الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شكل الدولة في سورية الغد

قصي غريب

2013 / 7 / 1
مواضيع وابحاث سياسية



بعد أن حل الربيع العربي، واندلعت في بعض دوله ثورات شعبية، أصبحت الدولة تواجه أزمة استمرار الشكل الذي قامت عليه بعد الاستقلال، نتيجة الفشل الذريع في تطبيق مبدأ المواطنة، وتحقيق العدالة، واحترام الحقوق والحريات العامة، بسبب عدم التوزيع العادل للسلطة، والثروة، والفرص، وقد تعالت أصوات في بعض الدول العربية، ومنها سورية، تطالب بإعادة النظر في شكل الدولة الموحدة البسيطة المركزية، التي تكون فيها السلطة واحدة، وتخضع لدستور واحد، وقوانين واحدة، داخل إقليم الدولة الموحد، باتجاه تبني خيار الدولة المركبة، التي يربط بينها نوع من أنواع الاتحاد، وتخضع لسلطة سياسية مشتركة، وهنا يظهر تطبيق نموذج الدولة الفيدرالية، الذي يكرس اللامركزية السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، في العلاقة بين المركز والاقاليم، بحيث تتوزع السطات بينهما، ويكون لكل إقليم دستوره الخاص، مع سيادة أعلى للدستور الفيدرالي، ويظل لحكومة المركز حق التمتع بالسيادة الخارجية وشؤونها، فضلاً عن جزء من السيادة الداخلية.
ولكن هناك مجموعة من الشروط التي يجب أن تتوافر لقيام الدولة المركبة الفيدرالية وهي :
- أن تحتوي الدولة على مجموعات من القوميات، والأديان، والطوائف المتقاربة في النسب العددية، وتعيش تاريخياً في مناطق سكناها، ولم تنجح آليات الاندماج الوطني في استيعابها وصهرها في الدولة، وتملك جميعها رغبة بالفيدرالية.
- البعد الجغرافي الشاسع للتواصل بين المجموعات القومية، والدينية، والطائفية في الدولة، مما يجعل من الصعوبة بمكان أن تسيطر الحكومة المركزية عليهم.
- وجود إتفاق وإجماع بين كل المجموعات القومية، والدينية، والطائفية في الدولة، على تطبيق الفدرالية، نظراً لوجود مصالح سياسية واقتصادية مشتركة بينهم.
- الرضا والقبول بسلطات وسياسات متوازية بين المركز والأطراف، وبما لا يدفع أي إقليم فيدرالي إلى تفضيل الإستقلال عن البقاء ضمن الدولة الفيدرالية.
ولكن الشروط المذكورة آنفاً، لا تتوافر في التكوين المجتمعي والجغرافي السوري المتداخل والمتشابك، ويبدو من الصعوبة التحول في سورية من دولة موحدة بسيطة مركزية، إلى دولة مركبة فيدرالية، ومن هذا المنطلق، فإن الاستمرار على تبني بقاء الدولة الموحدة البسيطة، والأخذ باللامركزية الادارية، بدلاً من المركزية الادارية كنظام حكم سياسي في الوثيقة الدستورية لسورية الغد، هي الخيار الأفضل لكل السوريين، من تبني خيار الدولة المركبة الفيدرالية، التي ربما في هذه الأوضاع والظروف قد تؤدي إلى تقسيم سورية، وتمزق النسيج المجتمعي للشعب السوري، في حين أن الأخذ بخيار الدولة الموحدة البسيطة، والعمل بنظام اللامركزية الادارية كشكل للدولة سيؤدي إلى المحافظة على وحدة الأراضي السورية المهددة بالتقسيم، وإلى عودة التماسك المجتمعي السوري المهدد بالتمزق، إذ إن الأخذ والعمل بهذا النظام الاداري يسمح بتوزيع الاختصاصات بين الجهاز المركزي للدولة والوحدات الادارية فيها، إذ تمنح هذه الوحدات سلطة البت والتقرير فيما يتعلق بالاختصاصات التي خولها القانون، على أن تخضع لرقابة وإشراف السلطة المركزية، ويكون الهدف من فرض الرقابة الادارية هو من أجل الحفاظ على وحدة الدولة الادارية، لأنه لو استقلت الهيئات اللامركزية استقلالاً كاملاً، وتخلصت من رقابة السلطة المركزية عليها، فقد تتحول اللامركزية الادارية الى لامركزية سياسية، مما يؤدي الى تغير شكل الدولة من موحدة بسيطة، إلى دولة مركبة فيدرالية، فمن الأفضل لسورية، والشعب السوري، أن يكون التركيب الداخلي للسلطة السياسية للدولة السورية المقبلة واحد، أي دولة موحدة بسيطة في تركيبها الدستوري، لاسيما وأن وحدة السلطة في الدولة الموحدة، وبساطة تركيبها الدستوري، لا يمنعان من توزيع الاختصاصات المعهود بها إلى السلطة الادارية، أي الأخذ والعمل بنظام اللامركزية الادارية.
وخصائص الدولة الموحدة البسيطة، أنها تتميز بكون التنظيم السياسي للسلطة فيها واحداً، يتجسد في جهازها الاداري الموحد، الذي يضطلع بجميع الوظائف في الدولة، ومتحدة في عنصرها البشري، حيث تخاطب الحكومة جماعة متجانسة، على الرغم ما يوجد من الاختلافات، ويخضع الجميع للقرارات الصادرة من الهيئات الحاكمة، ويغطي التنظيم الحكومي جميع اقليم الدولة بطريقة متجانسة، من دون اعتبار للفوارق الإقليمية أو المحلية.
ومن الجدير بالذكر أن معظم دول العالم هي دول موحدة بسيطة، وبخاصة منها الدول المتقدمة مثل فرنسا، وهولندا، واليابان، وانطلاقاً من هذا، فلماذا لا تبقى وتكون سورية الغد على غرار هذه الدول المتقدمة دولة موحدة بسيطة، ولكن تأخذ وتعمل بنظام اللامركزية الادارية ؟، لاسيما وأن بنية العقل العربي بشكل عام، والسوري بشكل خاص، لا تتحمل وتتقبل الفيدرالية كنظام حكم، لأنها تعني التقسيم، وبخاصة في ظل هذه الأوضاع والظروف غير المستقرة، ولذلك فإن تطبيقها بحاجة إلى استقرار سياسي، واقتصادي، واجتماعي، وثقافي، ورغبة حرة، واتفاق واجماع وطني لا يتوافر الآن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط


.. جيش الاحتلال يعلن إصابة 4 جنود خلال اشتباكات مع مقاومين في ط




.. بيان للحشد الشعبي العراقي: انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو