الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحُبّ يخلع الريش (1)

سلمى مأمون

2013 / 4 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


صادمة تجليات غياب الحُبّ في سِيَر الناس و الفاظهم و مساراتهم و انعكاسات ذلك على علاقاتهم و معالم المكان و قِسمة الأشياء. و لابد من تركيب مصافيه العظيمة بصدورهم المستوحشة. فهو سماء و تراب انسانيتهم المسلوبة. و أناقته تناسب الجميع طول السنة مهما اختلفت الأعمار و الظروف، و ليس له توقيت يبطُل إن تأخرنا عنه. فمن أين يا ترى ندخل اليه و نشِيعه و نخفف به التشاؤم و نطرح هذه الجباه المتغضنة؟
كُلى ايمان بأن الابتسامة مُعدية، و كلي رجاء بأن يبدأ أهلنا عاجلاً بممارسة "تمرين الابتسامة" لتطويع الفك على فعل آخر حيوي أيضاً لكنه أرفع من إغراءات أخرى قد تستوعبهم بالكامل، مثل الاكل و النميمة و "سفّة" التنباك!

لو أنهم علّوا نبرة السخرية أكثر لخفضوا قليلاً مِن ارتفاع ضغط الدم الذي يتآكل بوجودهم حتى تناولت الصحف أمره. مع الأسف هو حقيقة و ليس "كلام جرايد" كما يقال.

لو أنهم فقط يساعدون انفسهم كل صباح بتمرين بسيط؛ بالتفكير ولو للحظة واحدة بالحُب بمعناه الكبير اللامحدود الشامل للبشر و الطبيعة و الكائنات و كل مظاهر الوجود، و ليس حصرياً باشتهاء الأنثى/ الذكر! لاننا جميعاً نتشهّى "الطِيبة" و نحن نقطع متاهاتنا اليومية القاسية.

المشكلة أن لكل امريء بهذا المجتمع معطف ريش متباين الطبقات و السُمك و الصلاحية، أحيانا ينتقيه بنفسه و كثيراً ما تكون قد ألصقته به سيرة التلقين؛ وليدة سلطة التربية الاجترارية لضمان تحصينه باوبئة البيئة و ليس مساءلتها و نقدها و القيام بدوره تجاه المضي بها قدماً و ليس بالانقلاب على القدر المتوفر من ملامح تنتمي للعصر. هذا المعطف يلعب دوراً أشبه بالحاجز الفولاذي بين ما نحن عليه و بين مشيئة التطور و متطلبات الانسان المعاصر و مسؤولياته و تمسّكه بجوهر انسانيته. المعطف الشرير يعيق الانطلاق و يحفر التجاعيد قبل الأوان. ربما لايحتاج عملية جراحية بغرفة معقمة لكنه بلا شك بحاجة الى علاج استثنائي القوة.

ترى كم يلزمنا من جهود الافصاح و حملات مصادرة "الريش المنفوش" على الفاضي، و التمحيص للاهتداء الى الكامن منه فهو دائماً مصدر البلاء المفاجيء؟

هأنا أجازف و "أنكش" بعض مظاهره و مكامِنه المعطِّلة.

ريش التشفّي و الخلاص الذاتي:
يشكو الجميع من أنيميا الحُب الانساني المتسامح. و لعل ما هُم فيه يجعلهم بحاجة ماسة الى محاليل وريدية من عصيره النادر، بل و طعنات سريعة باللقاح كما كانت تفعل بعضل أذرعنا سابقاً، أجهزة "التطعيم" ضد "التهاب السحايا"، كسباً للوقت و اعتبارات الضرورة الاسعافية الملحة. تلزمهم جرعة عالية ليلينوا و ينفكّوا من خُلل التزمت المهينة لطينة الانسان الذي يرق و يلين و يتعاطف حين يقع تحت سمعه و بصره ما يؤذي و يهين مواطِنه.
لكنك تراهم ينفجرون ضاحكين حتى يكاد الواحد منهم يسقط على الأرض مغشياً عليه من شدة الضحك؛ في الاسواق و الشوارع حين يداهم افراد الشرطة بائعات الشاي و الباعة الجائلين و يقومون بهمجية بمصادرة أدواتهم و "بسطاتهم" المؤلفة من علب الكرتون الممزقة و يخمشون السلع التافهة التي يسوقونها و يرمون بها في مركبتهم النصف نقل ليساوموهم عليها لاحقاً! بلى هي تافهة القيمة لكنها ثمينة كمصدر دخل شريف لمواطن مسحوق يعول أُسرة و يقيها من الانحراف الى الجريمة. لا تنقطع المطاردات كما في افلام "الآكشن" و لا تتوقف "الجِبايات" و الغرامات مما يحصّله هؤلاء من رزق يسد الرمق! و لكن بأي قلب يتضاحك أولئك؟ جمهور كالمتفرجين على مسرح كوميدي، بينما المشهد أمامهم سوداوي و مرعب؟ يذكِّر المرء بتلك الأفلام القديمة التي تصور الشعوب في القرون الوسطى، في اوربا و كيف يحتشد جمع اشعث أغبر ليشهد تنفيذ احكام الاعدام بالمقصلة أو حرق "الساحرات" و سط حالة من التشفّي اللاانساني الصاخب الهياج....كأننا اليوم نُحيي ظلام تلك الحقب المشؤومة!
ما يشبه ذاك النسق يتكرر حينما تنطلق التظاهرات حول قضية عامة يكتوي بها الجميع، فينسحب مواطن الى بيته و يحكم اغلاق بوابته و يمتنع عن ايواء المتظاهرين الذين يتعرضون للمطاردة الشرسة. يطفيء ذاك النار التي اشعلها الصغار في بعض النفايات و قطع الاطارات البالية ليوقظوا الكبار من لامبالاتهم، و ينبري آخر لاستدعاء الشرطة استباقا للتجمع المخطط له. يتحسس القلب ألمه الدفين و يحار: تُرى هل مازلنا شعب واحد أم كم هو العدد الفعلي من الشعوب هنا؟ و ما دينهم الحقيقي و ليس ما يلهجون به خلف المايكرفونات و تعوي به خُطب مساجدهم المختارة، ما الذي يحرك كل هذا الغُلّ ضد "صغار البشر" بدلاً من منحهم فسحة ليتعيّشوا و يحتفظوا بما تبق لهم من كرامة في تحصيلهم لقمة شريفة؟ الا يكفي اولئك أنهم استحوذوا على الأعمال و ابواب الرزق و لهفوا اللقمة الطرية؟! ثم ما مصير الوطن في ظل تواطؤ الممانعين عن المعارضة مع القامعين؟!
يجرح الحياة أن يدب المواطنون على الأرض وقد تناقص بداخلهم الاحساس بكرامتهم، و بقيمة الارض التي تؤويهم. فأذعنوا و سلّموا أمرهم للقدر و لمن يسخرهم بالمال. بينما عقولهم مستعبدة بفكرة "الترطيبة" التي مفادها تحصيل وضع مادي يكفل لصاحبه كل سبل الرفاهية و بأسرع وسيلة ممكنة و بعدها "يسدّ دي بطينه و دي بعجينه" و..بعده الطوفان!
اخبروهم ايها الشعراء و المغنين و العشاق. ذكّروهم أنهم بالحب اللامحدود لوجودهم و أرضهم سيقفوا مفرودي الصدور مرفوعي الهامات يستردوا ما هو لهُم لا أن يشاركوا اللصوص اقتسام الغنيمة و يمرروا البطش، طالما كان يجرح جلد الآخر.
هاتوا مآذن أرضية تخبرهم أن الحب قرين الحرية، و أنه بالحرية ينضج و يسهَر على تماسك الانسانية. و أن الحرية هي الحيلة التي ستجعل اجسادهم سابحة و خطاهم التي يجرجرونها كزكائب ثقيلة، خطى راقصة. أصرخُ بالشعراء و المغنّين و العشاق أن يفعلوا.

ريش اللامبالاة و التفريط:
طالما أن لنا في موضع النسيم مراوح من الجحيم نغازلها بقولنا "السَموم"، و الابتسامة طفلة "الطراوة"، فأين هي يا ترى الشماسي؟ و متى ستصل لتعيننا على تجميل المكان، و تبُث الوانها عدوى الحب و يسير اسفلها الشباب بخطى جديدة!
لماذا لا تباع "الشمَاسي" في هذا البلد؟ حقاً، لماذا ينظرون شذراً الى مستخدميها، على ندرتهم، و كأنهم ارتكبوا عملا معيباً؟ لماذا لم يفكر أحد حتى الآن في الاستثمار فيها؟ الم ينتبهوا الى ضرورتها بعد، و اسمها نفسه مشتق من الشمس المقيمة بهذه الربوع؟ أم أن الجميع بسبيل تحصيل سيارته الخاصة؟ لابأس، فليسعدوا بها، و لكن هل تصنيع الشماسي محلياً أمر عسير؟ أم ينتظرون أن يبتدر الفكرة شخص ما فيهبّوا جميعاً ليقلّدوه و "يخربوا" عليه السوق؟ هل من الضروري يعني أن تأتيهم كل احتياجاتهم جاهزة من الخارج؟ اليس مسخرة ما جرى مؤخراً بقطع الملابس الوطنية الرجالية، و من الضمن تلك الداخلية، التي باتوا يستصدرونها جاهزة من الصين؟ الرحمة على "الصنعة" و على ما سُمي بالزي القومي سابقاً و على "الترزية" المتقوسي الظهور على تجويدها. لقد أضاعوهم. لعلها لامبالاة قل ان نشهد نظيراً لها لدى اي شعب. فذاك النوع من الصنعة يورّث و يظل تراثا محلياً لا يقبل التلاعب أو التصدير. من يدري، ربما تيمناً بقصة جيراننا مع "شماغ بروجيه" مثلاً! أسجّل كل الاعتراض على حكم السوق الظالم و كل من يتلاعب بخيوطه من الخرطوم حتى الصين. المهم، متى تصل الشماسي؟ بينما لا مواقف رئيسية مسقوفة أو محطات مظللة في خرطوم الغليان!

ريش الجمود و الجحود:
نعيش في مجتمع يخاف براءته و يتكتم على عفويته و يشدد رقابته حولها بالاسلاك الشائكة المكهربة، و يتجنب التعبير عن العواطف الايجابية، لاسيما في سياق انثى تجاه ذكر و بالعكس، لانها خرق يستوجب التأنيب. المقبول إجتماعياً هو الجهر بالمشاعر السلبية: الكذب، الحسد، الكراهية، اليأس، مع التشديد على الحزن.
العجيب في الأمر أنه مباح خوض سيرة الغائب بالسوء و التنكيل به علناً. ربما لأن الحالة النفسية الراهنة بحاجة لذريعة لتنفيس الغضب و رمي الآخر، أي آخر، بالمسبّات. فالمرء يخجل من الافصاح عن مشاعره و رأيه الحقيقيين في وجه المعني بالامر. لأن كلمة الحق لاتقال، و الصراحة مذمومة و ملعون من يشهرها فهو ساع بدون شك للفتنة. لهذا نادراً ما ينفلت أحد من مزاج التقريع و يكيل الثناء لشخص غائب و إن كان جديراً به!
لعل الكثير من مواقفنا في الحياة اليومية تأسست على ذات النسق، ففي محيط الأعمال حينما تعمل بجدّ و تنجز مهامك على افضل وجه لن ينتبه أحد أو يصلك أي تقدير، و لكن جرِّب أن تتأخر لأي ظرف طاريء عن الحضور في موعدك العادي للعمل، حينها ستسمع القصائد عن مشكلة التأخير و قِيم الالتزام و الاحترام لقواعد العمل و هلمجرا. حتى في بيوتنا تجتهد الأم باستمرار "لتظبيط" طبخاتها فيتناولها الجميع بصمت تام و يبتلعون معها حقها في عبارة إطراء تستحقها، و لكن إن شاء الظروف و زادت أو نقصت مثلاً كمية الملح في الطعام فإن الجميع بدون استثناء سوف ينتبهون و يسارعون الى النقد و يتساءلون بامتعاض بذات العبارة: "من الذي طبخ الأكل اليوم"!

ريش التوحش:
مخيف في الثقافة السائدة أن تبتسم في وجه أحد في أي فضاء عام دون سابق معرفة بينكما و إن كانت ابتسامة عابرة في كسر من الثانية، و ليست من نوع الابتسامات التي أسفلها خط أو أكثر. يتعارض ذلك السلوك مع توفر الثقافة على (تبسمك في وجه اخيك صدقة). و لكن يخاف الناس من عواقب اي تبسّم غير محسوب! عليه، يتلقى المرء ذلك النوع من الابتسامات بتوجس و يرتدي على الفور قناع تكشيرة دفاعية، و لسان حاله يستعيذ من شر ابتسامتك التي لاقدر الله ان تكون مقدمة لطلب خدمةٍ ما أو ورطة. سيجهض الابتسامة دون أدنى تردد و يقرر بأنك أهبل و ليس لديك "شغلة"!
استباق سوء القصد يهين الحُب الذي لا يطلب سوى ابتسامة بالمقابل ليشيع بعض الاطمئنان. رغم انك قد تكون بالفعل انسان لطيف هاش باش، بل مواطن صالح نحتاج من امثالك الكثيرين ليقلبوا المزاج السائد أو بالاحرى "يستعدلوه"!
يتعقد الأمر حين تدخل المرأة، أُمّ الاستشكال في الثقافة السائدة، في سياق التبسّم في وجه أخيها. سيضطرب مؤشر السكينة العامة و تنطلق صافرات الانذار أمام محاولة الاختراق الغاشمة "للاخلاق" و حدودها. و بنفس القدر، المفروض عليها في حال تبسَّم اخيها في وجهها أن تحدجه بنظرة غاضبة تُعرّفه بمقامه. أُمّال ايه، هكذا تتصرف "بنات الناس" ولا بلاش!!!
أيضاً في حال الفضفضة فانه محظور عليها، و لو في سياق عام، التصريح بأن فلان جميل أو جذاب أو دمه خفيف. لا سيما إن تطاولت و نطقت باللفظ المارِق: أحبهُ! العجيب أنها إن شاءت تناول سيرة ذات الشخص بالسوء فسوف يتهلل الحضور كمن عثر على ضالته، و تنضم اليها بحماسة جوقة من الناتفين لريشه و ريش أهله بلا هوادة!

ما زالت الابتسامة ممكنة، لو أنهم فككوا العُقَد عن الحُب لأنه أقرب الى الانسانية من الاكسجين.
(يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن تفرض عقوبات جديدة على طهران بعد الهجوم الإيراني الأخي


.. مصادر : إسرائيل نفذت ضربة محدودة في إيران |#عاجل




.. مسؤول أمريكي للجزيرة : نحن على علم بأنباء عن توجيه إسرائيل ض


.. شركة المطارات والملاحة الجوية الإيرانية: تعليق الرحلات الجوي




.. التلفزيون الإيراني: الدفاع الجوي يستهدف عدة مسيرات مجهولة في