الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الضياع بين اربع جدران

رفقة رعد

2013 / 7 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


عندما تتحول الجدران من ترسانه للحماية إلى صندوق، عندما يتحول المنزل من بيت إلى مآوى للطاقات البشرية، أو عندما تنقلب الحياة من مجموعة آمال إلى اختزال ذاتي، يبدأ السؤال بطرح نفسه ما الغاية من المنزل؟
صحيح ان للمنزل اهميته في توفير الاستقرار والامان لكن اهميته الكبرى تتمثل فيما يمثله للأنثى من خصوصية، الذي ترتكن إليه المرأة بحياتها كأنه هو الحياة، في الوقت الذي لا يتعدى ان يكون للرجل مكان يملكه ليستريح فيه ضمن العالم الواقعي، ذلك العالم الذي يبدأ بالانحسار بالنسبة للمرأة ليتحدد بأربع جدران وفناء خلفي.
المنزل ليس بقعه تجمع زوجين أو عائلة بل هو حيز وجودي تجد النساء فيه مملكتهن الجبرية، عندما تُسير حياتهن نحو هدف واحد وغاية واحدة تكمن بدايتها ونهايتها عند بداية و نهاية المنزل، ليس لسبب بايولوجي أو جنساني لكن السبب المجتمعي هو من خلق ذلك، وخلف ذلك الأرث الثقافي الذي جعل من المرأة ضيقة الافق، ويأخذ هذا الضيق منبعه من غايتها الاولى والأخيرة إلا هي الزواج والاطفال.
على الرغم من ان المنزل مهم في ما يوفره من معيشة مريحة اذا توفرت فيه اغلب متطلبات الحياة الرئيسية لكن ذلك لا يلغي ان تكون المعيشة على حساب التعايش، فكل ما تحتاجه المعيشة هو التجانس أو الهارمونيا والقبول ، لكن التعايش اسمى من المعيشة حينما تحتاج مزاولة الحياة من خلاله إلى ترابط الذوات مع بعضها كلاً حسب كينونتها المتحققة في الوجود، في ذلك الوقت سيكون التعايش بلغ مراحله العليا فيصبح المنزل مكان لضمهِ، والقصد الوحيد له هو مزاولة الفعل المنتج خارج اطار المنزل، فعل بمغزى وهدف.
ربما يعود السبب احياناً إلى خلل في الهوية الانثوية أو ربما مصابة بالانعدام لان ذاتها منبوذة قابعة تحت ظل الهيمنة الذكورية التي اسست للمرأة تأسيس تابع لا يملك ما يمثله غير الرمزية الذكورية ، بالوقت الذي يجد الرجل نفسه هو الاصل والمرأة هي الفرع، مما حدى بالمرأة ان تتخذ جاهدة بعض الطرق لتأكيد هويتها، واهم طرقها واكثرها اختزالاً هي عنايتها بمنزلها فنراها تهتم بإدق التفاصيل والتي لا ينتبه إليها احياناً الرجال، تهتم بزينة البيت، بالاثاث، بالطعام، نراها تتلذذ بنتاجها المنزلي من نظافة وترتيب، فتغدو في حالة من النشوة بعد ان تنهي اعمالها المنزلية فتأخذ بالمراقبة والبحث عن اي تشويش يؤثر على لذتها الجامحة لجمال المنزل، التأكيد على هذا النوع من الوجود هو رد فعل طبيعي على وجودها المنقوص والذي يتستر خلف ساعات طويلة من الرتابة والملل، والحاضر الابدي بروتينه أو بين السعي للتميز عن اخرياتها بأواني المطبخ أو شراشف موائد الطعام والسعي لأن يكون ترتيبها موافق للأتكيت العام، وهذا ما نبهت إليه (سيمون دي بوفوار) حينما اعتبرت اهتمام المرأة بزينة البيت تعبير عن شخصيتها وتعبير عن قيمتها الاجتماعية وحقيقتها الصميمية في استحواذها على بيتها وعملها فيه كنشاط لا يؤكد فرديتها ولا ينتشلها من جمودها.
ذلك النوع من الايديولوجيا الثقافية المتوارثة نجد لها حواضن تساعدها في الاستمرارية، فالعادات والتقاليد حاضن، والتربية حاضن، و عالم الوسائل والاتصالات حاضن اكبر، عندما تهيء السينما والمسرح والتلفزيون إلى هكذا ايديولوجيا، توجه خطاباً مباشر للمتلقي بموضع المرأة الراهن و اهمية الاستبقاء عليه كما هو، فنشاهد احد الافلام الكارتونية والذي يحكي عن تلبس بيت من البيوت لروح امرأة كانت تنوي الزواج فيه، لولا سقوطها في حفرة اثناء تشييد المنزل وموتها فيها، فأصبح البيت يأكل ويبلع كل ما يتقرب منه. يعود تشبث المرأة أو روحها بالمنزل إلى رغبتها القوية بالزواج وتكوين عائلة، كونها امرأة قبيحة ولطالما تعرضت إلى الكثير من الاستهزاء والتنكيل بها، حيث يكشف الفلم عن ذلك الارتباط المخيف بين المرأة ومنزلها اعتماداً على فكرة ان العالم هو غابة تحوي كائنات متوحشة ولا يوجد غير المنزل مكاناً امناً للمرأة تحتمي فيه، ويصبح الرجل هو في مكانه الصحيح داخل العالم، اما المرأة خارجه أو داخل داخله إلى حد التخفي.
كل ذلك خلق من عالم اغلب النساء عالم ذو زاوية واحدة، عالم لا يتحرك فيه الزمن إلا لذات الاسباب، لذلك نجدها تتحين الفرص لخلق عوالم صغيرة داخل هذا العالم، ويصبح لكل جزء من المنزل خصوصيته التي تستمتع به المرأة بخلاف الرجل، حينها تبدأ بالتحول إلى كائن بيتوتي عسير عليه الخروج أو الطموح خارج اطار المنزل، وتصبح الحياة شيئاً فشيئاً حياة تعيشها من خلال الزوج أو الاطفال فتذوب كينونتها فيهم وتعيش حلمهم في الوقت الذي يجب ان تعيش حلمها هي أو الاصح حياتها هي، وتسير الحياة وسط هذه المنطلقات البسيطة والمستعارة.
ان عملية حفظ الادوار وتولي المهام بتراتبية واحدة على مختلف العصور يشكل استتراتيجية مجتمعية لا يمكن تبديلها إلا بواسطة الرفض والسعي إلى خلق انماط مجتمعية جديدة تفتح الافاق وتجعل من الادوار الأسرية واحدة، وبالتالي يتحقق التعايش والمعيشة على السواء خلف الجدران فلا تختزل ذات على حساب اخرى، وهذا الاختزال هو بحد ذاته انعدام الهوية الذي ينمو في المنزل اذا ما بُنيت جدارنه على اساس الحبس، والاهم تقبل المرأة للحبس وتكيفها معه كأنه الواقع المفروض والذي يجب عيشه كما هو، فتفقد كل عناصر وجودها البشري ويغدو ما يقلقها ليس نتاجها الفكري والثقافي بل نتاجها الغذائي و الجسدي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة


.. قوات الاحتلال تعتقل شابا خلال اقتحامها مخيم شعفاط في القدس ا




.. تصاعد الاحتجاجات الطلابية بالجامعات الأمريكية ضد حرب إسرائيل


.. واشنطن تقر حزمة مساعدات عسكرية جديدة لإسرائيل وتحذر من عملية




.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را