الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طوبوغرافيا المزاج الشعبي

كريم ناشور

2013 / 5 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


قالها صديقي بسخرية محببة : اننا كحجر نرد وكأن يد خفيه تقبض علينا وترمينا على الطاولة فنكون ماتريد . قلت كيف ؟ قال :في اربعينيات وخمسينيات القرن الماضي اصبح اغلبنا يساريين وفي العقدين التاليين اصبحنا قوميين وفي العقدين الاخيرين من ذلك القرن اصبحنا اسلاميين ولاندري ماتخبئه لنا تلك اليد في العقود المقبلة ...ربما تكشف سخرية صديقي عن شيء من الصحة فيما يقول فالبعض يتذكر او قد سمع ان العراق في الاربعينات والخمسينات ـ وانا هنا لاأتحدث عن تأريخ الحركات السياسية بل عن المزاج الشعبي العام ـ انتشرت فيه أفكار اليسار انتشاراً تجاوز المدن الكبرى الى القرى والقصبات والارياف ورفعت رايات الشغيلة الحمراء في الشوارع والمنعطفات وعلى البيوت ولازلت اتذكر وقد كنت طفلا في منطقة الشاكرية في بغداد الكرنفالات الشعبية التي تقيمها قوى اليسار بمناسبة الاول من ايار (عيد العمال العالمي) ومناسبات أممية أخرى وحتى تسميات المواليد كانت تحاكي أسماء قادة اليسار مثل فهد وسلام وعادل وصارم وحتى لينين وروز(تيمناً بـ روزا لوكسمبورغ ) بل ووصل الامر الى الاهازيج الشعبية حيث ردد احدهم في رثاء قائد يساري محلي يسمى صفوك هازجاً : (صفوك أمه كروبسكايا) في اشارة الى ناديجدا كروبسكايا زوجة لينين .وقد كان للثورة البلشفية وانتصار السوفيت في الحرب العالمية الثانية ونمط الحياة الاشتراكية في بلدان المنظومة الشرقية دوراً بارزاً في التأسيس لهذا المزاج وديمومته ... ولكن ما أن حل علينا عقد الستينات وهلت علينا تباشير (أمجاد ياعرب ...أمجاد ) حتى بدى إن مزاجاً شعبياً جديداً بدأ بالتشكل عنوانه الطاغي ( بلاد العرب أوطاني ... من الشام لبغدان ) استعاد بشكل فج احلام الامبراطورية العربية في العصور الماضية وفتوحاتها وانتصاراتها وقد اسهمت الثورة المصرية وشخصية قائدها (جمال عبدالناصر ) بما يتوفر عليه من كاريزما تتناغم مع المخيلة الشعبية في تشكيل هذا المزاج وتوضيح معالمه مغتنماً محطات الصراع العربي ـ الاسرائيلي وهزيمة الخامس من حزيران بما تمثله من اهانة قومية بالغة القسوة في تغذية هذا المزاج وتأججه .وحازت عبارة (الشعب العربي الواحد) من القداسة ماجعلها تنافس مفردات الكتب المقدسة ومن تجرأ وقال (الشعوب العربية) رمي بالزندقة أو الشعوبية كمفردة مخففة عن الزندقة .
ثم دخلنا عقد الثمانينات وكان الموت أفضل انجازاته ـ كنتاج عرضي ـ للحرب العراقية ـ الايرانية وعقد التسعينات وكان الجوع علامته المميزه ـ كنتاج جمالي ـ للحصار.وهروباً من كماشتي الموت والجوع كان الاسلام بانتظارنا ـ أقصد الاسلام السياسي ـ فخرجت كتب الفقه من السراديب إلى أرصفة الشوارع وامتلأت الجوامع والمساجد والحسينيات بمرتاديها .فصرنا لا نبدأ حديثاً الا بالبسملة ولاننهيه الا بالصلاة على النبي وعرفنا مذاهباً ومللاونحلا لم نكن قد نعرفها من قبل ... و ... و.... و... .حتى أصبح المزاج الشعبي اسلامياً صرفاً ...والان بعد ان استنفد المشروع الاسلامي كل طاقاته وعنفوانه ... وبعد ان اظهر عرابوه فضائعهم وتخلفهم وجهلهم أرى ان مزاجاً شعبياً جديداً بدأ بالتنامي باعثاً إشارات بسيطة ولكنها واضحة ...ربما لايعكس صعود ثمان من التيار الديمقراطي الى مجالس المحافظات في الانتخابات الاخيرة حجم التغيير الحقيقي في طبيعة هذا المزاج لاسباب لامجال لذكرها ولكن تغييراً حقيقياً قد حصل وان مزاجاً براغماتياً فطرياً لاحت مظاهره في يوميات الطبقات المسحوقة قد لايمكن توصيفه بدقه لكن ملامحه الاوليه تشير الى انه (لا أسلامي ) .
وها نحن كحجر النرد في قبضة اليد الخفيه مرة اخرى ... من يدري ربما سيكون مزاجنا القادم (دوشيش) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: حماس تمارس إبادة جماعية ورفضت جميع المقترحات المتعل


.. الدكتور مصطفى البرغوثي: ما حدث في غزة كشف عورة النظام العالم




.. الزعيم كيم يشرف على مناورة تحاكي -هجوماً نووياً مضاداً-


.. إيطاليا تعتزم توظيف عمال مهاجرين من كوت ديفوار وإثيوبيا ولبن




.. مشاهد جديدة وثقتها كاميرات المراقبة للحظة وقوع زلزال تايوان