الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخاتم عدلان .. نبيّنا الآخير

عادل عبد العاطي

2005 / 4 / 26
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


نبينا الاخير !

غاب العقل الكبير؛ والروح الكبير؛ والانسان الاصيل؛ والرجل النبيل؛ صخرة اليقين عندما تعبث بنا الرياح؛ ومشكاة التائهين عندما يدلهم الظلام؛ وباعث الامل ومجدد الحلم والداعي الي العمل عندما تسقط الاحلام والاوهام والاصنام؛غاب معلم نفسه والاجيال؛ اجمل وانبل الرجال؛ ابن السودان؛ وبطل هذا الزمان؛ الخاتم عدلان!!

هل اقول قبض الريح هي الحياة؛ هل اشتكيها كما اشتكاها ايوب في العهد القديم؛ هل ابحث بين عصارات القلوب المنفطرة حزنا عن بيوت الشعر وكلمات الرثاء عبر التاريخ؛ لاجدها كلها تقل عن المقام ولا تعبر عن الفقد العظيم؛ هل اشاكس الموت واشتمه واتحداه؛ هل اقول ان خصومة قلبي مع الله؛ هل افعل كل ذلك امام رحيل نجمنا المضئ الكبير عن سماواتنا المصفدة بالقيود؛ وشجرتنا التي اشرفت علي العطاء في اراضينا المثتخنة بالجراح ؛ ونبينا الاخير في زمن الزيف والخداع؛ وحبيبنا واخينا ومعلمنا واستاذنا؛ تاركا لنا في اليتم والحرمان؛ عيوننا تركض في كل اتجاه؛ وافكارنا متهاوية في شتات ؛ وقلوبنا تنزف بدل الدمع دما.

أم اقول وانا اتمثل روح الخاتم؛ غاب الجسم وخلدت الروح؛ انهدم الرسم وصمد الاسم؛ انفرط الكثيف وبقي اللطيف؛ وانهزم الموت امام الخاتم عدلان؛ ودخل هو الخلود من اوسع ابوابه؛ اذ ان ان الموت لا يهزم الا ميتا؛ واذ ان الحياة هي حياة الفكر والشعور؛ لا حياة الجسد والجوارح؛ واذ ان سيرة الخاتم وفكره وروحه؛ لتتحدى الموت وقوانينه؛ والمادة وحتميتها؛ والعدم وخواءه؛ وتظل تحلق في سماء الوطن؛ كطائر اسطوري لا يعرف الوهن؛ وكنجمة بعيدة تضي الطريق في ظلمة الليالي؟

فقدنا الخاتم ونحن اكثر ما نكون حاجة له؛ فقدناه حين هيمن الاقزام علي شعب عملاق؛ وحين احاطت بالوطن كل الاخطار؛ وحين اصبحت قضية البديل الديمقراطي مسالة حياة او موت؛ وفي الوقت الذي نضجت فيه كل اداواته المعرفية والسياسية. فقدناه ونحن نتلمس الطريق من ظلمات الديكتاتورية والتسلط والهوس والجنون؛ الي انوار الحرية والعقل والتسامح والسلام. فقدنا الخاتم في وقت لا نحتمل فيه فقدا جديدا؛ فقد فقدنا الوطن وفقدنا الحلم وفقدنا الامل في قيادات ظنناها موسانا؛ فاتضح انها فراعيننا؛ فقدنا الخاتم الانسان النبيل والمفكر العميق والسياسي الشريف؛ ؛ في وقت انهزمت فيه الانسانية وتقهقر الفكر وانحطت السياسة؛ واصبح فيه النبل والعمق والشرف عملة نادرة في ساحة العمل العام السوداني.

الا ان الخاتم ما كان ليريد لنا ان نسقط في اليأس؛ وان نغرق في الالم؛ وان نتراجع عن الطريق الذي خطه مع الاف المناضلين والشرفاء؛ والذي توحد به حتي اصبح جزءا من حياته؛ وسرى سريان الدم في عروقه. لقد ارتبط الخاتم عدلان بالحلم السوداني؛ حلم التغيير والتنوير والنهضة؛ وتجسد فيه هذا المشروع كما لم يتجسد في انسان؛ فكان نموذجه الذي يسير علي الارض؛ انسانا مبدئيا وعلميا ومرتبطا بالمواطنين وقضاياهم؛ حميما في تعامله معهم؛ متواضعا دون زيف؛ مربيا دون تكبر؛ قائدا دون صلف؛ وواهبا زهرة عمره لهذا الحلم وذلك المشروع؛ فهل نخذله في مماته؛ كما خذلناه وخذله الكثيرون منا في حياته؟

خذلنا الخاتم عندما تراجعنا عن مقاربة المشاريع التي بناها وسط جحيم المعاناة وقساوة الظروف؛ فضلنا ان نركن الى السهل والسريع؛ وان نسير وراء الانبياء الكذبة؛ بدلا من ان ندعم نبينا الاخير !! وحتي في وسط اولئك الذين راؤا مشروعه واقتنعوا به؛ فان حجم المساهمة كان اقل من التحديات؛ وحده الخاتم عدلان كان مدركا لحجم الماساة والتحديات؛ ووحده وقف صامدا حينما اقفلت امامه كل الابواب؛ ووحده استعاد ثقة الجماهير والاجيال الجديدة؛ وقت نهشت فيه وفي مشروعه – مشروعنا الذئاب من دعاة القديم وبعض مدعي الجديد.

كان نضال الخاتم عدلان في الحزب الشيوعي؛ وعمله هناك من اجل التنوير والديمقراطية العدالة الاجتماعية؛ هو احد ثمرات شجرته الباذخة؛ ولكنه لم يتردد للحظة؛ ان يترك مسيرة 30 عاما؛ وهب لها شبابه وكل حياته؛ عندما شعر انها تقيد المشروع الكبير الذي آمن به؛ ففارق ذلك الحزب ولم يفارق مواقع التنوير والعدالة الاجتماعية والحرية؛ وكان ذلك الانسلاخ مؤلما؛ او كما قال وكأن الانسان يقطع من لحمه؛ ولكن قطع اللحم كان له افضل من اغتيال الحلم؛ ومن خداع الذات.

وكانت حركة حق ثمرة اخري من ثمار شجرة الخاتم المعطاء؛ وقد بذل فيها الكثير؛ ورغم الانجازات فقد كانت الاخفاقات كبيرة؛ وكان الخذلان كبيرا؛ ولكن الخاتم بحق وعبر حق قد خط طريقا جديدا؛ وهو ان قوى التغيير لا يمكن ان تركن الي السلبية؛ او ان تنضوى تحت لواء القديم؛ او تخدع نفسها بمحاولات التغيير التي لا تأتى ابدا؛ وان الطريق في مشوار الالف ميل يبدأ بخطوة واحدة ؛ وان طريق الحق لا يمكن ان يمر بالتنازلات والمساومات وانصاف الخيارات وانصاف الثورات.

الا ان هذه كانت مجرد ثمرات اولي؛ في عطاء الخاتم؛ والذي لم يتم له الاكتمال؛ حيث رحل في اوج نشاطه؛ فالخاتم كان اكبر من الحزب الشيوعي؛ وكان اكبر من حركة حق؛ وكان اكبر من كل معسكر القوى الديمقراطية والفكر التقدمي ومعسكر الثورة في السودان؛ حيث كانت ثمراته الحقيقية المنتظرة هي لكامل اهل السودان؛ ولكل مشروع النهضة السودانية المجهضة؛ وكان الخاتم مشروع قائد وطني؛ فكري وسياسي؛ خرج من حدود الحزبية والايدلوجية الضيقة؛ ليصل الي حدود القيادات التاريخية التي تصنع التغيير؛ والتي افتقدناها في السودان منذ رحيل علي عبد اللطيف.

لقد فقدنا نبينا الاخير؛ ولكن نبوته ستظل تعيش بيننا؛ وخسرنا الحالم الكبير؛ ولكن حلمه قد غرس اقدامه في ارض الواقع؛ ورحل عنا قائد في لحظة ابتداء المعارك الحقيقية؛ معارك الحرية والتنوير والنهضة؛ ضد جيوش التسلط والبربرية والظلام؛ ولكن رفاقه واصدقاؤه وابناؤه وتلاميذه سيسدوا مكان غيابه؛ فبهذا فقط يمكن ان نخلص للخاتم؛ وبهذا فقط لا يموت الخاتم مرتين.

وإنا لفقدك يا خاتم لمحزونون.

عادل عبد العاطي
23 ابريل 2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري