الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ المطبخ الفرنسي

يوسف رزين

2013 / 4 / 14
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


في محاضرة ألقاها الدكتور فلورون كويي Florent Quellier بجامعة ابن طفيل بتاريخ 16 يناير 2012 ، أوضح التحولات الجذرية التي عرفها المطبخ الفرنسي خلال القرن 17 منتقلا بذلك من عصر النهضة إلى العصر الحديث .
و لتوضيح هذه التحولات عاد الأستاذ المحاضر إلى القرن 16 ، أي إلى عصر النهضة و أوضح أن المطبخ الفرنسي في هذا القرن كان يستعمل التوابل بكثرة كعادة موروثة من القرون الوسطى ، لكن بقدوم القرن 17 تغير الوضع و ظهر نزوع لدى الفرنسيين إلى التقليل منها ، فصار هذا المطبخ مقتصرا على نوعين من التوابل فيما يخص الأطباق المالحة و هي الفلفل و جوزة الطيب ، أما الأطباق الحلوة فاستعملت فيها القرفة و الزنجبيل فقط . أما باقي التوابل فقد تم تعويضها بالأعشاب العطرية كالبقدونس و الثوم و البصل .
هذا الشكل الجديد من الطبخ صار علامة تميز اجتماعي لدى الطبقات الارستقراطية الفرنسية حيث تم الانتقال من مطبخ ارستقراطي كثير التوابل الى مطبخ ناعم . و منذ هذا العهد و الفرنسيون يعتبرون أكلات الأجانب غير قابلة للأكل لكثرة توابلها بينما في المقابل صارت الارستقراطيات الأجنبية تشعر بالإحباط عند زيارتها لفرنسا .
و لم تقف التغيرات عند هذا الحد بل امتدت إلى جوانب أخرى ، فالصلصات مثلا في العصر الوسيط و عصر النهضة كانت شديدة الحموضة حيث كان الطباخ الفرنسي يقوم بإعدادها عن طريق مادة الخل و عصير العنب الأخضر و النبيذ الأبيض بينما في القرن 17 تم التقليل من هذه المواد الحمضية و تعويضها باستعمال مادة السكر . هذا النزوع إلى التقليل من التوابل و الحمضيات كان يقوم على فلسفة الحفاظ على المذاق الأصلي للأكلة و عدم تغييره .
أيضا عرف المطبخ الفرنسي قدوم مادة الزبدة إلى رفوفه . فهذه المادة كانت حتى نهاية العصر الوسيط تعتبر كغذاء للقرويين ، لكن انطلاقا من القرن 17 سيتم استعمالها بكثرة في المطابخ الارستقراطية الفرنسية مكان شحم الخنزير . كذلك من التغيرات التي عرفها هذا المطبخ عملية فصل الحلو عن المالح ، فالمطبخ الوسيطي كان يستعمل السكر بكثرة باعتباره علامة تميز اجتماعي نظرا لغلاء ثمنه ، لكن انطلاقا من القرن 17 تم التقليل منه و لم يعد يستعمل في أطباق اللحم و السمك و الخضر و صار استعماله مقتصرا على الحلويات . مع هذا الفصل بين المالح و الحلو صارت الأكلات تبدأ بالأطباق المالحة و تنتهي بالحلوة . ثم في النهاية كآخر تغيير عرفه المطبخ الفرنسي ، كان ظهور الطبق الأولي Pré-cuisine المكون من الحساء .
هذا التحول في نظام الطبخ صاحبه تحول تقني ، حيث انه في القرن 17 ظهر اختراع يخص المطبخ الفرنسي تمثل في طاولة حجرية توضع عليها معدات الشواء ، مكنت الطباخ الفرنسي من الاشتغال و ظهره منتصب ، بينما قبل ذلك كان الطباخ يستعمل المدخنة التي لم تكن أداة عملية ، حيث كان لزاما عليه أن ينحني مما كان يجعله عاجزا عن استخدام النار بشكل عملي و متنوع أما بفضل طاولة الشواء صار بإمكانه الحصول على خمسة أشكال من الشواء ، لقدرته على التحكم في مستويات النار . أيضا اشتغال الطباخ و ظهره منتصب كان له دلالة اجتماعية عميقة ، فهذه التقنية ساوته مع أفراد الطبقة الارستقراطية ، لان أفراد الشعب كانوا يشتغلون و ظهورهم منحنية . إذن يمكن القول أن الطباخ الفرنسي باشتغاله واقفا صار له وضع اجتماعي مميز .
لكن كيف يمكن تفسير هذا التحول في العادات الغذائية للفرنسيين ؟ الجواب هو انه انطلاقا من القرن 17 تمت إعادة تعريف العلاقة بين أوربا الغربية و باقي العالم ، فهي باحتلالها للعالم الجديد ( القارة الأمريكية ، إفريقيا، آسيا) انتبهت لتفوقها العسكري و الاقتصادي و التقني ، ما نتج عنه التنقيص من قيمة التوابل لأن الأوربيين كانوا يعتقدون أنها تأتي من الهند المتقدمة حضاريا عنهم و أنها عبارة عن جنة أرضية ، لكن بعد اكتشاف آسيا تنبه الأوربيون إلى أن الهند ليست جنة أرضية مما تسبب في انخفاض الاهتمام بمنتجات هذا البلد . إضافة إلى ذلك فأن فرنسا في القرن 17 سعت إلى أن تتميز عن ايطاليا و اسبانيا في جميع الميادين كالعمارة و الفن و السياسة و بطبيعة الحال المطبخ ، فكان هناك معمار و حدائق و رسم و طبخ على النمط الفرنسي . أيضا يمكن إضافة عامل آخر ، و هو إقصاء الارستقراطية الفرنسية من طرف الملك في القرن17 و حذره منها و عدم اعتماده عليها كان دافعا كبيرا إلى تطوير المطبخ الفرنسي ، لأنها سعت كرد فعل على إقصاءها إلى إعلان تميزها في عدة مجالات من بينها الطبخ .
إذن كما رأينا ، تضافرت عدة عوامل تاريخية منذ القرن 17 لتمنحنا هذا المطبخ الفرنسي بشخصيته المميزة إلى اليوم و التي تحددها الخصائص الخمسة التالية :
- التقليل من التوابل
- التقليل من الحموضة
- استعمال الزبدة
- الفصل بين المالح و الحلو
- تناول الحساء قبل الطبق الرئيسي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال شيق
مجدى زكريا ( 2013 / 4 / 14 - 20:55 )
شكرا للاستاذ يوسف رزين , استمتعنا حقا بمقالك الشيق
عن اشهر المطابخ العالمية


2 - تحية وشكر
نبيل السوري ( 2013 / 4 / 15 - 07:27 )
لأنك نقلتنا ولو لبعض الوقت خارج السياسة والقتل
الطبخ الأوروبي من أهم اهتماماتي لذلك استمتعت بهذه المحطة اللطيفة

لك الشكر

اخر الافلام

.. استقطاب طلابي في الجامعات الأمريكية بين مؤيد لغزة ومناهض لمع


.. العملية البرية الإسرائيلية في رفح قد تستغرق 6 أسابيع ومسؤولو




.. حزب الله اللبناني استهداف مبنى يتواجد فيه جنود إسرائيليون في


.. مجلس الجامعة العربية يبحث الانتهاكات الإسرائيلية في غزة والض




.. أوكرانيا.. انفراجة في الدعم الغربي | #الظهيرة