الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في المشهد السوري الاخير...سوريا إلى أين؟ -الحلقة الرابعة-

محمود جلبوط

2013 / 5 / 16
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


فضلا عن ضخامة الدمار الهائل الذي ألم بالبنية التحتية في سوريا فإن عدد الضحايا قد وصل وفق أفضل الأرقام تفاؤلا مائة ألف شهيد يقابلهم أضعاف أضعافهم من الجرحى والمعوقين مع صعوبات تأمين أبسط أنواع العلاج لهم بالإضافة إلى آلاف ضحايا الاغتصاب من نساء وأطفال وحتى رجال ومئات آلاف الموقوفين وملايين النازحين واللاجئين وصعوبات جمة لتأمين الطعام لهم , فضلا عن مخاطر ما سيلحقه كل ما سبق من ضرر وتفسخ لمكونات الجسم السوري التي انشحنت بالضغائن والرغبة بالثأر التي ستتجلى على شكل صراعات طائفية مذهبية دينية إثنية ومناطقية في قادم الأيام لن تبق ولن تذر . إن ما سبق يعطينا تصور مسبق عن مدى النجاح الذي حققه النظام من تنفيذ شعاره الأغر "الأسد أو نحرق البلد" "الأسد أو ندمر البلد" الأعز على قلب كتائبه وشبيحته .
لا يمكن التغاضي عن الإقرار أن النظام قد حقق مأربه في جر الحراك الانتفاضي الذي انطلق واستمر ثمانية أشهر سلميا إلى كارثة العسكرة وحمل السلاح التي دفعه إليها دفعا باستعمال أقصى درجات العنف المنفلت , لأنه يجيد إدارتها جيدا بينما الانتفاضة مازالت غضة اليد على الزناد , السلطة مدججة حتى قمة شعرها بأعتى أنواع الأسلحة والثورة اكتفت بالتسلح بشجاعة الفدائي وافتقرت لكل شيء عداها , لقد أعدت السلطة لها حلبتها بكل تفاصيلها مع حلفائه واعدقائه في معسكر قوى الثورة المضادة أمريكا وحلفائها في الخليج العربي وتركيا في ظل خلل شديد في موازين قوى طرفيها فالنظام من الوزن الثقيل جدا والثوار من وزن الفراشة الصغيرة جدا , جرى ذلك بعد أن نجح النظام وحلفائه الإيرانيين وميليشياتها في لبنان والعراق وبمساهمة مدروسة خبيثة من أعدقائه في إضفاء صبغة الطائفية-المذهبية والإثنية على الصراع إلى جانب مساهمة بعض المجموعات المسلحة باتباع سلوك أرعن ليظهر النظام في نهاية المطاف أمام المجتمع الدولي على أنه ضامن للاستقرار والتوازن الطائفي وحام للأقليات إلى جانب ما كان قد أظهره كضامن يمكن الوثوق به لأمن الكيان الصهيوني وقد تجلى ذلك من خلال ما يجري في الآونة الأخيرة من ضغط على الانتفاضة للتخلي عن مطلب رحيل رأس النظام كشرط مسبق للبحث عن مخرج عبر مباحثات واتصالات دبلوماسية بين الأطراف الدولية خاصة أمريكا وروسيا لعقد مؤتمر دولي من أجل سوريا لم يأت على ذكر رحيل الأسد أو محاكمة المجرمين بل المساواة بين الضحية والقاتل في مسألى خرق حقوق الإنسان وارتكاب جرائم الحرب , بعد أن حقق النظام نجاحا في إحجام أبناء الأقليات الدينية والمذهبية-الطائفية والإثنية عن المشاركة في الحراك الانتفاضي بشكل فعال واقتصرت على أفراد أو مجموعات صغيرة , فتلكأت الأطراف الدولية في التعامل مع النكبة السورية ليس على المستوى الإنساني وحسب بل الاكتفاء بإحصاء ضحايا المذابح ووتصوير وتوثيق القتل والدمار اليومي المباح بل تعاملت مع ما يجري في سوريا على أنه كارثة طبيعية حين اختزلتها إلى مشكلة مياه وكهرباء وغاز بينما يتابع النظام في تنفيذ جرائم القتل والتدمير اليومية وحملات تطهير طائفية مذهبية لقرى ومدن سنية لتسهيل إعلان كونتون علوي في حمص وبانياس وقرى حماة في سهل الغاب , يجهد في عمله هذا وكأنه قد تلقى ضوءا أخضر من كل القوى الدولية والإقليمية وربما تكشف لنا الأيام أيضا عن تواطؤ محتمل لبعض أطراف من المعارضة تفضل عدم الاجتهاد ليكون عيشا مشتركا فيما بينهما . كم هو وجه الشبه كبير بين ما يجري اليوم في سوريا وما جرى بالأمس في فلسطين من نكبة كارثية بل وكأن نكبة الأمس قد مهدت لولادة نكبة اليوم . وكما كان من الملح والواجب على الثورة الفلسطينية لاستدراك النتائج الكارثية لنكبتهم بالعمل على صياغة مشروع سياسي واضح وجامع يجري الاتفاق عليه أن تستظل به بندقية المقاتلين كان من الأجدى للسوريين أن يتعلموا من تجربة إخوانهم الفلسطينيين والنأي بأنفسهم عما جلبه قادة المنظمات الفلسطينية من كارثة على قضيتهم وشعبهم , بأن يقنعوا السوريين بأدائهم السياسي في قيادة المعركة وتهيئة مضمارها للوصول إلى الهدف ليثقوا أن مستقبل سوريا أفضل وأجمل بما لا يقاس مما كانت عليه تحت حكم الأسد ولكن للأسف فإني لا أرى إلا المشهد العراقي ماثل أمامي بكل تفاصيله : ابتداءا من أحمد الجلبي ومرورا بإقامة نظام طائفي وحياة برلمانية بناءا عليها وكونتونات تتهيأ في أي لحظة عن إعلان الانفصال عن أشقائه . نعم وبكل صراحة على السوريين الاعتراف بأن النظام قد نجح بجرهم للرقص في ملعبه العنفي والطائفي معا ولم يثبتوا البتة إلا على مستوى ضيق جدا كحالات قليلة كحالة الشهيد أبو الفرات في ممارساتهم على ساحة المعركة بأنهم ثوار وطنيون أخلاقيون مختلفون عنه بالتعامل مع أسراهم ومن يقع في أيديهم من جنوده وكبديل سياسي , فقد نجح النظام في تحويل الثورة التي انطلقت في شهورها الأولى لتحقيق الحرية والكرامة إلى مجرد تمرد طائفي بعد أن تعسكرت غصبا عنها وبتأثير ضغوطات عدة ذكرناها سابقا , والمسألة شبيهة بما ألم بانتفاضة الحجارة في فلسطين أواسط ثمانيات القرن الماضي وما حققته من إنجازات قد أجهضها فيما بعد توجه التنظيمات الإسلامية إلى عسكرتها وما جلبه ذلك من نتائج كارثية على الشعب الفلسطيني آنذاك وما قدمته من مبررات وذرائع للقمع والقتل والقصف والتصفيات والاعدامات الميدانية لرموز الثورة والانتفاضة على يد الكيان الصهيوني الذي تقمصته السلطة الأسدية إن بممارساتها القمعية أو انتهاج وسيلة التطهير العرقي بل تفوق عليه بمستويات كبيرة , وفي هذا الصدد أرى أن أؤكد أن الكيان الصهيوني بكل مشاريعه لتفتيت المنطقة للتسويق لمشروعه الصهيوني لم يشكل ولا في لحظة من وجوده خطرا داهما على وحدة النسيج الاجتماعي في سوريا ومجمل المشرق العربي كما يفعل اليوم النظام السوري ومشروع النفوذ الإيراني والأعدقاء العرب الآخرين تحت مظلة الشحن المذهبي العالي الوتيرة يمكننا تلمس ذلك من خلال مراقبة العديد من الكتابات والمحطات الفضائية والصحف والمواقع الاجتماعية كيف تسوق لاستعمال كل عبارات التعصب الطائفي والمذهبي والديني والقومي .
وتستمر فوق الأرض السورية "لعبة الأمم" القديمة الجديدة , تختلط الأوراق من جديد لتذكر بفترة الأربعينات والخمسينات في القرن الماضي من تاريخ المشرق العربي من التقاء مصالح المحاور لتتضارب مع مصالح المحور الآخر , لتهيمن الذرائعية في أقذر وجوهها على سياسة الدول , تنفلت قواعدها أحيانا حتى تكاد تنفلت من عقالها لكي تعود الأطراف المتصارعة إلى لعبة المبادرات والدعاوي لعقد المؤتمرات واختبار من يصبر أكثر بممارسة لعبة العض على الأصابع في وقتها الضائع والإضافي , كل ذلك يجري على حساب الدم السوري ومستقبل السوريين بل حتى وجودهم كشعب وكبلد على مرأى ومسمع العالم بالصوت والصورة والوثائق وبوضع الخطوط الحمراء والصفراء والخضراء , وتعتاد سوريا أن تعيش على وقع أيامها الدموية ما يكاد ينصرم نهار حتى تبيت على مقتل 150 أو 200 أو حتى 300 ثلثهم أطفالا ذبحوا بالسكاكين والثلث الثاني نساءا اغتصبن ثم قتلن , والعالم منشغل بإدراج هذا التنظيم أو ذاك على قائمة الإرهاب أو بتصريح قائد المجموعة الفلانية عزمه على تطبيق الشريعة الإسلامية في منطقة سيطرته وآخر إعلان ولائه لتنظيم القاعدة وآخر انضمامه إلى "دولة العراق الإسلامية" , ولم يعد يحتاج النظام اليوم لتوظيف أبواقه وشبيحته الإعلاميين لتلفيق الأكاذيب لتشويه الانتفاضة فها هي جبهة "النصرة" وهاهم دعاة تطبيق الشريعة الإسلامية يباشرون حتى لا يضيعوا الوقت في تطبيق أحكامهم فيجلدون شارب الخمرة ويفرضون الحجاب على الطفلات ويفتحون مدارس تقتصر برامجها على إعطاء الدروس الدينية فقط وهاهم نسور الجولان وغيرهم من الزعران في مخيم اليرموك والعصابات والشبيحة الجهلة المحسوبين ظلما على الجيش الحر يسومون الناس سوء طرق النظام في التعذيب والخطف والسرقة والتعذيب والاعتداء على الأملاك باعتبارها مغانم ويغتصبون النساء باعتبارهم سبايا حتى كرهت الناس وبدأت بتشبيه عناصر وكتائب الجيش الحر بجيش النظام .
نعم إن الثورة ليست مجرد نزهة كما تعامل معها بعض المثقفون أو المنظرون لها من سكان الفنادق والمحاربون من خلف نظاراتهم السوداء , ولا هي غزوة لنأتي بغنيمتها من الطرائد والسبايا آخر النهار فنتقاسمها فيما بيننا كما حسبها العديد ممن اختار ل"ألويته" أسماءا من عهد الصحابة تيمنا , ولا يأتي النصر بالاكتفاء بالدعاء , ولا يهبط من السماء كما توهم دعاة "النصر الإلهي" ولا يقاتل عنا طير من أبابيل , فالثورة استعداد وعدة وخوض معارك على أرض واقعها , يمكن أن يجلب في بعضها النصر وفي بعضها أحيانا الهزيمة بما ينسجم مع موازين القوى العسكرية والاستعداد لها والمناورة فيها ووضع الخطط الناجحة لها . إن الثورة بقدر ما لها وجهها الأبيض في أن حققت أجواء الخلاص والحرية والسعادة في اكتشاف الذات الفردية والجماعية وإعادة الاحترام والثقة لها والثقة فإن لها أيضا وجه آخر من الخسارة والخيبة والكثير من المآسي والمشاكل والتناقضات والمصاعب في طريقها لإنجاز النصر , إن الثورة تسير بنا جميعا ونحن الذين نصنع أحداثها ونبني لبناتها لتحقيق النصر , ولا تتقدم وتحقق تمددها وانتشارها دون أن نقتحمها بمشاركتنا جميعا في مختلف فعالياتها المتنوعة كل حسب إمكانياته وجهده .
فالثورة اختبار لقدراتنا واستعداداتنا وسعة تحملنا , إن الثورة بشكل مختصر نحن وليس أحد آخر غيرنا , نحن اللذين نجلب النصر لها أو نصنع الهزيمة , وكل ذلك يحدده شكل مشاركتنا فيها وكثافة هذه المشاركة وحسب طبيعة أهدافها التي هي أهدافنا نحن السوريون والتي ينبغي أن تقاد بشعاراتنا نحن وينبغي أن تؤدي إلى احتشادنا جميعا تحت راياتها . وأن أي شكل آخر لعمل عسكري يأتي من خارجنا هو بالتأكيد ليس ثورة بل استدعاء للاستعمار , ولن يجلب لنا ما نريد نحن وما نتطلع إليه نحن بل سيكون على شاكلة ما يقوم به النظام تماما , استجلاب للقوى الخارجية لتعبث بنا وبأمننا , لأن هذا الخارج من المنطقي أنه لن يقاتل إلاّ لتحقيق مصالحه هو وليس مصالحنا . كنت أحتاج لكل ما قدمت لأرد على ما تفعله "المعارضة السياسية السورية" في المجلس أو الإئتلاف من استجداء حلف الناتو العسكري منذ انطلاق أول مظاهرة جماهيرية في درعا ومازالت تنتظر حتى الساعة بينما الحلف يصر على لسان مسؤوليه ليل نهار باستحالة ذلك والتذرع بخطوط حمراء يعدلها كلما وطئتها قطعان الأسد وشبيحته , مما يوضح أن ساعة تدخله عسكريا لم تحن بعد فهو على ما يبدو ينتظر أن يسفر الصراع عن تدمير سوريا بالكامل فتصبح هباءا : وطنا ودولة فاشلان أو دويلات طائفية , أو من يحل محل الأسد لمتابعة الحفاظ على أمن الكيان وكأنك يا أبو زيد ما غزيت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري