الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وصاية الأب في تدبير العمل الحكومي أمر لم نُسْتَفْتَ بشأنه

سامر أبوالقاسم

2013 / 6 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


شبه رئيس الحكومة ميزانية الدولة بمصروف البيت الشهري، ووضع نفسه مكان رب الأسرة من حيث الحرص على مصالح أبنائه. وقد جاء هذا التشبيه في معرض حديثه عن قرار تجميد 15 مليار درهم من الاستثمار العمومي، الذي اعتبره بمثابة إيقاف لأشغال إصلاح البيت وتأجيلها إلى الأعوام القادمة. وهو بذلك يضعنا في الصورة من حيث السبب الذي دفعه إلى عدم الرجوع إلى البرلمان في هذا القرار، واصفا معارضي قراره بـ "الخائفين على مصالحهم الشخصية والباحثين على الاغتناء من السياسة".
وأمام هذا المنطق التبريري الجديد، الذي لا يسعف في التحليل السياسي، نجد أنفسنا أمام أمرين هامين: يتمثل الأول في الأسلوب الديماغوجي لرئيس الحكومة، الذي لا يهتم أساسا بالتحاور مع المعارضة، بل يتوجه بالخطاب إلى عموم المنخرطين في حزبه والمتعاطفين معه للحفاظ على كتلته الناخبة. والأكثر من ذلك يعمد إلى أسلوب الذَّمِّ من خلال نعت معارضيه بـ "الخائفين على مصالحهم والباحثين على الاغتناء من السياسة".
وبالتالي فهو يعمل على تسويق معطى أن الأحزاب المعارضة هي عبارة عن جهات تقف في وجه الإصلاح ولا تريد خيرا لهذا البلد، وهو منطق يدخل في صلب "شيطنة" عمل المنافسين السياسيين، الذي بدأ منذ كان الحزب الأغلبي الحالي في موقع المعارضة بالأمس.
ويتمثل الثاني في أن أمر النقاش السياسي ببلادنا يحتاج، بين الفينة والأخرى، إلى التذكير ببعض البديهيات، خاصة إن كان الوضع يحبل بمثل أولئك الذين يتصفون بعدم الاكتراث بالجانب الأخلاقي الذي يعد ركيزة التفاعل بين مكونات الحقل السياسي، ومن بينها:

• اختصاصات وصلاحيات رئيس الحكومة في ظل دستور 2011، لا يمكن أن تزيغ عما تَحَدَّدَ لها من معاني ودلالات عبر مواده وفصوله، وبالتالي فهي لا يمكن أن تحيل ـ منطوقا أو مفهوما أو اقتضاء أو إشارة ـ على مفهوم وصاية الأب على أسرته بالمفهوم الديني التقليدي، المرتكز على مفهوم الطاعة. اللهم إن كان الأمر يتعلق بدستور آخر لم نُسْتَفْتَ بشأنه نحن المغاربة.

• دستور 2011، هو تعبير عن الرغبة في تأسيس نظام ديمقراطي للدخول في مصاف البلدان الديمقراطية، من حيث كونه يعمل على تنظيم العلاقات بين المؤسستين التشريعية والتنفيذية، وإقامة التوازن بينهما للحد من استبداد إحداهما على الأخرى، وضمان الحريات الأساسية للمواطن على أساس المساواة بين الجميع. والحزب الأغلبي ملزم بالتشبع بهذه الروح التي دفعت المغاربة إلى التصويت بكثافة على هذا الدستور.

• الرغبة في إنشاء نظام ديمقراطي، يستطيع فيه الشعب المغربي استبدال الحكومة من دون تغيير الأسس القانونية للحكم، أمر في غاية الأهمية، من حيث تقليل نسبة الغموض السياسي، وتفادي الدخول في حالة من عدم الاستقرار، ورفع نسبة اطمئنان المواطنين بخصوص الفرص المنتظمة لتغيير حكوماتهم والسياسات التي لا تروق لهم دون اللجوء إلى العنف. وعلى الحزب الأغلبي أن يتصف بالحذر الشديد ـ من موقعه الحالي ـ من حيث الحرص على تحقيق هذه الأهداف، وتفادي إسقاط البلاد في مطبات التعصب الحزبي الضيق والتشبث بالموقع الحكومي الزائل والتعنيف في حق المعارضة التي لا تقوم سوى بأداء الواجب.

• الالتزام بالدستور من منظور ديمقراطي، يعزز مسار تحقيق الرغبة في الحد من انتشار الفساد، لأن الديمقراطية والاستقرار السياسي وانتظام العلاقة بين المؤسسات التشريعية والتنفيذية واعتماد الشفافية وضمان الحق في الوصول إلى المعلومة وحرية الصحافة... تعد عوامل أساسية في انخفاض مستويات الفساد. وعلى الحزب الأغلبي، بدل الاختباء وراء الخطاب الملتبس والاتهامات المجانية، وبدل إيهام المغاربة بمحاربة الأشباح، اعتماد الصدق والشفافية مع المغاربة، وتحديد الجهات التي يواجهها بكل وضوح، دون اللجوء إلى تعليق شماعة الفشل في التدبير على أحد.

• الالتزام بالديمقراطية، والعمل على ترسيخها وتعزيز ثقافتها، يسهم في التقليل من مخاطر المعاناة من الظاهرة الإرهابية المنتشرة اليوم في العالم، والتي طالت بلادنا في العقد الأخير. وعلى الحزب الأغلبي، بدل صب الزيت على النار والمساهمة في زرع بذور الحقد السياسي بخطاباته المبهمة، وبدل إشعال فتائل الحروب السياسية الوهمية، أن يسهم في إشاعة روح التضامن والتسامح بين المغاربة.

• ارتفاع معدل إجمالي الناتج الوطني للفرد، وازدياد احترام حقوق الإنسان، وانخفاض معدلات الفقر، كلها نتائج على علاقة قوية بارتفاع منسوب الديمقراطية داخل المجتمع. وعلى الحزب الأغلبي، بدل الدخول في أساليب التمويه السياسي والحروب الحزبية الطاحنة، أن يتحمل مسؤوليته في معالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المزرية للفئات والشرائح الاجتماعية المتضررة.

هذه منطلقات أساسية للتعبير عن الرغبة في الإصلاح، لذلك نتمنى أن يخرج الحزب الأغلبي من منطق الوصاية واعتبار المواطنين مجرد موضوع للسياسة فقط، فالمغاربة يملكون فكرة واضحة عن معظم القضايا المجتمعية، وأفكارهم على قدر معين من الذكاء الكافي للغوص في إشكالات تدبير وتسيير الشأن العام. وهم في مثل هذه الفترات السياسية الدقيقة، في أمس الحاجة إلى أن تقوم القوانين والسياسات على أسباب مقبولة من طرفهم، ولا عيب في أن يصبح المجال السياسي بعد التصويت على دستور 2011 ساحة موسعة لنقاشات الفاعلين والمواطنين، قائمة على الإصغاء وتغيير الآراء، إن لزم الأمر ذلك.
وعلى الحزب الأغلبي ألا ينسى أن مشاركة الجميع في النقاش ووضع القوانين والسياسات، يعد نشاطا سياسيا بامتياز، وهو بحد ذاته تمرين مفيد في تثقيف المواطنين وجعلهم اجتماعيين، كما أنه يضع حدا للنخب المتنفذة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تظاهرات في جامعات أميركية على وقع الحرب في غزة | #مراسلو_سكا


.. طلبوا منه ماء فأحضر لهم طعاما.. غزي يقدم الطعام لصحفيين




.. اختتام اليوم الثاني من محاكمة ترمب بشأن قضية تزوير مستندات م


.. مجلس الشيوخ الأميركي يقر مساعدات بـ95 مليار دولار لإسرائيل و




.. شقيقة زعيم كوريا الشمالية: سنبني قوة عسكرية ساحقة