال"، سيكولوجيا، سياسيا، اقتصاديا ... وقد اكتسى الاستقلال في عصرنا الحديث مظهرا قانونيا، انطلاقا من مبدأ "حق الشعوب في تقرير مصيرها"؛ وفي الحالات الطبيعية، فإن البلد المستقل يبقى على علاقة كدولة سيدة بالدولة المحتلة على أساس التعاون والمصلحة المشتركة.

- الانفصال ، حسب اعتقادي، هو أسوء تدبير سياسي لنزاع يمكن تدبيره في إطار اندماجي؛ وغالبا ما يكون كمؤامرة ضد الجهة المنفصلة، بسبب انعدام كفاءة القيادة الممثلة لهذه الجهة وانصياعها لضغط خارجي.
فاستقلال موريتانيا سنة 1960، ثم استقلال الجزائر سنة 1962، تم الإعلان عنهما في سياق يشوبه الاستعجاال والغموض والكثير من السرية؛ كما أن حرب التحرير الجزائرية والتنسيق بين الأحزاب المغاربية (حزب الاستقلال، وجبهة التحرير، وحزب الدستور) و مفاوضات إيفيان، فترة كانت تشوبها أحداث غامضة ومأساوية أحيانا، والمثير للتساؤل، أن تلك الأحداث كانت مصحوبة بقراءات وتأويلات أكثر غموضا والتباسا وتآمرا. واتضح مع السنين أنه استقلال شكلي، ظل ينطوي على نزوع انفصالي سهرت عليه سياسة تأكد أنها تنتظم داخل "مخطط" طويل المدى؛ وعليه، فإن الإصرار على انفصال الصحراء ليس سوى حلقة في سلسلة بدأت بانفصالات مُقنّعة ومتنكرة في زي الاستقلال لتبقى مفتوحة على الزمان وعلى المكان.
- فالإصرار على انفصال الصحراء هو امتداد للانفصالات التي نجحت في ظل تاريخ طويل وواقع جيوسياسي ملتبس.
فاستقلال الصحراء لن يفضي بالمنطقة إلى الجنة، لأن الدولة الجديدة لن تكون سويسرا، ولا حتى الكويت مثلما همس أحدهم في أذن أمريكا، ولن يتحقق على إثر هذا الانفصال، لا الاتحاد المنشود، ولا السلم والأمن، لأنه (الاستقلال) تجلٍّ للروح الانفصالية التي ظل يغذيها الخطاب السياسي المتطرف والمتشبع بالعداء غير المبرر، وهذا ما نلمسه بوضوح في الخطاب السياسي الجزائري إزاء تاريخه، وإزاء المغرب وإزاء محيطه.
فإذا تحقق "استقلال" الصحراء لن تكون ساكنتها أحسن حالا، والأمر لن يتوقف عند هذا الحد، لأن "المخطط" يعاني من شراهة لا شفاء منها إلا بموته، ولأنه شره، فإن شهيته ستزداد انفتاحا ولسان حاله هو لسان جهنم " هل من مزيد"، وفي حالة انفصال الصحراء، فهذا يؤكد أن النخبة الديمقراطية الوحدوية للأقطار الثلاثة (المغرب والجزائر وموريتانيا) عاجزة عن درأ الخطر القادم، وكتحصيل حاصل، فإن المنطقة برمتها ستواص مسلسل التفكك.

الافتراض الثاني: الاندماج

لا شك أن المغرب تحدوه إرادة سياسية قوية تعي أن الديمقراطية مبدأ أساسي في بناء دولة جديرة بثقة مواطنيها ومحيطها، كما أن أصحاب هذه الإرادة من المؤكد أنهم لا يهملون الإرادات المعاكسة و/أو المعادية لإرادتهم –وهي إرادات معادية لأي تغيير ديمقراطي إما جهلا بجوهر الديمقراطية وإما رفضا واعيا لأي تغيير يعود بالنفع على المنطقة المغاربية، وهذه الإرادات من المنطقي أنها لن تدخر جهدا لإفشال مشروع الحكم الذاتي والجهوية الموسعة. ولأن المغرب (الديمقراطي) لم يبق أسير أخطائه وأخطاء محيطه، وقد أطلق سلسلة من المبادرات ذات طابع محلي وإقليمي، وحتى يضطلع بدور قاطرة الخلاص المغاربي، فهو مدعو إلى تفعيل برنامجه بتوفير الشروط التي تضمن نجاحه.
إن مشروعي الحكم الذاتي والجهوية الموسعة لا يمكنهما أن يتحققا على أرض الواقع إلا كانعكاس لفعل ديمقراطي نابع عن عقيدة سياسية راسخة لدى أصحاب القرار والطبقة السياسية والنخبة الفكرية والإعلامية وباقي مكونات المجتمع المدني، وعلى أساس تكون فيه هذه العقيدة السياسية جزءا لا يتجزأ من مشروع حضاري له قابلية التفاعل الخلاق مع محيطه مغاربيا، متوسطيا، أفريقيا، عربيا، إسلاميا وعالميا. وهذا التوجه لا يمكن أن يتحقق إلا بشروطه.
فلو نجح المغرب (الديمقراطي) في تنزيل هذا المشروع وانتهى النزاع حول الصحراء في إطار الجهوية الموسعة والحكم الذاتي وتم طي صفحة الانفصال؛ فما الذي سيحدث؟
إذا كان الافتراض الأول، يؤكد أن المنطقة ستنفتح على ظاهرة التفكك والفوضى، فإن الافتراض الثاني، يؤكد أن المشروع سيكون مقدمة ومدخلا لزمن مغاربي جديد، يحمل في ذاته، شروط التحامه بالتاريخ، والشروط المؤسسة لاتحاد أقطاره.

على سبيل الختم

إن اجتراح سياسة راشدة، قادرة على تدبير ديمقراطي للمجال الجغرافي هو المشروع البديل للخروج من الحلقة المفرغة للنزاعات المفتعلة، وعلى رأسها النزاع حول الصحراء. فالذين يستندون في غمار الصراع، على "الوثائق التاريخية" لشرعنة مطلبهم، وفي غياب مشروع ديمقراطي، فإن مسعاهم ليس سوى تبرير فاشل لأطروحتهم؛ وبالتالي فإن كل مسعى من هذا النوع لا يعمل إلا على تعقيد الوضع السياسي. أي، إن هذه الأطروحات ما دامت غير ديمقراطية، فهي "لاتاريخية"، ومادامت كذلك فكيف تحتكم إلى التاريخ؛ وهي بالتالي لا تطرح حلولا بقدر ما تعمل على تحويل المشاكل إلى أزمات والأزمات إلى كوارث؛ إذ ما جدوى الاحتكام إلى "الوثيقة" مادام المحتكم إليها لا يزال يعيش خارج أسوار عصره.
إن الطرف المتبني لأطروحة مغربية الصحراء (المغرب) ، و الطرف الثاني (بوليساريو)، كلاهما ظل يخوض معركة ضد الآخر المعتدي والظالم، ومن منطلق أنه هو الوحيد صاحب الحق. فالطرف الأول في مرآة طرفه النقيض: محتل ومغتصب، بينما الثاني في مرآة الأول: انفصالي ومرتزق. الطرفان لم ينتبها إلى المبادئ التي أسس كل واحد منهما عليها نظرته إلى نفسه وإلى الآخر.
استطاع الطرف الأول أن يقترب من عصره، والاقتراب من العصر هو اقتراب من الذات بكامل حقيقتها؛ أما الطرف النقيض ازداد توغلا في "صحراء" أفكاره، مبتعدا عن عصره وعن ذاته، وبالتالي عن المشروع الذي نذر نفسه إليه والمتمثل في تحرير "الصحراء الغربية"
وبناء على ما تقدم فإن الطرف الأول مدعو إلى:
- تأصيل مشروعه ديمقراطيا وفي إطار مشروع مجتمعي متشبع بقيم حقوق الإنسان، ومن ثمة، تطهير صفوفه من الدخلاء والمتطفلين والانتهازيين.
فالمشروع والحالة هذه، سيتجاوز إعاقته، أي لن يبقى مسمرا في قاعة الانتظار، يترقب عودة النظام الجزائري إلى رشده، أو عودته ملوما محسورا، بل إن المشروع المغربي (الديمقراطي) سيشق طريقه في اتجاه الجنوب، فنجاح المشروع سيحفز موريتانيا على استلهامه والأمر نفسه بالنسبة للسينغال ومالي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر