الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في المشهد السوري الأخير...سوريا إلى أين؟ -الحلقة الخامسة-

محمود جلبوط

2013 / 5 / 20
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


ينبغي الاعتراف أن الحراك الثوري السوري متعثر عزاؤه بالرغم من فارق التضحيات أنه ليس المتعثر الوحيد فيما أسمي بالربيع العربي بل إن هذا يشمل جميع مشاهده على الإطلاق , فهو يعاني من مشاكل ليس في الحسم في "الشعب يريد إسقاط النظام" الذي رفعته سواعد المنتفضين الشباب وحسب بل إن أكثر النظريات تفاؤلا لا يمكنها أن تتجرأ استعجال هذا الحسم إن تيسرت الأمور لعدة سنوات قادمة هذا إن أخذ بعين الاعتبار المهمات المعقدة الملقاة على كاهل الحراك وتمفصل سياقات صراعاته الاجتماعية والسياسية الداخلية مع الصراعات الإقليمية : كيان صهيوني , إيران , تركيا , عراق , سعودية , قطر, إلخ , والصراعات الدولية للنفوذ على سوريا ومنطقة الخليج والمنطقة العربية بالعموم محاولة لكسب الحلفاء فيها لصون مصالحهم .
بل إن ما يشتهيه قادة الكيان الصهيوني للمنطقة قد ورد ومنذ وقت مبكر على لسان رواده الأوائل ومنذ إنشائه وقد ذكروه مرارا عبر خطاباتهم واجتماعاتهم ومؤتمراتهم ومذكراتهم . وجل ما تطمح إليه الأطراف الدولية وخاصة الغربية منها , هو أن يسفر الحراك في أحسن أحواله , طبعا وسيبذلون كل جهودهم لتحقيق ذلك , عن أنظمة يزول عنها طابعها الاستبدادي الفاقع المبتذل تكون أكثر تبعية بزركشة "ديموقراطية" وتعميم القبول بثقافة الاحتكام إلى صندوق اقتراع سيضمنون به إعاقة تجذر الحراك في متابعته ليتحول إلى ثورة تغيير حقيقي بحيث يعبر عن تطلعات الشعوب العربية المنتفضة .
إن جل ما تتمناه أنظمة الدويلات العربية المتبقية في دول الخليج وغيرها هو استثمار الاستعصاء الذي وصل إليه الحراك في الساحة السورية وتعثره من أجل حرفه عن المسارات التي انطلق بها ومنها حتى يتم لها القضاء ليس عليه وحسب بل إطفاء شعلته نهائيا , وهي ترى أنها تجد الآن فرصتها السانحة فيما يحدث في سوريا لتساهم بمساعيها إلى جانب جهد النظام لشرذمتها وتقسيمها بل صوملتها حتى تكون عبرة لشعوبها لو فكرت أن تقتدي بها فتكون قد حققت رغبتها في وأد الربيع العربي وتحويله إلى خريف على الأرض السورية .
لا ينسي هذا السرد عن أسباب تعثر الربيع أن المسؤول الحقيقي عن كل ما يجري من تدمير وقتل وخراب ومجازر وتطهير طائفي , والمأزق السياسي العام الذي تمر به المنطقة هو دون شك النظام الذي أوشك أن يوصل البلد إلى حافة حرب أهلية طائفية مدمرة ربما تشمل المشرق العربي بكليته , وفي نفس التوجه ينبغي ألاّ يؤدي التأكيد على الأدوار السيئة التي لعبتها تلك الأطراف الإقليمية والدولية إلى الركون في تحميل عجزنا وفشلنا كما هو ديدنا دائما للقوى الخارجية , بل يجب الاعتراف أن للقوى المعارضة المقاتلة مسؤولية كبرى من خلال تضارب أجنداتها وخلافها المبكر حول كيفية إدارة المناطق المحررة والتصارع فيما بينها , والمشكل في الحقيقة ليس في الاختلاف قدر ما يتعلق باختيار صيغ لتنظيم الخلاف والاختلاف يقوم على أساس من التفاهمات المشتركة التي تنئيها عن اتباع نهج الإقصاء والقهر والاتهام والتخوين المتبادل .
وكما أنه لا ينبغي أن يمنع الإقرار بمسؤولية السلطة الكاملة عما يحصل في سورية أن يتناول ما يحيق بها من مخاطر من مصادر أخرى أيضا : أولا من أعدقائها ممن يسموا "أصدقاء سوريا" وما يضمرونه ويخططون لها من وراء حشد السلاح وتجنيد مسلحين لإرسالهم إلى سوريا بأجندات مذهبية تتناقض مع مصلحة الثورة وأهدافها وبالتالي مع مصلحة سوريا بالكامل وتعد العدة لما بعد انهيار السلطة والنظام , وثانيا من ذاتها نفسها ومن داخلها ومن المشاركين بها : متسلقيها وسارقيها ومن الذين يتاجرون بها , فإن كانت السلطة تتهاوى فإن الثورة أيضا تغرق في فوضى متشعبة: تنظيمية وسياسية وتعبوية , بل إنها تفتقر إلى الحد الأدنى من التنسيق المشترك فيما بين مجموعاتها المقاتلة مما أثر على حسم الصراع وأطال مدته ليطيل من عمر النظام وبالتالي يزيد من معاناة الشعب باستمرار , نزيف دم وموت ودمار يعزز يوما بعد آخر من احتمالات انهيار سوريا كوحدة مجتمعية وجغرافية قد تناولت الحلقة الرابعة من هذه السلسلة بعض محطاتها الخطيرة التي أوصلتها لهذا التخبط فأدخلتها عنق الزجاجة .
لقد دخلت الثورة سنتها الثالثة مسروقة ومخطوفة وقد خرجت عن مساراتها التي انطلقت من أجلها لتتدثر , بعد أن تعسكرت , بأجندات متناقضة مع تلك التي أطلقها روادها الشباب الناشطون الأوائل قبل أن يسارع النظام لتصفيتهم بعنف يصعب وصف شناعته لتتراجع المظاهر المدنية في الحراك وينحسر التظاهر السلمي الجماهيري ويدفع لظهور نزعة العسكرة والتسلح لتتلقفهم الجهات الإقليمية المعادية للثورة , والدولية المتأبطة بسوريا وثورتها شرا فضلا عن النظام وحلفائه الإقليميين والدوليين مما أربك الثورة واستنزفها كما ذكرنا سابقا , مما زاد من العبء الذي أثقل على كاهل المواطن وطال أبسط مقومات حياته مما دفعه في نهاية المطاف للتململ من استمرار الثورة بل راح الناس يشككون بإمكانية انتصارها وهذا في الحقيقة ما كانت تنشده السلطة وتخطط باتباعها سياسة العنف المنفلت والمفتوح : موت , دمار وبطش منذ البداية قد تضافرت معها دون قصد ظهور سلوكيات من المعارضة لا تختلف كثيرا عن سلوكيات شبيحة الأسد وكتائبه صدرت من مقاتلين معارضين ومجموعات مقاتلة محسوبة على ما اتفق على تسميته "الجيش الحر" , لأن العنف المؤدلج والمنهجي الذي مارسه النظام على الشعب الثائر ساهم في توغّل الطرف المقابل في الحلّ العسكري أيضاً ، فحين يرتفع صوت الرصاص والقتل والدمار من المنطقي أن يختفي التفكير المتنور والهادئ واستخدام العقل البارد والتعقّل وينجرف كلا القاتل والقتيل إلى معادلة الدم التي لا فائز فيها سوى الموت.
وفي ظل فعل القتل لمجرد الثأر , دون أجندات سياسية واضحة ومحددة لبرنامج الثورة , وتناميه المناطقي كما أراده النظام , يتعمق الشرخ مع طول فترة الصراع المسلح بين أبناء البلد الواحد وجدوا أنهم قد زجّ بهم في أتون صراع طائفي من المحتمل جدا لو استمر على هذه الوتيرة سيؤدي إلى الانقسام وتشكيل محميات مذهبية طائفية وإثنية ، من هنا يمكن للمرء أن يقرأ لماذا كانت قرارات السلطة الأسدية لتشكيل محافظات ثلاث جديدة في مقدمها محافظة قامشلو حسب اللغة الكردية لمدينة القامشلي .
لذا لا ينبغي أن يغيب عن ذهن الحريصين على انتصار الثورة أنها لو عجزت عن تحقيق ذلك باعتمادها على الذات حتى في جانبه العسكري العملياتي : رجالا وتجهيزات وخطط عمليات تحرير مدن ومواقع عسكرية ولو بتلقي دعم بالسلاح والمال , وانتظرت الاستجابة للدعوات التي يطلقها باستمرار "ممثل الشعب السوري الشرعي والوحيد" لتدخل عسكري أطلسي موازاة لما قام ويقوم به النظام من استدعاءات عسكرية : روسية , إيرانيية ومقاتلي حزب الله وغيرهم , سيفتح الباب واسعا لكل من هب ودب من أجهزة مخابرات دول الأطلسي والكيان الصهيوني أن تعمل على توظيف الحدث السوري القائم وتوجيهه حسب مصالحها هي ولصالح صراعاتها مع القوى الإقليمية والدولية دون الاكتراث بمصالح الشعب السوري مما يعني استنقاعا للثورة واستتباعها للقوى القادرة على التأثير في مساراتها .
إن ما تعانيه التركيبة السياسية السورية اليوم من ركاكة الأداء وأمراض بل مهازل تهدر كثافة تضحيات الناس وجهد الأبطال في الداخل وتجهض اليوم كل المكتسبات التي حققها المقاتلون والمواطنين بدمائهم الغزيرة في الفترة الماضية من عمر الثورة , هو النتيجة المنطقية لسياسة القهر والقمع الاستبدادية الفاشية التي اتبعتها السلطة الأسدية طوال فترة حكمها للبلد عبر انتهاج سياسة التجريف السياسي والتنظيمي التي أدت إلى استئصال أصغر نبتة سياسة فيها , وانطمرت البذور المتبقية تحت الأرض دون شمس أو ضوء أو هواء إما اعتقالا خلف القضبان أو قهرا خشية منه , ليموت معظمها بعد فترة من العطش أو الظلام , ومن حالفه الحظ منها في النجاة أنتشت وانتبجت في ظل ظروف مشوهة وغير صحية ولا مناسبة أصلا لنمو واستقلاب طبيعي , أي عاشت في ظل ظروف مشوهة انصب كل همها على الحفاظ على الذات وتعاملت مع السياسة إن وفرت لها الظروف ذلك على أنها ترف فائض عن الحاجة بسبب كثافة العنف الذي مارسته السلطة بحق ممارسيها , ومع طول الفترة في ظل الاستبداد الفاشي وغياب السياسة كليا من المجتمع نسي الناس مهمات الفعل السياسي بل تعاملوا معها على أنها رجس من عمل الشيطان فاجتنبوها , لذا فعندما انطلقت الانتفاضة عاجلها النظام بأقصى درجات العنف قبل أن تلتقط أنفاسها ويقوى عودها لتشكل حزبها الثوري وتكسب خبرتها الخاصة , وقد نجح في ذلك , فمازالت الثورة تفتقر إلى حزبها الثوري حتى الآن مما تركها مكشوفة للنظام ولغير النظام من القوى الإقليمية المتخوفة من امتدادها إلى عقر دارها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس


.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم




.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟


.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة




.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا