الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شجرة نصف جذر ..

رافد الطاهري

2013 / 4 / 28
الادب والفن


شجرة نصف جذر ...

جاء بالفأس يمسكه بيده اليمنى مقتربا اكثر ، لقطع الشجرة ومن ثم اقتلاعها ، لكنه تبين انها اقوى منه ، فباشر بمسك الفأس بيديه الاثنين ، وضربها من وسطها ، حتى تهالكت انفاسه والبرد القارص ما عاد يشعره بانه يقف بلا لباس سميك ، فهو يحطب اوصالها بالبيجامة ، حتى سقطت من على ارتفاع خمسة امتار ، فرح كثيرا بأسقاطها ، وكانه منتصر على العالم اجمع ، وفجاء وعند ازدياد الليل عتمة واضاءت مصابيح الشارع وانارة جزء من حديقته الامامية ، حتى تراء له ان ظله يكبر ... ويكبر.. و يكبر ، حتى بداء يرتعب ضننا منه انه شبح ، تلفت الى يمينه وثم ببط اكثر الى يساره لكنه لم يرى شيئا ، انه امامه مباشرة كأنها مرآة تعكس ظله الخلفي الذي ازداد حجما وصار بهيئة لباس متعبد واخر رائسه قلنسوة مدببة جدا كسهم منطلق .
ارتعب بكثرة و ازدادت ضربات قلبه وجفلت اقدامه في الثلج المنصهر تحت اقدامه ، ويداه شلت للأعلى وهو ملوح للشجرة باخر الضربة ، عيناه برزت من محاجرها وتدورت كثيرا حتى بات البؤبؤ من شدة الظلام الذي خيمه كثقب ابرة ، شفته السفلى هدلت، رغم تجمد الرضاب فوقها وعلى جوانبها ، ولسانه يرتعش بردا مزرق وممدود داخل بلعومه كالمختنق غصبا ، وظل خياله يتوسع حجمه حتى رفع يده باتجاه الشارع ، وكأنها اشارة لشيء قادم او للذهاب هناك ، عقله في صدمة فلم يعد يفرزن الامور او يحلل المنطق ، واي منطق هو به ، تساءل بتعجب في عقله ؟! ما هذا الذي يحصل ؟! وما زال الشبح مؤشر له بأصبعه السبابة نحو ركن الشارع الخالي من المارة ، واذا بعربة سوداء تجرها خيول سوداء والظلام اشتد بالشارع جاءت مسرعة نحوه ، تبصر كثيرا المنظر ،والتفت خلفه فلم يرى الا شارع فارغ مغطى بالثلج الاحمر ، وجدران مدينته اتشحت سوادا شيئا فشيئا وبات يغزو السواد اطراف الشارع ، فعرف انه عليه النجاة بنفسه خوفا من سحقه بالعربة القادمة نحوه ، بعد ان بدأت تبرز اكثر فاكثر معانيها لها رغم سواد كل شيء الا ان الأحصنة والسائق عيونهم حمراء كالدم او اعتم ، جرت دماء من عقله الى اقدامه حاملة معها انذار وايعاز بالهرب ، والجري الى الركن الاخر لعله يستطيع التملص من اشارة شبحه والعربة السوداء التي تجرها خيول مجنونة من سياط السائس الاعمى ، ظل مهرولا بأقدامه وتحته الثلج الذائب صار مصدر قلقه الاكثر ، فلا يتحرك بسبب احتكاكه المنزلق اكثر ... وكانه فقد الجاذبية بالأرض وطار في مكانه ولكنه لم يتقدم ، الى ان تحرك بانطلاقة رصاصة من سلاح قديم المنظر ، وركض باتجاه قبلة نجاته من مطاردة عربة سوداء يركبها ظله ، وصرخ اخيرا وهو يركض ، والدم جرى اكثر فاكثر وفقد عقله ، وبات يركز على النجاة من ورطة هذا الشبح المبهم ، الى ان وصل اخر الشارع والتف بالركن ففاتته العربة واستراح ليلتقط انفاسه قليلا ، بعد مطاردة لم يحلم بها ابدا ، ولكن هيهات ان تفارقه الأحصنة ، وفجاءة جاءته من الارض منبعثة ، وكأنها خيول من القبر ، وظله يسكن عربتها والسائس بالسوط يضرب مرات متعددة ، فهرب ليبتعد عنها مرة اخرى ، وبادرته فكرة ان يدخل ازقة ضيقة ، لكي لا تستطيع العربة دخولها ، وهي فكرة منطقية ، ودخل الازقة ـ واذا برجال ونساء المدينة يحاولون الامساك به ، ولا يعرف لماذا ؟ ولكنهم يخرجون من تحت الارض كانه يسير في مقبرة قديمة على اثرها بنيت المباني الشامخة ورصفت شوارعها وعبدت طرقها ، وهم اليوم يستنفرون للامساك بالغنيمة ، يركض بسرعة الى المجهول ؟ واصبح لا يعرف حتى المدينة ، فأزقتها بدأت تصغر والسواد خيم عليها كثيرا رغم انه استرق النظر الى السماء لحظة و وجدها قمرا منيرة ، ولكنه كقمر خرج ليلعنه لعنة خفية ، فضوؤه مسلط عليه تسليطا ، والشبح يتبعه كظله او اشد اقتراب من خيالاته العقيمة ، ويركض حتى تراءى له ان عربة اخرى امامه تسير فمد يديه محاولا ان يمسك بها ، ولكن اصوات السياط على ظهور الاحصنة التي تتبعه ارهقته كثيرا ، وتوقف امام قبرا ، واستسلم لدهسه ،وفجاءة توقف كل شيء وصارت الدنيا (سنطه ) ، تلمس جسده من راسه الى قدميه بيديه ، فرح انه ما زال حيا ، وضوء القمر انار له ناصية القبر ، تملكه الفضول في معرفة من صاحبه السعيد هذا الذي اوقف مطارديه واراح نفسه ، واذا به يحاول مسح (مرمرة)* الاسم من الثلج المتراكم عليها ، واذا بمواليد المنقوشة على المرمة تظهر شيئا فشيئا ، واذا بمطابقة عجيبة مع مولده ( صفر قبل الميلاد ) تبلعم ريقه ، وبداء بمسح الباقي واذا بالكنية والاسم له ، فصرخ بإحباط وتعجب وعجرفة وتوسل ، واذا بظله خلفه ، اشار مرة اخرى بأصبعه؟ ولكن هذه المرة الى الارض ، التي لم يلحظ انها ابتلعت رجليه حد ركبتيه ، فنظر مرة الى رجليه واخرى الى الشبح ، وفمه مفتوح وبلعومه متحجر بصرخة لا تخرج ولا تعود فيبلع ريقه ، نفس بطيء جدا ودقات قلب تكاد تستنجد الطبل ، ويديه محنطة للخارج كيد السائل ، وفي عقله تدور كلمة واحدة ، واحرفها مبعثرة في ان يجمعها ، وهي ( ارجوك) طلب توسل ورحمة من الشبح القابع امامه ، فاختفى ضوء القمر وبهتت الدنيا ظلاما ادمس كثيرا الرؤية ، واذا بالأرض تبتلعه والحفرة تكبر حوله حتى باتت مرسومة كالقبر مستطيل بزوايا غير حادة ، ليست بحاجة لنظرية فيثاغورس ، واسفلها احمرار بداء يقترب اكثر كحمم بركانية ، فصرخ بكل انفاسه ارجوك.......انجدني لما تفعل بي هذا ؟!!! للشبح ، واذا التعرق اصابه وسقط الا بقايا جذر قصير لشجرة ، تمسك بها ورائسه تارة للأعلى تخاطب الشبح وتارة يشح بنضره نحو الاسفل والحمم تقترب منه وصار لها صوت كـ الفوران ، وازاد خوفا ورعبا حتى مات عقله من التفكير وظل جسده يتصبب عرق حتى ارادت يديه الانزلاق من شدة تعرقها على جذر الشجرة ، ولكن بأصبعه الذي ظل يطول اكثر حتى اقترب من انفه ، اسقطه في الحفرة ، وظل يهوي ويهوي ... ولا نهاية او وصول لهذه الحمم الحمراء وسطها وجوانبها تميل لصفار قرص الشمس عند منتصفها ؟.
واذا به يسقط من سريريه على وجهه ، و زقزقة العصافير تغرد امام شرفته ، فنسي الم السقوط واحمرار انفه الطويل ، وراح يتلمس جسده بيديه ، والابتسامة تشق طريقها لفمه ، التي تهرج...ضحكات بقهقهة عالية وقام برقصة اللقلق في الغرفة ، وتبين انه كابوس اسود من لياليه السود الطوال .
((مونولوج فكري)).... رافد الطاهري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اللحظات الأخيرة قبل وفاة الفنان صلاح السعدني من أمام منزله..


.. وفاة الفنان المصري القدير صلاح السعدني عن 81 عاما




.. سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز.. ما الرواية الإيرانية؟


.. عاجل.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدنى عن عمر يناهز 81 عاما




.. وداعا العمدة.. رحيل الفنان القدير صلاح السعدنى