الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مثل كركزانٍ حزين

خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)

2013 / 4 / 20
الادب والفن


رقصتَ، رقصتُ، اندلعَ الأفقُ كشهوةِ نجمٍ بعيد إلى هبوطِ قريب، رأينا تجلّياً لا تقيسُهُ العاطفة، برقاً أزرق، تعابير بنفسجية تنحني على الرمل كأمٍّ على سرير ابنها، غيوماً زهريةً تعبّئ النهرَ وتعينُهُ على المضيِّ كموظّفٍ عيَّنَتْهُ السماءُ لتُشهِدَ الأرضَ على جمالِها، عبأنا أرواحَنا بموسيقى الكونِ، لم يكن من مكانٍ باقٍ في قدرتنا على الرؤيا حين نزَّ الفجرُ من ثقوبِ الليل، الرقصُ أعادَ خلقَنا، فوُلدنا منفيَّينِ، بطقوسٍ تتجدّدُ وورداتٍ دائمة النضارةٍ في مرمى العين.

رأيتُكَ، لم يخبرني أحد بذلك، بجناحين فضيّين، وصرخة يابسة بسببها زمَّمتَ عينيكَ في تعبيرٍ يأخذ شكلَ الألم في اللوحات الكلاسيكيّة، كنتَ لا تزال في الطريقِ إلى السماء، وجناحاكَ يخفقان ببطءِ مَنْ لا يعرف إلى أين سيذهبْ، لم تكن مكترثاً للقبكَ الجديد كشهيدٍ أخير، وكل الوقت كنتَ تنظرُ إلى الأسفل كمن يودّعُ أمّهُ متوقّعاً غياباً طويلاً، وحينَ سألتُكَ قبلَ أن تختفي بلحظاتٍ خلفَ الغيومِ السوداء التي اقتربَتْ بشكلٍ مزعجٍ من الأرضِ قلتَ: أريدُ أن أحفظَ هذه الأرض غيباً، فلا يمكنني تصوّر عالَمٍ أكثر جمالاً، حتى وإن كنتُ ذاهباً إلى الجنة، وفي اللحظة التي اختفيتَ فيها بجناحيكَ الفضيّين، ظهر في الأفقِ سربُ حساسين، كأنكَ تفكّكَتَ إلى عصافيرٍ وماء، أما أنا، فنظرتُ إلى الأرضِ مثلكَ تماماً، محاولاً أن أصطادَ فكرتك.

أومأتَ كشعاعٍ بنفسجيٍّ طارئ: لي أفقُ يشبه فيلماً على شاشة سينما، أراه ولا أستطيع العبورَ إليه، خسفتني دهشةٌ من كلماتِكَ التي لا صوفيّةَ في مفرداتِها، ضحكتَ: الصوفيَّةُ لا تُتَرجمُ ولا تُقالُ، الصوفيةُ رقصةُ والرقصُ كلامُ الجسدِ مع الليلِ، لا معنا.

عُدتَ مخبوزاً كرقاقةِ قمحٍ بالحرّيةِ والعسل، نساء جميلاتٌ في أقبية المدينة أحببنكَ، استبدلن النبيذ بأحلام معتقة على رفوف المطابخ، وأحببنكَ، عشنَ حياةً بليدةً وأحببنكَ، دسنَ على شوكٍ يفصل بين الحلم والحقيقة، وأحببنكَ، جميعهنّ عرفن أنهن فقط حين يحببنك بهذا الوجدِ الذي يخلو من جسدٍ وروحٍ وبرزخٍ، كأنه حبٌّ معلّقٌ في الهواء، حينها فقط، يمكنهن احتمال الحياة.

قلتَ: تكفيني ابتسامةُ أمي، لا أريدُ الحفلَ بموسيقاه الصاخبة، تكفيني وردة الحنونِ، لا أريدُ غاباتٍ من البنفسجِ على ضفّةِ نهر، تكفيني جرعةٌ من ماء المطر، لا أريدُ غيمةً على يدي، يكفيني ولدٌ يضحكُ من حكايتي، لا أريدُ أن تعرفني بقية اللغات، يكفيني ضوءُ الشمس قبل الفجر بقليل، لا أريدُ أضواءً بألوانٍ لا أعرفها، تكفيني لمسةُ جدّتي في مكانِ الوجعِ، لا أريدُ طبّ المدن، يكفيني فنجانُ قهوةٍ على حطبِ البرتقال، لا أريدُ خدمةً بابتسامةٍ مدفوعةِ الأجرِ، يكفيني ملحُ البحرِ حينَ يعبّئ الهواء، لا أريدُ حدائقَ لا أعرفُ آخرها، يكفيني وطنٌ، لا أريدُ جغرافيا، يكفيني أن أعرفَ أحبتي القليلين، لا أريدُ جمهوراً من أرقامٍ، وأنا لملمتُ صداقتي معكَ في كيسٍ من خرافة، واستسلمتُ لوظيفتي: أن أكون راويَ جنونِكَ.

وسألتكَ ببلاهة المرتاحين على أسرّة المعرفة: لماذا متَّ وقد أينعت الحياة في راحتيك غزلاناً وطيناً خصباً، فأسنَدْتَ غيمةً هابطةً براحتيكَ وبكيت، وانتشرتَ كعطرٍ في الهواء، وكأنّكَ تقول: حين نموت لأجل البلاد، نموتُ كي نثير الأسئلة، لا لكي نصنع الإجابةَ جاهزةً لمن يعيشون جاهزين كلعبةِ السبعة أحجار، وعدتَ وبدَّلتَ عطرك بالموسيقى، وخفقتَ قرب الشمس مثل كركزانٍ حزين، لم ألمح إلا بعد أن غادرتَ أن عينيكَ كانتا كل الوقت معلقتين ببيت صغير أمامه ظبية وكلب رعاة، كانت الآلة تقضمه قطعةً قطعةً، ولهذا كانت الغيمة التي أسندتها بيديك تهبطُ إلى الأرض لتصب في مجاري الدمع، رفعتها لأنك لم تكن تريد دمعاً، ولم تمت من أجل هذا.

كلّ فجرٍ، أراكَ تعيدُ يدكَ إلى جيبكَ كتلميذ يخبّئُ رسالةَ امرأةٍ حينَ فاجأهُ المدرّسُ، وكلَّ فجرٍ كنتُ أعيدُ الحكايةَ بصوتٍ مسموعٍ كي لا أنسى، وصدّقني: ما عدتُ أعرفُ أينا الحكاية، وأينا من يرويها.

السابع عشر من نيسان 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في