الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحول الذي يخيف المخزن المغربي

محمد السلايلي

2013 / 5 / 12
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


في نفس الفنرة من شهر مارس الماضي، أوقفت وزارة العدل والحريات المغربية عن العمل نائبا لوكيل الملك بميدلت ، وجهت له تهمة إجبار ميكانيكي على تقبيل حذائه. القضية التي تناولتها الصحف و المواقع الالكترونية لم يكن لتستأثر بفضول الراي العام، لو لم تنتفض هذه المدينة الصغيرة من المغرب الشرقي المهمش. فبعد انتشار الخبر لم تتوقف المسيرات و المظاهرات التي لم يسبق ان عرفتها المديتة من قبل.

بالاسبوع الماضي، و بمدينة زاكورة جنوب المغرب هذه المرة، خرج آلاف المواطنين يوم الخميس 9 ماي، في مسيرة ليلية جابت شوارع المدينة، وانضمت لها جمعيات وهيئات حقوقية بالمنطقة، احتجاجا على وفاة شابة وجنينها أثناء عملية للولادة بمستشفى الدراق بزاكورة. بسبب اللامبالاة و الإهمال للطاقم الطبي وغياب التجهيزات الضرورية بالمستشفى. بعد 48 ساعة سيعلن وزير الصحة المغربي أنه قرر رفع دعوى قضائية ضد طبيبين بالمستشفى متهمين بالاهمال المؤدي لموت امراة و جنينها.

قبل ذلك باسبوع، تتبعت الصحافة المغربية المظاهرات التي نظمها اهالي قبيلة مزورقة باقليم الخميسات أمام مقر الدرك الملكي ضد مسؤول كبير من الدرك صفع امرأة مسنة. لم تتوقف المظاهرات الا بعد اعفاء هذا الدركي من ممارسة مهامه و الحاقه بالادارة المركزية.

ايضا يمكن الوقوف عند الحركة الاحتجاجية التي اندعلت نهاية الاسبوع المنصرم، عقب حريق المسجد الأعظم بتارودانت الذي يعد معلمة تاريخية تعود للقرن السابع عشر. المحتجون جابوا شوارع هذه المدينة الجنوبية للمطالبة بفتح تحقيق نزيه حول اسباب الحريق و تقديم المسؤولين عنه للمحاسبة.

هناك عشرات من الحركات الاحتجاجية المماثلة التي تتميز مطالبها بالكرامة فقط و تختلف عن جل الحركات التي تنحصر أهدافها في المطالب الاقتصادية و الاجتماعية كالشغل و السكن و ارتفاع الاسعار ... وهنا يجب ان نتوقف قليلا عن ما يميز هذه الحركات عن سواها من الاحتجاجات التي يعرفها المجتمع المغربي بشكل مسترسل و دون انقطاع.

اول ملاحظة تثير للانتباه، ان هذا النوع من الحركات الاحتجاجية جديد على المجتمع المغربي. نحن اليوم لسنا امام حركة استثنائية من اجل الكرامة محدودة في الزمان و المكان، نحن امام حركة تتسع و تنمو و تتطور نحو الشمولية في مواجهتها للسلطة من خلال مطلب الكرامة و احترام حقوق الانسان و الاحتجاج ضد الظلم و البطش لرجال السلطة و أعوانها. هي ظاهرة جديدة بالمجتمع بكل ما تحمله كلمة جديدة من معنى.

الملاحظة الثانية، أن هذا النوع من الحركات الاحتجاجية يتكون ويختمر بالمغرب المنسي أي بعيدا عن المغرب النافع حيث تقع المدن الكبرى و جل عناصر النخب السياسية و الاجتماعية و المدنية التي دجنتها السلطة المخزنية و فصلتها عن الدينامية الاجتماعية و الثقافية الحقيقية للمجتمع.فخروج سكان ميدلت نساءا و شيوخا و اطفالا و سكان زاكورة و تارودانت و الخميسات و غيرها من المدن البعيدة عن محور القنيطرة الجديدة، يؤكد أن المغرب يشهد تحولا عميقا و أفقيا يمس العلاقة الجوهرية بين المواطن و السلطة الحاكمة.

بلغة السوسيولوجية الكولونيالية، نحن نعيش بداية تزحزح العلاقة بين المخزن و اطراف المجتمع من بوادي و مدن وقرى بعيدة عن المركز. فقد ظلت هذه العلاقة الى وقت قريب، في صالح السلطة المخزنية، و كانت بمثابة احتياط سياسي كبير للنظام القائم استعمل لمواجهة وتطويع المعارضة و تلجيمها من خلال فرض شبه حالة استثناء على هذه الربوع من المملكة.

اذن نلمس عودة البادية و الحواضر المرتبطة بها الى الوضعية التي كانت تسميها الادبيات الكولونيالية ب"بلاد السيبة"، بعد ان انقلبت الادوار ابان بداية الاستقلال السياسي، حيث أصبحت المدن التي كانت ضمن بلاد المخزن، بلادا للسيبة، وأما البادية فقد أخضعت جملة و تفصيلا لسيطرة الاعيان و السلطة المخزنية وفق السياسة الاستعمارية التي انتهجتها فرنسا أثناء مواجهتها للمقاومة القبلية. من هذه الزاوية، نحن نعيش اليوم انتفاضة المغرب غير النافع و عودته للاحتجاج ضد السلطة و جبروتها، بعد سنوات طوال، كان فيها هذا المغرب ساكنا خاضعا و صامتا تفعل به السلطة ما تشاء.

الملاحظة الثالثة، أن هذه الحركات هي حركات شابة، غالبية أطرها احتكت بثقافة المدن و لم تعد معزولة كما كان عليه الشأن بالنسبة للأجيال السابقة. عكس ابناء المدن المركزية، حيث تستعمل الادوات المعرفية و التكنولوجية الحديثة من أنترنيت و جمعيات و اندية للترفيه و قضاء الوقت الفارغ، نجد شباب هذه المناطق متمترسا في هذا الفضاء التكنولوجي الحديث، للبحث عن مخارج و حلول للاوضاع البئيسة التي تعيش فيها مدنه و قراه. ان المعارضة الحقيقية للدولة اليوم، توجد على اطراف المغرب النافع، هناك ترمم علاقة النخب بمجتمعها بعيدا عن اغراءات السلطة و انتهازية النخب الوطنية المدجنة.

الملاحظة الرابعة و الاخيرة، ان هذه الحركات الاحتجاجية حطمت كبرياء و تعنت السلطة المخزنية التي كانت تضحي بكل شيء مقابل الحفاظ على هيبتها وأن لاتتنازل للمتظاهرين حتى لا تظهر بمظهر الضعيف المنهزم الذي ينحني أمام الجماهير. لقد كسرت هذه الحركات هيبة الدولة و اجبرتها على تحقيق مطالبها، و هذا ما سيقوييها و يوسع من اشعاعها ومحيطها، لان الناس بدأت تعلم ان لها مطالب و حقوق على الدولة، و من الممكن تحقيقها ان تظاهروا و احتجوا موحدين أمام جبروت السلطة.

أكيد أن السياق العام الذي تحدث فيه هذه التحولات، يساعد على بلورة وعي جديد للعلاقة بين الحاكم و المحكوم. بالموازاة مع تداعيات الربيع الثوري الذي انطلق من تونس اواخر سنة 2010. و حنشأة حركة 20 فبراير النسخة المحلية لحراك الشعوب، بدأنا نسجل بعض ملامح هذا التحول في الذهنية السياسية للمغاربة، و في غياب وجود طبقات وسطى قادرة على قيادة المجتمع، فإن سكان المدن الصغرى و العالم القروي هم من يقودون هذا التحول لبعدهم عن مركز الضبط المخزني الموجود بالمدن الكبرى و بعض الارياف التابعة لها.

ما يختلف به ابناء المناطق الداخلية عن غالبية شباب المركز، أن هؤلاء الاخرين، لا يثقون في السياسة و لا في أي عمل جماعي لا يترجم مصالحهم الشخصية، بالنسبة لبعضهم فان تطلعاتهم مرهونة بالقرب من السلطة لا بمعارضتها و الوقوف ضد سياستها. انه شباب مسالم في غالب الاحيان، مخنث و الف حياة الاستهلاك. بمدن المركز يكفي ان تنطق اسم نقابة او حزب او كلمة نضال، ليبتعد عنك الشباب و لا يأخذون كلامك مأخذ جد. على العكس بالمناطق الاخرى، حيث يتنفس الشباب السياسة كما يتنفسون الهواء بدون خلفيات و لا تحفظ، حاقدين عن النخب السياسية المدينية المدجنة، التي لا تتعاطى مع شانهم المحلي الا ظرفيا و خلال مواسم الانتخابات، لكنهم واعون تمام الوعي انه بدون نضال وادوات للنضال، لا يمكن أن يرفع الظلم و الحيف عن مناطقهم.

لا يقف الشباب بهذه المناطق عنذ الجدل الديني العلماني المفترض، الذي يغيب النخب و الاطر المدينية عن مجريات الصراع القائم بالبلاد، فهم ينشدون الكرامة، و يدافعون عن انسانيتهم في وجه البطش و الظلم السلطوي. فهناك امور تحدث بعيدا عن المركز، هي أكثر نقاء و تأصلا ، وهذا ما حدث ببلدة سيدي بوزيد، اواخر 2010 حيث خرجت تحتج ضد الدولة بعد حرق البوعزيزي لنفسه امام مقر السلطة التونسية، فكانت بداية تحول عميق في الذهنية السياسية للتونسيين. لم يتمكن العديد من الوقوف عند هذا التحول، لان قوى الارتداد و الانقلاب على الثورة، توجه الانظار للنكوص و التراجع، و تحجب الرؤية عن كل تحول أصيل و جديد بما تملكه من وسائل جبارة كالدين و الاعلام، و خلق مجموعات زبائنية مرتبطة ببرنامج الثورة المضادة.

مهما كانت وسائل كبح الجديد و منعه و قمعه، فلابد له أن يظهر ولو بعد حين : انها جدلية الطبيعة و حياة الشعوب أيضا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري