الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تشظي الذوات في نصوص فرق توقيت

هويدا صالح

2013 / 7 / 3
الادب والفن


تشظي الذوات في نصوص فرق توقيت
القاهرة ـ د. هويدا صالح
" فرق توقيت " مجموعة قصصية جديدة للكاتب المصري شريف عبد المجيد، صدرت مؤخرا عن دار نهضة مصر للنشر والتوزيع. تتوزع قصص المجموعة على عشرين نصا سرديا يحاول فيها الكاتب أن يكتب ذوات البسطاء والمهمشين. يراهن فيها على الاشتغال على موضوعة " المهمشين " الذين لا صوت لهم. يحاول أن يكشف عالمهم في لغة تبدو محايدة وبعيدة عن المجاز والبلاغة. إنه عالم ما بعد حداثي حيث تتشظى الذوات الإنسانية وتشعر بالاغتراب، وتغرق في عوالم افتراضية تصنعها لتمكنها من الهروب من قهر الواقع وفساده.
يفتتح شريف سردياته بنص أولي دال وكاشف لاستراتيجية التعرية التي قصد منها أن يدين كل الأفكار العنصرية والإقصائية، النص الأول هو chat 1، يتبادل السارد الذي أعطاه اسم شريف ،في محاولة واضحة للتماهي بين السارد والمؤلف، يتبادل حوارا مع ميتشل على الطرف الثاني من العالم، فهي أمريكية من أصل صيني، وبتتابع الحوار يتكشف لنا منذ الوهلة الأولى إدانة العنصرية والطائفية. يستخدم السارد لغة كونية في إشارة دالة إلى تبنيه للقيم الإنسانية بغض النظر عن التصنيف والتنميط. ميتشيل أمريكية من أصول صينية ويعاملها الأمريكيون كآسيوية ملونة رغم إنها ولدت في أمريكا ولم تذهب إلي الصين قط، والغريب أنها عندما ذهبت إلي الصين تعامل معها الصينيون كجاسوسة أمريكية، فهي منبوذة من الجانبين بلا ذنب ارتكبته. كذلك السارد شريف النوبي، فرغم إن حياته كلها في القاهرة ولا يعرف عن النوبة شيئا، فإن القاهريين يتعاملون معه كنوبي، فالاثنان مغتربان عن مجتمعاتهما. في قصة "كامل العدد" نجد نموذجا آخر للمهمشين، فرجل السينما، عم سالم، الذي يعمل متابعا للسينمات، ليعرف عدد روادها ويبلغ شركة الإنتاج، نجد لغة تبدو محايدة، لكنها لغة مورطة تماما. لغة تأتي شعريتها من استراتيجية الكشف التي انتهجتها، لتنال تعاطف القارئ مع تلك الشخوص المهمشة، بداية من عم سالم مرورا بأحمد بائع ساندوتشات الفول انتهاء بالفتاة سهى التي تبرع لها بأموال المعاش التي حصل عليها حتى تتزوج من تحب. جاء النص بضمير الغائب، ليكشف بنظرة بانورامية كل ما يتصل بالشخصيات في هذا النص الطويل نسبيا مقارنة ببقية نصوص المجموعة. يموت عم سالم وحيدا وحزينا بعد أن تستغني عنه الشركة في عصر التكنولوجيا، ولا يجد من يزوره سوى سهى الني أسمت ابنها على اسمه.

أما قصة "go to hell" فبطلها يعمل في الإعداد التليفزيوني، وهذه السيرذاتية السردية تزيد من التماهي بين السارد والمؤلف، فسيرة المؤلف أيضا أنه معد في التلفزيون تلك المهنة " التي تشبه عمل السكرتير. يتناص السارد مع فيلم "اللعب مع الشياطين" الذي قام ببطولته :هالة فؤاد وعبد الله محمود ومحسن محيي الدين- وأتى الأبطال إلى النص بخلفياتهم المعرفية، ومصائرهم التعسة، فقد مثل الفيلم ومصائر أبطاله قطعة بازل أخرى توضع في مربع البازل الذي يصور ذلك التشظي العولمي للإنسان، والذي يغيب ذاتيته وتحققه "هؤلاء الأبطال إنهم يشبهون أبناء جيلك، لم يصلوا قط لأدوار البطولة، وأنت بالذات شارفت علي الأربعين ولم تحقق أي شيء من أحلامك الخاصة"الأحلام البسيطة الهشة هي ما تسعى إليه شخصيات هذه المجموعة، أحلام تصل في بسطاتها أن تكون مجرد قضاء وقت حميم مع فتاة صنينة تعمل بتسويق البضائع على المنازل في قصة ((made in Egypt أو مجرد المحافظة على الأب في قصة (فرق توقيت) التي تتوه فيها ذاكرة الأب، ويحدث له نكوص لمرحلة ما من حياته كانت زوجته موجودة لترعاه، أو ينال البطل قبلة مختلسة من الزمن، وكسر قهر الواقع مع حبيبته التي يتعمد أن يصعد بها العمارات القديمة غير المسكونة ، ليتمكن من تقبيلها في قصة " رنين مغناطيسي " كل الشخوص متعبة ومحطمة الأحلام، واللغة معبرة عن هواجس وأحلام البسطاء.
تتكرر قصة " chat "، وتمثل فواصل بين النصوص، تأخذ رقما جديدا كل مرة ، ما بين شات 1 وشات 2 وهكذا، وكأنها استراتيجية سردية استطاع من خلالها السارد أولا أن يكسر إيقاع البطء الذي ربما سببته اللغة المحايدة، وربما ليعرفنا السارد على همومه وأحلامه وهواجسه وتطلعاته مقارنة بحياة ميتشل في مجتمع مغاير ، ويتكشف لنا أن ميتشل تشاركه ذات الهموم، ولما لا ونحن في عصر المواطن الجلوبال أو العولمي الذي تقهره آلية رأس المال والتكنولوجيا والصراعات الاقتصادية والسياسية؟!
تنوع طرائق السرد داخل المجموعة بين الحكي بضمير المتكلم والغائب والمخاطب، بين الحوار والسرد الوصف، مع استخدم تقنية الكتابة السينمائية في إيقاع سردي بطيء، لكنه يكسر بطئ الإيقاع في نصوص الـ ( CHAT ) التي تشير إلى محايثة الكاتب للبلاغة الرقمية.
لا يكتفي عبد المجيد بالتناص مع نصوص سينمائية مثل أفلام " وردة القاهرة القرمزية" و " غزل البنات"و"In America " وغيرها من ألأفلام التي تأتي للنص بخلفياتها، كذلك يتناص مع النصوص التي تمثل سرديات كبرى مثل رواية " الجريمة والعقاب" لدستويفكسي، و" الأبله " وغيرها أيضا من النصوص الروائية.
كما أن الكاتب يفيد من تقنية الميتاسرد ، وحضور المؤلف داخل النص في قص" حزاء الباشا" حيث يناقش الكاتب شخوصه، وتذهب به التقنية إلى أن يستحضر المؤلف كبطل من أبطال القصص، لكنه يقوم بانقسام الذات على نفسها ، فنجد شريف عبد المجيد يقابل شريف عبد المجيد ، أحدهما قاص والآخر فنان تشكيلي، وفي النهاية النص يتكشف لنا أنها ذات واحدة دخلت في نوع من الاستيهام النفسي في قصة " موت افتراضي".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في