الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفارقة العدو أم الحرية في خطاب «حزب الله»؟

فالح عبد الجبار

2013 / 6 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تشييع القتلى في مواكب مهيبة انتقلت عدواه من الضاحية الجنوبية في بيروت الى الساحات العامة في البصرة. هنا قتلى «حزب الله»، وهناك قتلى «عصائب اهل الحق»، المنشقة عن التيار الصدري. وفي الحالين، فحومة القتال ليست الاراضي المحتلة في فلسطين، بل ارض سورية، حيث الصراع المستعر لإنهاء حكم الحزب الواحد الذي عمّر اطول مما ينبغي، وامتص رحيق امة عجفاء، تُركت بقايا أشلاء، ممزقة تمزيقاً.

«حزب الله»، الذي ساهمت ايران في تأسيسه لنشر عقيدة «ولاية الفقيه»، وليكون بديلها عن «حركة امل»، بدأ حياته السياسية بالفتك باليسار، في موجة اغتيالات لقادة الحزب الشيوعي اللبناني، يصعب نسيانها، اذكر منهم صديقي الأثير، مهدي عامل، الذي نبش قبره بحمية. لكن «حزب الله»، اتخذ بعد ذلك مساره الخاص، اي «تلبنن». فهو ليس محض ميليشيا، كما يصورونه في الغرب، ميليشيا تندرج، وفق المفاهيم الغربية، في خانة «الارهاب». أذكر نقاشاً عن الحزب دار في احدى الجامعات في لندن، وعارضت وقتها، ولا ازال، النظر الى «حزب الله» باعتباره محض حزب-ميليشيا، فهذا تبسيط يجافي الواقع كلياً. فهو أصلاً حزب سياسي، يتماهى تماماً والطائفة، بالتالي هو حزب-طائفة، شأنه في ذلك شأن بقية الاحزاب اللبنانية، ما عدا استثناء واحد أو اثنين.

وهو ايضاً دولة خدمات اجتماعية واقتصادية، معوضاً عن ضعف او الدولة غيابها، وهو فضلاً عن ذلك جيش مسلح، دولة داخل الدولة. وللأمانة، فخدمات «حزب الله» ذات نوعية تفوق ما عداها، لجهة الغاية والوسائل والتكلفة، في بلد اقتصاد حر بالاسم، يملكه الساسة، شأنهم شأن سادة القطاع العام في بلدان الاشتراكية العربية الخاصة، المزعومة.

لولا القرار السوري زمن الأسد الأب بنزع سلاح كل القوى عدا «حزب الله»، لما امكن الأخير ادعاء، بالاحرى احتكار ادعاء تمثيل المقاومة. وهو احتكار جلب للحزب شعبية عربية تجاوزت خطوط الانقسام المذهبي الذي اجتاح المنطقة مثل إعصار، يوم خاض حرب 2006. ويذكر اصدقائي السوريون، وجلّهم من مدن سنية، كيف فتحوا ابواب بيوتهم للنازحين من جنوب لبنان، وجلّهم من الشيعة، وكيف طبعوا صور السيد نصر الله، من دون انتظار موافقات امنية. فهم كانوا يحتفون بمقاوم عربي، ويستقبلون الاهل لا الأغراب. واليوم ينظر هؤلاء بنوع من صدمة سبقهم اليها اهالي بيروت يوم اكتسحت ميليشيا «حزب الله» بيروت الغربية، وأهالي عاليه حين اخذت مدافع «حزب الله» تدك ضواحيهم. هذا تحول سياسي جليّ للعيان، فالحزب يريد «الثلث المعطل»، اي حق الفيتو على السياسة اللبنانية، على رغم ان الوزن والتوازن الطائفيين لا يسمحان بذلك.

واذا كانت للصراع الداخلي في لبنان مسوِّغاته وهي لا علاقة لها بورقة توت المقاومة، فإن دخول حومة الصراع في سورية يفقد اية شرعية عدا شرعية خدمة الغير بأجر. فقدرة «حزب الله» العسكرية والخدماتية في لبنان محالة من دون دعم مادي ولوجستي خارجي، والأخير ليس بكرم حاتمي لوجه الله، بل لوجه خدمات منتظرة: انا ادفع وأنت تطيع!

وقول بعض دعاة «حزب الله» انهم يقاتلون في سورية دفاعاً عن المقاومة أو لتحرير الجولان (بعد مزارع شبعا)، وأن المشروع تحرير الأراضي المحتلة، اقرب الى النكتة التي يسميها اهل هوليوود «الكوميديا السوداء». دعاة «حزب الله» انما يقولون لنا ان بقاء استبداد الحزب الواحد شرط للتحرير، او بقلب المقولة، ان تحرر السوريين وغيرهم من الحزب الواحد، يعني ضياع الارض. وهذه مقولات فارغة تروم اخفاء حقيقة ان «حزب الله» حوّل نفسه من داعية تحرير الى مدافع عن الاستبداد، او -وهذا أنكى- انه دفاع طائفي في وجه القوى الاصولية السنية التي تتدفق على سورية. وعلى رغم المعارضة الشديدة التي تبديها القوى الوسطية السورية للأصوليين القادمين من الخارج، وهم اعداء اشداء لفكرة وممارسة الحريات الديموقراطية بلا مراء، فإن «حزب الله» كما هو حال الاصوليين، انما يحول حركة وخطاب الحرية، الى حركة وخطاب اقتتال طائفي. وهو ما نجده فاقعاً في شعارات «عصائب أهل الحق»، المموّلة اليوم من الحكومة العراقية، وبتحديد ادق من رئيس الوزراء العراقي. فالمتحدثون باسمها راحوا يلهجون امام عدسات التلفزيون برفع شعار «وا زينباه!»، اشارة الى مرقد السيدة زينب جنوب دمشق.

وهم اذ يفتقرون بلاغة النظير اللبناني ولباقته، يقصرون خطابهم على بكائيات بلهاء بلغة رثة، كأن الحرب الأهلية المستعرة في سورية تدور حول مصير مرقد السيدة زينب!

نعلم ان الموقف الرسمي العراقي انقلب من الشكوى على سورية أمام الأمم المتحدة، الى الدعم والتعاون والدفاع عن «النظام البعثي»، منذ وقف بشار الاسد مع ترشيح المالكي عام 2010، ومنذ أدت التحولات في مصر وتونس الى فوز الاسلاميين في الانتخابات، علماً ان «الاخوان» في مصر يجددون العلاقات مع ايران الرسمية. أما اسلاميو تونس فلم يتدخلوا، او قل لم يتورطوا بأي صراع طائفي. واستخدام صعود الاسلاميين في بلدان «الربيع العربي» لنشر فكرة «الخطر السنّي» و «التطويق السنّي»، ليس فكرة خرقاء لا سند لها في الممارسة العملية للاسلاميين الحاكمين، بل فكرة خطرة لإدامة الاستبداد، وأداة مدمرة لتمزيق ما بقي من الامم المنكودة بسلاح الاحتراب المذهبي.

لا يمكن ترويج فكرة المقاومة في بازار الافكار، الحر والمفتوح، ويصعب بيعها للسوريين المكابدين، كما يصعب اقناع الجمهور العربي والايراني، المتطلع الى عالم يسوده الحد الادنى من الحريات السياسية. واذا كان «حزب الله» يتمتع بحق الانتخاب، ودخول البرلمان، وامتلاك إعلام تلفزيوني وإذاعي وصحافي، فإن من حق السوريين والايرانيين التمتع بمثل هذه اللطائف المبغوضة عند رعاة «حزب الله» وعصائب الحق والاصوليين المنغلقين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال مثير للأسف
عبدالله عباس ( 2013 / 6 / 16 - 09:19 )
الكاتب من خلفية ماركسية ولا يشك بعلمانيته، ولكن مقاله هذا أكد لنا أن الطائفية وصلت حتى إلى الملحدين. فهل يفضل الكاتب حكومة جبهة النصرة بدلاً من حكم البعث؟ الصراع يا أخي ليس من أجل ضريح السيدة زينب وإنما حرب طائفية وليست من أجل الديمقراطية. لا بد وأنك شاهدت المجاهدين كيف يفتحون صدر جندي ويأكلون قلبه. ومجزرة دير الزور ضد الشيعة هذا هو المصير الأسود الذي ينتظر الشعب السوري
أرجو فتح اللنك لتعرف أن أمريكا هي التي أمرت المجاهدين باستخدام الغازات السامة لإلقام التهمة على بشار الأسد
Deleted Daily Mail Online Article: “US Backed Plan for Chemical Weapon Attack in Syria to Be Blamed on Assad”

http://www.globalresearch.ca/deleted-daily-mail-online-article-us-backed-plan-for-chemical-weapon-attack-in-syria-to-be-blamed-on-assad/5339178


2 - الابعاد التحريفية لليمين الجبهوي ألا يرعوي
علاء الصفار ( 2013 / 6 / 20 - 13:21 )
طرح الحزب الشيوعي في ثمانينات القرن الماضي, حين كان الانصار الاحرار الشباب والفتيان والفتيات يتناولون القوت اليومي من صحن شوربة العدس ام الفاصوليا مع نعناع او كوزلة كردستان,وعلى لسان القائد كاظم حبيب ممثل اليميم الحزبي, انه لا زال هناك امل من التفاوض والعودة الى احضان البعث في الجبهة الوطنية, لكن لا ثم ثلاثة (لا آت) للتحاور مع القيادة المركزية اعداء الجبهة. هكذاصارت جوقد و جود الامل امل الاراضي المحررة ضلما وعدوانا! هكذا صار التثقيف ان السوفيت لا يحبذون الشكل الخميني للسلطة فلذا يسلح السوفيت نظام صدام حسين الدموي بالسلاح! هلل الرفاق الشيوعيين, لكن عرف كيف ان يرد صدام حسين,إذ قال سأضرب الحزب الشيوعي وافاوضه وسأضربه ثانية الى ان احوله الى نادي ثقافي! انهار الروس اليمينين المساومين بالبيرستوريكا والآيس كريم! لا زال التحليل للشيوعيين, ذاك الطاس وذاك الحمام! خالي من البعد الطبقي, لا يعرف التعامل مع سلطة بريمر لبطل التحرير للعراق جورج بوش!هكذا الجيل الجديد لليمين لا زال لا يعرف ان يميز بين خصم رئيسي وخصم الطبقي وحليف!لينطلق مع دبابة حرب طائفية وهابية!خطابهم متخبط بالطشت أللي لعايدة شاعر!ه


3 - الطائفية المشروع الامريكي لغزو العولمة
علاء الصفار ( 2013 / 6 / 21 - 11:56 )
تحية طيبة
المقال ينسى الهجمة الامبريالية,اذ ان البعض ساوم مع الدبابة وفي هذا اراك عصي الدمع! التعاون مع البعث في 70 نات قرن ماضي, واملٌ بالتفاوض في ال 82 لكن اليوم وعى البعض ان يهاجم الروس والصين تاييد الطائفية التي تقودها امريكا البرمجة على ايادي الاستعماريين والصهاينة!لقد وعت الشعوب اكثر وتجرأت اكثر فالشعب المصري وبخواء اليسار والشيوعيين يهاجم الاخوان بعد ان اسقط الجلاد حسني مبارك والشعب التركي يهاجم السماء من اجل ازاحة دولة اوردكان حليفة امريكا وشريكة السعودية و حمد قطرائيل وبن غورين إسرائيل! نرى هنا العجب في سطورالمقال لمهاجمة الحليف السابق الذي تهالك للجبهة والتفاوض معه لا بل هربت كل قيادة الحزب الشيوعي وسكنت سوريا ومن هناك كان الرفاق الاشاوس يشربون نخب الرفاق المحاربين للنظام الآيل للسقوط سقط النظام والحزب والرفاق دائخون ولازالوا دائخون ولا اكراه و لا بطيخ!ه
ذكر عسى الذكرى تنفع للذين يترجمون بوقار القساوسة راس المال تحت خص...ية ملوك البترودولار في الخليج, لكن بلا تحليل طبقي!رابط ساسة درست يكون تدمير الطائفية!ه
WG: Fwd: FW: : الطائفية سلاح الغ-;-رب ا لأمضى لتفتيت الشرق الأوسط

اخر الافلام

.. نحو 1400 مستوطن يقتحمون المسجد الأقصى ويقومون بجولات في أروق


.. تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون




.. الجزائر | الأقلية الشيعية.. تحديات كثيرة يفرضها المجتمع


.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف




.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية