الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دادائيه عراقيه ..

جاسم البغدادي

2013 / 4 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


يخطئ من ظن ان الدادائيه انتهت او ان السرياليه احتوتها لتضمها في تيارها وتضبط توجهاتها المتمرده على اي انضباط ....لم تنتهي الدادائيه لسبب بسيط وهو انها تسير بلا اهداف مرسومه وبلا خطوات مرسومه وبلا توجه مرسوم ...وان كان كل شئ فيها تحكمه هذه (البلا) فلا بد ان تكون خاتمتها بلا نهايه ...مثلما كانت بدايتها كما روج لها اتباعها انها بلا بدايه معروفه ...وان الذين اجتمعوا في زيوريخ لم يبتكروها بل استدلوا عليها فالدادائي الاول هو ذلك الانسان الاول الذي كان مجردا من كل الاشياء واهمها المنطق واللغه والفهم أو محاوله الفهم ...ان تفهم او تحاول الفهم فلست دادائيا ....وان كان (تريستان تزارا) هو من اقترح مصطلح (الدادا )عام 1916 والتي تعني البراءه والتجرد فانه اصرّ ان يعرّف الدادائيه انها لامعنى لها ..فهي ليست سوى تعبير عن الرفض والتمرد على كل ما هو متعارف من قيم ومنطق وايمان ومدنيه وماضي ومستقبل وعلم وعقل وفكر ونقاش و....ولذا فهو واتباعه لم يهتموا قط بالمحافظه على المدرسه الدادائيه بقسميها الفني والادبي بقدر ما اهتموا بابرازها للعالم ثم تركها بيد الناس فمن شاء ان يكون دادائيا فليكن ومن شاء فلا وتوقفوا عن ترويجها بعد ان انتشرت بسرعه هائله في دول عديده ثم اصبحت مدرسه عالميه وظن من ظن انها انتهت لأن روادها تخلوا عنها دون ان يعي احد ان التخلي عنها هو احد مفاهيمها التي قامت عليها ..تماشيا مع التمرد على كل المفاهيم ورفض التقيد والبحث عن الاستقلاليه فالدادائيه كما وصفها تزارا نفسه (جرثومه عذراء ) ....قدم احد المخرجين الدادائيين مسرحيه دادائيه في احدى المسارح ولان الجمهور لم يتعود بعد على مشاهده او فهم هذا النوع من المسرح فقد احدث ضجيجا صاخبا في المسرح اعقبه بقذف الممثلين بكل ما ناشته ايدي الجمهور من قبعات رأس واحزمه واحذيه وحقائب نسائيه وقراصات شعر وورق واقلام و(سندويجات) كل شئ ...وحين انتهى العرض قال المخرج ان المسرحيه حققت نجاحا باهرا لدرجه ان كل الجمهور غدا دادائيا في التفاعل معها ....وقد بشر تزارا نفسه العالم ان الدادائيين سيبقون يعلنون عن انفسهم بشتى السبل (ستجدوننا نصفـّر بين رياح مدن الملاهي والاديره ومناطق الدعاره والمسارح والمطاعم والحدائق ...) وقال في موضع اخر (نحن ننطلق من عدم الثقه بالجميع ..ولا نقبل بأي نظريات ..اننا مثل الريح الغاضبه التي تمزق ثياب الغيوم والصلوات )..(اننا نمحو كل شئ ونؤسس للدمار والتشتت..) ....وطبعا فالتأسيس للدمار والتشتت ليس بالمعنى المادي بل الحسي فلا تزارا ولا الدادئيون كانوا ينتمون الى ثقافه العنف ,بل العكس هم ضحايا هذه الثقافه ولذا ربط الكثير ظهور الدادائيه بمآسي الحرب العالميه الاولى ومشاهد الالاف من الناس وهم يتساقطون قتلى تحت نيران تلك الحروب الهمجيه التي تجد من القيم والمنطق والمفاهيم السائده والشعارات التعبويه منظـّرا شرعيا لها وعقلنه لكل آثارها المدمره ..واذا اردت ان تكتب نصا دادائيا فما عليك الا ان تتجرد من كل فكره في رأسك عما ستتكتبه لانك ان فعلت ذلك فقد قيدت نفسك بموضوع معين لا بد له من ترتيب في المعنى او المنطق وكلاهما خارج عن مفهوم الدادائيه لذا فالوسيله الوحيده هو ان تكتب عدة كلمات في ورقه ثم تبدأ بقص الحروف او الكلمات ..ثم تخلطها بيدك او في كيس حتى تتبعثر تماما ..ثم تعيد ترتيبها بعشوائيه ودون اي ترتيب فالنص الذي يظهر لك هو انت كما يقول تزارا ..بمعنى اخر انك مثل كل شئ في هذه الحياة مبعثر ولا نظام له ولا بد كي نواجهه ان يكون مستوى تفكيرنا عشوائي ومبعثر ولا نظام له او ترتيب ...انه ذلك الشخص الذي يرى الحياة مبعثره ويجب ان تظل مبعثره .... الدادائيه رفض الواقع بكل نتاجاته وان كان المفكر الفرنسي-العالمي (روجيه غارودي ) قد تبنى فكره الرفض كأحدى المعضلات التي ستواجهها المجتمعات الحديثه في كتابه (البديل ) والذي قدمه بعباره (ان مجتمعاتنا في طريقها الى الانحلال) فان ما استقراه من مشاعر الرفض عند الشباب في مختلف انحاء العالم والذي تجلى بالفعاليات الفنيه المعبره عنه وكذلك النتاجات الادبيه في القصه والشعر والدراما السينمائيه التي تركز على تعرض العالم للانقراض عن طريق مخلوقات مجهوله او كوارث طبيعيه لم يكن في حقيقته الا بقايا تداعيات دادائيه في الذهنيه البشريه التي تعزف على وتر فقدان الثقه بكل شئ .. مع فارق ضئيل هو ان الدادائيه لا تعطي بديل ولا ترغب بالبحث عن بديل لان مجرد البحث هو بحد ذاته ايمان بوجود شئ قابل للوثوق به ..وهذا مخالف لمنهجها القائم على اساس المحو لا الاثبات والالغاء لا الايجاد....المشهد العراقي بما يحمله من تناقضات عجيبه غريبه وفقدان الثقه بكل افرازاته ومن جميع النواحي السياسيه الاجتماعيه الثقافيه الاخلاقيه جاهز تماما لاحتضان الدادائيه ان لم يكن قد احتضنها من وقت طويل وانها قد فرخت وتناسلت منذ زمن بعيد وان لم يشعر بها احد لان معالمها غير معروفه لدى المجتمع ..فكم وكم مشاهد ومواقف في العراق تدفع بالانسان السوي والحريص على وطنه للسير وسط الشارع وهو يردد عبارات غير مترابطه مع بعضها الا بقاسم مشترك واحد وهو الرفض لكل شئ , والتمرد على كل شئ ..فهو يردد ...برلمان , بيض, تهميش , كهرباء , حكومه , مجاري , قاعده , ازمه , فلاونزه , , نووي نووي , طائفيه , مشاريع , انفجااااااااار , عرس , , جمعه , , بطاقه تمرين , ......ولو ادرك هذا الانسان انه غدا دادائيا لما فزع من حالته وشك بقواه العقليه ....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة


.. قوات الاحتلال تعتقل شابا خلال اقتحامها مخيم شعفاط في القدس ا




.. تصاعد الاحتجاجات الطلابية بالجامعات الأمريكية ضد حرب إسرائيل


.. واشنطن تقر حزمة مساعدات عسكرية جديدة لإسرائيل وتحذر من عملية




.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را