الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعارضة العراقية بين الدبابة الأمريكية والخيار الوطني

فاخر جاسم

2002 / 10 / 28
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


عززت أحداث 11 سبتمبر جنوح السياسة الخارجية الأمريكية نحو الخيار العسكري لتحقيق مصالحها الإستراتيجية في العالم بشكل عام وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، حيث تعاني السياسة الأمريكية في هذه المنطقة من مأزق خطير لسببين، الأول يتعلق بالدعم المباشر للسياسة العدوانية الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني والإحراج الذي يسببه ذلك داخلياً وخارجياً، والثاني، فشل سياسة الاحتواء تجاه العراق.

  فيما يخص العراق، عجلت أحداث سبتمبر بمراجعة سياسة الاحتواء التي أدت من الناحية العملية إلى نتيجة مزدوجة، فمن جهة فاقمت الكارثة الإنسانية التي يتعرض لها الشعب العراقي نتيجة استمرار الحصار والدكتاتورية، ومن جهة أخرى ساهمت بتعزيز قدرات الطغمة الدكتاتورية. وهذه النتائج تتعارض  بشكل صريح مع السياسة الأمريكية المعلنة تجاه العراق.

  إن أهم تحول في السياسة الأمريكية تجاه العراق الانتقال من سياسة الاحتواء إلى سياسة الخيار العسكري كأسلوب رئيسي للتعامل مع الأزمة العراقية. وقد ساهمت الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى إفلاس بعض الشركات الأمريكية الكبرى ـ Enron  و World Com ـ إضافة إلى خسائر شركات الأسهم، حيث بلغت خسائر مدخرات قسم المواصلات فقط حوالي (2000) مليار دولار خلال أقل من سنتين، كنتيجة مباشرة لأحداث 11 سبتمبر، في التعجيل باللجوء للخيار العسكري.  

  وكما أشرت في البداية فان اللجوء إلى القوة العسكرية لتحقيق أهداف السياسية الخارجية الأمريكية ، لا يمكن أن يفهم، بشكل أعمق، دون معرفة السمات الجديدة التي  ترتكز عليها هذه السياسة بعد أحداث 11 سبتمبر ، والتي يمكن إيجازها بما يلي:

  ـ تصاعد أجواء التوتر على الصعيد العالمي ، بسبب الحملة التي تشنها الولايات المتحدة على "الإرهاب".

  ـ تنامي الميول الانفرادية في تفكير مخططي السياسة الخارجية الأمريكية، بشكل لم يبسق له مثيل من قبل، نتيجة لتنامي شعور الإحساس بأن الولايات المتحدة دفعت ثمن الأعمال الإرهابية لوحدها.

  ـ اشتداد النزعة المحافظة في مراكز التوجيه الأيديولوجي والإعلامي.

  ـ تراجع الولايات المتحدة عن دعمها للتوجه الليبرالي الديمقراطي في الدول النامية، والذي شكل المحور الأساسي لسياسة الخارجية الأمريكية خلال العقد الأخير من القرن العشرين.

   ـ  ظهور مبدأ الحرب الوقائية كوسيلة رئيسية لتنفيذ السياسة الخارجية تجاه الدول والمنظمات التي تعادي هذه السياسة، بديل لسياسة  الاحتواء والحصار والعقوبات.

   ـ تأييد داخلي واسع للتدخل العسكري الأمريكي في الخارج. 

وبناءً على هذه التغيرات التي طرأت على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، يمكن فهم  وتحليل التحضيرات الجارية الآن لغزو العراق، حيث تتخذ  الاستعدادات  لشن الحرب   مساراً جدياً على كافة المستويات، خاصة في جانبها الإعلامي / النفسي الذي يسبق عادة الأعمال العسكرية.  إن هذه التطورات أدت إلى احتدام، الجدل السياسي والفكري، حول أمور عديدة منها على سبيل المثال:

ـ هل تمتلك الولايات المتحدة المبررات القانونية وفق القواعد الدولية المتعلقة بشن الحرب على دولة أخرى ، كالدفاع الشرعي عن النفس الذي أقرته المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة؟

 ـ  إذا كانت لا تملك مثل هذه المبررات، وهي لا تملكها فعلاً ، ألا يعني ذلك تأسيس سابقة خطيرة في العلاقات الدولية، جرى الالتزام الضمني بها من قبل أغلب دول العالم، نعني مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى؟ وإذا كان الأمر كذلك، ألا يعني ذلك عودة خطيرة إلى مبادئ الحرب الباردة التي بشر بزوالها منظرو ما يعرف بالنظام الدولي الجديد؟

 ـ إذا كانت الولايات المتحدة تعتقد بأن العراق يشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين ، فلماذا لا تطلب موافقة الأمم المتحدة على خيارها العسكري؟

 ـ إن إسقاط الحكومات كهدف معلن للحرب، يشكل حالة فريدة وخطيرة ، ليس في العلاقات الدولية بل بأهداف الحروب بين الدول؟

 ـ إذا كانت الدولة العظمى الوحيدة في العالم تتصرف بهذا الشكل إلا يعطي ذلك الحق للدول الأخرى أن تحل خلافاتها ـ وما أكثرها الآن ـ بهذا الأسلوب الحربي؟

   إن الجدل الذي يدور حول التساؤلات أعلاه لا يقتصر على القوى الدولية التي ترفض خيار الحرب، بل داخل الأوساط الأمريكية نفسها ، سواءً على نطاق المسئولين في الإدارة الأمريكية ، أو بين أوساط السياسيين والمفكرين ووسائل الاعلام.

   ونظراً للمعارضة المتنامية للضربة العسكرية، عربياً ودولياً، تبدي الإدارة الأمريكية مرونة ظاهرية، تتمثل بإعطاء فرصة للعمل الدبلوماسي، وبدون تحديد أهداف واضحة له، وبنفس الوقت يعمل كبار المسئولين في الإدارة الأمريكية ووسائل الأعلام المؤيدة لخيار الحرب ، التمويه على الأهداف الحقيقية للغزو من خلال الحديث عن اعتبار الحرب على العراق جزءً من الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب وفق قرار مجلس الأمن المرقم ( 1373)  الذي صدر في أعقاب أحداث 11 سبتمبر والذي أجاز للولايات المتحدة شن الحرب الوقائية ضد الدول والمنظمات التي تتهم بالإرهاب أو تأييده. وتحاول الإدارة الأمريكية حشر الهجوم على العراق ليس وفق هذا القرار فقط بل لتنفيذ قرارا ت الأمم المتحدة الأخرى التي فرضت على العراق بعد حرب الخليج الثانية 1991، خاصة تلك المتعلقة بإزالة أسلحة الدمار الشامل العراقية، مستغلة الموقف المتعنت وغير المسئول للحكومة العراقية من قضية عودة المفتشين الدوليين للعراق . 

  ولغرض توضيح الملابسات التي تحيط بالموقف من الخيار العسكري، سنقوم بتحليل مواقف الأطراف التي لها علاقة مباشرة بالشأن العراقي، خاصة قوى المعارضة العراقية، وهل توجد إمكانية واقعية لمنع الخيار العسكري؟

  

  المعارضة العراقية وخيار الحرب

 

  هناك انقسام واضح في موقف المعارضة العراقية من الضربة العسكرية ، حيث يلاحظ اتجاهين :

 الأول، يعارض الخيار العسكري بشكل قاطع، يمثله الحزب الشيوعي العراقي والقوى التي تضمها لجنة التنسيق العمل القومي الديمقراطي في العراق. ويعلل موقفه بناءً على الاعتبارات التالية:

  1 ـ الضربة العسكرية تخدم المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة بالدرجة الأولى، الهادفة إلى إعادة تقسيم مناطق النفوذ في منطقة الشرق الأوسط؛

 2 ـ أكدت التجربة إن المتضرر الأساسي من الأعمال العسكرية هو الشعب العراقي حيث تدمر الحرب، بالضرورة، ما تبقى من المؤسسات الاقتصادية والخدمية، الأمر الذي يضيف أعباءً جديدة للأغلبية الساحقة من المواطنين؛

 3 ـ إن الولايات المتحدة غير معنية بإقامة الديمقراطية في العراق، حسبما تعلن، وهذا ما أثبتته تجارب الشعوب الأخرى التي تعرضت للغزو الأمريكي؛

 4 ـ الحل العسكري المدعوم خارجياً، لا يمكن أن يحل الصراع مع الحكومات الاستبدادية، بل يؤدي إلى تعقيد هذا الصراع داخل المجتمع حيث يتغير اتجاه الصراع فيصبح صراعاً من  أجل السيطرة ‘على مراكز السلطة، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الاستعانة بالعامل الخارجي للفوز بحصة أكبر.

   أما التيار الثاني في المعارضة والذي يتكون من القوى المنظمة للمؤتمر الوطني وقوى دينية ، المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق وبعض القوى الدينية الكردية، فإنه يؤيد الخيار العسكري ، مع وجود اختلافات حول أهداف الضربة العسكرية وحجمها. ولهذا التيار العديد من المبررات التي يعلل بها موقفه هذا وأهمها:

 أ ـ عدم قدرة قوى المعارضة العراقية على حسم صراعها مع السلطة بدون دعم خارجي، مستنداً إلى تجربة نضال الشعب العراقي منذ انتفاضة آذار 1991؛

 ب ـ يشكل أي تغير في طبيعة السلطة خطوة إيجابية لتحقيق هدف المعارضة الرئيسي، التخلص من الدكتاتورية؛

 ج ـ الموقف الدولي والإقليمي المعارض للخيار العسكري، ينطلق من مصالح خاصة تتعارض مع أهداف القوى الوطنية المعارضة للدكتاتورية، وبالتالي فإنه يصب في مصلحة بقاء الدكتاتورية؛

 د ـ إن الإسراع في التخلص من الدكتاتورية ، يساعد على الحفاظ على الوحدة السياسية والجغرافية للدولة العراقية.

 

  هل يمكن إيقاف الخيار العسكري؟

 

    بدءاً لابد من التأكيد على ضعف إمكانات التيار الوطني المعارض لخيار الحرب لأسباب تتعلق بقدرات هذا التيار الذاتية والظروف الإقليمية والدولية المحيطة بالقضية العراقية، الأمر الذي يحد من قدراتها في الاستفادة من المعارضة المتنامية، إقليميا ودولياً، للضربة العسكرية.

  ولغرض تبيان مدى فعالية الموقف الإقليمي والدولي، لابد من الإشارة إلى الظروف التي تحيط بهما وما تفرزه من إشكاليات. فالموقف الإقليمي ـ العربي ودول الجوار تركيا وإيران ـ يعاني من إشكالين رئيسين، الأول ، مرتبط بجدية الموقف الأمريكي من اللجوء للخيار العسكري وتوقيته، والثاني تجاهله لمعاناة الشعب العراقي الناتجة من الاستبداد الشمولي الذي تعتمده السلطة الحاكمة في تعاملها مع المواطنين. وبناءً على ذلك  يعتبر الكثير من المتابعين للقضية العراقية الموقف الإقليمي المعارض لخيار الحرب يؤدي إلى إطالة عمر الدكتاتورية.

 أما بالنسبة لمعارضة الدول الأوربية، باستثناء بريطانيا التي تؤيد الخيار الأمريكي، فإنه يفقد فعاليته في عرقلة الخيار العسكري ، نظراً لأنه مرتبط بدوافع نفعية تقوم على: أولاً استخدام الموقف المعارض للضربة العسكرية في لعبة الانتخابات الداخلية، وثانياً مصالحها الاقتصادية التي حصلت عليها بسبب سياسة التفريط بالثروات الوطنية التي تمارسها السلطة الحاكمة لكسب مواقف هذه الدول لصالح خيارات السلطة لحل الأزمة بين العراق والأمم المتحدة. ونظراً للاعتبارات النفعية هذه، فأن  مواقف هذه الدول، خاصة فرنسا وروسيا وألمانيا ، يمكن أن تتغير لصالح دعم الخيار العسكري، إذا وجدت إن مصالحها الاقتصادية تصبح مهددة  في حالة تصميم الإدارة الأمريكية حوض الحرب بمفردها.

 وعلى ضوء التحليل أعلاه لمواقف القوى التي تناهض خيار الحرب ، يبقى موقف السلطة الحاكمة هو الأهم القادر على نزع فتيل الأزمة وتجنيب العراق ومنطقة الشرق الأوسط الكارثة المحدقة، فهل تصرف السلطة الحاكمة بمستوى المسؤولية؟

  إن المتابع لتصريحات أركان السلطة وسياستها الداخلية والخارجية، منذ بداية الأزمة الحالية، يلاحظ أنها تدير الأزمة بنفس العقلية التي حكمت سلوكها بعد الغزو العراقي للكويت الذي أدى  إلى فرض العقوبات الدولية على العراق وكارثة حرب الخليج الثانية، وهذه العقلية تكشف عن عدم استفادتها ، أي الطغمة الحاكمة، من التجارب السابقة، حيث مازالت لغة التحدي والحديث عن الانتصارات الوهمية المقترنة بسياسة الاستفزاز والتهديد لدول الجوار، إضافة سياسة الابتزاز التي تقوم على التهديد باستخدام أسلحة الدمار الشامل.

  إن سلوك الدكتاتورية العراقية هذا، ساعد سياسة الإدارة الأمريكية وأدى إلى تقليل الهامش بين الحل الدبلوماسي والخيار العسكري لحل الأزمة، وبنفس الوقت أضعف من نشاط الحملة الدولية المناهضة لخيار الحرب. إن خطورة الأحداث تتطلب موقف مرن وعقلاني من الحكومة العراقية يقوم على:

 ـ اتخاذ إجراءات حقيقية للانفتاح الداخلي، خاصة القبول بإجراء انتخابات تحت إشراف عربي ودولي؛

ـ اتخاذ المواقف الجدية التي تخلق حالة طبيعية بين العراق وجيرانه وتنفيذ الروحية التي سادت مؤتمر قمة بيروت العربية؛

ـ  قبول عودة مفتشي الأمم المتحدة بدون شروط وحسب قرارات مجلس الأمن التي وافقت عليها الحكومة العراقية؛

 ـ التخلي عن نهج التفريط بالثروات الوطنية للدول الأجنبية.

 

  أخيراً  نتساءل عن الثمن الذي تجنيه الولايات المتحدة من غزوها للعراق، حيث تشير التقديرات إلى أن غزو العراق يكلف الولايات المتحدة ما بين 50  و60 مليار دولار ـ من ضمنها  إعادة اعمار نتائج الغزو، إضافة إلى زج ما بين 200 ـ 300 ألف عسكري أمريكي في العمليات العسكرية، حسب أغلب التقديرات. وهذه الأعباء تتحملها الإدارة الأمريكية وحدها، نظراً  لمعارضة أغلب حلفائها للخيار العسكري في التعامل مع العراق.

  إن تحديد نوعية الإجابة على التساؤل السابق، تعتمد على الأهداف الحقيقية للغزو الأمريكي والتي يمكن إجمالها بما يلي:

  ـ العراق يملك ثاني أكبر احتياطي مكتشف للنفط في العالم، يقدر 112 مليار برميل.

  ـ الموقع الاستراتيجي للعراق في منطقة الشرق الأوسط، حيث لا يمكن إعادة تقسيم هذه المنطقة الاستراتيجية ، بدون السيطرة المباشرة على العراق ودمجه بالأمن الإقليمي  الذي يرتكز على إقامة حلف تركي ـ عراقي ـ إسرائيلي.

  ـ أن ترتيب الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط ، وفق الاستراتيجية الأمريكية، وإدامة السيطرة الأمريكية عليها ، يتطلب أن تكون الأوضاع السياسية والاجتماعية مستقرة، وهذا لا يتحقق بدون عراق مستقر.

 الخلاصة والاستنتاجات:

  إن القضية العراقية تمر بخيارات صعبة في المرحلة الراهنة، تتطلب من كل القوى الحريصة على مستقبل العراق، اتخاذ الموقف المناسب الذي يتجاوب مع هموم المواطن العراقي في الداخل والخارج. وفيما يتعلق بالقوى الوطنية العراقية ينبغي أن يراعي موقفها من الخيار العسكري تشابك الظروف الداخلية والخارجية المحيطة بالقضية العراقية. وهذا يتطلب الابتعاد عن الخطاب السياسي المتطرف والانعزالي الذي يبنى، بشكل أساس، على الموقف النظري المجرد والبعيد عن الواقع الملموس، والتفكير بجدية بالتحليل الذي يقول  " إن التناقضات الداخلية / الوطنية لم تعد حاسمة في البلدان النامية في عصر الليبرالية الجديدة التي تقوت مواقعها في ظل نظام القطب الواحد " وبناءً على ذلك يصبح دور العوامل الخارجية في حسم الصراع مع أنظمة الدكتاتورية الشمولية ، كالنظام العراقي، أكثر قبولاً.   

  

 

 

 

 

 

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفكيك حماس واستعادة المحتجزين ومنع التهديد.. 3 أهداف لإسرائي


.. صور أقمار صناعية تظهر مجمعا جديدا من الخيام يتم إنشاؤه بالقر




.. إعلام إسرائيلي: نتنياهو يرغب في تأخير اجتياح رفح لأسباب حزبي


.. بعد إلقاء القبض على 4 جواسيس.. السفارة الصينية في برلين تدخل




.. الاستخبارات البريطانية: روسيا فقدت قدرتها على التجسس في أورو