الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المطالب المستعجلة للطبقة العاملة المغربية

عبد الله لفناتسة

2013 / 4 / 28
ملف حول مشكلة البطالة في العالم العربي وسبل حلها، بمناسبة 1 ايار- ماي 2013 عيد العمال العالمي



تخوض الطبقة العاملة المغربية منذ سنوات نضالات متواصلة حول مجموعة من المطالب المطروحة على الباطرونا والحكومة، ومن أجل تحقيق أهداف قريبة أو بعيدة المدى. لكن الملفات المطلبية التي ترفعها اليوم مختلف المركزيات النقابية، تكاد لا تختلف عن تلك التي طرحتها اتباعا منذ انطلاق ما يسمى بالحوار الاجتماعي في منتصف تسعينات القرن الماضي. وذلك راجع إلى أن الرأسمالية غير مستعدة للتنازل عن جزء من "نصيبها" من الثروة لتلبية مطالب الطبقة العاملة، وخصوصا في ظل اختلال موازين القوى لفائدتها (أي الرأسمالية)، وغياب الأداة السياسية المستقلة للطبقة العاملة وضعف النقابات وخيانة قيادات المركزيات النقابية لدورها النضالي، وتَحَوُلها إلى مُواكِبة للهجوم الرأسمالي على الحقوق والمكتسبات العمالية.
تهدف هذه الورقة إلى خلق نقاش حول المطالب النقابية المستعجلة التي يجب توحيد نضال الطبقة العاملة حولها، على اختلاف انتماءاتها النقابية وبمساندة حلفائها وسط اليسار المناضل والقوى الشعبية والمدنية الديمقراطية.
تجاوزا، نَصِفُ هذه المطالب بالمستعجلة رغم ما تطرحه هذه الصفة من إشكالات سأثير بعضها أدناه. كما أن المطالب المذكورة ليست حصرية، بل تشكل نواة لملف مطلبي نقابي وطني آني، قابل للتحيين وفق مستجدات كل ظرف.
1. المطالب ذات الطابع السياسي والمدني:
- إن أول الحقوق التي ينبغي الدفاع عنها يتمثل حقها حق الطبقة العاملة في النضال من أجل تشييد مجتمع بديل يحقق جميع مطامحها وينعدم فيه استغلال الإنسان للإنسان أي حقها في القضاء على بنيات الاستغلال والقهر القائمة وبناء مجتمع يضمن التوزيع العادل للثروة يكون فيه الشعب المنتج صاحب السيادة والقرار، وذلك يفترض الاعتراف الآن للطبقة العاملة بحقها في بناء أداتها السياسية المستقلة والممارسة الحرة للحق النقابي وحق الإضراب.
- هذه الحقوق السياسية والمدنية للطبقة العاملة تقتضي وضع دستور ديمقراطي ورفع القيود القانونية والإدارية على حق التنظيم والتظاهر وحرية التعبير والصحافة وإلغاء قوانين الاستبداد (الفصل 288 من القانون الجنائي، الفصل الخامس من مرسوم 05 فبراير1958، قانون السخرة لسنة 1938...)، والمصادقة على الاتفاقيتين 87 و151 وباقي اتفاقيات الشغل الدولية وملائمة القوانين المحلية بما فيها الدستور مع المعايير الدولية للشغل ولحقوق الإنسان عموما.
- ضمان الحريات النقابية بمقتضى القانون، لا يكتمل إلا برفع جميع القيود الإدارية التي تضعها وزارة الداخلية أمام تأسيس النقابات في مواقع الإنتاج أي إلغاء التحقيقات البوليسية التي تمس أعضاء المكاتب النقابية، وتسليم وصول الإيداع فورا عند وضع الملفات القانونية لدى السلطة المحلية، ... والكف عن تدخل السلطة في الشؤون الداخلية للنقابات وعن محاربة النضال النقابي الديمقراطي والتواطؤ مع الباطرونا والبيروقراطية الفاسدة.
- إقرار إلزامية المفاوضة الجماعية وانتظامها سواء على مستوى المقاولة والقطاع أو على الصعيد الوطني حول الملفات المطلبية النقابية وإشراك النقابات في بلورة السياسة الاقتصادية والاجتماعية للدولة (المادة 396 من مدونة الشغل)، ورفع الحصار المخزني المضروب حول المقرات النقابية والأحياء الصناعية والاستغلاليات المنجمية والفلاحية والبحرية، وهو الحصار الذي امتد إلى مدن بكاملها أصبحت تعيش حالة الطوارئ لمجرد أن الطبقة العاملة تخوض بها نضالات مطلبية مشروعة (إيمضر، بُوَازار، ورزازات، سوس ماسة، ...).
- تعميم اتفاقيات الشغل الجماعية، يشترط قبل ذلك، النضال من أجل تعميم وتطبيق ما تنص عليه مدونة الشغل على علاتها، باعتبارها حدا أدنى؛ وتجريم انتهاك تشريع الشغل. ذلك ان اتفاقيات الشغل الجماعية المبرمة بالمغرب على مدى نصف قرن، قليلة جدا وتعد على رؤوس الأصابع في ظل اختلال موازين القوى لفائدة الباطرونا وتراجع النضال النقابي وضرب المكتسبات التشريعية والفعلية للطبقة العاملة.
- تعزيز ودمقرطة جهاز تفتيش الشغل والقضاء وخلق محاكم مختصة وتفعيل محاضر المخالفات المحررة ضد المشغلين الخارجين عن قانون الشغل وتنفيذ الأحكام الصادرة لفائدة آلاف العاملات والعمال، والإسراع في الاستجابة للمطالب المشروعة التي عبر عنها مفتشو الشغل عبر تنظيماتهم النقابية والمهنية لتوفير الشروط البشرية والمادية والمعنوية لقيامهم بدورهم في مراقبة تطبيق قانون الشغل بالمقاولات، ولحمايتهم من المضايقات التي يتعرضون لها وعلى رأسها المحاكمات التعسفية التي تطالهم.
2. المطالب الاقتصادية والاجتماعية:
"إخراج الطبقة العاملة من دائرة الفقر"، هو العنوان الذي يعبر عن مجموع المطالب الاقتصادية والاجتماعية المستعجلة للطبقة العاملة المغربية، التي يعيش أغلبها تحت عتبة الفقر الرسمي، كما حدده برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فضلا عن مطالبها المتعلقة بتوفير شروط ملائمة للعمل في مواقع الإنتاج. هذه الشروط التي تدهورت بشكل خطير وأصبحت تهدد الحق في الحياة لآلاف العاملين في المعامل والمناجم والضيعات والمقالع وأوراش البناء وفي عمق البحر ... ويمكن تلخيص هذه المطالب في:
- زيادة عامة في الأجور والمعاشات لا تقل عن 30 % لتدارك التدهور الذي أصابها في السنوات الأخيرة، وتوحيد الحد الأدنى للأجور والمعاشات ومراجعة المعايير المعتمدة لتحديده ورفعه إلى 4000.00 درهم (2013)، ووضع حد لفضيحة التمييز بين قطاعي الصناعة والخدمات من جهة والقطاع الزراعي من جهة ثانية. هذا التمييز الذي امتد في السنين الأخيرة إلى بعض فروع القطاع الصناعي نفسه (النسيج)، وإعادة إصدار وتطبيق قانون السلم المتحرك للأسعار والأجور تتم بموجبه مراجعة سنوية لتدارك الفارق الناجم عن التضخم، وتقليص الفوارق في الأجور والمعاشات حتى لا يتعدى حدها الأقصى عشرة أضعاف الحد الأدنى، بحيث يطبق هذا الإجراء العاجل في البداية على الوزراء وأعضاء دواوينهم ومديري المؤسسات العمومية والمسؤولين الكبار في الإدارات العمومية والجيش، وإلغاء تعويضات البرلمانيين الذين يتوفرون على دخل ...
- وضع سياسة ضريبية عادلة، بدءا بتخفيض الضريبة على الأجور والمعاشات وتمييزها على الضريبة على الدخل، وإعفاء الشطر الذي يساوي الحد الادنى للأجور والمعاشات من هذه الضريبة، والكف عن الإفلات من العقاب وعن التسامح القانوني وغير القانوني في تطبيق الضريبة على الرأسمال، واسترجاع الديون المستحقة للدولة عن السنوات الفارطة، وهنا تجذر الإشارة إلى أنه وعكس ما تذهب إليه بعض النظريات الاقتصادية التي تعتبر الضريبة نوعا من إعادة توزيع الثروة داخل المجتمع فإن الواقع المغربي المعاش يؤكد أنها ساهمت في تركيز الثروة في يد أقلية من البرجوازيين وكبار الملاكين.
- ضمان الحق في الشغل واستقراره، من خلال محاربة البطالة وخلق مناصب شغل كافية ومنع التسريح الجماعي للعمال من المقاولات كإجراء اقتصادي يهدف إلى تخفيض كلفة العمل. فالطبقة العاملة معنية مباشرة بمعضلة البطالة، لأن أغلب المعطلات والمعطلين هم أبناء العمال والفلاحين الفقراء والكادحين، كما أن خزان البطالة يتعزز سنويا بآلاف العمال الذين يسرحون من مواقع الإنتاج، وأخيرا لأن الرأسمالية تستعمل البطالة كورقة ضغط لإضعاف الطبقة العاملة وإرغامها على قبول أجور متدنية وشروط عمل مزرية.
- تعميم الحماية الاجتماعية عل جميع العاملات والعمال بالقطاع الخاص، بمن فيهم العاملين بالصناعة التقليدية وبالبيوت والذين يفقدون عملهم بسبب التسريحات التعسفية أو لأسباب خارجة عن إرادتهم، وذلك باعتماد التصريح التلقائي لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والكف عن قبول أي تصريح بمدة عمل تقل عن 26 يوما في الشهر، وإصلاح ودمقرطة أنظمة التقاعد والتعاضد ومؤسسات الشؤون الاجتماعية وضمان مشاركة فعلية للمأجورين في تسييرها ومراقبتها، وتعميم الصحة العمومية وإقرار مجانيتها والرقي بمستوى خدماتها، وإحداث تعويض عن البطالة والإسراع في خلق تعويض عن فقدان الشغل يمول أساسا من طرف المشغلين.
- إصلاح نظام التعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية وخلق مؤسسة عمومية لتدبيره بمشاركة ممثلي المأجورين، وسن إجبارية التأمين عن الأمراض المهنية، والتراجع عن تصفية صناديق العمل واسترجاع الأموال التي تم تبديدها أو تصرفت فيها الدولة بغير حق (حوالي 3 مليارات درهم) ومساءلة المتورطين في ذلك، وتوظيف ودائع صناديق الحماية الاجتماعية في مشاريع اجتماعية لفائدة المأجورين (سكن اجتماعي، تعليم الاطفال داخل المغرب وخارجه، ترفيه، ...).
- تطبيق معايير الصحة والسلامة وطب الشغل في أماكن العمل وتشديد المراقبة من طرف مفتشيات الشغل والسلطات المحلية والوقاية المدنية والقضاء، على الأنشطة التي تكون فيها حياة او صحة أو سلامة العمال معرضة للخطر، وتطبيق الإجراءات الاحتياطية بما فيها إغلاق المقاولة عند الضرورة مع أداء أجور العمال عن فترة الإغلاق (المادة 301 من مدونة الشغل).
صياغة لائحة للمطالب المستعجلة للطبقة العاملة ليست بالسهولة التي قد يتصور المرء، وهي تستدعي توضيح بعض الجوانب المرتبطة بها:
- إن الصفة الاستعجالية الملصقة تجاوزا ببعض هذه المطالب (كتحقيق الحد الأدنى للأجر الذي يضمن العيش الكريم مثلا)، لا تعني إمكانية تحقيقها في المدى القريب وفي ظل الشروط الحالية، لذا فإن تكرارها في الملفات المطلبية المستعجلة المتتالية، يهدف من جهة، إلى تعبئة الطبقة العاملة وتحسين أوضاعها، ومن جهة ثانية، إلى الربط بين المعارك المطلبية الآنية والنضال العام ضد بنيات الاستغلال الرأسمالي. ويتأكد ذلك من خلال:
• النسبة الضئيلة للمقاولات المغربية التي تطبق قانون الشغل، بحيث ان أغلبها لا تطبق الحد الأدنى الحالي للأجور على هزالته فبالأحرى أن تطبق الزيادة فيه، خصوصا في ظل غياب رقابة فعلية، إدارية أو قضائية، لتطبيق هذا القانون.
• عدم تنفيذ الحكومة والباطرونا للاتفاقيات السابقة في إطار "الحوار الاجتماعي" مع المركزيات النقابية التي أصبحت في كل سنة تدبج لائحة مطالبها بضرورة "تنفيذ ما اتفق عليه في السنة الماضية" !
• الزيادة في الأجور لا تعني بالضرورة الزيادة في القدرة الشرائية، نظرا للتخفيض غير المعلن لقيمة العملة، والزيادة في الأسعار، وارتفاع نسبة الضرائب والفوائد البنكية، وظهور حاجيات أساسية جديدة ...
- حفاظا عل هامش الربح لديها، تعمل الباطرونا على إفراغ مكاسب الطبقة العاملة من محتواها ولو بالاحتيال على القانون، وبالتالي كلما صدرت زيادة في أجر الساعة من العمل، لجأت الباطرونا إلى سرقة ساعات من العمل الفعلي المنجز من طرف العامل وذلك عبر إلزامه بتحقيق إنتاج فردي مرتفع لاسترجاع هذه "الزيادة": "اللًي بْغا الزيَّادة يْزيدْ فالخَدْمَة".
- ليست كل أهداف الطبقة العاملة قابلة للتفاوض مع الباطرونا والحكومة فبالأحرى أن تشكل موضوعا لتوافق مزعوم بين أطراف "الحوار الاجتماعي"؛ ذلك أن أهم الأهداف والطموحات العمالية تصطدم بطبيعة النظام القائم ولا يمكن تحقيقها إلا بالتقدم في بناء موازين قوى لفائدة الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وعموم الكادحين وخوض مسلسل كفاحي طويل وشاق لإقامة المجتمع الديمقراطي على أنقاض بنيات الاستغلال والقهر السائدة.
وأخيرا، لا يمكن طرح المطالب المستعجلة للطبقة العاملة إلا ضمن برنامج نضالي، للضغط على الباطرونا والحكومة سواء خلال مرحلة التفاوض أو بعد ذلك أثناء تنفيذ الاتفاقات. بدون هذا البرنامج النضالي المفتوح على كل الصيغ الاحتجاجية بما فيها الإضراب الوطني العام، سيبقى "الحوار الاجتماعي" مجرد مسرحية تتم خلالها جدولة وإعادة جدولة مطالب الطبقة العاملة المغربية إلى ما لا نهاية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله ينتقم لمقتل 3 من قادته وإسرائيل تحشد ألوية عسكرية ع


.. التصعيد الإسرائيلي الإيراني يسحب اهتمام الغرب من حرب غزة




.. الأردن يؤكد أن اعتراضه للمقذوفات الإيرانية دفاعا عن سيادته و


.. رئيس وزراء قطر: محادثات وقف إطلاق نار بغزة تمر بمرحلة حساسة




.. تساؤلات حول أهلية -المنظومة الإسرائيلية الحالية- في اتخاذ قر