الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحكمة الصينية والذئاب الرمادية والعقلية العثمانية.

جاك جوزيف أوسي

2013 / 6 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


إن القارئ للتاريخ الصيني يلاحظ إنه مليء بقصص أشخاص تم تركهم أحياء من قبل أعدائهم وعادوا لينتقموا منهم في نهاية الأمر بعد خوضهم مغامرات شيّقة وامتحانات عجيبة، قابلوا خلالها أشخاص وكائنات غريبي الأطوار و الأفكار، أكسبتهم قوة ومعرفة من جهة، ومن جهة أخرى صقلت مهاراتهم في طريقهم إلى الانتقام. ولذلك عندما كتب سان تزو كتابه " فن الحرب " في القرن الرابع قبل الميلاد وضع كل هذه القصص والروايات نصب عينيه وخرج بإستراتيجيته البسيطة والعنيفة، والتي كانت للأسف واقعية. كانت تنص بوضوح على المبدأ التالي " اسحق أعداءك ". والمغزى من وراء ذلك بسيط جداً، وواضح للعيان بشكل جلي، أعداءك يتمنون لك الشر دائماً، وليس هناك شيء أحب إلي قلبهم سوى التخلص منك. وإنك إن حاربتهم ثم توقفت قبل أن تنجز المهمة بسبب الرحمة أو الرغبة بالتصالح معهم تكون قد شددت من عزيمتهم وأعطيتهم دافعاً لقتالك بسبب شعور المرارة أولاً، وبسبب الهزيمة والإهانة ثانياً، بسبب سلبهم شرف الموت في ساحة المعركة أو بحد السيف حسب تقاليدهم القتالية ومعتقداتهم الدينية. فيعودون للانتقام منك في يوم من الأيام. وقد تراهم يعاملونك بود ولكن ذلك بسبب هزيمتك لهم حتى تحين لحظة تصفية الحساب. والحل بسيط جداً هو أن لا تأخذك رحمة بأعدائك، اسحقهم ولا تبق من قوتهم شيئاً لأنهم سيقومون بمثل ذلك عندما تحين ساعة الصفر. ففي النهاية حتى تنعم براحة البال يجب عليك أن تقضي على أعدائك. وهكذا كان الأمر دائماً، إبادة كاملة للمهزوم.
والشواذ يحصل ولكنه قليل، ومن يستطيع النجاة من هكذا مذبحة سوف تقدسه الأجيال وتنسج حوله القصص والحكايات فيها من الواقع القليل ومن المبالغات الشيء الكثير ولكنه سوف يؤسس لأتباعه قواعد البناء ومنهج العمل الذي يجب أن يسيروا على دربه، فتكون بمثابة أسطورة التكوين التي ستؤثر على الخلفية الثقافية والاجتماعية وحتى التاريخية لهذه السلالة الناجية.
وهذه هي القصة التي اقترحها أسطورة التكوين الأولى للشعوب التركية والتي تنص على نجاة طفل من مذبحة تعرّض لها قومه على يد إحدى الجيوش الصينية حيث قامت هذه القوات بقطع الأطراف الأربعة للصبي ورميه على قارعة الطريق ليكون درس وعبرة بليغة لجميع سكان المنطقة كي لا تحدى إرادة الملك، لكن الأقدار شائت أن تمر من قرب الطفل ذئبة رمادية تقوم بإنقاذه، قامت بنقله إلى مكان سري في الجبال، فلعقت جروحه وأرضعته حتى اشتد عوده وكبر.
هذا المكان عرف في الأساطير التركية باسم " أرغينكون ". يكبر هذا الطفل ويتزوج الذئبة التي تنجب له عشرة أبناء يكونون نواة الشعوب التركية، والذين سيعرفون باسم الذئاب الرمادية. الذين سيقومون بمسيرة شاقة للخروج من الوادي الأسطوري، ومن ثم مهاجمة المملكة الصينية وتدميرها إنتقاماً لذكرى أجدادهم. هذه الأسطورة قد تفسر الكثير من طبيعة النفسية للعثمانيين الجدد لما تحمله من علاقة محرّمة بين الابن والأم، والبعد الحيواني لطفل عاش بين الذئاب, هذا من الناحية الاجتماعية والأسطورية. ناهيك عن ذكاء الذئاب الذي يقارب ذكاء الإنسان وما يمتاز به من شجاعة ودهاء.
لكل إنسان حلم وطموح كذلك حال الأمم والشعوب، وكما نرمز للأشياء المحببة على قلوبنا والأهداف التي نرنو إليها بأسماء مستعارة ورموز سرية حتى نحافظ على غموضها وسحرها الخلّاب، كذلك الأمر بالنسبة للشعوب التركية فحلمهم كان قطف التفاحة الحمراء دائماً. ولا أدري هل هي مجرد مصادفة أن يستعير الأتراك هذه القصة من الأثر الديني والتي تقترح إن سبب وصف الإنسان بالعجول إن الله سبحانه وتعالى عندما خلق الإنسان ابتدأ التكوين من الرأس حتى أخمص القدمين وفي هذه الأثناء كان أدم ينظر إلى التفاحة ويشتهيها حتى عندما تمّ تكوين اليدين تلقف التفاحة ومن هنا جاءت الآية الكريمة " وكان الإنسان عجولا " الإسراء :11. ففي محاولتهم لتأسيس الإمبراطورية كانت التفاحة الحمراء للأتراك هي القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية أحد جناحي العالم المسيحي آنذاك، والتي ستوصف بخاتم العروس للسلطان محمد الثاني الذي لقب بالفاتح وسمى المدينة إسطنبول. وشاءت الأقدار أن تكون هذه هي آخر تفاحة حمراء ينالها الأتراك حتى كانت هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى وفقدانهم للإمبراطورية ودفعهم لحدودهم الحالية، وهنا عاد حلم التفاحة الحمراء يداعب خيال كمال أتاتورك بطل الاستقلال وتحديث تركيا الذي رفعه الأتراك إلى مصاف الأبطال والقديسين والذي لا يتم شيء إلا بعد زيارة قبره لنيل الرضي والقبول. هذا الحلم كان الاندماج في أوروبا وإعادة السيطرة على المجال الحيوي لهم في أسيا العربية والوسطى والقفقاس، مستفيداً من الموقع الاستراتيجي لبلاده في الصراع بين الشرق والغرب إبان الحرب الباردة، وبين الشمال والجنوب كما يحدث الآن على الساحة الدولية.

الفالس التركي، وهي الخطوة الموزونة في النظام المنضّم للقوات الإنكشارية في جيش السلطان العثماني وتمثل إلى حد بعيد أسلوب تفكير وطريقة تخطيط القائد العسكري للاقتراب من الهدف المرسوم والمراد تحقيقه " استراتيجية الاقتراب غير المباشر " ، خطوتان إلى الأمام وخطوة إلى الخلف، فإن نظرنا إلى هذا النظام مع ما لقصة تأليف الجيش الانكشاري من حكمة بالغة، حيث إن عديد هذه القوات كانت من أطفال سبوا من غزوات وغارات وتم تدريبهم على مختلف فنون القتال لاستخدامهم في قتال أبناء جلدتهم، وهكذا يضرب العثمانيين هدفين بحجر واحد يحافظوا على أنفسهم، ويتركوا أعداءهم يقاتلون بعضهم البعض.
هذه التداخل بين الأسطورة والحلم والتخطيط يرسم أسلوب عمل السياسة العامة للعثمانيين الجدد في المجال الداخلي والخارجي فهم في سبيل تحقيق حلمهم و طموحهم " التفاحة الحمراء " يجعلون أعداءهم يقاتلون بعضهم البعض " الفالس التركي " حتى يرهقوا بعضهم البعض، عندئذ تخرج الذئاب الرمادية من مخبأها السرّي في الجبال ويرتجف الجميع لأن موعد الصيد قد حان. ولأن الذئاب عندما تهاجم فريستها تختار دائماً الأفضل والأسهل منالاً وهذا ما يجعل النصر حلفهم دائماً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحة وقمر - قمر الطائي تجرب التاكو السعودي بالكبدة مع الشيف ل


.. لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس




.. بعد 200 يوم.. كتائب القسام: إسرائيل لم تقض على مقاتلينا في غ


.. -طريق التنمية-.. خطة أنقرة للربط بين الخليج العربي وأوروبا ع




.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: حزب الله هو الأقوى عسكريا لأنه م