الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة السياسة..نظرة هيكلية في أزمة الاقتصاد المصري

مجدى عبد الهادى
باحث اقتصادي

(Magdy Abdel-hadi)

2013 / 5 / 17
الادارة و الاقتصاد


أزمة السياسة

المدخل الهيكلي لأزمة الاقتصاد المصري





المحتويات
=======

1) تمهيـد : كل الطرق تقود إلى روما :
ــــــــــــــــــــ

2) القيود : توصيف الوضع :
ـــــــــــــــ
أ - البعد السوسيواقتصادي : التبعية والطبقات الإجتماعية
........................................................
ب - الأبعاد الإقتصادية : إختلالات الهيكل الإقتصادي
......................................................
§ الإحتكارية
§ الريعية
§ الإستهلاكية
§ إزدواجية الإقتصاد
§ الفساد الهيكلي
§ ضعف البنية الإنتاجية

ج- الهيكل السوقي
......................
§ أزمة السياسات الكلية : التضخم والركود
§ أزمة التوزيعات الإقتصادية : الأجور والأسعار

3) الأهداف والوسائل : برنامج مرحلي :
ـــــــــــــــــــــ
أ - إصلاح المؤسسات
.......................
§ البنية المؤسسية
§ هيكل السوق

ب - الإستقرار الإجتماعي
............................
§ العدالة الشاملة
§ رفع مستوى المعيشة
§ البطالة والتشغيل

ج - القدرة الإنتاجية
......................
§ نمط الإستثمار : توازن الصناعات الإستهلاكية والإستثمارية
§ نمط التجارة : التوجه للداخل
§ تنمية الموارد : الخروج للوادي
§ التقنية : القطاع العام

4) الخاتمة :
ـــــــ






1) تمهيـــد :
ــــــــ

كل الطرق تقود إلى روما

إن نظرة خاطفة في التاريخ المصري الحديث ستصيب أي عاقل بالدوار من هذا التكرار وهذه الدورانية العجيبة الحاكمة لذلك التاريخ الملتبس الذي يكاد يكرر نفسه ، خصوصاً في تلك المئتي عاماً الأخيرة ، فقد قامت أربع ثورات – ودع عنك 25 يناير التي لم تكتمل ولم تتضح معالمها بعد - تكاد تكون أهدافها واحدة ، دون اختلاف جوهري يُذكر !! ونهضتين متشابهتين نسبياً ، تشتركان في الأدوات والأساليب ، وبالأساس في منطق الصعود والسقوط !!

أما الملاحظة الثانية التي تتجلى وتتمركز واضحة للعيان عند كل مفاصل هذا التاريخ فهى الدور الضخم والحاسم أحياناً للعامل الخارجي ، من خلال تأثيره المباشر أحياناً وغير المباشر أحياناً أخرى والداعم للسلطة الحاكمة تارةً والمناهض لها تارةً أخرى ؛ بما يكاد يمثل جزءاً من منطق الظاهرة المصرية !! فالمجتمع المدني كظاهرة سوسيولوجية غائب ومحدود الدور بفترات تاريخية محدودة ، بحكم غياب التنظيمات الإجماعية من نقابات وتعاونيات وروابط ... إلخ .

والخلاصة التي تعطيها هذه التجربة الثرية والمملة في ذات الوقت هى أنه فعلاًُ "كل الطرق تؤدي إلى روما" ، ففي مصر ، وربما أغلب دول العالم الثالث والرابع ، يبدأ كل شئ لينتهي ويبدأ من جديد بالسياسة ، بما في ذلك كل ما يتعلق بالشأن الإقتصادي ، الذي هو بالأساس قضية سياسية ، تماماً كما هو مسألة تخصيص موارد وكفاءة إدارة !!



إطـار البحـث

لهذا لن نسهب كثيراً في تناول ما هو معروف ومكرور من أقاويل ومطالب إقتصادية ، بُحت بها أصوات أساتذتنا من الإقتصاديين المصريين الوطنيين عما يجب فعله ، فالحقيقة أن طريق التنمية والكفاءة والعدالة واضح ومعروف ، فقضايا الإقتصاد ليست بالتعقيد الذي هي عليه في تفاصيلها الأكاديمية ودوالها الرياضية ، بل إنها في الحقيقة أبسط وأوضح كثيراً مما توحي به المصطلحات الفنية !!

كما أن بعضاً من تلك الأقاويل المكرورة يدور في أغلبه حول تلك المتغيرات الرقمية الطوطمية في التحليل الكلاسيكي ، والتي يتم اختزال الإقتصاد فيها ، والتي على أهميتها لا تمثله في واقعيته ، قدر ما هى تبسيط وإختزال لا يجوز نسيان حدوده عند التعامل مع الواقع الحياتي ، كذا عند وضع السياسات التطبيقية والبرامج التي هى سياسية قبل أن تكون إقتصادية بحتة !!

هذه الحقيقة البسيطة أثبتتها المدارس الحديثة في الفكر الإقتصادي [1] ، التي إنقلبت على مدارس التحليل الكلاسيكي والنيوكلاسيكي ، المشغولة ببضع متغيرات اقتصادية رقمية ، تختزل فيها عالم الإقتصاد ، وتصوره عالماً معزولاً بأسوار صينية عن عوالمه المحيطة السياسية والإجتماعية والثقافية ، تلك العوالم المُتضمنة لحزم متنوعة ومتشابكة من المتغيرات الحاسمة في تكوينه ، والممثلة لمادته ، والتي تتبلور من خلالها وفي إطارها تلك المتغيرات الرقمية ذاتها ، وذلك من بُنى سياسية وتشريعات قانونية ولوائح تنظيمية وأعراف إجتماعية وعادات ثقافية ... إلخ.

هذه العوالم المحيطة بالبنيان الإقتصادية محكومة في تطورها بتطورات التشكيلة الإقتصادية الإجتماعية [2] ، وتشكل جزءاً جوهريا وحركياً فيها ، لكنها في ذات الوقت تمثل قيوداً على النظام الإقتصادي الواقعي ، وهذا التناقض الظاهر لا يحدث إلا إذا تجاهلنا إختلاف درجة تطور علاقات الإنتاج عن درجة تطور قوى الإنتاج ، وإذا ساوينا التشكيلة الإقتصادية الإجتماعية بالنظام الإقتصادي الواقعي [3] .

وأهمية هذا التمييز ما بين التشكيلة الإقتصادية والنظام الإقتصادي هي معرفة حدود السياسة الإقتصادية ، كذا إمكاناتها ، فالسياسة الإقتصادي التي تتعامل مع النظام الإقتصادي بأدوات من داخله شئ ، وعملية التغيير الإجتماعي الثوري التي تتعامل مع التشكيلة الإقتصادية الإجتماعية على مستواها البنيوي الأعمق شئ آخر تماماً ؛ وهو ما يقود لمعرفة طبيعة القيود والإمكانات وبالتالي الأهداف المنطقية لكلا الحالتين والعمليتين المختلفتين جذرياً .

وهكذا فنطاق هذا البحث هو النظام الإقتصادي القائم ، وهدفه هو طبيعة السياسة الإقتصادية المطلوبة والممكنة في إطاره، وبالتالي فقيوده هى ذلك الشكل المُحدد من النظام القائم في مصر ، إضافةً للمتغيرات الإقتصادية المعروفة وقيودها المتعلقة بالموارد .


وبصفة عامة يتم بناء خلاصات أي بحث اقتصادي بالتعاطي مع ثلاثة مستويات متراكبة ، هي كالتالي بالترتيب :

1. قيود التشكيلة الإقتصادية الإجتماعية : وهذه نعمل في إطارها جبراً ؛ فنتجاهل ما يتصل بها باعتبار النظام الرأسمالي قائم حالياً كمُعطى ، كما أن ما يتعلق بتغييره هو عملية تاريخية ونضالية ثورية ليست موضوعاً لهذا البحث .

2. قيود النظام الإقتصادي : وتتعلق تلك القيود بالشكل العام للرأسمالية المصرية كرأسمالية تابعة ، كذا بهيكلها الخاص المتمثل في تلك النتائج المترتبة على خصيصة التبعية ، والأنماط الإقتصادية القائمة المرتبطة بها من إحتكارية وريعية وإستهلاكية وثنائية إقتصادية وفساد هيكلي وضعف في البنية الإنتاجية والتقنية .

3. القيود الإقتصادية : وهذه تتعلق بالمتغيرات الإقتصادية البحتة ، أي بالموارد المادية والمالية والتقنية ، وتخصيصها وتوظيفها ، وهذه أيضاً لا نتحدث فيها طويلاً ؛ لكثرة ماكُتب فيها وحولها ضمن التيار الإقتصادي التقليدي .


وهكذا فهدف هذا البحث المتواضع هو المساهمة في تصور سياسة إجتماعية / إقتصادية لعلاج مشكلات المستوى الثاني باعتبارها :

أولاً - الممكنة – بالقياس لمشكلات المستوى الأول التي تتطلب ثورة إجتماعية ليست موضوعاً للبحث ،

ثانياً : الضرورية مرحلياً - باعتبارها الأساس القاعدي لأي برنامج ناجع لعلاج مشكلات المستوى الثالث .

وكذا يدخل في إطار البحث تصور مُبسط لسياسات تنموية عادلة تضمن إستقراراً إنتقالياً ؛ بتحقيق قدر من النمو والتطور والعدالة في المدى المنظور ، ويخدم إستراتيجية طويلة الأجل تسمح بعلاج مشكلات المستوى الثاني سالفة الذكر .





2) القيود : توصيف الوضع :
ــــــــــــــ

لاشك أننا لسنا بحاجة للإسهاب في توصيف هذه المشكلات التي حُرثت وقتلت بحثاً يميناً ويساراً وطولاً وعرضاً ، لهذا سنكتفي بعرض سريع لكل مشكلة بقدر ما يفيد في إيضاح دوره في الأزمة المُستحكمة للإقتصاد المصري ، وربما إكتفينا في بعض المشكلات ببضعة مؤشرات للتعبير عن مداها وحجمها .



‌أ- البعد السوسيواقتصادي : التبعية والطبقات الإجتماعية
......................................................
تمثل التبعية العنصر الرئيس في أزمة الإقتصاد المصري الهيكلية ، فالتبعية هى الشكل العام للتشكيلة الإقتصادية الإجتماعية الرأسمالية في مصر ، بحيث يمكن القول بكون الرأسمالية التابعة هى الشكل المصري الخاص من الرأسمالية ، وهي خصيصة تمس دولاً محيطية كثيرة ، يجمع أغلبها عنوان العالم الثالث الشهير .

وهى ليست مسألة تبعية إقتصادية فقط ، فالتبعية الإقتصادية هى فقط قلب تلك التبعية بمعناها العام ، تلك التي تتضمن أشكالاً أخرى من التبعية ، كالتبعية السياسية والعسكرية والتقنية والثقافية ...إلخ .

وتعبر التبعية الإقتصادية عن حالة يُدار فيها الإقتصاد القومي من الخارج ووفقاً لمصالح ذلك الخارج ؛ وذلك بتكامله مع ذلك الإقتصاد الخارجي ، الذي يجعل الإقتصاد القومي مجرد جزء تابع من أسواقه الخاصة سواء أسواق السلع أو أسواق عوامل الإنتاج ، وبحيث يرتبط النشاط الإقتصادي الرئيسي في الإقتصاد القومي المعني بحركة النشاط الإقتصادي في الإقتصاد المتبوع .

والتركيب الإجتماعي الداعم لحالة التبعية ليس أساساً السلطة السياسية ، رغم كونها عنصراً جوهرياً من عناصره ، بل هو بالأساس الطبقات المهيمنة إقتصادياً ، مُتمثلةً في تلك الطبقات الإجتماعية المرتبطة مصلحياً بحكم أنشطتها الإقتصادية الرئيسية بذلك الإقتصاد المتبوع ، وهم غالباً من وكلاء الشركات الدولية والسماسرة ومُنتجي التصدير .. إلخ .

وتقود حالة التبعية لكثير من النتائج الهيكلية التي تتنوع في نتائجها وطبائعها بحسب التفاعلات مع الأحوال والتطورات الخاصة بكل دولة من الدول التابعة ، ولكنها في جميع الأحوال تقود لإختلالات هيكلية في التركيب الإنتاجي والإقتصادي والإجتماعي ، كذا إختناقات مادية ومالية عديدة ، علاوةً بالطبع على حالة الفقر المُستشري ؛ نتيجة لنزح الفوائض المُنتجة بالدول التابعة المحيطية إلى دول المركز المتبوعة .

وفي حالة مصر نتجت مجموعة من الإختلالات الهيكلية – نناقشها في البند التالي - ناتجة عن تفاعل حالة التبعية مع ظروف التطور الإقتصادي الخاصة بمصر ، منها السيطرة البيروقراطية الضخمة على الإقتصاد وتضخم عوائد الأنشطة الريعية ضمن مُجمل النشاط الإقتصادي ، كذا تفشي الإحتكارات الإنتاجية والإستيرادية التي هي مُكون هيكلي ضمن حالة التبعية ذاتها.

ويشير الأستاذ أحمد السيد النجار [4] إلى فوارق ضخمة ما بين الناتج المحلي الإجمالي والناتج القومي الإجمالي ، تمثل تلك الفوائض المنزوجة لحساب الخارج ، والتي تعبر عن مدي حالة التبعية التي يعيشها الإقتصاد المصري :

الناتج المحلي الإجمالي والناتج القومي الإجمالي بالمليار دولار

السنة ن . م . ج | ن . ق . ج | الفارق | الفارق منسوباً للـ ن . ق . ج

2008 | 163.2 | 146.8 | 15.5 | 10.6 %

2009 | 188.4 | 172.1 | 16.3 | 9.5 %

2010 | 218.9 | 197.9 | 21 | 10.6 %


مع العلم بكوننا تجاوزنا عن حساب ما أضافه الأستاذ أحمد النجار من تحويلات مصريين واردة وعوائد الإستثمارات المصرية بالخارج ، والتي يصبح بحسابها إجمالي النزح الأجنبي للخارج للأعوام الثلاثة 86 مليار دولار .

وعموماً تمثل هذه الحالة من التبعية قيداً فولاذياً على تطور الإقتصاد المصري ، فأعباء وتكاليف التبعية تتجاوز حتى تلك الأرقام الصماء الضئيلة قياساً للتكاليف الحقيقة المُتمثلة في سوء إستخدام الموارد – وحتى عدم إستخدام بعضها أساساً - وإختلال البنيان الإنتاجي ، وفساد الأداة الحكومية والهيكل السياسي ، وأزمات العلاقات الخارجية والوضع الدولي ؛ بما ينتجه كل هذا من تكاليف سياسية واقتصادية واجتماعية .

وتمثل الطبقات المُستفيدة من وضعية التبعية قيداً ضخماً على أي برنامج إقتصادي ، بحكم مصالحها المُتشابكة مع مصالح الخارج الإمبريالي ؛ وهذه مسألة سياسية تتعلق بالثورة الجارية في شوارع مصر ، وليست موضوعاً لهذا البحث .





‌ب- الأبعاد الإقتصادية : إختلالات الهيكل الإقتصادي
...................................................
تمثل هذه الأبعاد الإختلالات الهيكلية المتعلقة بالشكل الخاص للرأسمالية المصرية التابعة ؛ الناتج عن تفاعلات تطوراتها الخاصة مع الشكل العام الذي وُجدت من خلاله وعلى أساسه تلك الرأسمالية ، أي أنه الشكل الخاص للرأسمالية المصرية (المستوي الثاني من البنية الهيكلية) ضمن الشكل العام للرأسمالية التابعة (المستوى الأول من تلك البنية المُمثل للتشكيلة الإقتصادية الإجتماعية) .

ورغم الإرتباط الشرطي بين هذه الأبعاد وبين حالة التبعية ؛ إلا أنها قابلة – بحكم العناصر الذاتية فيها المتعلقة بالتطور الخاص بمصر منذ السبعينات على الأقل والتطورات الممتدة عن تراكمات تاريخية سابقة - للتغيير والتحجيم النسبي ؛ وبحيث تمثل كل التغييرات الجارية عليها جانباً من الإصلاحات الضرورية التي تقود نسبياً ومرحلياً لتحجيم حالة التبعية وآثارها السلبية في المدي المتوسط ، كما تمثل مُستقبلاً كل الإصلاحات الممكنة في إطار / وضد نظام التبعية بشكل العام .

فـ"بحكم الارتباط الهيكلي ما بين قضايا المستوى الثاني ، بل وتبعيتها نسبياً لقضية التبعية (قضية المستوى الأول الأعمق المُتعلق بالتشيكلة الإقتصادية الإجتماعية ) ؛ فإن الإنهاء الحقيقي والكامل لأي منها مرتبط ارتباطاً جذرياً بإنهاء الأولى ، فالتحرر من التبعية هو أساس إنهاء الريعية والاحتكارية والاستهلاكية والفساد الهيكلي وازدواجية الاقتصاد ..إلخ ، وإن كان التحرر من التبعية كمهمة ثورية تاريخية - لا يمكن تحقيقها دون ثورة شعبية شاملة تقودنا إلى دولة الديموقراطية الشعبية - لا يمنع من ممارسة الكفاح الجماهيري الإصلاحي ، لتقليل حجم وقوة وانتشار وجود تلك الأمراض، بما يضعف من آثارها ، ويقلل من تشعب وتوغل حالة التبعية في كافة مفاصل الدولة والمجتمع والاقتصاد ، ويقربنا في النهاية من الهدف الثوري النهائي ، المتمثل في التحرر من حالة التبعية ، وذلك انطلاقاً من فهمنا للطبيعة الجدلية لعمليتي الثورة والإصلاح" [5] .



§ الإحتكارية

تمثل الإحتكارية نتاجاً مُركباً للمستويات الثلاثة من التركيب الإقتصادي الإجتماعي في مصر ، كذا التكوين السياسي الفاسد ؛ فالإحتكارية هى حالة هيكلية بالنظام الرأسمالي في مرحلته الإمبريالية ، وبالتالي فهي جزء مكون من مكونات حالة التبعية ، يُضاف إلى هذا طبيعة التكوين الرأسمالي في مصر الناتج عن طبيعة توزيع الدخل والثروة ، كذا الخصائص العامة لرأسمالية العالم الثالث المرتبطة بالسلطة الفاسدة ، والتي نُحت لأجلها مصطلح "رأسمالية المحاسيب" .

ويرصد الدكتور محمود عبد الفضيل [6] الكثير من مظاهر التركيب الإحتكاري للسوق المصري في العديد من القطاعات الإقتصادية الحيوية (يمكن الإطلاع على الجداول بالمصدر الرئيسي أو بنسخة البي دي إف الخاصة بالبحث)



§ الريعيــة

يعني الريع كما عرفه الدكتور نادر فرجاني "المكسب المالي أو الربح العائد إلى إحتكار أصل مادي أو معنوي" [7] ، وهكذا نجد الريع مرتبط في جانب من جوانبه بحالة الإحتكارية .

أما من زاوية وجوده ذاته فيرتبط الريع بحالة التبعية التي تتضمن ضعف البُنى الإنتاجية وتزايد نصيب المواد الأولية والأنشطة الخدمية في النشاط الإقتصادي ، وتشير الدراسات لتعاظم نصيب الأنشطة الخدمية في الإقتصاد المصري إلى نسبة 49 % [8] .

وتتمثل الحالة الريعية في توسع حجم فوائض الأنشطة الريعية غير المُنتجة ضمن الدخل القومي ، بما يعنيه ذلك من تضاؤل الأنشطة الإنتاجية خالقة القيمة المُضافة ، كذا تعاظم نصيب الفئات الطفيلية ضمن الإقتصاد الوطني ، وتعاظم قوة الحكومة في مواجهة الشعب بالانفصام النسبي لعلاقتها التمويلية به ، إضافةً بالطبع لسوء توزيع الدخل ؛ نتيجة لتزايد التأثيرات - الإجتماعية والثقافية المُتخلفة غالباً - غير الإقتصادية وغير المنبنية على الكفاءة والإنتاجية في نمط توزيع الدخل وهيكل الإستهلاك ، كذا تزايد ارتهان الإقتصاد الوطني لتقلبات وتذبذبات الخارج المؤثرة على عائداته من تلك الأنشطة التي يمكن وصفها بالهوائية !!

وترتبط بالحالة الريعية ثقافة ضارة وقيم غير مُنتجة ، وهى حسبما وصفها الأستاذ سمير مُرقص " ثقافة : مستكينة ، تقليدية غير مبدعة ، تعتمد على شبكة علاقات تعتمد العلاقات الأبوية من قرابة دم أو ثقة أو مصالح ضيقة بين البيروقراطية ومروجى الاقتصاد الريعى ، إنها الأبوية الجديدة حيث العلاقات الاقتصادية ليست بين مؤسسات ووفقًا للتعاقدات الحديثة وإنما وفقًا للعلاقات الشخصية أو الوساطة " [9] .

كذا يرتبط بحالة الريعية مجموعة أخرى من النتائج السياسية التي لسنا في معرض تبيانها ، ونذكر منها فقط ما هو ذي نتائج إقتصادية تعنينا فيما هو آت من نقاط ، حيث يذكر الباحث ذياب فهد الطائي أنه " بسبب ارتفاع معدلات الصرف على السلع الكمالية وانتشار ثقافة انتهاز الفرص والبحث عن الربح السريع والتفاخر الاجتماعي ؛ فان الاقتصاد يتجه نحو قطاعي العقارات والخدمات ، وازدراء الكسب المبني على العمل المنتج ، ومثل هذه المواصفات تشجع على انتشار الفساد بكل صوره في بنية المجتمع الريعي " [10] .

وهكذا نجد أنه فضلاً عن تذبذبها وهوائيتها كمصادر للدخل للقومي للدولة ، فإنها داخلياً ذات آثار شديدة السلبية على النظام الإقتصادي من ناحية تأثيرها على منظومة الحوافز والآليات المحركة للنظام ، وتشير الأستاذة آن كروجر إلى أنه "إذا إعتبرنا توزيع الدخل في مجتمع ما ، هو نتاج لعبة الحظ والمصادفة (Lottery Game) ، حيث ينقسم السكان إلى أفراد ناجحين أو محظوظين يحصلون على أقصى قدر من الريع ، وآخرين فاشلين لم يحالفهم الحظ أو المهارة للحصول على الريع بأشكاله المختلفة ؛ فإنه في مثل هذا النوع من المجتمعات ، فإن آلية السوق تغدو ضرباً من الوهم" [11] .

وتتواجد أشكال أخرى من الريع ناتجة عن التكوين الإحتكاري للسوق المصري ، كذا كثرة أنشطة السمسرة والوسطاء في كافة السلع العادية ؛ والناتجة أحياناً عن مجرد غياب هياكل تمويلية لصغار المُستثمرين كذا غياب الديناميكية السوقية التي تضمن وصول السلع دون وجود كل هذه الحلقات من الوسطاء ؛ وهو ما يرفع الأسعار النهائية للسلع دونما قيمة مُضافة ، في مقابل زيادة الدخول الريعية لبعض الفئات الطفيلية غير المُنتجة .

وفي مصر عموماً أربعة أنشطة رئيسية – ريعية بطبيعتها - تدر دخلاً ريعياً على الإقتصاد المصري ، أصبحت تمثل نسبة ضخمة من الناتج القومي ، وهذه الأنشطة هى أساساً :

1. السياحة : وتمثل أكبر تعبير عن تضخم الأنشطة الخدمية غير المُنتجة في الإقتصاد المصري ، وهو مصدر متذبذب بالطبع تبعاً لحالة الأمن والإستقرار في الدولة .

2. البترول والغاز الطبيعي : وهي هبات ربانية قابلة للنضوب .

3. قناة السويس : وهى نوع من الخدمات المعتمدة على حالة التجارة الدولية .

4. تحويلات المصريين العاملين بالخارج : وهو مصدر متذبذب بالطبع يعتمد على حالة النشاط الإقتصادي بالدول المضيفة ، كذا العلاقات السياسية معها ، ومرتهن شرطياً بإستمرار حالة الفقر السائدة في مصر!!



§ الإستهلاكية

وتعني الإستهلاكية تزايد أنماط الإستهلاك الترفي ، الذي يعبر عن نفسه في تزايد الطلب على السلع الترفية كالسيارات الفاخرة والفيلات والشاليهات والكومباوندات المُغلقة ، وحتى الأنواع المميزة من الملابس ذات الماركات العالمية ...إلخ .

وقد أحسنت الدكتورة ماجدة بركة صنيعاً بإلتقاطها لظاهرة المولات التجارية Malls باعتبارها تعبيراً مركزياً ومُكثفاً عن تلك النزعة الإستهلاكية ، باعتبارها تمثل حقاً "محاولة لخلق عالم جديد ، يمزج بين المجالات التجارية والترفيهية ، إذ لم يعد المول مجالاً تجارياً بحتاً ، بل مركزاً للتسوق والترفيه ، ودور سينما ، وقاعات ديسكو ، ومراكز رياضية للياقة البدنية ، وقاعات للبلياردو والألعاب الإلكترونية ، بالإضافة إلى المطاعم والمقاهي" [12] .

وتتزايد هذه الحالة الإستهلاكية في الوقت الذي لا يتجاوز فيه متوسط دخل الفرد في مصر حاجز الـ 2800 دولار سنوياً ، وهي ظاهرة تعبر عن مدى سوء توزيع الدخل وتفشي الظلم الإجتماعي .

وترتبط تلك الظاهرة بحالة التبعية التي تقوم على وجود طبقات مرتبطة بالإقتصاد المتبوع ، مُستفيدة من حالة التبعية ، وتوجه كافة السياسات الإقتصادية لصالحها من خلال فساد الأداة الحكومية ، كذا من خلال الإحتكارات التي يتم من خلالها نزح دخول المستهلكين أصحاب الدخول الثابتة إلى مالكي الأصول الإنتاجية ، إضافةً إلى الريعية وتأثيراتها الإقتصادية والتوزيعية والقيمية .

وترتبط بهذه النزعة الإستهلاكية مشكلة ضعف الإدخار والإستثمار المحلي بالتالي ، وهو ما يمنع أي إمكانية لتنمية القوى الإنتاجية وإستخدام الموارد الإقتصادية المتوافرة ، ومكافحة البطالة المُستشرية في جنبات المجتمع المصري .

وهذا الضعف في الميل الإدخاري تشترك في تكوينه تلك النزعة الإستهلاكية الناتجة عن / والمشتبكة - في آن واحد - مع حالة الريعية في الإقتصاد المصري ؛ حيث يرتفع الميل العام المتوسط للإستهلاك لدي مُجمل الشعب المصري ، وإن إختلفت الأسباب ؛ من إنخفاض الدخول ومستويات إشباع ضرورات الحياة لدى الطبقات الفقيرة ، أو محدويتها وتدهورها خصوصاً مع ما يُسمى بظاهرة "الصرع الطبقي" [13] لدى الطبقة المتوسطة ، أو طبيعتها الريعية المرتبة لأنماط إستهلاك سفيهة لدى الطبقات الغنية !!

ويؤكد الأستاذ أحمد السيد النجار على هذا الضعف في مستويات الإدخار ونتائجه بقوله أنه "من الصعب تصور تحقيق الإقتصاد المصري لدورة من النمو السريع أو حتى المعتدل ، في ظل مستويات الإدخار والإستثمار السائدة فيه ، فمصر تحقق واحداً من أدنى معدلات الإدخار في العالم ؛ حيث بلغ هذا المعدل نحو 15 % عام 2003م مقارنةً بنحو 21 % في المتوسط العالمي في العام نفسه" [14] .

ويستكمل " وبالنسبة لمعدل الإستثمار في مصر ، فإن بيانات البنك الدولي ، تشير إلى أن إجمالي تكوين رأس المال كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي ، لم يتجاوز 17 % في عام 2002 ، بالمقارنة مع 21 % كمتوسط عالمي ، ونحو 44 % في بلد سريع النمو مثل الصين ، ونحو 38 % في دول شرق آسيا إجمالاً ، ونحو 28 % في دول الدخل المتوسط " [15] .



§ إزدواجية الإقتصاد

وتعني وجود قطاعين داخل الإقتصاد الوطني مختلفي مستوى التطور ، يرتبط أحدهما بالإحتياجات المحلية والآخر بإحتياجات الخارج ، وكما هو واضح تمثل هذه الحالة تعبير آخر – كذا مكون من مكونات – عن حالة التبعية ، فالمصطلح نشأ تاريخياً تعبيراً عن تعايش القطاعات الإقتصادية التقليدية والعصرية داخل الإقتصاد الكولونيالي التابع ؛ ولا غرابة في تعمق وتوسع هذه الظاهرة عالمياً مع تجذر حالة العولمة .

وتعبر هذه الظاهرة عن نفسها في تجزؤ أسواق بعض السلع وأسواق عوامل الإنتاج ، وتحديداً العمل ، حيث – ومع تجاهل الإختلالات والتجزؤات الأخرى في سوق العمل الناتجة عن السياسات الحكومية والريعية الرديئة – نجد في القطاع الخاص تمايزاً ضخماً في مستويات الأجور ، ما بين تلك الأجور المدفوعة في القطاعات التصديرية المرتبطة بالخارج - سواء كانت مملوكة محلياً أو مملوكة لأجانب – من ناحية ، وتلك الأجور المدفوعة في باقي الإقتصاد القومي من ناحية أخرى .

وهكذا يتواجد قطاع حديث مرتبط بالإقتصاد الدولي ينتج أغلب الفوائض والقيم المضافة في الإقتصاد الوطني ؛ ليصدر أغلبها للخارج عينياً ونقدياً ، وقطاع آخر فقير ومحدود الإمكانات مادياً ومالياً وتقنياً ، يمول فيه الفقر نفسه !!



§ الفساد الهيكلي

إذا كان الفساد العرضي موجوداً في أي مكان نتيجة لإنحرافات البعض وميولهم الشخصية ؛ فإنه يختلف جذرياً عن الفساد الهيكلي الذي هو نتاج وتكوين بينوي ضمن منظومة يشكل الفساد جزءاً مكوناً في عملها ذاته ، فليس الفساد فيها مجرد عرض أو صدفة أو إنحراف ، بل هو آلية عمل للنظام ذاته .

وإذا كان الفساد الهيكلي يرتبط في جانب منه بالإستبداد وفساد السلطة فإنه على الجانب الآخر مرتبط تكوينياً بحالتي التبعية والريعية أيضاً ، فمن المعروف أن التبعية وعناصرها المكونة من شركات متعدية الجنسيات ونفوذ خارجي تعمل جميعها على إفساد المسئولين الحكوميين لمزيد من المكاسب الإقتصادية ، كما تساهم في توسعه حالة الريعية وما تعليه من قيم وإرتباطات شخصية وعائلية وقبلية على حساب القيم الإقتصادية ، وهو ما أثبته كارل ماركس في رأس المال بقوله "في الإقتصاد الريعي تقوى علاقات القرابة والعصبية ، أما في التشكيلات الإجتماعية الرأسمالية فتسيطر علاقات الإنتاج" [16] .

وإن كنا لا نسير مع ماركس فيما يُفهم من عبارته من إعتبار الإقتصاد الريعي حالة مُستقلة بذاتها عن التشكيلات الإقتصادية الإجتماعية المعروفة ؛ باعتبار أنه يجب النظر إليه ضمن علاقاته الدولية المُكونة لإطاره الريعي ، إلا أنه – فيما يتعلق بعلاقة الريعية بالفساد - لاشك في تعارض علاقات القرابة والعصبية مع المفاهيم والمعايير الإقتصادية التي تنشد الكفاءة ؛ فنظرتنا للفساد يجب ألا تنحصر بالمنظور الأخلاقي ، بل يجب أن تعيه باعتباره كل خروج على مقاييس العدالة والكفاءة معاً ، حتى وإن اتسق مع قيم مقبولة إجتماعياً ، أي أخلاقياً بالمفهوم النسبي .

وفي كتابه "إقتصاديات الفساد في مصر" يرصد الأستاذ عبد الخالق فاروق بكم هائل من البيانات العديد من مظاهر الفساد المُستشرية في جنبات المنظومة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية المصرية ، ويقدر أن "الأحجام الكلية لأموال وتدفقات الإقتصاد الخفي والأموال السوداء تتراوح بين 57 مليار جنيه و70 مليار جنيه سنوياً ، خلال العقد الماضي وحده ، وهذا يعادل 17 % إلى 20 % من قيمة الناتج المحلي الإجمالي الرسمي خلال نفس الفترة ، وهذا يقل إلى حد ما عن التقدير الذي توصل إليه عالم الإقتصاد النمساوي شنيدر في دراسته عام 1998 وشملت مصر ؛ حيث قدره بنحو 35 % من الناتج المحلي الإجمالي" [17] .

ويجملها كمياً بعد حساب الأموال المُهربة للخارج بما "يقارب 500 مليار جنيه مصري جرت من خلف ظهر الحسابات القومية ومصفوفة تدفقات الدخل القومي الرسمية خلال السنوات العشر الماضية" [18] .

ووفقاً لتقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2010م ، فإن "كل الدول العربية التي شهدت ثورات وانتفاضات شعبية في أوائل 2011 كانت تعاني من درجات عالية من الفساد ، وقد جاءت مصر في المرتبة 98 بين دول العالم ، حيث حصلت على 3.8 فقط من 10 درجات" [19] .



§ ضعف البنية الإنتاجية

وتتعلق تلك البنية بالقوى الإنتاجية الرأسمالية المتاحة في الإقتصادي المصري ، فإذا كان 49 % من الإقتصاد إقتصاداً خدمياً ، وإذا كان أغلب الإقتصاد يعتاش على إقتسام وتوزيع الريع ، وإذا كانت معدلات الإستثمار والتكوين الرأسمالي لا تتعدي الـ 20 % كما سبق بيانه ببعض التقديرات ( فضلاً عن سوء توزيعها قطاعياً ونوعياً ) ؛ فالمنطقي هو ضعف معدلات الإضافة للبنية الإنتاجية الضعيفة والمهترئة التي تعاني من التدهور أساساً ، منذ رفعت الدولة يدها عن تنمية القطاع العام واتجهت للخصخصة ، تاركةً التنمية الصناعية للرأسمالية المحلية الكومبرادورية الطابع !!

ويرى الأستاذ أحمد السيد النجار أن "الإقتصاد المصري بحاجة إلى ثورة صناعية بالفعل ؛ لأنه باستثناء المغرب وسورية ، فإن إسهام قطاع الصناعة التحويلية ، الأكثر حركية وفعالية في الإقتصاد ، في مصر أقل من .... المتوسط العالمي (18%) ، وأقل من مجموعة دول الدخل المتوسط المنخفض التي تقع مصر فيها (27 %) ، وأقل من مجموعة شرق آسيا والمحيط الهادئ الناهضة إقتصادياً (33 %)" [20] .

ويرتبط بهذا الوضع ضعف بنية وتمويل البحث العلمي في مصر ، فالبحث العلمي لم يعد جهداً فردياً يقوم به البعض لإشباع رغباتهم الإبتكارية !! بل هو منظومة متكاملة ، يدعمها بالأساس وجود نظام إنتاجي متطور يدعم ويمول عملية البحث العلمي ، ومن ورائه حكومة معنية بتوفير الظروف الملائمة لكلا الإثنين ، التطور الصناعي والتكوين الرأسمالي من ناحية ، والبحث العلمي المرتبط به الذي يرفده بتطويرات وتجديدات تقنية تخدم العملية الإنتاجية .

وتؤكد هذا الوضع والإستنتاجات المرتبطة به تقارير الأمم المتحدة بأن "الإنفاق على البحث والتطوير في مصر بلغ نحو (0.23 %) من الناتج المحلي الإجمالي سنة 1997م [21] ، بينما بلغت هذه النسبة (2.2 %) في غرب أوربا وأمريكا الشمالية ، و(1.14 %) في اليابان ، و(1.42 %) في الصين ، و(0.44 %) في جنوب شرق آسيا ، و(0.5 %) في الهند ، وبلغ نصيب القطاع الخاص في الإنفاق على البحث والتطوير من جملة الإنفاق في مصر نحو (0.4 %) مقابل (68 %) في الدول الصناعية المتقدمة" [22] .





‌ج- الهيكل السوقي :
...................
بعد هذا العرض شديد الإيجاز لطبيعة المشكلات الهيكلية للإقتصاد المصري ، ننتقل لأزمة الهيكل السوقي – المستوى الثالث – وما يرتبه من أزمة في السياسات الإقتصادية في تعاطيها مع التكوين الإقتصادي القائم في مصر في مرحلته المُحددة ، والناشي عن تلك المشكلات الهيكلية ، ونقتصر في عرض تلك الأزمة على شقيها الكلي والجزئي في عمومهما ، وهما أزمتي السياسات الكلية والتوزيعات الإقتصادية .



§ أزمة السياسات الكلية : التضخم والركود

منذ بداية السبعينات بدأت ظاهرة جديدة في التبلور في الإقتصاد الرأسمالي العالمي ، كان لها اليد الطولى في إسقاط الكينزية وتحويلها لخرقة بالية ، وهى تراكب الظاهرتين المتناقضتين نظرياً - والممثلتين لقضيتي الإقتصاد الكلي الأساسيتين ، وهما التضخم والركود - فيما سُمي بظاهرة الركود التضخمي .

وتمثل هذه الظاهرة الجديدة حالة عامة للتشكيلة الإقتصادية الإجتماعية الرأسمالية ، ناتجة عن توسع نطاق الإحتكارات والثورة التقنية وتضخم النشاط المالي قياساً للإقتصاد العيني وأزمة السيولة الدولية بفرض الدولار كعملة دولية مأزومة وأسباب أخرى ، وتعبر هذه الحالة عن نفسها حتماً في كافة جنبات المنظومة ، خصوصاً مع تعمق عمليات التدويل والعولمة .

ولا غرابة أن يرى البعض أنه في مصر "ترجع أسباب الركود التضخمي الي أسباب خارجية تتعلق بزيادة الميل الي الاستيراد وارتفاع التجارة الخارجية مع الدول الصناعية وارتباط الجنيه المصري بالدولار وترجع في الجانب الأكبر منها الي ظاهرة الانفجار السكاني وهي ظاهرة بيئية" [23] ‏.‏

وقد أسقطت هذه الظاهرة الجدوى الفعلية للسياسات المالية الكينزية ؛ فلا يمكن مكافحة الركود والبطالة دون تضخم ، ولا يمكن مكافحة التضخم دون ركود وبطالة !!

فإذا نزلنا للمستوى الثاني المتعلق بالمشاكل الهيكلية للرأسمالية المصرية فسنجد أن الحالة الإحتكارية للإقتصاد المصري تقود إلى مشكلات عديدة للسياسات الحكومية ؛ حيث تعجز الحكومة معها عن تنفيذ أي سياسة فعالة لمجابهة التحديات الإقتصادية من تضخم وبطالة وركود ... إلخ .

فمع حالة الركود القائمة [24] في الإقتصاد المصري تكون السياسات التوسعية ضرورية لدفع الطلب الفعال ورفع مستويات التشغيل ، إلا أن الحالة الإحتكارية تحول أي تدفقات مالية أو نقدية إلى مجرد ارتفاع في المستوى العام للأسعار ، بما يفاقم من المشكلة برفع معدلات التضخم دون أن يقدم أي حل على الجانب الآخر منها المتمثل في الركود ذاته [25] ؛ فالتدفقات تؤول فقط إلى أيدي المحتكرين الذي يرفعون الأسعار بنسب قد تتجاوز التدفقات المالية نفسها [26] .

والمثير للسخرية أنه في الوقت الذي توجد فيه هذه الحالة من الركود فإن سياسات الصندوق – بمناسبة القرض الذي يدور الحوار بشأنه – المُسماة بالتثبيت الإقتصادي ، تقوم بالأساس على إعتبار إرتفاع مستوى الطلب المحلي هو سبب المشكلات العديدة التي يعانيها الإقتصاد القومي من إختلال خارجي لهياكل الصادرات والواردات وعجز ميزان المدفوعات وتضخم في مستويات الأسعار ؛ وهكذا تميل تلك السياسات للمنحي الإنكماشي أياً كانت التكاليف الإجتماعية ؛ المتمثلة في تزايد البطالة المرتفعة أصلاً ، وتوسع الفقر المستشري ، وخفض الإنفاق الإجتماعي المتدهور أوتوماتيكياً دون تدخل من أي طرف !!

وعندما تُؤخذ الظروف السياسية القائمة بالإعتبار – بفرض تجاوزنا الأخلاقي للنتائج الإجتماعية المترتبة على إتباع سياسات إنكماشية - فإنه يكاد يكون إنتحاراً سياسياً لأي نظام عاقل إتباع سياسات إنكماشية تزيد من المشاكل الإقتصادية القائمة ، وتزيد التكاليف الإجتماعية والإضطرابات السياسية ؛ التي لن تسمح بأي استقرار ؛ تجني من ورائه الدولة حتى النتائج الإيجابية ( المفترضة ) لهذه السياسات الإنكماشية !!

فإذا أضفنا إلى ما سبق طبيعة الرأسمالية المصرية وطبعتها الخاصة من الإحتكار (رأسمالية المحاسيب) ؛ حيث يتكون الإحتكار ليس عن تفوق طبيعي من خلال آليات السوق ، بل عبر العلاقات مع السلطة والخارج ؛ فإن الفساد وإنعدام الكفاءة المستشريان في كافة جنبات البنيان الإقتصادي لا يعطيان أي فرصة لتنفيذ أي سياسة فاعلة ؛ لفساد وعجز الأداة المسئولة نفسها عن إنفاذ تلك السياسة ، مُمثلةً في الجهاز الحكومي الإداري وحتى السياسي !!



§ أزمة التوزيعات الإقتصادية : الأجور والأسعار

وتنتج تلك الأزمة المتعلقة بالتوزيعات الإقتصادية عن العديد من الأسباب التي يمكن إجمالاً وضعها في مجموعتين رئيسيتين :

أولاهما : تتعلق بنتائج الإختلالات الهيكلية السابق شرحها من ريعية وإحتكارية وإزدواجية إقتصادية وفساد هيكلي ..إلخ ، وامتداداتها جميعاً من سوء توزيع للدخل والثروة ، وما يرتبه من إختلال هياكل الطلب والعرض ، وبالتالي هيكل تخصيص الموارد .

ثانيتهما : تتعلق بالسياسات الحكومية الخاطئة حيناً والفاسدة حيناً آخر ، والتي نجد أمثلة لها في سعر الصرف وبعض أشكال التسعير الحكومي للسلع الزراعية ومستزمات الإنتاج الزراعي ، كذا نمط التسعير المُختل لعوامل الإنتاج من عمل ورأس مال .

هذا من ناحية الأسباب العامة ، أما من ناحية تجلي أزمة تلك التوزيعات ، فتتضح في ذلك الإنفصام الشنيع ما بين الأجور والأسعار ، وما يستتبعه من نتائج أخرى من إنخفاض مستويات المعيشة لأغلب السكان والبطالة وضرورة الدعم الحكومي ... إلخ .

ويبدو هذا وضعاً شاذا ؛ فقانون ساي الذي أسقطه كينز ، والذي يؤكد على تساوي الطلب الكلي مع العرض الكلي ، تبقى به نقطة وحيدة وجيهة ، تمثل مبدأًًً من مبادئ حسابات الدخل القومي ، هى أن الدخل المحلي الإجمالي يساوي الناتج المحلي الإجمالي ؛ فمن المفترض أن مجموع دخول عوامل الإنتاج تساوي مجموع ناتجها خلال السنة ؛ وعليه فدخولها كقيمة كلية تستطيع بالضرورة شراء ناتجها كقيمة كلية ، فمهما بلغ سوء توزيع الدخل المحلي الإجمالي بين عوامل الإنتاج ؛ فلا يمكن أن يصل الأمر نتيجة له لذلك المستوى الشنيع من الإنفصام بين الأجور والأسعار ، إلا إذا عينا وحددنا نظرتنا أكثر للتكوين الداخلي للناتج والدخل وتوزيعهما ، بأن نأخذ باعتبارنا الإختلالات الهيكلية ما بين قطاعات الإنتاج القومي من ناحية ، والدخول والعوائد المُحولة من وإلى الخارج من ناحية أخرى .

وعموماً يمكن تفسير ذلك الإنفصام بالإتجاه لمزيد من التعيين بدراسة جانبي الطلب والعرض ، فنجد تجليات العوامل الهيكلية على كل منهما كما يلي :

فعلى جانب العرض نجد قصوراً شديداً ، نتيجة لعوامل عديدة ، منها :

- ضعف البنية الإنتاجية بالأساس

- انخفاض معدلات الإستثمار وإختلال هيكل توزيعه

- إرتفاع المكون الإستيرادي في السلع المُنتجة

- التركيب الإحتكاري لأسواق أغلب السلع

- كثرة الوسطاء في الدورة التجارية .


أما على جانب الطلب فنجد عدة ملاحظات :

- تشير الدراسات إلى "التراجع المستمر في نصيب الأجور من الناتج المحلي الإجمالي لتقتصر على 26 % مقابل 74 % لعوائد الملكية" [27] .

- إرتباطاً بالنقطة السابقة نجد توسع الدخول ذات الطابع الريعي وشبه الريعي ، مُتمثلةً في عوائد الملكيات ، والدخول المُحولة من الخارج ، وغيرها .

- إرتفاع الميل المتوسط والحدي للطلب عموماً ؛ نتيجة إنخفاض الدخل وبالتالي إنخفاض مستوى الإشباع لدى الفئات ثابتة الدخل من ناحية ، ونتيجة لطبيعة الدخول والعوائد الريعية بما يرتبط بها من أنماط إستهلاكية .


وهكذا نجد من جانب عرض محدود يحتوي على مكون إستيرادي عال [28] ، في مقابل طلب ضخم ؛ والنتيجة هى فجوة واسعة ما بين الأجور والأسعار ؛ نتيجة لكون الأسعار تتحدد بالتفاعل ما بين الطلب الكلي من ناحية والعرض الكلي من ناحية أخرى ، بينما يتحدد العرض المحلي بالقوى المُنتجة فقط .

وإذا كنا أكثر تحديداً ، وتناولنا السلع الغذائية وحدها لأهميتها ؛ فسنجد ناتجاً غذائياً محلياً محدوداً يحققه قطاع زراعي لا يمثل سوى 13 % من الناتج المحلي الإجمالي (2008م) [29] ، بينما يحقق الناتج المقابل لقطاع الخدمات وحده ما يعادل 49 % من الناتج المحلي الإجمالي ، وفي العلاقة بينهما تتبين حالة الإختلال الشديد بين الطلب والعرض على السلع الغذائية ، كحالة قصور ناتج عن إختلال هيكلي في التوجهات الإستثمارية والهيكل الإنتاجي للدولة .

وهكذا تكون الفئات أجرية الدخل – وهى ما تعنينا باعتبارها الفئات المُنتجة حقاً – هى أكثر الفئات معاناةً ، فبينما تنتج كل القيم في المجتمع ؛ فإنها تعاني في تحصيل إحتياجاتها الضرورية لثلاثة أسباب من جانب الطلب :

- الأول : إنخفاض نصيبها المطلق من عوائد العملية الإنتاجية ؛ لغياب أية سياسات تنظيمية لحماية العمال والمُستخدمين وضمان حقوقهم وضمان حد أدني للأجور .

- الثاني : إرتفاع نصيب العوائد والأجور الريعية في الإقتصاد القومي ؛ ومساهمتها في رفع أسعار السلع الضرورية التي تستهلكها الفئات أجرية الدخل .

- الثالث : مساهمة نمط توزيع الدخل في تشكيل هيكل الطلب ، وبالتالي هيكل تخصيص الموارد المحدودة بين إنتاج السلع الضرورية للفئات منخفضة الدخل ، وإنتاج السلع الكمالية والترفية للفئات الريعية ، وتتضح هذه الحالة أكثر ما تتضح في سوق السلع الزراعية وسوق الإسكان [30] .

أما عن الشكل الثاني من إختلالات التسعير وما يتبعه من توزيعات ، فهو المُتعلق بإختلالات تسعير عوامل الإنتاج ، وما يتبعه من نمط إستخدام لعوامل الإنتاج ، من حيث إتباع نمط كثيف العمالة أم كثيف رأس المال .

فالمنطقي في دولة يتوافر فيها عنصر العمل بكثافة مثل مصر ، أن يسود [31] فن إنتاجي كثيف العمالة ، فمسألة التقنية هى مسألة نسبية ، وما يناسب مصر والصين مثلاُ ليس هو ما يناسب أميركا وألمانيا ، فالعلاقة النسبية بين موردي العمل ورأس المال مختلفة في كلا الحالتين ؛ ويجب أن يتم إستخدام الفنون الإنتاجية على أساسها ، ليس فقط لإعتبارات إجتماعية متعلقة بالعنصر البشري ، بل أيضاً لإعتبارات الإستخدام الكامل للموارد والكفاءة الإقتصادية ، والتي تتطلب تكثيف إستخدام العنصر الإنتاجي الأكثر توافراً ، وتخفيض استخدام العنصر الإنتاجي الأكثر ندرة .

والملاحظ في مصر وكثير من الدول المتخلفة هو "الإنخفاض النسبي لثمن خدمات رأس المال بشكل مُفتعل ، وتتبلور أسبابه في إنخفاض درجة الحماية بالنسبة لواردات تلك الدول من السلع الرأسمالية ، وسرعة معدل إهلاك رأس المال ، وكثرة الإعفاءات الضريبية ، وتحديد سعر الصرف الأجنبي بأعلى من مستواه الفعلي بشكل مُبالغ فيه ، وأسعار الفائدة الحقيقية المُنخفضة أو السالبة" [32] .

وهى سياسات يتضح في أغلبها الإنحيازات الإجتماعية المُحددة للمصالح الربحية للفئات الرأسمالية المُستثمرة ، وعدم المبالاة باعتبارات التوظيف ومشكلات البطالة التي تعانيها القوى العاملة بمصر ، والتي تعاظمت معاناتها برفع يد الدولة من النشاط الإقتصادي ، وتصفية – وليس فقط إيقاف تنمية – القطاع العام الذي كان يوفر إستيعاباً مُنتجاً – وليس صورياً – للقوى البشرية المُتدفقة سنوياً إلى سوق العمل .





3) الأهداف والوسائل : برنامج مرحلي :
ــــــــــــــــــــ

بعد تناول الأبعاد التاريخية والهيكلية ، وتبين ما يعانيه الإقتصاد المصرية من مشكلات عميقة تتطلب حلولاً طويلة الأجل ، فضلاً عن إرادة سياسية من الأساس ، فإننا ننتقل الآن لتناول ما يمكن إعتباره برنامجاً مرحلياً للأزمة المصرية .

وتتكون فلسفة البرنامج من ثلاثة محاور أساسية :

1 | إصلاح المؤسسات
---------------
| البنية المؤسسـية | لضمان كفاءة وديموقراطية القرار الإقتصادي السياسي ، وتتصل بالإختلالات الهيكلية للمستوى الثاني آنف الذكر
| هيكل الســـوق | لتحسين كفاءة التوزيع ، وإمكانية وفاعلية التخطيط ، وتتصل بمشكلات المستوى الثالث السابق عرضها على مستويي السياسات الكلية والتوزيعات الجزئية

2 | الإستقرار الإجتماعي | لضمان إطار إجتماعي مناسب وأفق زمني ملائم لعملية التنمية وإعادة الهيكلة الإقتصادية والإجتماعية
-----------------
3 | القـدرة الإنتـــاجية | لضمان تنمية مُستديمة للموارد المادية والأساليب التقنية ؛ باعتبارها الأساس الصلب لإستمرار النمو الإنتاجي
------------------


‌أ- إصلاح المؤسسات
......................

ويتمثل ذلك الإصلاح كما هو سابق بيانه في إصلاح البنية المؤسسية العامة ، وهيكل السوق ؛ وذلك بهدف فاعلية السياسات الإقصادية والتمكين للتخطيط المُرتكز على آليات السوق .



§ البنية المؤسسية

وهى تمثل بشكل ما التركيب الهيكلي الذي يشمله المستوى الثاني آنف الذكر .

وهى تتطلب بالأساس إرادة سياسية ودعماً شعبياً كبيراً لتعلقها بمصالح مُتضخمة ومتفشية في كافة جنبات البناء الإجتماعي الإقتصادي السياسي ، ويمكن إيجازها في مجموعة السياسات الواجبة لمواجهة المشكلات الهيكلية للمستوى الثاني ، كما سبق وأشرنا ، مع تأكيدنا مرة أخرى على كون هذه السياسات غير كافية للقضاء على هذه المشكلات الهيكلية قضاءاً مُبرماً ، حيث سيؤدي التطور الطبيعي لنتائج هذه السياسات وعلاجاتها للمشكلات الهيكلية المتعلقة بذلك المستوى للإصطدام في مرحلة ما بالحائط الهيكلي للمستوى الأول الأعمق ، مُتمثلاً في حالة التبعية وقيودها ، ونُجمل هذه السياسات في ثلاثة مجموعات أساسية من السياسات ، هى سياسات :

1. الهيكلة التنظيمية : وتتعلق بـ (1) تنمية المُجتمع المدني من نقابات وروابط مهنية ..إلخ ، (2) تعزيز الشفافية والرقابة الشعبية وآليات مكافحة الفساد وديموقراطية إتخاذ القرار الإقتصادي ، (3) تعزيز البنية القانونية والسياسية والإدارية اللازمة لعلاج وتحجيم أثار مشاكل الفساد والإحتكار والريعية والإستهلاكية ... إلخ.

2. الهيكلة الإقتصادية : ويتم تضمينها ضمن السياسات الإقتصادية العامة ، وبحيث تعمل من خلال آليات السوق ، وتشمل هذه السياسات (1) دعم التعاونيات كنمط ملكية إجتماعية في كافة جنبات النظام الإقتصادي ، (2) إعادة الدور الإستراتيجي للقطاع العام ضمن النظام الإقتصادي ، (3) إتباع شكل من أشكال التخطيط المؤتلف مع آليات السوق [33] ، (3) التحديد الدقيق والمتوازن لحجم ودور وسياسات النشاط المالي في النظام الإقتصاد بمُجمله ، (4) وضع خطة للتجارة الخارجية وربطها بمُجمل الخطة الإقتنصادية القومية ، كذا المصالح الإستراتيجية العامة للدولة .

3. الهيكلة الإجتماعية : وتتضمن بالأساس (1) السياسات الديموغرافية المُتصلة بمعدلات النمو والتركيبة السكانية ، (2) سياسات التعليم والعمالة ، (3) سياسات التحضر والتنمية الريفية ، (4) سياسات التأمين والضمان الإجتماعي .



§ هيكل السوق

وتعني تلك المسألة بطبيعة ودرجة التركيب التنافسي أو الإحتكاري للسوق ، حيث تتحدد على أساسها الأسعار التي هى معدلات تبادل القيم الإقتصادية في الإقتصاد الوطني ، وهى بالتالي تتعلق بقضية التخصيص الأمثل للموارد ، كذا توزيع دخول وعوائد عناصر الإنتاج .

وكما أشرنا بسالفه ، فالإقتصاد المصري يعاني من تكوين إحتكاري ريعي يعوق نجاح أي سياسة إقتصادية كلية ، كذا يسئ تخصيص الموارد وتوزيع الدخول .

وإذا كانت النقطة السابقة معنية بالسياسات المؤسسية العامة المُنظمة للبيئة الإجتماعية والسياسية ولأنشطة اللاعبين الأساسيين ضمن مؤسسة السوق ؛ بهدف تهيئة البيئة الملائمة لنجاح السوق والسياسات الكلية له ، فإن هذه النقطة معنية بالسياسات الضرورية لإصلاح هيكل السوق ذاته كمؤسسة إقتصادية ؛ بهدف التمكين لنجاح التخطيط - المرتكز على السوق – كوسيلة لتحجيم آثار أزمات وقصورات السوق الطبيعية من ناحية [34] ، وكأداة لتوجيه النشاط الإقتصادي بعمومه من ناحية أخرى [35] .

وبصفة عامة يمكن إتخاذ إجراءات شديدة التنوع بما يستعصي على الحصر ، وإن كان يمكن تبويبها ضمن ثلاث مجموعات رئيسية ، هى :

1. مكونات السوق :

• مواجهة الإحتكارات المُطلقة وإحتكارات القلة بإنشاء قطاع عام لإنتاج السلع الحيوية والإستراتيجية والضرورية ، كذا مكافحة الأساليب المُختلفة لتدعيم الإحتكار .
• تنمية التعاونيات الإنتاجية والإستهلاكية والتسويقية ؛ بهدف تخفيض أدوار وهوامش الوسطاء التجاريين ؛ وذلك بتغيير هياكل أسواق المُستهلكين في مواجهتهم إلى أسواق مُشترين ، وأسواق المُنتجين في مواجهتهم إلى أسواق بائعين .
• تغيير هيكل الطلب الأساسي بإعادة توزيع الثروة الوطنية ، وملائمته مع الخطة الإستثمارية والإنتاجية ، من خلال فرض أنواع مختلفة من الضرائب على العقارات والتركات وغيرها من أشكال الدخل غير المُكتسب ، وتحديد حد أقصى لملكية الأرض .
• علاج تجزؤات أسوق السلع والخدمات وأسواق عوامل الإنتاج ، كذا توحيد السوق جغرافياً ، برفع ديناميكية وحركية السوق على المستوى القومي ، بتوفير سيولة وسهولة حركة السلع والخدمات وعوامل الإنتاج ، وربط مراكز الإنتاج بالإستهلاك ؛ بتحسين وتطوير منظومة النقل البشري والبضائعي وتطوير أساليب التعبئة والتغليف والتخزين .

2. سياسات التسعير :

• تبني نمط تخصيص للموارد مُنحاز لسلع وخدمات الفئات المُنتجة ومحدودة الدخل .
• تبني سياسات فعالة لتحديد الأرباح وضمان التسعير العادل في السلع والخدمات حيث تدعو الحاجة.
• توحيد منظومة الأجور على المستوى القومي ، بوضع حد أدني للأجور في القطاع الخاص ، وحد أدنى وأقصى في القطاع العام والحكومي ، ويتم ربطه بمعدلات التضخم .
• مراعاة الآثار الخارجية Externalities للأنشطة الإقتصادية المُختلفة وتضمينها ضمن أسعار السلع والخدمات عبر سياسات مالية ونقدية مناسبة .

3. السياسات المالية والنقدية :

• تبني سياسات مالية ونقدية مُنحازة للأنشطة الإنتاجية على حساب الأنشطة الخدمية والطفيلية .
• تبني سياسات ضريبية وجمركية تحد من الإستهلاك الترفي وآثاره على هياكل الإنتاج والفائض الإقتصادي
• تبني سياسات تضمن إتساق استخدام أرصدة النقد الأجنبي مع أولويات الإقتصاد القومي المُحددة في الخطة الإقتصادية القومية .
• ربط توسع ونمو النشاط المالي بتوسع ونمو الإقتصاد العيني .



‌ب- الإستقرار الإجتماعي
.........................

وهى قضية إقتصادية بامتياز رغم بعدها السياسي الواضح ، وتتوقف عليها عملية التنمية بأكملها ، فلا إنتاج ولا نمو مع سيادة عدم الإستقرار السياسي والأمن الوطني والجنائي ، واللذان يتوقفان على الإستقرار الإجتماعي ، الذي هو خلاصة لحزمة مُتكاملة من الأوضاع والقناعات التي تعزز التأزر بين السلطة والشعب أو في أقله القبول النسبي للسلطة القائمة من قبل الشعب .

وفي وضع مصر المحدد من غياب للعدالة وتفشي للفقر والتهميش والبطالة في صفوف الشباب الذي يمثلون حوالي 40 % من جسم المجتمع ، فإن أي سياسة عامة هادفة للإستقرار ستتمركز حتماً حول الثلاثة عناصر التالية.


§ العدالة الشاملة

فهذا الإستقرار الإجتماعي في عمومه لا يمكن تحقيقه دون سيادة حد أدنى من العدالة بكافة معانيها من عدل اجتماعي وعدم التمييز وعمومية القوانين وإمكانية الحراك الإجتماعي ... إلخ ، فهى ليست فقط بجانبها الإجتماعي الأساس العملي للقناعة الشعبية بنظام الحكم - فحقاً العدل أساس الملك – بل هى أساس استمرار عمل المنظومة الإجتماعية ، بكونها أساس فاعلية منظومات الحوافز والضبط الإجتماعي ، المنظمة لكافة أنواع السلوك الفردي .

ونشير لأننا لا نطالب فقط بمجرد العدالة الإجتماعية ، رغم أهميتها كونها الأساس المادي لكافة أنواع العدالة الأخرى بل وحتى الأساس المادي للحرية ، بل نطالب بعدالة شاملة في كافة الميادين السياسية والإقتصادية والإجتماعية ... إلخ ، وليس فقط في نمط توزيع الدخل أو توزيع المنافع المادية .

وربما لسنا بحاجة للإسهاب في تبيان حجم الظلم الإجتماعي المُستشري في مصر ، فالمتسولون لا يخلو منهم شارع ليلاً أونهاراً والعنف والجرائم المُتصلة بالفقر بشكل أو بأخر لا تكفيها صفحات الجرائد اليومية ، ولهذا سنكتفي بإيراد مؤشرين فقط لا غير .

فتشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (2009م) إلى أن "نصيب أفقر عشرة بالمائة من السكان يصل إلى حوالي (4 %) من الإنفاق الكلي ، بينما يصل نصيب أغنى عشرة بالمائة من السكان إلى نحو (28 %) من الإنفاق الكلي ، وهكذا تصبح النسبية بين نصيب أغنى عشرة بالمائة ونصيب أفقر عشرة بالمائة نحو سبعة أضعاف" [36] .

بينما تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لطبيعة تطور توزيع الناتج ما بين الفئات العاملة والفئات المالكة ، بحيث بلغت "حصة أصحاب حقوق العمل من الناتج المحلي الإجمالي نحو (30.3 %) فقط مقـابل نحـو (69.7 %) لأصحاب حقوق الملكية في عام 2007 م ، علماً بأن حصة أصحاب حقوق العمـل كانت (48.5 %) من الناتج المحلي الإجمالي مقابل (51.5 %) حصة أصحاب حقوق الملكية عام 1989 م" [37] .



§ رفع مستوى المعيشة : مدخل الحاجات الأساسية

حيث يجب وضع هدف رفع مستوى المعيشة – الذي يكاد أن يكون كل هدف العلم الكئيب - كهدف قريب الأجل ، وليس إلقائه لذلك الأجل الطويل الذي ينادي به الكلاسيك منذ أكثر من مئتي عام !! كأنه الأحد الموعود الذي لا يأتي !!

فيجب توجيه الإقتصاد وبناء السياسات التي تعمل على رفع المستوى المعيشي بما ينتج إنساناً صحيح العقل والجسد ، قادر على الإنتاج وإنماء الحياة ، فـ"الإنسان هو أغلى رأسمال" كما قال كارل ماركس .

ويتوافق هذا الهدف مع المدخل التنموي القائم على إشباع الإحتياجات الأساسية ؛ حيث تتوجه سياسات التنمية نحو "الإستثمار في الإنسان" أو "رأس المال البشري" ، وذلك بمكافحة الفقر والحرمان وتوفير الفرص ؛ بإشباع الحاجات الأساسية للغالبية العظمى من السكان ، من مطعم وملبس ومسكن وتعليم ورعاية صحية وبيئية ... إلخ .

ويشكل هذا التوجه أساساً لأي استقرار يدعم إستمرار وديمومة عملية التنمية ؛ حيث تمثل الكتل الفقيرة والمُعدمة عنصراً جوهرياً في عدم إستقرار أي نظام ، ولا يمكن تصور تحقيق ثمار للنمو ، وإجبار المحرومين على البقاء بعيداً مُكتفين بالمشاهدة ، كما فعل نظام مبارك .

فالبشر في الحياة الإقتصادية ليسوا كما يتصورهم النموذج الرأسمالي النظري مجرد لاعبين في مباراة ، يمكنك طردهم من اللعبة حسب حاجات الأرباح ، بحيث تتوقع منهم الخروج من الملعب بمُنتهى الأريحية ؛ فالأمر واقعياً لا يتعلق باللعب ، بل بالموت جوعاً !!

وتتراوح التقديرات المختلفة لمعدلات الفقر في مصر ما بين (20 %) و (25 %) من إجمالي 90 مليون نسمة ، وهى تقديرات تتم على أساس خط الفقر العالمي (1.25 دولار في اليوم) [38] ، وهى تقديرات شديدة التفاؤل ؛ لكونها تتجاهل طبيعة علاقة الأسعار بالأجور في مصر ؛ نتيجة الإحتكارات والتركيبة الريعية ، وإختلال العلاقات الهيكلية ما بين العرض والطلب المحليين كما سبق بيانه .

ولمعالجة هذه المسألة يجب العمل على عدة محاور ، وهى :

1. التوجه الإنتاجي : وذلك بتوجيه الموارد للحاجات الأساسية والحيوية والإستراتيجية لأغلب السكان ، وعدم الخضوع لنمط الطلب القائم ، وهو ما يتطلب العمل من خلال التخطيط والقطاع العام ، وخفض نصيب الأنشطة الخدمية والطفيلية في الإقتصاد .

2. السياسات : تنسيق جميع السياسات المالية والنقدية والإستثمارية والتجارية مع هذا التوجه الإنتاجي.

3. هيكل الطلب : أي إعادة توزيع الدخل والثروة لصالح الفئات المُنتجة ، وخفض نصيب الدخول والعوائد الريعية في الإقتصاد ، لتحجيم أنماط الإستهلاك الترفي ، وتوفير الموارد للحاجات الأكثر إلحاحاً .

4. هيكل العرض : ويتم إعادة بناءه بمعالجة كافة المشاكل السابق الإشارة إليها بخصوصه في بند "أزمة التوزيعات الإقتصادية" ، حيث يجب العمل على :
• تنمية البنية الإنتاجية .
• رفع معدلات الإدخار والإستثمار وكفاءة توزيعه .
• خفض المكون الإستيرادي في السلع المُنتجة .
• معالجة التركيب الإحتكاري لأسواق السلع .
• خفض عدد الوسطاء في الدورة التجارية .



§ البطالة والتشغيل

ورغم كونها مشكلة هيكلية نابعة من طبيعة التشكيلة الرأسمالية ذاتها ، إلا أن مسبباتها تتضاعف بحكم الطبيعة الريعية للإقتصاد المصري ، إضافةً إلى ما سبق وناقشناه من اختلالات في الهيكلين الإنتاجي والسوقي ، وضعف الإستثمار وسوء تخصيص الموارد ، فضلاً عن مشكلات السياسات الحكومية نفسها .

وحسب تصريح رسمي لحاتم صالح وزير الصناعة والتجارة الخارجية ، فمعدلات البطالة وصلت إلى 18 % في يناير من العام الجاري 2013م [39] ، فإذا أخذنا باعتبارنا الظروف الإستثنائية الحالية ، وعدنا لمعدلات ما قبل الثورة ، فسنجد أنها كانت قبل الثورة مباشرةً ، تصل إلى 15.2 % من قوة العمل بحسب تقرير مؤشرات التنمية في العالم لعام 2010م الصادر عن البنك الدولي [40] .

ومن الناحية العمرية يشكل الشباب ما بين 15 ، 30 سنة الجسم الأساسي للمتعطلين في مصر ، حيث تصل نسبتهم إلى إجمالي المتعطلين في مصر إلى حوالي 88 % ، أما من ناحية المستوى التعليمي ، فيشكل المتعلمون حوالي 93 % من إجمالي المتعطلين [41] .

وهذه النسب تكشف عن البطالة المُطلقة بمعناها الشائع ، فلا تتناول البطالة كما يراها البعض كتعبير عن سوء وضعف استخدام قوة العمل مُتبلوراً في ضعف إنتاجية العامل ، مُطالبين بإعادة تعريفها على أساس مستوى الدخل [42] .

والملاحظ عموماً على هذه النسب هو تركز الجسم الأساسي للبطالة في صفوف الشباب المتعلمين ، وهم يمثلون أهم الفئات من زاوية القدرة الإنتاجية ، كذا فهم إجتماعياً فئات ذات تأثير وحركية إجتماعية وسياسية كبيرة ؛ ويشكلون بذاتهم أهم مكونات الثورة المصرية ، ولا يمكن إستقرار أي نظام سياسي واستمرار أي عملية تنمية مع استمرار تهميشهم إقتصادياً .

ويتطلب حل مشكلة البطالة العديد من السياسات العامة الهيكلية والإقتصادية ، نُوجز بعضها فيما يلي :

1. الهيكلة القطاعية ، بزيادة الحجم النسبي لقطاعات إنتاجية تتسم بالتالي :

• قطاعات إنتاج مادي .
• مُتصلة بمنتجات قابلة للإتجار دولياً .
• كثيفة العمالة ؛ بشرط ألا تختلف كفاءتها كثيراً باختلاف مستويات التقنية أو نوعية الفن الإنتاجي .
• إتساع الآثار الإنتشارية والعلاقات التكاملية الأمامية والخلفية .

2. زيادة حجم الإدخار والإستثمار ؛ وتحسين كفاءة استخدام وتوظيف الموارد .

3. التقنية والفن الإنتاجي :

• إستخدام تقنيات كثيفة العمالة ، بما يتناسب مع الوفرة النسبية لعنصر العمالة قياساً لعنصر رأس المال .
• إصلاح سياسات تسعير عناصر الإنتاج ؛ بما يتوافق مع سياسات التقنية كثيفة العمالة .

4. تخطيط العمالة وترابط السياسات :

• تخطيط العمالة قطاعياً ونوعياً ، وفقاً لمستهدفات الخطة الإقتصادية .
• ربط السياسات التعليمة والتدريبية بسياسات العمالة .
• ربط السياسات السكانية والعمرانية بمسُتهداف العمالة وتوزيعات الخطة الإقتصادية .

5. أسواق العمل :

• مكافحة تجزوء أسواق العمل .
• مكافحة الفساد وتسييد المعايير الإقتصادية في توزيع فرص العمل والتوظف .
• تحقيق المرونة لأسواق العمل وربطها بسياسات للأمان الوظيفي والضمان الإجتماعي .



‌ج- القدرة الإنتاجية
....................

فإذا ما تم تحقيق الإصلاح المؤسسي وضمان الإستقرار الإجتماعي ؛ تبقى المهمة الإقتصادية التقليدية والأساسية في رفع مستويات القدرة الإنتاجية ؛ برفع مستويات التقنية والتوظيف الإقتصادي ؛ لزيادة مستويات الإنتاجية وتحسين كفاءة استخدام الموارد ، وهذه فيها كثير مما يُقال ، ولن نسهب فيها لتعلق البحث أساساً بالإعتبارات الهيكلية ، ولهذا فسنتناول فقط تلك الخطوط العريضة لسياسات رفع القدرة الإنتاجية .



§ نمط الإستثمار : توازن الصناعات الإستهلاكية والإستثمارية

ويتحدد نمط الإستثمار إتساقاً مع الهيكل العام للبرنامج المُقترح ، وما يتضمنه من سياسات للإستقرار الإجتماعي والعدالة الإجتماعية .

فمن الوجهة النظرية البحتة عادة ما يرتبط النمو المرتفع بالتركيز على الصناعات ذات الطبيعة الإستثمارية ذات الآثار الإنتشارية الواسعة والمُحفزة لنمو واستمرار النشاط الإقتصادي في باقي مراحل العملية الإنتاجية ، لكن من الوجهة العملية ، نجد أن سياسات الرفع السريع لمستويات المعيشة والعدالة الإجتماعية تتطلب تركيزاً "مرحلياً" على الصناعات الإستهلاكية .

ويقوم هذا التوجه على كون رفع مستوى المعيشة ، عبر إستنفاد إمكانات نمو الصناعات الإستهلاكية والطلب الإستهلاكي بالتوازي مع نمو الدخل ؛ سيقود لتغير هيكل الطلب ؛ بما يمهد الأرض لتنمية الصناعات الإستثمارية ، كما يفترض قانون إنجل .

كما أن مشكلات المديونية واختلال موازين المدفوعات وأسعار الصرف والأمن الغذائي ...إلخ ، هى مشكلات مُلحة وقاهرة بذاتها ، بشكل يتطلب نوعاً من التركيز على سياسات إحلال الواردات الإستهلاكية ؛ لخفض استنزاف موارد النقد الأجنبي المحدودة ، وترشيد إستخدامها بتوجيهها لمجالات أكثر إنتاجية على المدى الطويل .



§ نمط التجارة : التوجه للداخل

ويتسق ذلك التوجه للداخل مع نمط الإستثمار السابق الخاص بإحلال الواردات الإستهلاكية ، كذا مدخل الحاجات الأساسية المرتبط بمسألة رفع مستوى المعيشة ، فيتم التركيز على بناء القطاعات الإنتاجية المُوجهة لإشباع حاجات الداخل ؛ لرفع مستوى المعيشة من جهة ، ولتخفيض درجة الإعتماد على الخارج من جهة ثانية ، كذا الإتساق مع المنطق البسيط الذي يقضي بضرورة إستنفاد الإمكانات الإستيعابية للداخل قبل التوجه للخارج .

ففلسفة التوجه التصديري تقوم عملياً على خفض الأجور ومستويات المعيشة ؛ حيث لا توجد تقريباً ميزة تنافسية أخرى لدى الدول النامية لتواجه بها الدول المتقدمة !!

ولا يعني هذا التوجه للداخل الإنعزال عن العالم ، كما لا يتعارض مع إتباع نوع من السياسات التجارية الخارجية المستندة على مبدأ خدمة التجارة الخارجية لنمط النمو الإقتصادي والإجتماعي المُستهدف ، كذا المتوافقة مع طبيعة درجة التطور التقني والإنتاجي للإقتصاد القومي لضمان عدالة التبادل الدولي ، وهو ما يعني من الوجهة العملية :

1. تغيير الهيكل الإستيرادي نحو السلع الإنتاجية والإستثمارية وليس الإستهلاكية والكمالية ، إرتباطاً بنمط وإحتياجات التصنيع المحلي .؛ وبحيث تعوض نتائج التصنيع تكاليف الإستيراد على المستوى الإقتصادي عموماً ، وعلى مستوى توفير موارد النقد الأجنبي ووضعية ميزان المدفوعات خصوصاً .

2. توجيه التبادل التجاري الخارجي للفوائض الإنتاجية المحلية نحو التعامل مع دول ذات مستويات تنموية مُقاربة للمستوى التنموي الحاضر للدولة .



§ تنمية الموارد : الخروج للوادي

فالمصريون يعيشون على 4 % فقط من مساحة مصر ، وهو أمر مثير للسخرية بالنسبة لبلد عمره آلاف السنين !! ومن الوجهة الإقتصادية يعني عدم الإستخدام الكامل للموارد ، كذا سوء إستخدامها ، فالدلتا التي تمثل أخصب الأراضي الزراعية المصرية يتم إهدارها لتحويلها لمساكن ومراكز حضرية ، بينما تُنفق ملايين الجنيهات وتُهدر ملايين الأمتار المُكعبة من المياه لإستصلاح أراضي صحراوية أقصى إمكاناتها أن تكون أراضي محدودة أو ضعيفة الخصوبة والإنتاجية .

وربما كان صعباً من الوجهة العملية إجتماعياً وإستراتيجياً ، كذا من زاوية إهدار / توفير الموارد أن يتم تفريغ الدلتا ، وإن كان ممكناً البدء في خطة إقتصادية / سكانية / عمرانية مُتدرجة ؛ بحيث يتم خلق مراكز حضرية / صناعية جديدة في الأراضي الصحراوية الشاسعة في سيناء والصحراوين الشرقية والغربية .

ويمكن دعم مثل هذ الخطة برفع معدلات الضرائب على النشاط العقاري في الدلتا والمراكز الحضرية القائمة ، مع تقديم إعفاءات لكل عملية توسع وإنشاء وتكوين رأسمالي في المراكز الحضرية الجديدة بالمناطق الصحراوية ، وذلك ارتباطاً بخطة عامة لإعادة توزيع السكان من الدلتا ووادي النيل المزدحم إلى سيناء والسواحل الشرقية ابتداءاً ثم الصحراء الغربية ، مع التوسع فيها الذي لا يمكن تعميمه على نطاق واسع دون موارد مائية يتم توفيرها ، من خلال تقنيات ري جديدة لترشيد المياه من جهة ، كذا سياسات وإتفاقات لمشاريع تنموية مع دول حوض النيل لتنمية الموارد المائية المُستخلصة منه ، وبالتالي زيادتها لجميع الأطراف ، وحل المشاكل السياسية الناشئة عن قلتها .



§ التقنية : القطاع العام

فالتقنية وتقسيم العمل هما روافع النمو والتقدم الإقتصادي ، وهما أساس ثروة الأمم بحسب آدم سميث ، فبدون خطة واضحة ومُحددة للتقنية ترعاها الدولة وتربطها ربطاً هيكياً إستراتيجياً بالإقتصاد القومي والمنظومة العلمية ؛ لن يحقق الإقتصاد المصري قفزات نوعية تغير من المعطيات التي يتعايش في إطارها الإقتصاد المصري كإقتصاد عالمثالثي متأخر ، لم يجتز عتبات العصر الحديث وحداثته العلمية والفكرية والتقنية بعد .

وتتعلق بهذه المسألة نقطتان ، هما :

1. التنمية التقنية : وذلك بالعمل على ربط منظومة البحث العلمي وما تصل إليه من نتائج بمنظومة التصنيع [43] والتطوير الإنتاجي ؛ بحيث يتم الإستفادة من النتائج العلمية في التجديدات الإنتاجية ، كذا تدوير قطاع من الأرباح الناتجة في منظومة الترابط هذه ؛ بحيث يتكفل القطاع الإنتاجي بالجسم التمويلي الأساسي لمنظومة البحث العلمي .

2. التركيب التقني : أي العمل على تخطيط التوليفة التقنية المناسبة لمرحلة النمو الإقتصادي من جهة وللطاقة الإستعابية للسوق من جهة ثانية ، كذا المتوافقة مع مدى الوفرة والندرة النسبية في عوامل الإنتاج الأساسية من جهة ثالثة ، مع مراعاة الأوضاع الفنية لكل نشاط إنتاجي ومتطلباته من فنون إنتاجية تلائمة أكثر من غيرها سواء لأسباب فنية أو تكاليفية أو تسويقية ..... إلخ

وتتعلق بهذه المسألة ضرورة العمل على تكوين قطاع عام قوي وكفء ؛ ليمثل قاطرة النمو والتقدم الإنتاجي والتقني في الإقتصاد القومي ؛ حيث أثبتت التجربة التاريخية العامة لأغلب دول العالم الثالث ضعف إمكانات القطاع الخاص والرأسمالية المحلية عموماً ، وإختلال وتخلف تكوينها ، فضلاً عن إرتباطها بالخارج ، وعدم إهتمامها بالتحرر من التبعية الإقتصادية ؛ لإرتباط مصالحها ذاتها بتلك التبعية ، وعدم ولائها بالتالي لأي شكل من أشكال الإستقلال الوطني !!





4) الخاتمـة :
ـــــــ

ينطلق هذا البحث من التشابك الطبيعي للقضايا الإقتصادية الإجتماعية ، كذا وحدة المجال الحيوي للمستويات المتراكبة للبناء الإقتصادي ، اللذان يؤديان لطبيعة خاصة للمشكلة الإقتصادية عموماً ؛ فهى ليست مشكلة فنية يمكن الإتفاق فيها على حلول فنية محايدة ، وتطبيقها دون نزاعات ، بل إن طبيعتها السياسية كثيراً ما تضع – من خلال المصالح والأولويات السائدة - حواجزاً على الحلول والمداخل المختلفة لمعالجتها ، وهو ما يعني بالأساس ضرورة الإرادة السياسية كخطوة أولى في أي برنامج إقتصادي .

ويفترض البحث ، من الوجهة الأخلاقية ، أن أي سياسة إقتصادية يجب أن تنحاز مبدئياً – حيثما يفرض الإختيار نفسه بين السياسات المختلفة والمتعارضة – إلى السياسة التي تحقق مصالح الأغلبية العُظمى المُنتجة من أبناء الشعب ، باعتبار تلك الأغلبية هى أفضل تعبير واقعي ممكن عن العدالة بمعناها العام ، ويعتبر هذا الإنحياز للأغلبية ، من الوجهة العملية ، الضمانة الوحيدة لتحقيق الدعم والقبول الشعبي ، الضروري لإنفاذ أي سياسة إقتصادية إجتماعية ، ما يعطيها زخماً في مواجهة الفساد والإنحراف السائد ، كذا المصالح الداخلية والخارجية الجائرة .

وفي الحالة المُحددة للإقتصاد المصري ، يتضح من ذلك الإستعراض الموجز ، الذي فرضه إطار ومساحة البحث ، وجود العديد من القيود الهيكلية التي تقيد أي تقدم نوعي ، سواءاً في اتجاه الكفاءة الإقتصادية أو العدالة الإجتماعية ، ما يفرض مواجهة شاملة معها سياسياً وإقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وربما عسكرياً أيضاً ، قبل أي حديث عن نهضة وطنية حقيقية .

فإذا تعلق الأمر بقيود المستوى الثاني المُتعلق بالشكل الخاص للرأسمالية المصرية التابعة ، فيمكن التعاطي السياسي والإقتصادي والإجتماعي [44] معها في إطار بقاء التشكيلة الإقتصادية الإجتماعية ، مُمثلةً بالرأسمالية التابعة في مصر ، لكن دون حسم حقيقي لبعض جوانبها ، حيث يجد بعضها جذوره في حالة التبعية ذاتها .

أما قيود المستوى الأول ، مُمثلاً بحالة لتبعية ذاتها ، أو بالشكل العام للرأسمالية المصرية كرأسمالية تابعة ، فهي تتطلب ثورة إجتماعية حقيقية تجتث جذور التبعية برمتها وتحقق الإستقلال الوطني الكامل ، وهذه مسألة من نوع آخر تماماً ، ربما كان موضعها في مجال مختلف وبحث مختلف .


=======================================================

[1] الحقيقة أن هذه المدارس ليست حديثة جداً ، بل تعود أصولها لما يزيد على المئة وخمسين عاماً ، حيث بدأت مع الفكر الماركسي بالأساس ثم مع المدرسة التاريخية الألمانية التي رفضت الإعتراف بأزلية القوانين الإقتصادية ، وما تفرع عن الإثنين من مؤسسية قديمة ومؤسسية جديدة منزوعة الدسم النقدي !!

[2] وهو مفهوم قد يعني الإقطاع أو الرأسمالية أو الإشتراكية بما قد يلتبس لدى البعض مع النظام الإقتصادي الواقعي ، إلا أنه أوسع منه في الحقيقة ، فلا تناقض على أي حال .

[3] النظام الإقتصادي الواقعي هو النظام الفعلي الذي نتعامل معه يومياً ، وهو يمثل التنوعات والتشكلات الواقعية للتشكيلة الإقتصادية الإجتماعية الواحدة ذات علاقات الإنتاج التاريخية المًحددة ، فالرأسمالية مثلاً هى تشكيلة إقتصادية إجتماعية تنوعت عبر تاريخها واقعياً من رأسمالية تجارية إلى رأسمالية صناعية تنافسية بدايةً ثم إحتكارية إمبريالية فيما بعد ، وصولاً لرأسمالية مالية ، وفي كل شكل من هذه الأشكال المنضوية تحت لواء ذات التشكيلة ، وُجدت قوانين خاصة بكل شكل إلى جانب القوانين العامة المرتبطة بنمط علاقات الإنتاج المميز للتشكيلة في عمومها .

[4] أحمد السيد النجار - التبعية الاقتصادية والنهب الإستعماري الراهن لمصر – موقع الأهرام المصرية 16 فبراير 2012 م .

[5] مجدي عبد الهادي – الأبعاد الوطنية والقومية والأممية للثورة المصرية..ورقة عمل – الحوار المتمدن – العدد 3350 – 29/4/2011 م (بتصرف).

[6] دكتور محمود عبد الفضيل – رأسمالية المحاسيب..دراسة في الإقتصاد الإجتماعي – مكتبة الأسرة 2012 م – مصر – الفصل الرابع - ص ص 75 : 92 .

[7] دكتور نادر فرجاني – نمط إستملاك الريع وعواقبه – موقع الأهرام 22/7/2012 م .

[8] أحمد السيد النجار - نحو برنامج اقتصادي لمصر الثورة..تجاوز تركة الفشل وبناء اقتصاد كفء وعادل – المجلس الأعلى للثقافة – 2012 م – ص 30 .

[9] سمير مُرقص – الثقافة الريعية – موقع جريدة المصري اليوم – 17/2/2009 م .

[10] ذياب فهد الطائي – المظاهر السياسية للإقتصاد الريعي – موقع شبكة النبأ – 29/9/2012 م .

[11] دكتور محمود عبد الفضيل – من دفتر أحوال الاقتصاد المصري – سلسلة كتاب الهلال – مارس 2003 م – دار الهلال – مصر – ص 39 .

[12] دكتورة ماجدة بركة – مصر الجديدة – جريدة وجهات نظر – العدد 113 يونيو 2008 – ص 18 ، عن دكتور محمود عبد الفضيل – رأسمالية المحاسيب – ص 72 .

[13] دكتور محمود عبد الفضيل – رأسمالية المحاسيب..دراسة في الإقتصاد الإجتماعي – مكتبة الأسرة 2012 – مصر - الفصل الثاني ص ص 33 : 64 .

[14] أحمد السيد النجار – الإنهيار الإقتصادي في عصر مبارك – المجلس الأعلى للثقافة 2012 م – مصر– ص 67 .

[15] المصدر السابق – ص 70 .

[16] محمد نبيل الشيمي – الإقتصاد الريعي..المفهوم والإشكالية – الحوار المتمدن – 13/2/2012 م .

[17] عبد الخالق فاروق – إقتصاديات الفساد في مصر..كيف جرى إفساد مصر والمصريين 1974 – 2010 – مكتبة الأسرة 2012 – مصر – ص 62.

[18] المصدر السابق - ص 62 .

[19] محمد نور الدين – حول الخلفية الإقتصادية والإجتماعية لثورة 25 يناير – الطليعة 21 – العدد 1 – شتاء 2012 م – ص 83 .

[20] أحمد السيد النجار - نحو برنامج اقتصادي لمصر الثورة..تجاوز تركة الفشل وبناء اقتصاد كفء وعادل – المجلس الأعلى للثقافة – 2012 م – ص 28 ، 29 .

[21] بقيت هذه النسبة على حالها في عام 2007 م في إحصاء آخر منسوب لمنظمة اليونسكو ، بما يعادل (0.91) مليار دولار – موقع ويكيبيديا wikipedia.org .

[22] دكتور عبد الفتاح عبد الرحمن عبد المجيد – عن تطور الإدارة الإقتصادية والإقتصاد في مصر منذ القرن السابع الميلادي – جامعة المنصورة – 2008 م – ص 426 .

[23] دكتور محمد عبد البديع – مواجهة الركود التضخمي..كيف ؟ - موقع الأهرام – العدد 42394 – 1/1/2003 م .

[24] ربما لسنا بحاجة لإثبات هذه الحالة ، وإن كان يكفينا بيان أنه رغم ضعف الطاقة الإدخارية للإقتصاد المصري – ومع التجاوز عن الميول الإكتنازية المتمثلة في الأموال المُستثمرة في الذهب وغيره من أصول مُجمدة وشبه مُجمدة – فإن "نسبة توظيف الودائع المصرفية لا تتجاوز 54 % تقريباً" – راجع : خليفة أدهم – جراحة ضرورية لإنقاذ الإقتصاد المصري من سلبيات الركود القادم – موقع الأهرام الرقمي – 24/9/2011 م

[25] وهذا هو وجه الإختلاف عن الحالة العامة للنظام الرأسمالي ؛ حيث تنجح السياسات المالية والنقدية في علاج إحدي المشكلتين – التضخم أو الركود – في الدول الرأسمالية ذات الهيكل السوقي الحركي ، بينما لا تحقق السياسات المثيلة أي نتيجة ذات قيمة في مصر !!

[26] والمثير للسخرية هو حديث الحكومات الدائم عن جشع التجار كمشكلة تفسد سياساتها ، وكأنما هى مشكلة ذات طبيعة فيزيائية ، وليست مشكلة يجب عليها إتخاذ سياسات تجاهها ضمن مسئولياتها الإقتصادية !!

[27] دكتورة سلوى العنتري – الوضع الإقتصادي الحالي في مصر بين التهويل والتهوين – الطليعة 21 – العدد 1 – شتاء 2012 م – ص 85 .

[28] بما يعنيه ذلك من تأثر كبير بتغيرات أسعار الصرف بالدولار كعملة دولية ، كذا التأثر بالتضخم المُستورد من الخارج عبر هذه الواردات .

[29] أحمد السيد النجار - نحو برنامج اقتصادي لمصر الثورة..تجاوز تركة الفشل وبناء اقتصاد كفء وعادل – المجلس الأعلى للثقافة – 2012 م – ص 30 .

[30] وتكشف هذه المسألة عن عدم إطلاقية مفهوم الندرة بمعناه الشائع في الإقتصاد السياسي الرسمي ، وكذب الحكومات بخصوصه .

[31] ونقول يسود وليس ينفرد ، فبعض القطاعات لا مجال فيها للإختيار ، لكن المهم هو الوصول لتوليفة مناسبة لظروف الإقتصاد المحدد ، تحقق في إطاره أعلى كفاءة إقتصادية ممكنة وأفضل تشغيل ممكن للموارد المتوافرة .

[32] دكتور عبد الفتاح عبد الرحمن عبد المجيد – الإقتصاد الإجتماعي..رؤية تحليلية لقضايا إقتصادية إجتماعية معاصرة – مكتبة الجلاء الجديدة بالمنصورة – الطبعة الثانية 2003 م – ص 221 .

[33] وندعو في هذا الشأن إلى البحث عن شكل جديد من التخطيط المؤتلف مع آليات السوق ، لكن بتأثير أكبر وأعمق من التخطيط التأشيري المحدود ، دون السقوط في براثن التخطيط المركزي التسلطي !!

[34] أي النابعة من طبيعة السوق في إطار التشكيلة الرأسمالية القائمة على سيادة الملكية الخاصة .

[35] باعتباره الحل الوحيد في ظل العجز الهيكلي للرأسمالية المصرية ، وبحكم الدور القائد للدولة في النشاط الإقتصادي في مصر ، كما أثبتت التجربة التاريخية في تجربتي النهوض الصناعي الوحيدتين في التاريخ المصري الحديث ، أي تجربتي محمد على وجمال عبد الناصر .

[36] دكتور محمود عبد الفضيل – رأسمالية المحاسيب..دراسة في الإقتصاد الإجتماعي – مكتبة الأسرة 2012 م – مصر – ص 108 .

[37] أحمد السيد النجار – الإنهيار الإقتصادي في عصر مبارك – المجلس الأعلى للثقافة 2012 م – مصر– ص 270 .

[38] وهى تقديرات للبنك الدولي والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري – مواقع : الأهـرام (4/7/2011م) ، البي بي سي (1/2/2012م) ، اليوم السابع (6/3/2012م) .

[39] كريم حسن – وزير التجارة : البطالة في مصر وصلت إلى 18%..ونحتاج لإستثمارات بـ 70 مليار دولار لمواجهتها – موقع الأهرام – 13/1/2012 م .

[40] أحمد السيد النجار - نحو برنامج اقتصادي لمصر الثورة..تجاوز تركة الفشل وبناء اقتصاد كفء وعادل – المجلس الأعلى للثقافة – 2012 م – ص 51 .

[41] أحمد السيد النجار – الإنهيار الإقتصادي في عصر مبارك – المجلس الأعلى للثقافة 2012 م – مصر– ص 109 .

[42] دكتور عبد الفتاح عبد الرحمن عبد المجيد – الإقتصاد الإجتماعي..رؤية تحليلية لقضايا إقتصادية إجتماعية معاصرة – مكتبة الجلاء الجديدة بالمنصورة – الطبعة الثانية 2003 م – ص 193 .

[43] ونشير لأن مصطلح التصنيع يعني "عملية وطريقة" وليس قطاعاً إنتاجياً بعينه ، فالزراعة أيضاً يمكن تصنيعها بتحديث نظمها وطرقها الإنتاجية .

[44] كما يتضح من السياسات المُقترحة في بند "إصلاح المؤسسات" الوارد بالبند (3 - الأهداف والوسائل – برنامج مرحلي) .



=======================================================

قائمة المراجع
ــــــ

(1) الكتب :

• أحمد السيد النجار – الإنهيار الإقتصادي في عصر مبارك..حقائق الفساد والبطالة والغلاء والركود والديون – المجلس الأعلى للثقافة – مصر – 2012م.

• أحمد السيد النجار - نحو برنامج اقتصادي لمصر الثورة..تجاوز تركة الفشل وبناء اقتصاد كفء وعادل – المجلس الأعلى للثقافة - مصر – 2012م .

• عبد الخالق فاروق – إقتصاديات الفساد في مصر..كيف جرى إفساد مصر والمصريين 1974 – 2010 – مكتبة الأسرة 2012 م - مصر .

• دكتور عبد الفتاح عبد الرحمن عبد المجيد – عن تطور الإدارة الإقتصادية والإقتصاد في مصر منذ القرن السابع الميلادي – جامعة المنصورة – 2008 م .

• دكتور محمود عبد الفضيل – رأسمالية المحاسيب..دراسة في الإقتصاد الإجتماعي – مكتبة الأسرة 2012 م .

• دكتور محمود عبد الفضيل – من دفتر أحوال الاقتصاد المصري – سلسلة كتاب الهلال –2003م – دار الهلال – مصر .



(2) المقالات والأبحاث :

• أحمد السيد النجار - التبعية الاقتصادية والنهب الإستعماري الراهن لمصر – موقع الأهرام 16 فبراير 2012 م

• خليفة أدهم – جراحة ضرورية لإنقاذ الإقتصاد المصري من سلبيات الركود القادم – موقع الأهرام الرقمي – 24/9/2011 م

• ذياب فهد الطائي – المظاهر السياسية للإقتصاد الريعي – موقع شبكة النبأ – 29/9/2012 م .

• دكتورة سلوى العنتري – الوضع الإقتصادي الحالي في مصر بين التهويل والتهوين – الطليعة 21 – العدد 1 – شتاء 2012 م – مصر .

• سمير مُرقص – الثقافة الريعية – موقع جريدة المصري اليوم – 17/2/2009 م .

• كريم حسن – وزير التجارة : البطالة في مصر وصلت إلى 18%..ونحتاج لإستثمارات بـ 70 مليار دولار لمواجهتها – موقع الأهرام – 13/1/2012 م .

• مجدي عبد الهادي – الأبعاد الوطنية والقومية والأممية للثورة المصرية..ورقة عمل – الحوار المتمدن – العدد 3350 – 29/4/2011 م

• دكتور محمد عبد البديع – مواجهة الركود التضخمي..كيف ؟ - موقع الأهرام – العدد 42394 – 1/1/2003

• محمد نبيل الشيمي – الإقتصاد الريعي..المفهوم والإشكالية – الحوار المتمدن – 13/2/2012 م .

• محمد نور الدين – حول الخلفية الإقتصادية والإجتماعية لثورة 25 يناير – الطليعة 21 – العدد 1 – شتاء 2012 م – مصر .

• دكتور نادر فرجاني – نمط إستملاك الريع وعواقبه – موقع الأهرام 22/7/2012 م .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - PDF
مجدي عبد الهادي ( 2013 / 5 / 17 - 22:15 )
نسخة بي دي إف للدراسة

http://archive.org/details/PolicyCrisis

اخر الافلام

.. أسعار النفط العالمية تقفز بأكثر من 4% بعد الهجوم على إيران


.. دعوات في المغرب لا?لغاء ا?ضحية العيد المقبل بسبب الا?وضاع ال




.. تعمير- خالد محمود: العاصمة الإدارية أنشأت شراكات كثيرة في جم


.. تعمير - م/خالد محمود يوضح تفاصيل معرض العاصمة الإدارية وهو م




.. بعد تبادل الهجمات.. خسائر فادحة للاقتصادين الإيراني والإسرائ