الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية التحول الديمقراطي في العراق- الفصل الأول

عبدالوهاب حميد رشيد

2013 / 6 / 30
مواضيع وابحاث سياسية




"المواريث التاريخية والأسس الثقافية والمحددات الخارجية"

مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 2006


الاهداء.. الى.. شعب العراق





المحتويات
منهجية البحث
الفصل الأول- حضارة وادي الرافدين
1- المعتقدات الدينية
2- الحياة الاجتماعية
3- الأفكار الفلسفية
هوامش الفصل الأول
الفصل الثاني- الحضارة العربية الإسلامية
1- العراق بين السقوط والتحرير
2- الإسلام والصعود الحضاري
3- العراق في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)
4- سقوط بغداد ومرحلة الانحطاط
هوامش الفصل الثاني
الفصل الثالث- الديمقراطية والبنية المؤسسية السياسية
1- المقومات البنوية للتحول الديمقراطي (مناقشة فكرية)
2- المؤسسة السياسية
(1) البنية السياسية للدولة العراقية: النشوء والسقوط
(2) الوضع العراقي قبل السقوط
(3) السقوط والاحتلال
(4) تداعيات الحرب- الاحتلال: الحصيلة والنتائج
(5) المقاومة الوطنية العراقية
(6) قضايا عراقية مستقبلية
هوامش الفصل الثالث
الفصل الرابع – البنية الاقتصادية
1- أزمة التنمية الاقتصادية في العراق
2- تداعيات الاحتلال على الاقتصاد العراقي
3- الثروة النفطية
4- نقد العولمة
5- التنمية والاصلاح الاقتصادي
هوامش الفصل الرابع
الفصل الخامس– البنية الاجتماعية
1- البنية الاجتماعية والتغير الاجتماعي (مناقشة فكرية)
(1) البنية الاجتماعية وعلم الاجتماع
(2) مفهوم البنية الاجتماعية
(3) قوى التغيير الاجتماعي
2- البنية الاجتماعية في العراق
(1) التباينات الاجتماعية
(2) مظاهر الوعي السياسي
هوامش الفصل الخامس
الفصل السادس- المحددات الخارجية للتحول الديمقراطي
1- المحددات الدولية
(1) العلاقلات العراقية- الأمريكية
(2) الستراتيجية الأمريكية الجديدة
2- المحددات الإقليمية
(1) العلاقات العراقية- الإيرانية
(2) العلاقات العراقية- التركية
3- العراق والبيت العربي
(1) العراق والنظام العربي
(2) العراق ودول الجوار العربية
4- السياسة الخارجية المنشودة
هوامش الفصل السادس
الفصل السابع- المجتمع المدني
1- الجوانب المفاهيمية
2- المجتمع المدني في الوطن العربي
3- المجتمع المدني في العراق
هوامش الفصل السابع
الفصل الثامن- موجز المسح الميداني للعراق "مركز اكسفورد
للبحوث الدولية" آذار/ مارس 2003- حزيران/ يونيو 2004
الفصل التاسع- آراء نخبة من المثقفين العراقيين
في العراق المنشود "صحيفة استقصاء"
هوامش الفصل التاسع
الخاتمة : الخلاصة والاستنتاجات
الملحق 1: صحيفة استقصاء
الملحق 2: جداول صحيفة الاستقصاء
الملحق 3: أسماء المشاركين في صحيفة الاستقصاء
المصادر





منهجية البحث
الهدف من البحث هو محاولة تحليل ظروف البيئة الاجتماعية العراقية في ضوء المتطلبات التي تفرضها قضية التحول الديمقراطي وبالعلاقة مع مجموعة عوامل بنيوية، تجد اتفاقاً عاماً على كونها تلازم مسيرة التحول وعملية البناء والتحضر الاجتماعي بمفهومه الشامل. وهذه العوامل هي: المواريث التاريخية- الثقافية، البنية المؤسسية (السياسية والاقتصادية والاجتماعية)، المحددات الخارجية من دولية وإقليمية وعربية، وأخيراً المجتمع المدني الذي هو حصيلة العملية الديمقراطية، والتي تتطلب منذ بداية مسيرتها الصعبة والطويلة الأمد معالجة أمراض البيئة الاجتماعية، خاصة أركانها المحورية الأربعة: الباطنية/السرية/الغيبية، المعتقدية المطلقة، الوحدانية السياسية والاجتماعية (احتكار السلطة)، العنف. وإذا كانت هذه الإشكاليات البنيوية للبيئة الاجتماعية العراقية في ظروفها الحالية تشكل خطراً وتهديداً لأِية مسيرة دستورية في البلاد، علاوة على كونها مرتبطة بحلول بعيدة الأمد تتطلب جهوداً مجتمعية واعية ومتواصلة، تسير نمطياً مع مسيرة التحول المنشودة، فإن البحث يفترض كذلك أن عملية البناء الدستوري والبدء بالتحول الديمقراطي تتطلب بروز جبهة وطنية تاريخية فعّالة تقود مهمة إنهاء الاحتلال وبناء الاستقلال وقادرة على تعبئة أكثرية الناس بمختلف أطيافهم ومجموعاتهم في إطار قبولهم وتبنيهم برنامج حد أدنى، واقعي يتسم بالوضوح الفكري والمفاهيمي، مرن وواف ومتناسب مع قدرات ومتطلبات المجتمع، وفي سياق إعادة بناء إرادة الإنسان العراقي، إرادة المواطنة الفعالة، وتطوير البُنى المؤسسية جذرياً لتتفاعل إيجابياً وتدفع مسيرة التحول نحو طريقها الصعب الطويل بصورة نمطية متصاعدة، ولتصب هذه المسيرة في إعادة بناء البيئة الاجتماعية التقليدية وفق أسس حضارية.
من هنا حاول البحث تنظيم خطته وفق تسعة فصول. نوقشت المواريث التاريخية في الفصلين الأولين (ف1- ف2)، تابع أولهما المواريث التاريخية لحضارة وادي الرافدين، خاصة بالتركيز على المعتقدات الدينية وجوانب من الحياة الاجتماعية وأفكارها الفلسفية، وما خلَّفتها هذه الحضارة من أفكار ومعقتقدات وفلسفات وقيم وعادات وتقاليد وممارسات عائلية- اجتماعية، لا زالت تعيش معنا، بهذا القدر أو ذاك. وناقش الفصل الثاني الحضارة العربية الإسلامية بما تضمنتها من أساليب إعادة تنظيم كافة مناحي الحياة الاجتماعية، وما تركتها من قيم إنسانية وعادات اجتماعية أقرب إلى الحياة الديمقراطية والتي تراجعت مع سقوط الدولة العربية الإسلامية. وكانت مهمة الفصول الثلاثة التالية (ف3- ف5)، بالإضافة إلى مناقشة الجوانب الفكرية للديمقراطية، بحث المتطلبات المؤسسية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمسيرة التحول الديمقراطي في العراق. بينما ركز الفصل السادس على المحددات الخارجية من دولية وإقليمية وعربية، علاوة على السياسة الخارجية المنشودة. وكانت مهمة الفصل السابع مناقشة الجوانب الفكرية للمجتمع المدني، وتطبيقاته العربية، إضافة إلى تجربة المجتمع المدني في العراق. وشمل الفصل الثامن خلاصة مكثفة للجداول التحليلة التي أفرزتها عملية المسح الميداني للعراق خلال الفترة آذار/ مارس 2003- حزيران/ يونيو 2004 بمبادرة مركز اكسفورد للبحوث الدولية، متضمنة معلومات شاملة بخصوص الأوضاع العراقية في ظلّ الاحتلال. بينما تضمن الفصل التاسع والأخير مبادرة فردية من الباحث استقصاء وتحليل آراء نخبة من المفكرين/ المثقفين العراقيين في مجموعة هموم وقضايا عراقية كانت في العديد منها محل البحث. وأخيراً، تقدم الخاتمة خلاصة مكثفة لأِفكار واستنتاجات هذه المحاولة المتواضعة التي تدخل ضمن المساهمة في بناء وعي عام- المواطنة الفعالة- قادر على التعامل مع هذا الهدف المعاصر وفق أفكار وممارسات حضارية تقوم على القناعة بالتعامل السلمي والعلنية والتعددية ونسبية الحياة الدنيوية.



الفصل الأول
حضارة وادي الرافدين
قبل الحديث عن معتقدات وأفكار وثقافة هذه الحضارة وجوانب من حياتها الاجتماعية، من المفيد الإشارة إلى أن حضارة ميزوبوتاميا تركت آثارها في الحضارات البشرية اللاحقة والمعاصرة. فالعراقيون الأوائل هم أول من اكتشفوا الزراعة والكتابة، ووضعوا أسس الرياضيات وعلم الفلك، وتوصلوا إلى نظرية فيثاغورس قبل فيثاغورس بِأكثر من 1500 عام، وصنعوا آلات الحياكة والخياطة، وابتكروا أدوات البناء والفخار والعجلة والسفينة وصناعة البرونز، واستخدموا الخيل ومارسوا الفروسية، وبنوا أول مجتمع سياسي منظم (دول المدن السومرية)، وأقاموا نظام الملوكية، وأوجدوا وطبقوا نظرية الحق الإلهي المقدس للملك قبل توماس هوبز الانكليزي بِأكثر من 4500 عام، وبنوا دولة الوحدة الوطنية (سرجون/ حمورابي)، وأهدوا البشرية أول قانون منظم للحياة الاجتماعية (شريعة حمورابي)شكل أساس القانون العبري وإمتدت آثاره للحضارة المعاصرة. كما أنجبت هذه الأرض أول حاكم مصلح في تاريخ البشرية (اوروكاجينا)، وكتبوا أولى الملاحم البطولية الحية وأعظمها (ملحمة كلكامش)، وابتدعوا القصص على لسان الحيوانات قبل إيشوب الأغريقي بِأكثر من ألف عام، وأسسوا نظاماً شاملاً للدين شكل أساس الديانات الرئيسة الثلاث، وتركوا أول كتاب مقدس (ملحمة الخليقة البابلية/ عندما في العلى...)، وعلموا البشرية العطلة الأسبوعية (السبت البابلي). وبناة هذه الحضارة- السومريون- هم أصل العراقيين، وأجداد إبراهيم الخليل- الأب الأكبر لليهود وللمسيحين وللعرب.
1- المعتقدات الدينية
يصعب فهم نشوء ونمو وموت حضارة وادي الرافدين قبل دراسة عقيدتها الدينية دراسة تتصف بالعمق والشمولية. لأِن هذه الحضارة نشأت وماتت في أحضان الدين. يقول طه باقر "وإذا أخذنا في الاعتبار بِأن عصر فجر السلالات (2900/2800- 2370 ق.م) تُمثل ظهور حضارة وادي الرافدين الناضجة وأن فترة العصر البابلي الأخير كان آخر عهودها، جاز لنا القول أنها لصدفة تاريخية عجيبة أن تكون هذه الحضارة قد ولِدت وماتت في كنف الآلهة والمعبد".(1) وربما سيتضح مع نهاية هذا الفصل أن نشوء وموت هذه الحضارة في كنف الدين- المعبد لم تكن صدفة تاريخية بقدر ما عبَّرت عن ظاهرة تاريخية موضوعية رافقت الحضارات الدينية القديمة، بعامة، نتيجة الفجوة التي تزداد اتساعاً بين عناصرها المادية التي ترنو إلى النمو المتصاعد لاستمرارها وتطورها وبين القيود والمحرمات الدينية الكثيرة المعوقة والمانعة لحركة نمو تلك العناصر لغاية خنقها واختناقها.
كما تنطلق أهمية دراسة المعتقدات الدينية من أهمية الدين نفسه الذي شكَّل وعاء حضارة وادي الرافدين وروح المجتمع community spirit.(2) "ولم يلعب الدين الدور الكبير الذي لعبه هنا... في أي مجتمع قديم آخر لأِن الإنسان في هذا المكان كان يشعر على الدوام بِأنه يعتمد كلياً في استمراره بالوجود على إرادة الآلهة".(3)
تمثلت آلهة حضارة وادي الرافدين بكثرتها، وذلك بالعلاقة مع عقيدة القوم بوجود قوى خفية في مختلف الظواهر الطبيعية/ الكونية: السماء، الأرض، الهواء، الأمطار، المياه، القمر، الشمس، الكواكب، النجوم، وحتى الشعير والخمر. وبمرور الزمن جُسِّدت هذه القوى في شكل آلهة لها صفات مميزة وواجبات محددة، وصار لكل من هذه القوى إله، أو أن كلاً منها في ذاتها جسَّدت إلها معيناً. وشبه القوم آلهتهم بالبشر، ولتمثل أفضل الجوانب البشرية واسوأها، منسوبة إلى قوة عظمى، عدا أنها تتميز عن البشر بالخلود والقدرة/ القوة الخارقة.(4)
وتبعاً لذلك صُورت الآلهة بِأنها تعيش، كما يعيش البشر، في مجتمع تحكمه قوانين وضوابط محددة، وعلى رأس هذا المجتمع المجلس الأعلى للآلهة الذي يتربع على قمته رئيس الآلهة (الأب الأكبر/ الملك) يساعده في إدارة شؤون مجمع الآلهة عدد من الآلهة الكبار.(5) وهنا منبع العائلة الأبوية التي تسود مجتمعاتنا الشرقية.
خلقت الآلهة الكون أولاً، ثم بادرت بخلق الإنسان للعمل في أراضيها وتزويدها بمتطلباتها (القرابين)، وأن يلتزم بنواميسها الحضارية التي وهبتها للبشرية لتنظيم مجتمعاتهم، بإطاعة الملك (نائب/ ممثل الإِله)- القانون- النظام- النواميس الأخلاقية، وأن يقوم بعبادتها ويقدم لها الطاعة. مقابل ذلك يأمل الإنسان أن يحصل من الآلهة على حمايته في حقله- عمله وصحته وعائلته وأن تمدَّ في عمره.
والآلهة قوى خارقة خالدة، مصدر كل شيء، مُحرك كل الأحداث التي تقع في حياة الإنسان والمجتمع والكون. وهي صفة مطلقة لقوة عظمى تُسَيّر العالَم/ الكون. وهذه القوة تتميز بالعلو والرفعة، وهي قابعة في السماء، وحاضرة مع المخلوق (المتعبد) متجسدة في إِلهه الشخصي (ملاكه الحامي).(6) عليه فالإنسان ما هو سوى عبد للآلهة، وجبتْ عليه الطاعة والخدمة والعبودية. من هنا يلاحظ مثلاً "أن الملوك الآشوريين الأقوياء الذين بسطوا سيادتهم على امبراطورية شاسعة من نهر النيل إلى بحر قزوين، لا يعتبرون أنفسهم أكثر من عبيد متواضعين يسعون لإرضاء آلهتهم آشور…".(7)
أما سِر القدرة الخارقة للآلهة، فيكمن في أربع سمات إِلهية:(8) الأولى القدرة على الخلق، وهذه القدرة تقوم على النطق (الكلمة). فعندما يقول الإِله لشيء "كُن فيكون". يذكر: كريمر- عالم السومريات الأمريكي- "إن فلاسفتنا السومريين طوروا مبدءاً صار فيما بعد عقيدة في أنحاء الشرق الأدنى كافة، وهو مبدأ القوة الخالقة الكامنة في الكلمة الإِلهية. فكل ما على الإِله الخالق أن يفعله وفقاً لهذا المبدأ هو أن يضع خططه، ينطق بالكلمة ويعلن الاسم".(9) الثانية القدرة على تحديد هيئة المخلوق وصفاته الجسدية والروحية، أي تعيين جوهره- قواه البدنية والعقلية- وسلوكه من خير وشر. الثالثة القدرة على رسم مصير المخلوق مسبقاً: يوم ولادته، فترة حياته، طبيعة الأحداث اليومية التي ستواجهه، مكانته الاجتماعية وحالته الصحية.. الرابعة القدرة على منح المخلوق وسائل يستطيع من خلالها تنظيم مجتمعه وبناء حضارته (النواميس الإِلهية). وتمكينه من معرفة إرادة الآلهة وفق علامات كونية: طبيعية، بشرية، حيوانية، تتطلب الفحص والتفسير بقراءة الطالع والتنبؤ (الفأل) والسحر.
أدرك القوم حتمية الموت على الإنسان، لكنهم لم ينظروا إليه على أنه الفناء المطلق، بل انفصالاً ما بين الجسد والروح التي تلازمه مدى الحياة. وعند الموت (انقطاع آخر نفس للإنسان) تخرج روحه لتذهب إلى عالم الأموات بينما يعود جسده إلى التراب. وبذلك اعتقد القوم أن الإنسان مركب من عنصرين أولهما حسي/ مادي منظور هو الجسد، وثانيهما غير منظور هو الروح: كدم GIDIM باللغة السومرية. وفي هذا العالم المظلم الذي يلفه الغبار والتراب ويُعدم فيه الهواء والضوء، لا تجد أرواح الموتى ما تعتاش عليه سوى ما يُقدم لها من نذور وقرابين. وإذا لم يتذكرهم أحد فسوف يردون إلى الأرض في شكل أشباح مؤذية للناس. ونفس الشيء يحدث عند عدم دفن الميت وأداء الطقوس الدينية أثناء الدفن وبعده من صلوات وقرابين.(10) ووفق هذه العقيدة يصبح الإنسان بعد الموت في هذه الحضارة أقل مما كان عليه، رغم ضآلته في الحياة الدنيوية futile life.(11)
وبالإضافة إلى أهمية الالتزام بالطقوس الدينية عند موت الإنسان ودفنه حتى تستقر روحه في العالم الأسفل، فإن المآثر الصالحة التي تركها في دنياه تمنح روحه بعض الامتيازات، كما في أرواح الموتى الذين حققوا مجداً في الحرب أو خلّفوا كثرة من أبناء ذكور (اسطورة موت انكيدو). كما صوَّر القوم روح الميت بهيئة مخلوق بجناحين من الريش، وربما يفسر هذا اعتقادهم قدرة هذه الأرواح على التنقل السريع. أخذ عرب ما قبل الإسلام هذا المفهوم وصوَّروا روح الميت على هيئة طائر أطلقوا عليه اسم (الهامة). وحين تعود هذه الروح لشخص مقتول، عندئذ يهيم الطائر (روح المقتول)، في حالة عدم أخذ ثأره من قاتله، وهو ينعق "اسقوني! اسقوني!...".(12) وهنا أصل الثأر القبلي!
اشتملت ديانة حضارة وادي الرافدين على: التطهير والصلاة والتراتيل، النذور والقرابين، الاحتفالات الدينية والترانيم، الأدعية والتعاويذ، التكهن بالغيب والتنبؤ (الفأل) بالمستقبل، معرفة الطالع وتفسير الأحلام، التنجيم والسحر.(13) شكَّلت الصلاة أولى طقوس العبادة في الديانة السومرية، وارتبطت بممارسات محددة تتقدمها التطهير التام والوضوء بغسل اليدين والركوع والسجود ورفع اليدين إلى الآلهة والتمتمة ببعض الابتهالات والأدعية، بما فيها الشكاوى والتوسلات وعبارات الشكر والطاعة والعفو والمغفرة. وبذلك جسّدت الصلاة طريقة لاتصال الفرد بالإِله بِِِقصد تحاشي غضبه وعقابه وكسب رضائه واستعطاف بركاته.(14)
ومن خلال طقوس التعبد وأعمال التعزيم والسحر التي شكلت جزءاً من العقيدة الدينية، كان يتم دعوة الإِله لاستدرار المطر.(15) "وكان الملك... هو الكاهن الأكبر في آشور… وعندما يحدث قحط فاجع كان الملك نفسه هو الذي يكتب الرسائل إلى الحكام التابعين لـه لتنظيم مشاركة الناس في الابتهال إلى إِله الجو اداد كيما ينزل المطر".(16) وهي نفس الطقوس المتبعة في الديانة الإسلامية باستعطاف الله من أجل إنزال المطر عند حدوث جفاف أو قحط بتنظيم صلاة الجماعة (صلاة الاستسقاء)!
عبَّرت تماثيل الآلهة في المعبد عن جانب محوري من عقيدة القوم باعتبارها وسيلة لاتصال الإنسان بالآلهة لاعتقادهم أن الإِله حاضر في تمثاله.(17) وبعد تقديم الطعام إلى الإِله (تمثاله) والذي اعتُبر مباركاً، كانت الأواني ترسل إلى الملك ليأكل منها حتى تنتقل إليه البركة. كما أن عادة رش الماء (ماء الورد) من الإناء، "الذي لمسته" أصابع تمثال الإِله، على الملك ورجال الحاشية عبَّرت كذلك عن نفس العقيدة في كون ذلك الماء مباركاً.(18)
ظهر المعبد باعتباره مؤسسة دينية، بل وأول مؤسسة اجتماعية عامة في شمال البلاد مع بداية الاستيطان في القسم الجنوبي. وشكَّل مركز الحياة الحضارية فيها ومحور التجمعات السكانية. وهناك أسباباً مُقنعة على أن القَوامين على المعابد كانوا أقدم حكام المجتمعات المتحضرة في وادي الرافدين. وكان الكاهن الأعظم يجمع في شخصه السلطتين الدينية والزمنية قبل أن تبدأ عملية الانفصال التدريجي بين الوظيفتين في فترة ما من عصر فجر السلالات بظهور الحاكم الزمني المفوض من إِله المدينة لإدارة شؤون دولته الأرضية.(19) "وهكذا نجد أن المدينة السومرية تنمو، ليس حول قصر أو قلعة، إنما حول (ضريح) أو مرقد. وفي كل الأحوال كان المعبد هو المحور الذي تدور حوله النشاطات الاقتصادية والاجتماعية".(20)
ولما كانت المدينة مُلك الإِله الحامي، والمعبد هو الوسيط بين الإِله وبين الناس، عليه يُفترض أن المعبد مارس دور راعي ممتلكات المدينة من أراضٍ وبساتين لصالح الإِله الحامي/ الوطني للمدينة قبل أن يظهر الملك في فترة لاحقة. وهذا ما دفع بعض خبراء الآثار إلى القول بِأن المعبد كان يمتلك جميع أراضي المدينة في العصور المبكرة.(21) وبموجب النصوص المسمارية المكتشفة في لكش (تلو- جنوب قلعة سكر) قُدرت أملاك معابدها في حدود 25%- 50% من أراضي المدينة الزراعية.(22)
يضاف إلى ذلك كان المعبد مركزاً كهنوتياً ثقافياً يتعلم فيه الكهنة والكتبة وتحفظ فيه مختلف النصوص الأدبية والدينية والعقود التجارية. كما ظهر في كنف المعبد أعظم اختراع حضاري (الكتابة المسمارية)- مدينة الوركاء/ أوروك- شمال غرب الناصرية (4000- 3500 ق.م)- وبذلك أصبحت المؤسسة الدينية لحضارة وادي الرافدين أول مدرسة تعليمية في تاريخ البشرية.(23) ورغم التغيرات المختلفة التي حصلت في مكانة المعبد من حيث زيادة أو انكماش أهميته بالعلاقة مع القصر، ظلََّ المعبد أحد ركنين أساسيين في صرح النظام الاجتماعي على مدى كافة عهود حضارات بلاد الرافدين.
وكان الملك على رأس الكهانة باعتباره ممثل/ نائب الإِله. ولأِنه غير قادر على أداء كافة المهام الدينية، لذلك يختار بديلاً عنه (الكاهن الأعظم) الذي يتربع على عرش المعبد.(24) أما مواصفات الكهنة "لا يستطيع أحد أن يكون قيّماً على مراسيم (شمش "و" أدد)- وهما آلها الكهانة- من كان أبوه غير طاهر، وكان غير كامل الأطراف أو الملامح، وغير سليم العينين أو الأسنان أو الأصابع، أو من كان يبدو عليه المرض، أو به دمامل".(25)
اعتبرت سلطات الآلهة غير محدودة على الإنسان. وينضوي تحت هذه السلطة الفلاح والملك على السواء. من هنا تطلع القوم إلى آلهتهم تطلع العبد لسيده: بخوف ومسكنة، وبرهبة وحب وإعجاب أيضاً.(26) ويمكن ملاحظة الموروث التاريخي للنصوص المسمارية الذي يؤكد هذا الاعتقاد في كافة مجالاته من طبية وفلكية وقضائية وتجارية، وحتى الأدبية بما فيها تلك الحربية. فالإِله هو الذي أوحى للملك إعلان الحرب وتحقيق النصر والانتقام من الأعداء.. يقول آشور بانيبال "لقد قطعت أوصال أعدائي والقيت بهم إلى الوحوش الكاسرة لتأكلهم. وحين انتهيت من ذلك، انشرح قلب الآلهة العظام، آلهتي".(27)
ولأِن الآلهة خلقت الإنسان لخدمتها وطاعتها، عليه أصبح من الخصال الحميدة للقوم طاعتها، بممارسة العبادة وإرسال النذور والقرابين للمعابد وحضور الاحتفالات الدينية الرئيسة والتقيد بالتعاليم العديدة والابتعاد عن المحرمات TABOO الكثيرة، حتى يتجنب غضبها وعقابها وانتقامها منه ومن عائلته. لقد "عاش السومريون وورثتهم في الديانة كما يعيش السمك في الماء. كانت تعيش في داخلهم, تزودهم بالاوكسجين الروحي والفكري".(28)
ولم تكن النذور والقرابين والالتزام بالتعاليم الدينية كافية لنيل عطف وبركات الآلهة، بل كذلك الالتزام بسلوك اجتماعي قويم، يدعو إلى المعروف وينهي عن المنكر. وفي نص سومري زاخر بالتعاليم الأخلاقية يقول: "لا تكذب وقل قولاً طيباً، لا تتكلم بالشر وقل الخير، لا تلفظ كلام قلبك حتى لو كنت وحيداً، وإذا تكلَّمت بعجلة فستعيد ما قلته، وحتى تسكت يجب أن تمسك بِِأعصابك".(29). وتوصي واحدة من نصائح الحكمة البابلية بقولها: "أعبد كل يوم آلهتك، وأظهر العطف للضعفاء، قم بالأعمال الصالحة، وقدم العون في كل أيامك، لا تشهر بالآخرين وحدث بالحسنات، لا تقل أشياء خبيثة، وقل للناس قولاً جميلاً".(30) وهي تعاليم وردت في الكتب المقدسة.
مقابل طاعة الفرد وإيمانه الصادق وسلوكه القويم، تُقدم الآلهة له الحماية ساعة الخطر، والعون عند الطوارئ، والمساعدة عند الحاجة، وتهبه الصحة الموفورة والمركز الاجتماعي المشرف والثروة والأبناء الكثيرون والعمر الطويل. إلا أن معادلة (طاعة الآلهة = حياة سعيدة) لم تكن القاعدة ولم تكن شائعة عملياً. فهناك حالات عديدة تمت فيها معاقبة أتقياء على نحو غير مفهوم.(31) ورغم إصرار الكهنة على أن التمسك بالتقوى هو طريق النجاح والسؤدد والصحة والسعادة، وأن الخير سينتصر في النهاية على الشر، وأن على المتعبد المبتلي في حياته أن يصبر ولا ييأس من رحمة الآلهة وعطفها.. يبقى الشك والحيرة واليأس وليدة هذه العقيدة. ففي قصيدة سومرية بعنوان (رجل وربه)، وهي تسبق التوراة بِِألف عام، نشره "كريمر" في كتابه النفيس: التاريخ يبدأ من سومر، يسأل الرجل المعذب إِلهه بجزع: "يا إِلهي النهار يسطع بنوره على الأرض.. أما أنا فيومي مظلم.. الدموع والحزن والضيق واليأس تسكن أعماقي.. والمصير السيئ يمسك بيدي وينتزع أنفاسي.. والحمّى اللعينة منتصر على جسدي.. يا إِلهي أيها الرب الذي خلقني، انقذ وجهي.. إلى متى تهملني وتتركني دون حماية".(32).. وفي قصيدة (الصالح المعذب) يصرخ (أيوب البابلي) معلناً الحيرة والشك بقوله: "من ذا الذي يعلم بإِرادة الآلهة في السماء؟.. ومن ذا الذي يدرك خطط آلهة العالم الأسفل؟.. أين تعلَّم الفانون طريق الرب؟.. هذا الذي كان حياً البارحة، أصبح اليوم ميتاً.. للحظة يكون الإنسان مكتئباً وفجأة ينقلب منشرحاً.. مرة يُغني بنشوة.. وفي لحظة تالية كأنه نداب محترف… أنا حائر إزاء كل هذا إذ لا أفهم جدواه".(33)
ولَّدت هذه المعتقدات وما ارتبط بها من هواجس الموت والبؤس والحرمان والمرض والحزن ومخاطر الحياة، بعامة، عناصر الكآبة والقلق والخوف والتشاؤم وعدم الاطمئنان وغياب الاستقرار النفسي والمعيشي. هذه الظروف أحاطت بإنسان وادي الرافدين، خاصة عندما كان يشعر بِأداء واجباته والتزاماته تجاه الآلهة، وفي نفس الوقت يتلقى الضربات والمصائب التي لا يستحقها.(34) ولم يكن التشاؤم عند إنسان وادي الرافدين حالة عرضية لليأس، بل كان ميتافيزيقي metaphisics الأصل/ غيبي، كَمُنَتْ جذوره في الآلهة ذاتها التي تجسدت في عناصر الطبيعة والكون وحملت في ذاتها عناصر الخير والشر وأصبحت مصدراً للحياة والكوارث معاً.
الأنهار والرياح والأمطار، مثلاً، وهي جالبة للحياة، يمكن أن تتحول لقوى مدمرة تهلك الزرع والإنسان. وبمواجهة هذه الظواهر الطبيعية (الآلهة) القاسية، وجد القوم أنفسهم بلا حول ولا قوة. ولَفَّهم القلق الشديد إزاء ترقبهم لغد غير مضمون تجاه حصيلة جهودهم، بل وحياتهم غير المستقرة. فكانت حياة الإنسان وعائلته ونتاج حقله وماشيته، ومستويات الأنهار وفيضاناتها، وتوالي الفصول المختلفة، وحتى الكون ذاته، تحت رحمة القدر على الدوام. فإِذا بقي البشر أحياء، وإذا عادت الحياة إلى الحقول بعد لهيب الصيف، وإذا استمرت النجوم والكواكب في حركتها.. فإِن كل هذا يتحقق بإِرادة الآلهة التي تقرر مصائر الكون سنوياً. لذلك ففي مطلع ربيع كل عام، كانت تُقام احتفالات هائلة في مدن عديدة، وفي بابل بخاصة، تشمل طقوس الزواج الإِلهي المقدس*، وتلاوة ملحمة الخليقة، وإعادة تثبيت الملوك، وتتوج أخيراً باجتماع الآلهة الذين "يقضون في المصائر" للسنة التالية.. "عندئذ فقط بوسع الملك العودة إلى عرشه والراعي إلى قطيعه والفلاح إلى حقله، وعندئذ كذلك يستعيد ساكن وادي الرافدين ثقته بما حوله فبإمكان العالم أن يستمر بالوجود، بِإرادة الآلهة المسترضاة، لعام آخر أيضاً".(35) "وإذا كانت حياة البابلي شاقة مثل حياة المصري فإِنها (حياة المصري) لم تستطع أن تحطم بشاشته الطبيعية ومرحه أثناء عمله اليومي. غير أن إنسان بلاد الرافدين كان غريباً عن الضحك، ويبدو أنه لم يكن قد تعلَّم كيف يلهو".(36)
رسمت العقيدة الدينية لإنسان وادي الرافدين أشكالاً معينة من التصرفات والممارسات التي ترضي الآلهة، وأخرى لا ترضيها وتكون عرضة لجلب غضبها وانتقامها. فحرص القوم على إرضاء آلهتهم لتحاشي غضبها وإنزال الشرور والأمراض بهم. ومع ذلك بقي الإنسان هذا يعيش في خوف دائم من هاجس إِلهي جائر وآلهة غير مبالين careless. وبملاحظته انتصار الشر على الخير يومياً، استمرت حياته متشائمة.(37)
لكل إنسان، حسب عقيدة القوم نصيبه المقدَّر له من قبل الآلهة منذ ولادته ولغاية مماته. وهذا النصيب يتميز بحسن الطالع أو سوء الطالع. ويحدد يومياً اتجاه وسلوكية ومزاج الفرد الكلية. ويرتبط بذلك "أن شخصية الإنسان هي هبة مرسومة الحركة والنتائج"، وهي نصيبه: قضاءه وقدره، منسوبة إلى قوة خارقة ما فوق الطبيعة، تُحدد مسبقاً سجايا وملكات وحياة وممات الفرد- الجنس البشري.(38) و (القَدَر) هو إرادة إِلهية طالما أن الآلهة هي التي تحدد مصائر البشر. وفي مثل هذه العقيدة الدينية يعيش الإنسان في تناقض حاد بين الخضوع للقدر بما فيه من طوالع سيئة وبين التعاون معه حتى الموت.. هذه العقيدة القاسية التي تُجسِّد غياب إرادة الإنسان.(39)
أولت عقيدة القوم أهمية قصوى للسلطات التي تمارسها الظواهر المفاجئة على الفرد- المجتمع، وأعطت أهمية فريدة للطالع (الفأل) وتفسير الأحلام التي شكلت جزءاً من العقيدة الدينية للقوم. ويمكن استخلاص الكثير من الطوالع بالعلاقة مع الظواهر الطبيعية والبشرية- الحيوانية بما فيها ولادة الكائنات الحية. فالتشوه في خلقة المولود عند الإنسان أو الحيوان طوالع سيئة (لم يكن وارداً في عقيدة ميزوبوتاميا أن تمنح الإلهة ولادة لأِطفال معوقين أو مشوهين)، إلى جانب ما لا يُحصى من الحركات والظواهر الطبيعية التي تشكل علامات عن المصير الذي ينتظر الإنسان- المجتمع.(40)
آمن سكان وادي الرافدين بوجود نوعين من الأرواح: الخيّرة- الحامية من الملائكة والجن الصالحين. وهي بركة إِلهية تساعد على تحقيق الكسب الوفير وإبعاد الشرور واستمرار الصحة والنجاح. عليه فالشخص الذي له (أرواح حامية)، الملاك الحارس/ الإله الشخصي) يكون سعيداً في حياته.(41). وإلى جانب الأرواح الحامية، اعتقد القوم بوجود الأرواح الشريرة: الشياطين والعفاريت والجن الأشرار.(42) والعفاريت لا تموت (خالدة)، ولكن يمكن عزلها ودفنها وإبعادها عن الأذى. ولحسن الحظ فهي، حسب عقيدة القوم، حسنة النية إلى حدود الغباء لكونها تتمتع بذكاء واطئ، لذلك يمكن، بواسطة السحر، الاحتيال عليها وإقناعها بالخروج من المكان المؤذي (بيت، جسم مريض..) وحبسها في قمقم أو تمثال- يصنعه الساحر لهذا الغرض- ويقوم بدفنها، أو تحويل انتباهها إلى حيوان أو شيء خارج المجال لتنتقل إليه.(43)
ولا تقتصر قوة الشياطين على التدخل في شؤون الإنسان- العائلة باقلاقهم وتعذيبهم ودفعهم إلى الخصومات وإرتكاب الشرور وعصيان الآلهة، بل كذلك تتدخل حتى في شؤون الآلهة. كما هو الحال عند خسوف القمر التي تسببها مجموعة قوية من الشياطين (مجموعة السبعة) باختراقها قبة السماء والإحاطة غاضبة بهلال القمر. وعندئذ يتم نصب نوع من الطبلة (النقارة) في ساحة المعبد وقرعها بقوة. وهذه العادة ظلَّت ممارسة تقليدية للناس حتى بعد أن اكتشف البابليون سبب الخسوف واستطاعوا حساب ذلك "بدقة فائقة".(44) بل واستمرت لغاية فترة مُتـأخّرِة في العديد من المدن والقصبات العراقية، عندما كان النساء والأطفال يهرعون إلى السطوح عند خسوف القمر ومعهم ما متاح من أدوات المطبخ النحاسية (وغيرها) لضربها ببعضها وإحداث أصوات عالية من أجل تخويف العفاريت وطردها وتحرير القمر (الهلال)!
امتدت هذه الخرافات بين القوم إلى درجة أن مهمة تشييد مبنى أصبحت عملية خطيرة تتطلب اتخاذ الإجراءات الاحترازية الملائمة، وإلا قد تُطلق مجموعة من القوى الشريرة. وبغية إحباط قدرات هذه القوى، كان سكان وادي الرافدين يدفنون تماثيل صغيرة أو دمى في زوايا الأبنية أو تحت عتبات الأبواب. وفي فترة لاحقة اقتصرت على دفن نقود قليلة في الأرض مصحوبة بقطعة من جلد تحمل أسماء معينة (رقى/ تعاويذ).(45) كما أنها تواصلت، على الأقل، عند العراقيين، بتقديم الأضاحي الحيوانية عند بدء الأساس و/ أو الانتهاء من البناء. "لقد كان الآلهة العنيفون المسارعون إلى الغضب لا يكفون عن المطالب التي يبتزونها من البشرية، والتي كانت تلف كل عمل من أعمال الحياة الدينية في شبكة من التزامات خالية من الرحمة، من أمثال تصوير العالم وهو مأهول بالعفاريت والأتنة التي تُطارد فرائسها، والطبيعة المعادية... وحياة في الآخرة أكثر شقاء من الحياة الأرضية... ذلك الفزع هو الانطباع عن الشقاء المستور الذي كان يخلفه الدين الذي لا يرحم والذي كان سكان بابل من أسراه".(46)
لم تقتصر فكرة الخطيئة والاعتراف والتوبة على كونها صعبة وشاقة، حسب، بل كانت قاسية أيضاً لدرجة يصبح من المستحيل الإيفاء بالتزاماتها في حدود تُحقق رضاء الشخص بالعلاقة مع آلهته ومجتمعه وذاته. فالمذنب التائب لم يكن عليه فقط الاعتراف بكل الخطايا التي يعلم أنه ارتكبها، بل عليه كذلك أن يتلو خطايا إضافية ربما لم يكن قد ارتكبها أو ارتكبها دون قصد أو معرفة. ويرتبط بذلك أن الإنسان كان مهيئاً للخطيئة وارتكاب الذنوب عن وعي أو دون وعي.(47) وهكذا اعتقد القوم بحتمية الخطيئة وانتشرت "الحكمة" القائلة: ما ولِدَ طفل بلا خطيئة... وما وجد طفل بلا خطيئة منذ القدم.(48) وأن أكثر الخطايا التي يرتكبها الإنسان بقصد أو بدون قصد تقف وراءها القوى الشريرة (الشياطين) التي توسوس للإنسان ارتكابها.(49) وكان الكاهن يسأل التائب، بالإضافة إلى الذنوب التي ارتكبها بفعل مقصود، كذلك الخطايا التي يُحتمل أن التائب لم يرتكبها أو ارتكبها دون معرفة أو قصد، لكنها تثير حنق الآلهة. مثل مرافقة أحد المسحورين، أوالنوم في سريره، أو الجلوس على مقعده، أو الأكل من صحنه، أو الشرب من قدحه..(50) ومن الواضح إذا كان كل عمل من أعمال الإنسان هذا يعتبر خطيئة فمن النادر أن يكون باستطاعة أي شخص تجنب الانتقام الإِلهي.(51) كما أن ارتكاب ذنب- خطيئة ينجم عنه أضراراً جسيمة سواء على المدينة التي يقترف أهلها الذنوب أو على الشخص المذنب. فالإِله الشخصي يتخلى عنه ويصبح عرضة لهجمات الشساطين/ العفاريت. وكذلك حال المدينة المذنبة إذ يهجرها إِلهها الحامي فتصبح مفتوحة وعرضة لهجمات الأعداء والخراب والأوبئة.(52)
وهكذا كان على الإنسان دوماً، سواء ارتكب خطيئة بقصد أو دون قصد أو لم يرتكبها أصلاً، أن يتوجه أثناء أداء التزاماته الدينية اليومية (الصلاةً) نحو الآلهة طالباً المغفرة من ذنوبه. ففي أحد التعاويذ السومرية يقول التائب: "أيها الإِله، إن أخطائي وإساءاتي كثيرة، إن البشر خرس لا يعرفون شيئاً، والإنسان مهما بلغ مركزه، ماذا يعرف؟، سواء أتى اثماً أم خيراً، فهو لا يعرف شيئاً".(53)
التصقت اللعنة بالخطيئة، وهي من القوة بحيث أن الإِله مجبر على تحقيقها حتى لو كانت ظالمة.(54) ورغم هذا المظهر السلبي والعقيم للخطيئة، انصاع إنسان وادي الرافدين إلى احترام التعاليم ورعاية الطقوس حتى يعيش بسلام مع آلهته.(55) بينما كانت قائمة النجاسات طويلة وغريبة في حالات عديدة، والإنسان المصاب بها يعتبر نجساً ويحرم على الغير الاقتراب منه أو لمسه أو أدواته، وفي غير ذلك عليه تلبية طقوس الاغتسال والطهارة. وحسب عقيدة القوم، فإِن كل مرض عقلي أو بدني يجعل المصاب نجساً طالما يعني اختراق الأرواح الشريرة لجسم المريض! وهناك أيضاَ محرَّمات كثيرة.(56)
وفي مثل هذه العقيدة التي جعلت من الشخص في مرتبة العبد، خضع إنسان وادي الرافدين في عقله وجسده وحياته إلى ثلاثة أشكال من القوى المسيطرة عليه سيطرة لا فكاك منها: الإِله، الملك، الشياطين. كما وخضعت عقلية القوم للغيبيات في ظلِّ حياة يومية ملؤها القلق والخوف والتشاؤم والمسكنة والعبودية تحت مظلَّة دين قاس وقوى شديدة البأس تراقبه كظله لإنزال العقاب به في كل يوم ولحظة ارتباطا بأية زلَّة في أفكاره أو ممارساته.

2- الحياة الاجتماعية
شكَّلت حضارة سومر أولى الحضارات البشرية الناضجة التي أهدت للبشرية نظاماً اجتماعياً بجوانبه المتعددة المتكاملة. كتب طه باقر "ولعلنا لا نعدو الحقيقة إذا أكدنا أن حضارة وادي الرافدين تفردت بأول ظهور لنظام دولة المدينة على أنه أول شكل من أشكال الحكم في التاريخ البشري". وذكر جورج بوييه شمّار إنه "عميق الاقتناع بِأن سومر هي مهد الحضارة… وأن الرقي الذي وصلت إليه بلاد ما بين النهرين لم تصل اليه أية أمة أخرى من الأمم القديمة".(57). بينما جعل كريمر عنوان أحد أهم كتبه (التاريخ يبدأ من سومر). كما أكد عالم الآثار الانكليزي ليونارد وولي بِأن الحضارة السومرية كانت أول حضارة بالفعل.(58)
تمتد جذور أصول نظام دولة المدينة، على الأرجح, إلى زمن نشوء أولى مراكز الاستيطان البشري في السهل الرسوبي (6000- 5000 ق.م)، وكانت هذه المستوطنات تقوم على الزراعة المروية بما تتطلبها من جهود جماعية ضخمة ومنظمة للسيطرة على مصادر المياه (تجفيف المستنقعات، شق الترع، بناء السدود والخزانات، درء أخطار الفيضانات..) وتغطية الاستهلاك المحلي من الإنتاج وتبادل الفائض مع الخارج. وهذه الأمور ما كانت لتتحقق دون وجود سلطة قوية تضمن الأمن والنظام. وهناك اتفاق على أن النظام السياسي للمدينة السومرية في عصورها المبكرة اقترن بشيء من الديمقراطية البدائية، إذ تواجد في المدينة مجلسان أحدهما للمسنين والآخر للشباب القادرين على حمل السلاح وبيدهما سلطة إدارة شؤون المدينة.(59) وهذا ما يدعمه قصة كلكامش (أسطورة ادبا وكلكاكش).
وفي ظروف الأزمات التي كانت تواجه المدينة (المخاطر الخارجية، الفيضانات، الأوبئة..) كان المجلسان ينتخبان حاكما: انسي ENSI لممارسة السلطة الزمنية- الإدارية والعسكرية- إلى جانب الكاهن الأعلى: اين EN. ففي نص سومري "اجتمع أهل كيش واختاروا لمَلكية كيش Ipuhurkish من أهالي كيش". وكان صعود اوروكاجينا لعرش لكش نتيجة "خلع دائرة الشعب للحاكم السابق وانتخابهم له".(60) ومع ولادة وظيفة الـ (انسي)- الحاكم الزمني- بدأ الانفصال التدريجي بين السلطتين الزمنية والدينية لصالح الملك.
يؤكد ذلك جاكسون في نظريته القائلة أن المَلكية ذات التفويض الإِلهي جاءت لاحقة على نظام سومر الذي قام أصلاً على نوع من "الديمقراطية البدائية" Primitive democracy، وأن المَلكية لم تظهر لغاية وقت متأخر من العصور الشبيهة بالتاريخية عندما بادر الحاكم، المنتخب لفترات قصيرة عند الأزمات، بالسيطرة على دولة المدينة وتحويل المجالس المحلية إلى هيئات استشارية. ويدعم نظريته هذه استناداً إلى (ملحمة الخليقة) التي تصف كيفية انتخاب (انليل) أو (مردوخ) لمنزلة بطل الآلهة لمحاربة (تيامة) والانتصار عليها.(61) وهكذا فإن المعلومات الوثائقية التاريخية والدينية والأسطورية "لا تترك مجالاً للشك" أن دولة المدينة السومرية بزغت إلى التاريخ مع مجلسين: الشيوخ والشباب (المحاربين). وكانت الجمعية الوطنية بمجلسيها تختار أشخاصا سواء للقيام بإدارة أعمال المدينة و/ أو اختيار قائد عسكري مؤقت أيام الأزمات. ويظهر أن زيادة الثروة والتعقيدات الاجتماعية والطموحات الشخصية، عملت على استمرار هؤلاء وتوريث وظائفهم لغاية ظهور الملك الأوتوقراطي. وبذلك فقدت الديمقراطية التقليدية Traditional Democracy معظم قوتها.(62)
تلقي الإصلاحات التي تحققت في عهد أول حاكم مصلح في تاريخ البشرية، الضوء على بعض القضايا الحياتية في عصر فجر السلالات (دول المدن السومرية).(63) هذه الإصلاحات التي كانت بمبادرة اوروكاجينا- آخر حكام دولة مدينة لكش. فأصبحت مهمة إقامة العدل (الميشاروم) من الواجبات الرئيسة لحكام وادي الرافدين الذين جاؤوا بعده.(64) كما غطت إصلاحات اوروكاجينا، بالإضافة إلى الاصلاحات الضريبية، كذلك جانباً من الأحوال الاجتماعية- الشخصية، تمثل في تحريم التقليد الذي كان قائما بزواج المرأة بِأكثر من رجل في وقت واحد. وفرض عقوبة "الرجم" على المرأة المخالفة. وهذه الحصيلة تشير إلى أمرين: أولهما قد يُفسَّر بتدهور موقع المرأة بين بداية حضارة وادي الرافدين (مرحلة الثورة الزراعية في شمال البلاد 7000 ق.م- الزراعة المطرية) وبين مرحلة الانتقال إلى الجنوب وظهور الكتابة وبدء التاريخ (الزراعة المروية). خلَّفت المرحلة الأولى تماثيل صغيرة للمرأة الحامل. فسَّرها علماء الآثار أنها جسَّدت في عقيدة القوم "الآلهة الأم"- رمزاًً للخصوبة ولقوى الطبيعة المولدة الغامضة.(65).. أما الأمر الثاني فإن عادة "رجم المرأة" الواردة في بعض المجتمعات الإسلامية تجد جذورها في هذه الإصلاحات (2400 ق.م)!
من المعلومات المثيرة التي لفتتْ انتباه علماء الآثار في قوانين حضارة وادي الرافدين هي أن القوانين السومرية، غلبت عليها- عدا الجرائم الكبرى- تطبيق مبدأ الإصلاح (التعويض) في معاقبة المذنبين بدلاً من مبدأ القصاص (الانتقام) المستند إلى قاعدة "العين بالعين والسن بالسن..." في قانون الجزري- الأموري "حمورابي" المتضمن بتر أجزاء من جسم المعتدي. هذا رغم أن قانونه (شريعة حمورابي)، بالإضافة إلى احتوائه على عدد من المبادئ القانونية الحديثة، كذلك المعروف لدى علماء الآثار ورود الكثير من مواده في القانون العبري (التوراة) حتى دفع أحد الباحثين إلى الاستنتاج بقوله: "أن التشريع العبري أقتُبس من التشريع البابلي".(66)
قام مجتمع وادي الرافدين أساساً على طبقتين رئيستين لا مجال للمقارنة بينهما، هما الأحرار والعبيد. ضمَّت الأولى فئات وشرائح متعددة منها الحاكمة والمتنفذة ومنها المحكومة- عامة الناس. وجاءت الأسرة المالكة على رأس الطبقة الحاكمة لكونها اكتسبت- حسب ملحمة الخليقة- مركزاً اجتماعياً رفيعاً باعتبار الملك نائب الإله في أرضه، يتمتع بالتفويض الإلهي المقدس، وبذلك أصبح مصدر السلطات والامتيازات. تلي الأسرة المالكة حاشية الملك من النبلاء وكبار رجال الدولة من عسكريين ومدنيين وكبار الكهنة، أي الفئة الارستقراطية، إذ استحوذت هذه الفئة على جميع الحقوق والامتيازات وفق القوانين والأعراف والتقاليد السائدة.(67)
وكان الشخص المنتمي للفئة الغنية يسمى (الرجل) أو (المواطن الكامل).(68) وفي الوسط تواجدت الفئة الوسطى، شاملة أصحاب المهن (الحرف) ممن يعملون لحسابهم، كأصحاب المصارف والتجار والأطباء والكتبة والصناع. ومن الفئات الأخرى تلك المعروفة باسم (مشكينو) أو(مسكينو)- مواطن الدرجة الثانية- وتقابلها بالعربية (مسكين). وهم الفقراء ويقعون في أسفل السلم الاجتماعي لعامة الناس من الأحرار ممن كانت تهددهم حياة العبودية بسبب صعوباتهم المعيشية. ويظهر أن هذه الفئة اختفت من الحياة العامة منذ العهد البابلي القديم.(69)
أما العبد (الرقيق) فلم يُعترف بشخصيته الإنسانية، بل أعتُبر مجرد مال (وسيلة إنتاج) ومثّل قيمة مالية لمالكه.(70) شملت طبقة الأرقاء العبيد والإماء. وكان المجتمع يحصل على أفراد هذه الطبقة من مصدرين: خارجي من خلال الحروب والتجارة.. داخلي يضم الأحرار الفقراء ممن يؤولون إلى العبودية بسبب فقرهم واضطرار بيع أولادهم و/ أو نسائهم، بل وحتى أنفسهم بسبب ديونهم. إضافة إلى إمكانية استعباد الحر عند ارتكابه جرائم معينة حدد القانون عقوبتها بالعبودية مثل عقوق الوالدين، علاوة على الأطفال اللقطاء الذين يقوم المعبد بتربيتهم ومن قُدموا هبة للمعبد من أوليائهم بدواعي النذور أو الفقر.(71)
ارتبط نظام الأسرة بالنظام السياسي- الاجتماعي. وفي مجتمع وادي الرافدين كان النظام السائد هو نظام الأسرة الأبوية، كما هو حال نظامه السياسي. فالأب رأس الأسرة وبيده جميع السلطات والصلاحيات لإدارة شؤون عائلته، شأنه في ذلك شأن الملك في إدارة مملكته. وكان احترام الأب واجباً مقدساً على جميع أفراد عائلته.
اشتهرت العائلة في هذه الحضارة برغبتها الأكثار من الأطفال "الأكثار من الزوجات أمر يخص المرء نفسه، ولكن الأكثار من الأولاد أمر يخص الآلهة".(72). وهو أمر انتقل إلى الديانات التالية بدءاً بالتوراة. وكانت أولوية التفضيل في الإنجاب للذكور، والرغبة عند الأب جامحة أن يكون الطفل الأول ذكراً- الابن الوريث الشرعي وحامل اسم وشجرة الأب/ العائلة. وكان هذا الأمل (العظيم) يرنو إليه بشوق لا يوصف كل من الأب الملك والأب الفلاح على السواء. هذا دون إغفال الدافع الاقتصادي بوراثة الابن لحرفة الأب- العائلة، وكذك ضرورات القوة والأمن. وكان حمل الأب لابنه بعد الولادة مباشرة اعتراف بشرعيته.(73)
خضعت الأم (الزوجة) لنفس القواعد بالعلاقة مع زوجها- صاحب السلطة المطلقة في أسرته. بينما جاءت في المرتبة الثانية بالعلاقة مع أفراد الأسرة. وانحصرت مسئوليتها في تدبير شؤون منزلها. وللزوج حق التسري (المحظية) التي يتم اختيارها أصلاً من بين الإماء وينبغي لها أن تنهض بواجبات وظيفتها باحترام خالص للزوجة. وكذلك الأمر بالنسبة للزوجة الثانية إن تحققت. فالزوجة الأولى كانت تتمتع بمركز اجتماعي أعلى بين زوجات ومحظيات رب الأسرة، وتسمى (زوجة رجل).(74) ورغم أن القاعدة النظرية العامة في حضارة وادي الرافدين كانت أُحادية الزواج، إلا أنه من الناحية العملية وجدت مخارج عديدة لتعدد الزوجات منها عدم الإنجاب أو مرض الزوجة (قانون حمورابي/ م146).(75)
لم يُعترف بشرعية الزواج إلا إذا تحقق بموجب عقد وفق قانون حمورابي (م129)، بل ونصَّ أيضاً "وإذا تزوج الرجل بامرأة دون أن يفرض عليها شروطه فإنها لا تصبح زوجته".(م22) وكانت في مقدمة مسؤوليات المرأة التي تُحاسب عليها بقسوة هي الحفاظ على عفتها (شرفها) وإلا تعرضت لعقوبة الموت عند القاء القبض عليها متلبسة بالاضطجاع مع رجل آخر: ربط الزاني والزانية معاً وإلقائهما في النهر أو تحويلها إلى أمة إذا عفا عنها زوجها- قانون حمورابي (م13،م133). وكذلك تواجه عقوبة الموت عند سرقتها من بيت زوجها المريض أو الميت حسب القانون الآشوري (م153،23). وحق الزوج تطليق زوجته أو تحويلها إلى أمة عند إسرافها وإكثارها الخروج من منزلها والإساءة إلى سمعتها- قانون حمورابي (م141). أما عند إتهام الزوجة بمعاشرة رجل آخر دون إثبات التهمة عليها، عندئذ وجب القاء نفسها في النهر المقدس (الموت) من أجل إثبات براءتها (م132، م133)- نفس القانون.(76)
مقابل المحاسبة الشديدة للزوجة، لم تكن هذه الأعراف والقوانين تحد من ممارسات الزوج كثيراً، بل كان حراً في كثير من تصرفاته، شأنه في ذلك شأن الزوج في الأسر العراقية المعاصرة، بعامة.(77) كما أن معاملة الزوج للمرأة في حضارة وادي الرافدين لم تكن تختلف في أسلوبه العام عما هو حاصل حالياً في العراق الحديث. فالأسرة الأبوية منحت الزوج/ الأب السلطة المطلقة على أفراد أسرته. ويظهر أن ضرب الزوج للزوجة كانت عادة شائعة في حضارة وادي الرافدين.(78)
من العادات والتقاليد التي شاعت منذ العصور الآشورية الوسيطة, على الأقل، عادة تحجب النساء الأحرار سواء كن متزوجات أو أرامل، بل وحتى السرية عند خروجها للشارع بصحبة سيدتها. إذ أشارت القوانين الآشورية إلى وجوب استخدام الحجاب واعتباره علامة مميزة للمرأة الحرة. بينما حرّمت هذه القوانين على الإماء والجواري والعاهرات من التحجب، وفرضت على كل من يصادف في الشارع رقيقة أو عاهرة ترتدي الحجاب أن يفضحها، ولتواجه عقوبات قاسية.(79)
تماثلت عادات وتقاليد وإجراءات الزواج في حضارة ميزوبوتاميا مع تلك الجارية في العراق المعاصر، بعامة. فالخطبة قرار يخص والدي الشاب، والموافقة قرار يخص والد أو ولي أمر الفتاة. وتُقدم للفتاة (ولي أمرها) هدايا ومصاريف حفلة الخطبة/ الزواج.(80) ولم يكن لزوج المستقبل أثناء مرحلة الخطبة حق معاشرة الفتاة قبل الزواج وانتقالها إلى بيت الزوج. وكانت اليد العليا في الطلاق للرجل بعد أن يدفع لها مبلغاً من المال (البائنة) في الظروف الاعتيادية. وهناك استثناء واحد في قانون حمورابي يُشَم منه رائحة حق المرأة طلب الطلاق في حالة تهتك زوجها وعدم أداء واجباته ومسؤولياته تجاه عائلته. وفي غير ذلك كان الطلاق يرد دائما على لسان الرجل.
كانت القاعدة في الإرث حصر التركة في الأولاد الذكور الأحرار فقط. ويحق للأب ترك وصية تتضمن حصة من تركته لإحدى زوجاته أو ابنه المفضل، فيطرح ذلك الجزء من التركة ويقسم الباقي بالتساوي بين الأبناء الورثة. وبالنسبة للفتاة فالأب يمنحها هدية عند زواجها تشكل حصتها من الإرث. ولم تترك قوانين حضارة وادي الرافدين أية حصة للزوجة عدا هدية زواجها شريطة أن تكون صادرة عن الزوج وموثقة رسمياً. وفي حالة وفاة الزوج دون ترك وصية، للأرملة أن تستمر في العيش في بيته وأن تُراعى من قبل أولاده. ولكن بموجب القانون الآشوري يُطرد الأرملة التي لا أطفال لها. فالقانون ينص باقتضاب قائلاً "لها أن تذهب حيث تشاء".(81)
3- الأفكار الفلسفية
تضمنت ملحمة الخليقة البابلية مضامين فلسفية واسعة، إذ وضعت الخلق، ليس باعتباره، بداية، بل كنهاية، وليس عملاً غير مُبَرَر قرره إِله واحد، بل نتيجة معركة كونية بين وجهي الطبيعة: الخير والشر- النظام والفوضى. وكشفت، بين أمور أخرى، وجوب خدمة البشر للإِله. وشرحت سبب تواجد عنصر الشر الطبيعي لدى البشر المخلوقين من دم إِله شرير. "وإذا كانت قصيدة (حينما في العُلى...)- ملحمة الخليقة- قد بقيت تُتلى من قبل كهنة بابل كل عام، في اليوم الرابع من احتفالات السنة الجديدة، طوال ألفي سنة تقريباً، فإِن ذلك يعود إلى شعور البابليين بِأن القتال الكوني لم ينته تماماً أبداً، وأن قوى الشر والفوضى كانت مستعدة على الدوام تهديد ومنازلة النظام المكين للآلهة". وكان هذا الأمر (نهاية العالم) أحد مخاوف كثيرة جعلت إنسان وادي الرافدين يعيش في قلق مستمر من توقعات حصول الكارثة الكبرى.(82)
غلبت على الحصيلة الدينية للقوم وأساطيرهم الغيبيات والخرافات، وغلَّفت أفكارهم الخيالات الجامحة بالهرولة وراء الأوهام من قوى خارقة وشياطين وعفاريت غير منظورة، واتخذوا من الطقوس الدينية مرجعاً ومنهجاً للتعامل مع الظواهر التي أحاطت بهم وتفسيرها والتعامل معها بما يحقق لهم الحياة الآمنة والسلام الذاتي المنشود. وهذا هو السبب الذي يجعل التقسيم الحديث للفكر والمعرفة إلى فنون وعلوم تطبيقية يبدو غريباً عن تصورهم، حيث أعتبروا كل علوم المعرفة متماثلة وذات أهمية متساوية، ولم يستطيعوا ملاحظة عملية نشوء وتطور المعرفة كما هو حاصل في العصر الحديث. وحسب Julia M.Asherلا توجد لفظة سومرية محددة بمعنى ذاكرة أو عقل الإنسان, وأن العلاقة بين الفكر والعقل لم تكن قائمة. (83)
ومع أنهم عالجوا أموراً لا تقل شأناً وأهمية عما كان يشغل الفلسفة اليونانية والفكر الحديث، وحققوا عدداً مهماً من الإيجابيات، بيد أن تفكيرهم كان "خيالياً وشعرياً وأسطوريا" في تفسير القضايا الأساسية التي عالجتها الفلسفة اليونانية بِأسلوب موضوعي يقوم على منهج الاستقراء والاستنتاج inductive & deductive الذي غاب عن تفكير حضارة وادي الرافدين. عليه، لم يحرزوا سوى تقدم بطيء في حركة تطور جهودهم. أذ أسسوا علومهم وفنونهم على مبادئ ما ورائية (ميتافيزيقية) فأوصدوا الباب أمام الجهد المثمر لتفسيرات عقلية لمنشأ الظاهرة. لقد أكتشفوا أجوبة للكثير من الأسئلة المتعلقة بـ (متى) و (ماذا) يحصل هذا أو ذاك، بتركيزهم على مسبب الحدث (الإِله) لا أسباب الحدث وكيفية حصوله. وهذا ما يعرف بـ "الفكر الميثوبي" METHOPOETIC، أي الفكر الأسطوري الذي ينحى في تفسير الأحداث منحى أسطورياً. وهذه النظرة الطوباوية منعتهم من أن يسألوا أنفسهم (كيف) و(لماذا) حدث هذا أو ذاك. ولم يجربوا أبداً تأسيس نظريات في هذه المجالات، بل كرسوا جُلَّ إهتمامهم على جمع المعلومات وترتيبها بطريقة بدائية لم تخلُ من السماجة والأخطاء. ويرتبط بذلك أن (قانون العلة) Law of Causality الذي يشكل أساس منهج العلوم الحديثة لم تكن له آثاراً واضحة في الفكر القديم. يُضاف إلى ذلك فبدلاً من منهج الاستقراء والاستنباط وقانون السببية أساس منهج الفكر الحديث، اعتمد الفكر القديم على المثالية المطلقة ومنهج التمثيل والقياس. analogy أي منطق تسبيب حدث ما بحدث سابق عليه، مثلاً فيضان النهر بسبب غضب الآلهة، موت صاحب الدار بسبب نعيق الغراب على سطح داره.(84)
صاحبت ديانة وادي الرافدين التناقضات والصراعات التي شكَّلت أكثر مظاهرها البارزة. فالعقيدة الدينية تميزت بتعدد الآلهة، ولكل مدينة إِلهها الحامي. ورغم تماثل النمط العام لهذه العقيدة وتقبل الفكر الديني نظاماً معيناً من الأبوة والقُربى خاصة بالآلهة، كما هو الحال عند البشر، إلا أن كل سلطة كهنوتية داخل كل من تلك المدن راحت تضع مجموعة معتقداتها المنفردة الخاصة بها مُرَكِّزة على تعظيم الإِله الحامي للمدينة. وهكذا أخذت المدن الأقوى تبتلع جاراتها من المدن الأضعف الواحدة تلو الأخرى من أجل تعظيم الإِله الحامي للمدينة ومَلكها، واستمرت الصراعات على امتداد هذه الحضارة تقوم على وجهة النظر الدينية هذه، دون إغفال الدوافع والأسباب الأخرى، خاصة الاقتصادية.(85) وفي مثل هذه الحياة التي كانت تواجه أصلاً صراعاً حامياً مع الطبيعة (الآلهة) القاسية، أصبحت بيئة الإنسان- المجتمع مليئة بالصراعات والخوف والقلق. وفي ظروف نظرة الإنسان السومري- الآشوري- البابلي إلى حياته باعتبارها عبثاً في الأرض، وما ينتظره وراء القبر في العالم الأسفل من الظلمة والتراب أسوأ حالاً، فإِن شعور إنسان حضارة وادي الرافدين وفقدان أمله أن تكون له قيمة في هذه الدنيا أو العالم الآخر خلقت فيه باستمرار عوامل اليأس والتشاؤم، بحيث أصبح هذا الموقف جزءاً من فكر بلاد الرافدين.(86)
كان إنسان وادي الرافدين هدفاً مستمراً لهجمات الشياطين والعفاريت في كل لحظة متوقعة، ووجب عليه تتبع ما يكشفه طالعه والعمل على تحويل تلك السيئة منها. وهذا قد يتطلب منه تعديل حياته سواء بالعلاقة مع عمله ورزقه أو عائلته وعلاقاته الاجتماعية وغيرها. من هنا أصبح إنسان وادي الرافدين ضحية الأوهام والخرافات، تائها منقاداً لتصورات الأخطار (الخرافات) الشديدة التي يتخبط فيها، وكان عليه دوماً أن يميز بين الخير والشر تجنباً للمصير المؤلم الذي ينتظره كل يوم وكل لحظة.(87)
وبغرض معرفة طالعه أو معالجة مرضه أصبح لزاماً عليه طلب المساعدة من خلال الطقوس السحرية.(88) وفي سبيل حماية الشخص من خطر الشياطين والأرواح الشريرة أو شفائه من المرض الذي سببته، ابتدع السحرة القدماء التعاويذ ومنها "الحرزة"، بما فيها حرز عُمِلت خصيصاً لحماية النسوة أثناء الحمل والرضاعة.
وإذ يعتبر الفكر الحديث القيم الدينية: الخير والشر، الحق والباطل، العدالة والظلم، الحلال والحرام. مفاهيم مشتملة على نوع من الوجود المطلق وتخص الفرد نفسه ومعتقداته، فإِن الفكر العراقي القديم اعتبرها من نتائج إرادة الآلهة، وجزءاً لا يتجزأ من أمور الحياة والتي على الإنسان- المجتمع البحث عنها والتعامل معها، رغم أن الحياة الدنيوية النسبية بطبيعتها تبقى عاجزة عن التعامل مع هذه القيم المثالية المطلقة.(89)
اقترن المنهج الفكري لحضارة وادي الرافدين بالتركيز على مبدأ التمثيل والقياس. فأصبحت جهودهم في مختلف حقول المعرفة بما في ذلك الفلك والتنجيم والتنبؤ والسحر والعرافة ومعرفة الطوالع وطرق الكهانة المختلفة تنطلق من هذا المبدأ، كما في محاولاتهم تفسير الظواهر الطبيعية على أساس علامات إِلهية لما سيقع لاحقاً. وكذلك جاءت طريقتهم في التصنيف بالعلاقة مع حقول المعرفة المختلفة على أساس التشابه الظاهري، وهو أسلوب مشتق أيضاً من التمثيل والقياس. "وهذا يعني في الحقيقة وجود خطر أخذ القشور دون اللباب".(90) وعلينا كذلك أن نأخذ في اعتبارنا ونحن نعيش عصر الحضارة الحديثة أن منهج القياس لا زال يطغى على الكثير من تفكيرنا وسلوكنا وأحكامنا!
وأخيراً قبع تفكير ومنهج حضارة وادي الرافدين في اعتقاد القوم إمكانية معرفة إرادة الآلهة من خلال ملاحظة علامات سماوية، بشرية، حيوانية، كونية، غريبة على فهمهم، بدراستها وتفسيرها ومعرفة كنهها والتصرف إزاءها بما يحقق رضاء الآلهة. من هنا تركزت جهودهم وانحصرت في إطار ديني غيبي مانع بصرامة تسخير فكر الإنسان إلى ما هو أكثر من العلم التقليدي الموجه لمعرفة إرادة الآلهة (العلامات الكونية). وتحريم إعمال الفكر في كل ما هو جديد خارج التفسير الديني, وبقيت هذه الجهود محدودة في حصيلتها أمام هذا الانغلاق الفكري لغاية توقفها وموتها مع موت هذه الحضارة.
ومع أن الحضارة السومرية- أساس حضارة وادي الرافدين- تشكل بداية التاريخ، ورغم الاعتراف أنها تُعتبر المعجزة الحضارية الأولى بالعلاقة مع المعجزة الحضارية الثانية (الأغريقية) والمعجزة الحضارية الثالثة (الغربية)،(91) فإِن الحضارة السومرية- الآشورية- البابلية، تبقى حضارية بدائية ولِدت وماتت في أحضان الكهنة- المعبد. وأخضعت العقل البشري وكافة فروع الحياة للفلسفة الماورائية التي تتسم بمحدودية التفكير وبطئ حركة التطور، ذلك لأِن الدين هنا يصبح وعاء الحضارة وبيئة مقيدة لحركة ونمو عناصرها المادية. بكلمات أخرى كان الدين في هذه الحضارة هو المتغير المستقل بينما شكَّلت عناصر الحياة المادية والحضارة الدنيوية عوامل متغيرة تابعة لهذه الحاضنة الجامدة (الدين). هذا على خلاف الحضارة الحديثة التي وفرت بيئة اجتماعية هيأت لفكر الإنسان الانطلاق إلى آفاق رحبة بعيداً عن القيود والحدود والمحرمات من أجل اكتشاف المجهول وفق مناهج البحث الحديثة ومنطق العقل والتفكير غير المحدود والاستناد إلى مبدأ الشك في كشف كنه المجهول ومحاولة الإجابة على (لماذا) حدث هذا وذاك وسبل مواجهته (كيف). فعندما يصبح الدين وعاء الحضارة عندئذ يتقيد الفكر وعناصر الحضارة بقيود الطقوس الميتافيزيقية بما فيها من مطلقات وغيبيات وخرافات ومسلمات وثوابت وحدود وقيود ومحرمات لغاية تكلسها وموتها.
وفي ظروف هذه الحضارة الدينية لوادي الرافدين، ورغم أنها نقلت البشرية من عصر ما قبل التاريخ إلى عصر التاريخ (اختراع الكتابة)، وأقامت أول مجتمع سياسي منظم في تاريخ البشرية بسلطته السياسية ونظامه الاقتصادي- الاجتماعي وقوانينه المستمدة من نظام الحكم السماوي ونواميسه، فإِن ولادة هذه الحضارة من رحم المعتقدات الدينية قادتها إلى بناء بيئة اجتماعية ترتكز على أربعة أركان أساسية لا تتفق ومتطلبات السير باتجاه الحضارة المعاصرة: أولها المعتقدات المطلقة في التعامل مع عناصر الحياة الدنيوية النسبية، وثانيها العنف باعتباره وسيلة سماوية لحل المعضلات الدنيوية ولتعظيم الإِله الحامي والمَلك، وثالثها الغيبيات/ السرية التي تخص الآلهة- الملائكة والشياطين- الجن والعفاريت غير المنظورة، ورابعها وحدانية القيادة السياسية التي تجسدت في مبدأ التفويض الإِلهي المقدس للمَلك والحكم المطلق والعلاقات الأبوية. وهي ذات الأركان الأربعة للبيئة الاجتماعية للعراق الحديث، مع الأخذ في الاعتبار الاختلافات النسبية في الدرجة والتفاصيل!(92)

هوامش الفصل الاول
(1) طه باقر، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة- الوجيز في تاريخ حضارة وادي الرافدين، الجزء الأول، دار الشؤون الثقافية، وزارة الثقافة والإعلام، بغداد 1986، ص559.., The First Impire,by Nicholas Fostage, The Making of the Past, Brepols Ltd., Turnhout, Augaeur Zeitung Kemten, Belgium1977,p.12.., Marc Van De Mieroop, ,The Ancient Mesopotamia City,Claredon Press,Oxford,UK1997,p.43.
(2) ليو اوينهايم، بلاد ما بين النهرين، ترجمة سعدي فيض عبدالرزاق، وزارة الثقافة والإعلام، سلسلة الكتب المترجمة (104)، بغداد 1981، ص252.
(3) جورج رو، العراق القديم، ترجمة وتعليق حسين علوان حسين، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 1986، ص128.
(4) نفسه، ص128.
(5) عامر سليمان، "جوانب من حضارة العراق القديم"، العراق في التاريخ، تأليف نخبة من الباحثين العراقيين، دار الحرية للطباعة، بغداد 1983، ص211..، جورج رو، ص130..، طه باقر..، ص332..,
Jacqueetta, Hawkes, First Great Civilization, London1973,p.153.
(6) ليو اوينهايم، ص221- 222.
(7) جورج رو، ص128.
(8) خزعل الماجدي، متون سومر: التاريخ، الميثولوجيا، اللاهوت، الطقوس، الأهلية للنشر والتوزيع، عمّان 1988، ص257- 267.
(9) نفسه، ص257.
(10) طه باقر، مقدمة في أدب العراق القديم، جامعة بغداد، كلية الآداب، دار الحرية للطباعة، بغداد 1976، ص223- 224..، نائل حنون، عقائد ما بعد الموت في حضارة وادي الرافدين القديمة, رسالة ماجستير، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 1986، ص107- 108.
(11) جورج بوييه شمار، المسؤولية الجزائية في الآداب البابلية والآشورية، ترجمة سليم الصويص، وزارة الثقافة والإعلام، دار الرشيد للنشر، بغداد 1981، ص231.., Jacquetta Hawkes, p.12.
(12) نائل حنون، ص110-111،130- 134.. وكذلك ص112, الهامش18.
(13) هاري ساكز، الحياة اليومية في العراق القديم (بلاد بابل وآشور)، ترجمة كاظم سعدالدين، دار الشون الثقافية العامة، بغداد 2000، ص211.
(14) فاضل عبد الواحد، (و) عامر سليمان، عادات وتقاليد الشعوب القديمة، دار الكتاب للطباعة والنشر، بغداد 1979، ص117..، ليو اوينهايم، ص219..، جورج كونتينو، الحياة اليومية في بلاد بابل وآشور، ص250-251(و) ص472- 473.
(15) جورج كونتينو، الحياة اليومية في بلاد بابل وآشور، ترجمة وتعليق سليم طه التكريتي (و) برهان عبد التكريتي، وزارة الثقافة والإعلام، سلسلة الكتب المترجمة (76)، بغداد 1979، ص486.
(16) نيكولاس بوستغيت، حضارة العراق وآثاره، تاريخ مصور، ترجمة سمير عبدالرحيم الجلبي، دار المأمون للترجمة والنشر، بغداد 1991، ص149.
(17) عامر سليمان، العراق في التاريخ، ص212..، ليو اوينهايم، ص133،230.
(18) ليو اوينهايم، ص236- 237.
(19) طه باقر، مقدمة في تاريخ ..، ص331..، جورج كونتينو، ص463..، فوزي رشيد، "المعتقدات الدينية"، حضارة العراق (13 جزء)، تأليف نخبة من الباحثين العراقيين، ج1، دار الحرية، بغداد 1985، ص184- 186..، سامي سعيد الاحمد، "الإدارة ونظام الحكم"، حضارة العراق، ج2، ص8..,
Problems of Ancient History, Vol.1, The Ancient Near East and Greece, By Kagan Donald, London,1970,p.17.., The City in the Ancient World, By Mason Hammond, (assisted by Lester J. Barston), Harvard University, USA,1972, 1972,p.47.
(20) جورج رو، ص102.
(21) عامر سليمان، العراق في التاريخ، ص212.
(22) طه باقر، مقدمة في تاريخ..، ص337- 338.
(23) عامر سليمان، العراق في التاريخ، ص212- 213..، طه باقر، مقدمة في تاريخ..، ص331.
(24) هاري ساكز، ص228- 229..، جورج كونتينو، ص363.
(25) جورج كونتينو، ص465.
(26) ليو اوينهايم، ص249..، جورج كونتينو، ص128(و) 443- 444.
(27) جورج بوييه شمّار، ص32.
(28) جورج رو، ص143- 144.
(29) جورج بوييه شمّار، ص328- 329.
(30) جورج رو، ص1.., JacquettaHawkes,p.214
(31) فاضل عبد الواحد علي، "الأدب"، حضارة العراق، ج1، ص361- 362.
(32) جورج بوييه شمار، ص256، الهامش1.
(33) جورج رو، ص147.
(34) جورج كونتينو، ص450.
(35) جورج رو، ص147- 148..، Jacuetta Hawkes,p.146
(36) جورج كونتينو، ص501.., JacquettaHawkes,p.186-187
* الزواج الإلهي المقدس- زواج تقليدي ديني سومري استمر طيلة فترة حضارة وادي الرافدين. ويقوم على تقليد زواج الإله دموزي/ تموز بالإلهة انانا/ عشتار، حيث نبع من هذا الزواج المقدس عادة الخصب حسب الاسطورة. ويمثل دور (دموزي) الملك أو الحاكم أو الكاهن الأعظم، بينما تقوم الكاهنة العظمى بدور (انانا). وكانت هذه الممارسة التقليدية تتكرر سنوياً مع بداية الربيع كجزء من الاحتفالات الدينية السنوية. ويقومان بشعائر هذا الزواج في مطلع السنة الجديدة (بداية الربيع) لإحلال الخصب والخير.
(37) هاري ساكز، ص230..، فاضل عبد الواحد، (و) عامر سليمان، ص117.., Jacquetta Hawkep,p.23.
(38) ليو اوينهايم، ص256..، خزعل الماجدي، الدين السومري، دار الشرق للنشر والتوزيع، عمّان، 1998، ص32- 33.
(39) جورج بوييه شمار، ص77.
(40) نفسه، ص76- 77.., Julia M Asher-Greve,The Essential body, Mesopotamia Conceptions of the Gerdered, Gender and History: Gender and the Body in the Ancient Mediterranean, Edited by Wyke, Maria, Blackwell Published Ltd., Oxford, Uk,1998,p.32.., Ann Kessler Guinan,Auguries of Hegemony: the sex omens of Mesopotamia, Gender and History,p.39.
(41) ليو اوينهايم، ص251- 252..، جورج كونتينو، ص421.
(42) هاري ساكز، ص213،216.
(43) نفسه، ص218- 219.., Jacquetta Hawkep,p.203.
(44) هاري ساكز، ص215.
(45) اندري بارو، سومر: فنونها وحضارتها، تقديم: اندري مالرو، ترجمة وتعليق عيسى سلمان (و) سليم طه التكريتي، رقم الإيداع في المكتبة الوطنية بغداد 9 سنة 1979، ص299.
(46) جورج كونتينو، ص500.
(47) نفسه، ص447- 448..، خزعل الماجدي، متون سومر، ص30.
(48) نائل حنون، ص147.
(49) جورج بوييه شمار، ص21،53(و) 84.
(50) نفسه، ص118..، جورج كونتينو، ص448.
(51) جورج كونتينو، ص449.
(52) نائل حنون، ص147..، جورج بوييه شمار، ص75..,Marc Van De Mieroop,p.47
(53) نائل حنون، ص147.
(54) نفسه، ص90.
(55) نفسه، ص137.
(56) نفسه، ص124.
(57) طه باقر، مقدمة في تاريخ..، ص325..، جورج بوييه شمار، ص5.
(58) فاليري غولايف، المدن الأولى، ترجمة طارق معصراني، دار التقدم، موسكو 1989، ص20- 21..، Marc Van De Mieroop,p.23-24
(59) عامر سليمان، العراق في التاريخ، ص184- 186..،
Samuel Noah Kramer,” The Sumerian King List”, Problems of Ancient History,1970,p.1-3.
(60) سامي سعيد الاحمد، "الإدارة ونظام الحكم"، حضارة العراق، ج2، ص21.
(61) هاري ساكز، ص27..,Donald Kagan,p.5-15.., Jacqueetta Hawkes,p.152-155
(62) سامي سعيد الأحمد، ص22.
(63) رضا جواد الهاشمي، "القانون والاحوال الشخصية"، حضارة العراق، ج2، ص64.
(64) جورج رو، ص275- 276.
(65) نفسه، ص97-99، ص195- 197..، تقي الدباغ، "الثورة الزراعية والقرى الأولى"، حضارة العراق، ج1، ص120- 141..، عدنان مكي البدراوي, "نشأة القرى الزراعية الأولى"، حضارة العراق، ج3، ص285- 290.
(66) جورج رو، ص278..، خزعل الماجدي،متون سومر، ص19.. وفيما يتعلق بمسألة اقتباس القانون العبري من القانون البابلي، انظر: هاري ساكز، ص158.
(67) عامر سليمان، العراق في التاريخ، ص186- 187.
(68) فاضل عبدالواحد (و) عامر سليمان، ص61..، جورج كونتينو، ص32.
(69) جورج كونتينو، ص32.., فاضل عبدالواحد (و) عامر سليمان، ص61..، جورج رو، ص461..، وقارن: جورج بوييه شمار، ص311.
(70) ليو اوينهايم، ص93- 94.
(71) جورج كونتينو، ص40..، فاضل عبدالواحد (و) عامر سليمان، ص63..،
Charles Alexander Robinson Jr, Ancient History- from Prehistoric Times to the Death of Justinian, Prepared by Alan L. Boegehold, The Macmillan Company, Collier- Macmillan Ltd., London, 1976,p.48
(72) عامر سليمان، العراق في التاريخ، ص188- 189.., رضا جواد الهاشمي،ص87- 88.., Max Weber,
The Agrarian Sociology of Ancient Civilization, Translated by R.I.Frank,NLB,Bristol,UK197, p.94.., Jacuetta Hawkes,p.85.
(73) هاري ساكز، ص13.
(74) عامر سليمان، العراق في التاريخ، ص189- 190...، جورج كونتينو، ص37.
(75) هاري ساكز، ص13.., جورج كونتينو، ص36.
(76) جورج بوييه شمار، ص278.
(77) فاضل عبدالواحد (و) عامر سليمان، ص57.., رضا جواد الهاشمي، ص90، ص94..،
Max Weber,Op.cit.,p.94
(78) هاري ساكز، ص167.
(79) نفسه، ص176..، عبدالواحد فاضل (و) عامر سليمان، ص76.
(80) جواد رضا الهاشمي، ص89، ص 93- 94.
(81) جورج كونتينو، ص37.
(82) جورج رو، ص142.., Jacuetta Hawkes,p.11-12
(83) جورج رو، ص128..، ليو اوينهايم، ص252..، جورج كونتينو، ص366..،
Julia M.Asher-Greve,p.10.
(84) جورج كونتينو، ص365- 366..، جورج رو، ص495..، طه باقر، مقدمة في أدب..، ص41- 43..، فاضل عبد الواحد علي، سومر: أسطورة وملحمة, دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 1989، ص87.
(85) جورج كونتينو، ص403.
(86) هاري ساكز، ص230- 231.
(87) جورج كونتينو، ص482.
(88) فاضل عبد الواحد علي، حضارة العراق، ج1، ص202- 203.
(89) جورج كونتينو، ص400.
(90) نفسه، ص274.
(91) خزعل الماجدي، متون سومر، ص11- 12.
(92) للباحث، العراق المعاصر، ق/ ف2.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن