الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنقلاب العسكري على الإنقلاب الإيديولوجي بمصر .

علي لهروشي
كاتب

(Ali Lahrouchi)

2013 / 7 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


في الواقع لا يمكن لأي انسان متشبع بالأخلاق الإنسانية ، و القيم الديمقراطية ، والفكر الحر ، وحقوق الإنسان كيف ما كان انتمائه السياسي ، أو الإيديولوجي أو الفكري أن يقبل بما يجري بمصر لا سابقا و لا الأن ، إذ أنه قد يكون من السهل أن يؤيد البعض ما أقدم عليه الجيش المصري عبر حماس عاطفي مرحلي أعمى ، لم تحسب عواقبه لا في المستقبل القريب و لا البعيد ، ولذلك التأييد و القبول أسبابه وحيثياته جوهرها أن الإنسان المصري خاصة و العربي عامة قد عانى كثيرا من كل أشكال القمع ، و التهميش ، و الفقر ، و الإهمال ، و الجوع ، و الحرمان ، و البؤس و التشرد ، و اليأس ، و هي المعاناة التي صنعت منه إنسانا مزدوج الشخضية ومتقلب المزاج ، و يعاني من الإضطربات النفسية ، وهي الأشياء التي جعلت صبر هذا الإنسان يجمد أحيانا كما جمدت مياه القطب الشمالي ، و هو يستسلم لكل الهزائم ، كما أنه قد ينفذ صبره أحيانا أخرى ، ويتحول إلى شبه بركان و نار تأكل الأخضر و اليابس ، إلى حيث أنه لم يعد يدري ماذا يريد ، و إلى أي اتجاه يسير ، فصار شعبا لا يفرق بين الديمقراطية ، وبين الديكتاتورية ، و لا بين الشرعية و بين الإنقلاب ، لأن الجوع ، و العوز ، و البطالة ، و الحاجة ، و الاحتياج ، و البؤس و اليأس جعله شعبا يريد الخلاص و التخلص من همومه ووضعه الإجتماعي المتدهور بسرعة البرق ، حتى و إن كان ذلك لن يتحقق كما يريده في وقت زمني قصير ، لأن الحاكم الذي سيتولى مكان الديكتاتور المخلوع لن يحقق أمال الشعب في هذا الوقت الزمني القصير الذي قد يرضي هذا الإنسان ، الذي يجهل أن التغيير يستدعي إعادة بناء كل شيء مدمر من بدايته ، وهذا لن يتحقق في رمشة عين حتى و لو كان الحاكم المنتخب الجديد نبيا أو إله ، فكل ما تم تدميره من قبل الحاكم الديكتاتور لعقود من الزمان لا يمكن إعادة بنائه في سنة أو سنتين ، و الشعب لا يدري أنه قد يستحيل تحقيق ذلك بالفعل في زمن قصير ، كما هو الشأن في المدة الزمنية التي حكم فيها - محمد مرسي - بمصر ، و الأمر هنا لا ينطبق فقط على هذا الرئيس المصري المنتخب الأول ديمقراطيا في تاريخ هذا البلد ، لأن حتى الرئيس الفرنسي الإشتراكي التوجه بحكومته الإشتراكية المنسجمة فيما بينها لم يحقق إلى حد الأن و قد مرت أكثر من سنة عن حكمة انتظارات ، وتطلعات ، و أمال الشعب الفرنسي ، الذي صوت عليه رغبة منه في التغيير، فقد نزلت شعبية الرئيس الفرنسي الإشتراكي - فرانسوا هولاند - خلال مرور سنة عن حكمه لفرنسا إلى الحضيض حتى وصلت 24% فقط ، ومع ذلك لم يتدخل الجيش الفرنسي في شكل استعراض لعضلاته ، عبر رجاله المدربين و المتدربين على القتال ، و بمدرعاته ، و أسلحته الفتاكة من أجل نزعه بشكل مهين من الحكم و الإنقلاب عليه كما هو الشأن بمصر.. أتعرفون لماذا لأنه بسهولة ، و بوضوح و بصريح العبارة أن الفرنسين ، و الأوربين متشبعون بالديمقراطية الحقة ، و بحقوق الإنسان ، وهذا هو الأكسيجين الوحيد الذي يتنفسونه و يعيشون به ، أما العرب فالعكس من ذلك إذ أن الديكتاتورية و القوة و القمع ، و الدسائس و المكائد ، و التملق للحاكم المسلط ، و للقوى المالية الغربية ، و لإملاءات الصهيونية العالمية هي أكسيجينهم الوحيد الذي به يعيشون ويتنفسون ، حتى و لو تطلب منهم الأمر أن يبحروا في بحر من دماء شعوبهم عبر السفن التي يمتطونها رغبة في إجراء لقاءاتهم مع رواد تلك الصهيونية التي تدر عليهم الأموال ، و الدولارات جزاءا منها لما ينفدونه من أوامرها ضد إرادة شعوبهم التواقة للحرية ، و العدل ، و الديمقراطية ، و المساواة ، وحقوق الإنسان ، إسوة بكل شعوب العالم العصري المتقدم .
إن حالة الشعب العربي و الإسلامي في الواقع هي حالة شادة و استثنائية عن حالة باقي شعوب الكرة الأرضية ، عندما يثور هذا الشعب ضد الديكتاتور ، و يفلح في إسقاطه بعد تضحياته بالغالي و النفيس ، من خلال تقديم أرواح بشرية من أجل ذلك ، تحقيقا للهدف الأساسي الذي قامت عليه ثورته تلك ، و عند عزله لهذا الديكتاتور الطاغي ، يهرع هذا الشعب بعاطفة جياشة بدون تريث ، و لا تفكير إلى صناديق الأقتراع للتصويت على كل من كان ضحية لحكم هذا الديكتاتور السابق المخلوع ، حتى ولو كان ذلك ضد قناعته الإيديولوجية ، و العقائدية ، و الفكرية ، و السياسية ، إذ أن العنصر الوحيد الذي تحكم في هذا الإختيار الشعبي الغير محسوب العواقب ، هو منح الثيقة الشعبية لكل من كان ضحية لحكم الديكتاتور المخلوع ، من أجل التأكد من نجاح الثورة ، و القضاء النهائي عن فلول النظام الديكتاتوري السابق ، عبر سحق كل الوجوه التي عملت معه و تحت سلطته، مهما كانت وظائفها ، و مواقعها ، بغية تغييرها بوجوه معارضة سابقا ، و كل هذا كان هو أمل الشعب المعقودة على التغيير الجذري ، و الرغبة في إقتلاع كل جذور الفساد ، و الإفساد ، الذي طال الوطن من خلال نهب خيراته ، وطال الشعب في خلال قمعه. ومن هذا الباب صوت المصريون بأغلبية مرضية على الإخوان المسلمين في كل من الإنتخابات الرئاسية ، و بانتخابات مجلس الشعب ، وهم في حالة الرشد ، أي أن المصوتون ليسوا بالقاصرين كي ينوب الأن العسكر عنهم لتحديد إختياراتهم عبر الإنقلاب العسكري الفاشي. الذي هو إنقلاب بكل المقاييس على إرادة الشعب الحرة في اختيارها عبر الإنتخابات للرئيس المصري الشرعي - محمد مرسي - ، مهما كانت نتائج ذلك الإختيار.
قد يكون الشعب المصري متسرعا في تصويته ، وفي اختياره للإخوان في تلك الإنتخابات الديمقراطية ، وقد يكون ذلك قد تم بدون وعي و تعقل وعقلنة ، وتحت مخدر شعارات إيديولوحية مغلفة بغلاف إسلامي محض يتظاهر بالنضال ، و التغيير ، و المساواة ، و العدل ، و الإستقلالية ، و القضاء عن الظلم ، و القمع ، و العبودية ، و الإحتقار ، وهي شعارات اشتغل عليها الإخوان لفترات طويلة من الزمن ، وضحوا ببعض أرواح أتباعهم ، و ألقي بالبعض الأخر منهم بسجون الديكتاتور المخلوع من أجل وصول قياداتهم إلى ما وصلت إليه اليوم ، أي إلى اليوم الذي أوصلتهم إليه صناديق الإقتراع من خلال التصويت عليهم من قبل الشعب المصري بوعيه ، أو بغير وعيه في ذلك إلى سدة الحكم ، وهو ما يمكن القول عنه بالإنقلاب الإيديولوجي على الحكم الديكتاتوري الطاغي ، من خلال استخدام الشعب في ذلك ، و استغلال وضعه المتدمر ، واختيار الوقت المناسب للقيام بذلك ، حيث استطاعت الإيديولوجية الإسلامية التي اعتمد عليها الإخوان المسلمون استقطاب المواطن المصري المسحوق ، المهمش المظلوم ، و جعله حصنها الحاصن ضد المنافسين لهم ، لأن الإعتماد على الإيديولوجية الإسلامية سرعان ما يستقطب فلولا من الأتباع ، و المؤيدين ، و الأنصار ، و لما لا و التربة الإجتماعية قد تسهل و تسرع من تحقيق ذلك. وتلك هي اللعبة السياسة ، و قواعدها ، التي لا ترحم المغفلون ممن لا يتخذون الوضع الإجتماعي ، و السوسيولوجي ، و العقائدي بجدية كما هو عليه ، وليس كما يريدونه في تحليلاتهم ، و في تعاملاتهم ، و تعاملهم مع أي شعب بالحسبان ، خاصة عندما يريدون اتخادهم لأي قرار سياسي ، وعلى رأسه الذهاب لمقارعة بعضهم البعض أمام صناديق الاقتراع ، التي سيقول فيها الشعب كلمته.. لأن من لا يعرف مسبقا بأن نتائج تلك الصناديق ستكون لصالح المدافعين عن الإيديولوجية الإسلامية ، خاصة في المجتمعات العربية ، و الإسلامية المحكومة من قبل الطغاة ، فإنه لا يعرف عن علم السياسة و لعبتها شيئا ، و بالثالي يجب على مثل هذا الإنسان البدائي الإبتعاد عن التشدق بالديمقراطية ، و الحرية ، و الكرامة ، و حقوق الإنسان ، و التوجه لصناديق الإقتراع ، أو ما شبه ذلك. لأنه بذلك قد يعبر بوضوح عن جهله المطلق لما ستذهب إليه الأوضاع الإجتماعية و السياسية و الإقتصادية تحت حكم أصحاب الإيديولوجية الإسلامية بشكل عام في أي بلد من البلدان الإسلامية أو العربية.
فلما كانت الإيديولوجية الإسلامية تشتغل في السر و العلن ليلا و نهارا ، حيث تجمع ، وتلم وتستقطب ، وتلتقي ، و تخاطب كل أتباعها بين خمس أو سبع مرات في اليوم ، وهي تعقد مؤتمرا عبر كل أرجاء البلاد مرة في الأسبوع كل يوم الجمعة ، للتواصل المستمر و الدائم مع أنصارها ، و أتباعها ، فإن دعاة التحرر ، و المعارضين لما تحمله الإيديولوجية الإسلامية من حلول ، و لرموزها ، كانوا منشغلين ربما بالسهر و المرح ، و الخمول ، و الخمور ، و الزهو ، وهم قاعدون في بروجهم العاجية في انتظارهم للذي يأتي و لا يأتي ، و التضخيم في الذات أكثر من اللازم إلى درجة الغرور ، و الإعتماد الغير منطقي على حساباتهم الضيقة ، و الإدعاء بوعي الجماهير الشعبية بخطورة سياسة الإيديولوجية الإسلامية في حالة وصولها إلى الحكم ، دون أن يمتلك هؤلاء النيام القوة للنزل للجماهير الشعبية من أجل توعيتها قبل وقوع الحدث ، و من هنا إذا ما تمت المقارنة بعقلانية بدون انحياز لطرف دون الأخر بين كل هؤلاء أي بين دعاة الإيديولوجية الإسلامية و بين غيرهم من دعاة العلمانية و التقدمية ، فإن النتيجة قد تبين أن ما قام ويقوم به دعاة الإيديولوجية الإسلامية من عمل سرا و علانية ، لن تؤدي لا محالة إلإ إلى أنتصار أصحاب هذه الإيديولوجية الإسلامية في يوم من الأيام ، سواءا عبر ثورتهم و إنقلابهم ضد أي حاكم طاغي ، أو عبر فوزهم في أية إنتخابات شعبية حرة ، و نزيهة ، وهذا هو ما حصل بمصر ، حيث صعد الإخوان المسلمون إلى الحكم من خلال الإرادة الشعبية ، التي أوصلتهم إلى سدة الحكم ، و بالتالي فلا يحق لأي ديمقراطي حقيقي أن ينازعهم في ذلك ، أو حتى أن يناقشهم في الأمر إلى أن تنتهي الفترة المحددة لحكمهم ، وسيكون حينها الحق لمن يريد أن ينافسهم ، و يصارعهم ، و يواجههم ، و يقارعهم عبر صناديق الٌإقتراع ، منافسة و مواجهة شريفة يقبل مند البدء الجميع بنتائجها ، تحت ركيزة أن الشعب هو من لذيه السلطة المطلقة في إختياره ، و تصويته على من يراه أهلا ليحكمه. أما إذا كان من الصعب على البعض تقبل الهزيمة و الإقرار بها ، و الجهر بالحقيقة حتى و إن كانت هذه الحقيقة مؤلمة ، فلا جدوى إذن من تلك الإنتخابات التي قد لا تزيد إلا في تقسيم المقسم ، وتجزيء المجزء ، و استنزاف المالية العامة المستنزفة أصلا، وتشويه صورة مصر المشوهة من خلال الإنقلاب العسكري الذي سيبقى مرحلة سوداء في تاريخها ، خاصة و أنه لا يوجد عسكري مصري واحد وطنى يقف في وجه الإنقلابي - السيسي - لإقافه عند حده ، و القبض عليه ، و محاكمته لإرجاع الحق لذويه.
أخيرا على المرء العاقل المتشبع بالأخلاق الإنسانية ، و القيم الديمقراطية ، و الفكر الحر أن ينتظر من المجتمعات العربية و الإسلامية المتخلفة أشياءا ، و ممارسات ، و مواقف متنافية في جوهرها ، و في مضمونها مع قيم الديمقراطية الحقة ، و مع الحرية ، و حقوق الإنسان ، لأن هذه القيم الإنسانية تتنافى جذريا مع أطماع وطموحات عقليات العشائر ، و القبائل ، و اللوبي الفاسد ، المفسد ، المستفيد الوحيد من الخيرات الطبيعة ، و الإقتصادية ، و المالية ـ و البشرية بتلك المجتمعات التي لا تزال في العصور البدائية ، و هو ما جسدته الأحداث بمصر ، و بالتالي لا يمكن تسمية الوضع بهذا البلد في ظل الإنقلاب العسكري ضد المنتخبين الشرعيين من أصحاب الإيديولوجية الإسلامية سوى بديمقراطية الفول المدمس.
علي لهروشي
مواطن مغربي مع وقف التنفيذ
هولندا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاحتلال يستهدف 3 بينهم طفلان بمُسيرة بالنصيرات في غزة


.. تفاصيل محاولة اغتيال سلمان رشدي




.. تحذير للشركات الصينية من الوقوع بفخ التجسس


.. قهوة صديقة للبيئة من -بذور التمر والجوافة- .. قريبا في الأسو




.. أخبار الصباح | سلمان رشدي يكشف تفاصيل الهجوم عليه.. واستمرار