الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
نقد العقل الثوري .. 1- هل يوجد عقل عربي ثوري ؟
محمد دوير
2013 / 7 / 11الثورات والانتفاضات الجماهيرية
جرت العادة العربية علي ألا توجه نقدا لأحد في غير الوقت المناسب حفاظا علي مشاعره التي ربما لا تتحمل مثل هذا التوجيه في تلك اللحظة. وكثيرا ما كنا – أثناء سيرنا في مظاهرات في الأعوام الثلاثة السابقة – نطالب أي معترض علي موقف ما أو تصرف معين لشخص أراد توجيه الكلام أو الشعارات أو خطط السير ، كنا نعاتبه أنه ليس وقته ، دعنا نتوحد ضد السلطة ثم نقيم التجربة ونعيد حساباتنا من جديد . وغالبا ما كان لا يحدث هذا. علي أية حال سوف أتناول الآن وعلي مدار ثلاث مقالات رؤيتي التي ظلت مؤجلة لنفس السبب السيكولوجي السابق أنه ليس من المفضل أن نوجه نقدا محبطا للثوار فهم يدفعون ضريبة الوطن من دمائهم وحياتهم ، ولكن صار الانتظار – بالنسبة لي علي الأقل – جزءا من الممالاه ولا سيما عندما تحول الثوار أو معظمهم إلي فئة جديدة في المجتمع كتب عليها شعار " ممنوع الاقتراب أو التشويه " فصارت الثورية سلطة جديدة تضاف إلي السلطات المقدسة لدينا كرجال الدين والعسكر والنخبة .. الخ . والمقالات الثلاثة هي ( 1- هل يوجد عقل ثوري عربي ؟ - 2- ثورتنا الراهنة ..السلب والإيجاب – 3- هل من مستقبل للثورة ؟ )
وبعيدا عن حديث العواطف والمشاعر ولغة بث الأمل في نفوس شباب الوطن ، وبعيدا أيضا عن لغة الحماسة الإيديولوجية التي لن تقدم أو تؤخر في بناء مستقبل حقيقي لهذا الوطن ، أقول .. أن دراسة الفكر العربي بكافة أبنيته المعرفية سوف تؤدي بنا إلي نتيجة واحدة ألا وهي أن كل الإنتاج الفكري والسياسي والعلمي العربي لم يتعد حدود الهامش إلي المتن ، والشاطئ إلي البحر ، والعرض إلي الجوهر. إذ ظل العقل العربي يمارس دوره التنويري في إطار اجتماعي محدود للغاية يكاد لا ينكشف أثره علي الواقع أو ينعكس تأثيره علي المجتمع، عاش طه حسين وسلامه موسي وشبلي شميل ونصر أبو زيد وشهدي عطية وفرح أنطون وخليل عبد الكريم وحسين مروة وفراس السواح ومهدي عامل وسيد القمني ... الخ خارج حدود المجتمع ولم تعترف بهم الأمة كرموز للفكر العلمي والتنويري ، وعاش تلاميذ هؤلاء العظماء بعيدا عن كل أثر فعلي دائم وكأنهم ما عاشوا ولا كتبوا ولا أبدعوا إلا من أجل حفنة مثقفين ظلوا يتبادلون الأفكار فيما بينهم بعيدا عن العامة.في مقابل ذلك قبع عقل الأمة العربية وخاصة المصرية في غياهب الجب السلفي والتفكير العشوائي والتبعية الغربية ذات الوجه الاستهلاكي فصارت رموز تلك الآمة البنا وسيد قطب والشعراوي وكشك وحسان وثروت أباظه ومصطفي أمين ومصطفي محمود وعدوية وعمرو دياب وتامر حسني... الخ ولذلك فإن البحث عن عقل ثوري عربي مخاطرة كبيرة لا يمكن ضمان نتائجها بالإيجاب، ذلك أن ما تحصل لهذا العقل من وسائل يمتلك من خلالها لأدوات الفعل الثوري قليل جدا ونادر للغاية. فالداعون إلي ثورة فكرية لا تتجاوز دعواهم حدود دوائرهم الضيقة من الأنصار، والداعون أيضا إلي ثورة اجتماعية يحاربون في أرزاقهم ويتهمون بالكفر والعمالة وتتم محاصرة أفكارهم بدعاوي كثيرة. ومن ثم فالثورة ليست في قاموسنا العربي القديم أو الحديث ، فمن أجل الخوف علي ضياع الهوية العربية الإسلامية تنازلنا عن كل شيء ، عن بناء ديمقراطية حقيقية لأنها كفر وصناعة غربية ، وعن بناء دولة عربية واحدة موحدة لأن الحداثة فعل غربي ونحن لنا خصوصيتنا التي تشير إلي أن الوحدة هي وحدة علي أساس الدين والشريعة . فكيف لنا أن نأتي بثورة اجتماعية تغير من نمط العلاقات السائدة في مجتمع لم يستطع انجاز ثورة علي أي صعيد سياسي أو علمي أو فكري ، وليس غريبا أن كل ثوراتنا العربية لم تكن سوي ضد المحتل الغاصب، المحتل الواضح علي الأرض ، ولم ننجز ثورة واحدة علي قيم فكرية بالية أو رجعية تأثيرها ربما يكون أكثر من الاحتلال الاستيطاني.
هذا هو الفصام الفكري للعقل العربي القابع بين سلطة الحكم والقوة المتحالفة معه من رجال الدين ورجال الأعمال في مواجهة سلطة المعرفة المتخاذلة في أحيان كثيرة أمام بطش هؤلاء.في ظل تلك الحالة الثنائية قام الجيل العربي الشاب في نصف سكان العالم العربي تقريبا " تونس – مصر – ليبيا – اليمن – سوريا – البحرين " لطرح سؤال وحيد ، أين نحن من الدولة المعاصرة ؟ طرح الشباب هذا السؤال وهم أبناء مجتمعات متخلفة خاصمت الحداثة والتقدم والتنوير والحرية واستسلمت للنقل والتقليد والهزيمة أمام مشروع وهابي منذ أوائل القرن العشرين ، وتماهت مع مشروع تبعي واستغلالي منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي.
والثابت لدي من يقين أن العقل العربي – المنوط به إنتاج المستقبل وتخليق عناصره من تطويع الواقع والثورة عليه – هذا العقل لا يزال عقلا رجعيا فلم يكن يوما عقلا ثوريا لأنه تشكل إما في أضابير الموروث بكافة اشكالياته ومطاعنه وإما في أحضان الثقافة الغربية في وجهها الاستعماري ، ففارق كبير بين أن تتمثل ابن رشد فنطرح مفاهيمنا الدينية انطلاقا من ترجيحات العقل واشتراطات الواقع وأن ندرس كتاب القانون لابن سينا بدلا من الاهتمام بكتاب القانون. وفارق كبير أيضا بين أن نتمثل العقل النقدي وحرية الإبداع المؤسسة للثقافة الغربية بدلا من ان نقتفي أثر المظهر الحداثي لثقافة نصفها بأنها حسمت الصراع الحضاري لصالحها ورغم ذلك لا نلتفت إلي أسباب قدرتها علي هذا الحسم الحضاري . إن ثنائية الاستهلاك العربي للموروث والمعاصرة هو دليل غياب عقل ناهيك عن كونه عقلا ثوريا أصلا. ولكي يوجد عقل عربي كان مهما أن يكون عقلا نقديا ، ولكي يكون عقلا ثوريا فكان مهما أن يكون عقلا تنويريا، فكما يقول حسن حنفي لا تثوير بلا تنوير، فلا عقلانية بلا نقد ، ولا وجود حقيقي للمفكر العربي دون وعي بدوره الذي يجب أن يكون.فليس مهمة المفكر أن ينزل للميادين أو يفسر الأحداث بل مطلوب منه أن يستشرف المستقبل القريب ويؤسس لاستراتيجية المستقبل البعيد ، ولأنه مثقف خامل اعتاد مجاورة السلطة فمن الطبيعي ألا يملك أيه رؤية أو تأثير.
والعقل العربي عقل تعيش فيه كل الأنساق المعرفية علي التوازي ، عقل يتوسع أفقيا يضع الغزالي بجوار ابن حنبل وابن تيمية وسيد قطب .. وهذا التوسع الأفقي يخلق دوجماطيقية وحالة سكونية دائمة لا تفعل سوي إعادة إنتاج القديم في صورة شكلية معاصرة ، فالكتب الصفراء أعيد طبعها ثم تحولت إلي شرائط كاسيت ثم فيديو ثم فضائيات ثم وسائل اتصال اجتماعي، والمادة هي هي لم تتغير منذ ألف عام تقريبا فاستمرار هيمنة الخطاب النقلي من ابن حنبل إلي سيد قطب لا يدل علي شيء سوي أن العقل النقدي ظل غائبا عن الحضور وممتنعا أو ممنوعا من ممارسة دوره الرقابي. في المقابل كان هذا العقل النقدي هو سر تقدم الغرب حينما استخدمه في كسر هيمنة الكنيسة وفي طرح نظريات وتجارب وملاحظات علمية عن طريق تيكوبراهي وكبلر وكوبرنيقوس وجاليليو.
السؤال .. لماذا لم يتم بناء عقلا عربيا نقديا ؟ هنا لعبت السلطة السياسية منذ أبي بكر الصديق دورها في اخماد حرية العقل في الإسهام في التقدم الاجتماعي " والله لو حرموني عقال بعير كانوا يؤدونها لرسول الله لحاربتهم عليها " وابتداء من هنا ظل العقل أسيرا للسلطان فاختار موقعه مبكرا من السلطة .. حتي انتهاء الدولة العثمانية عام 1924 ولكن سرعان ما ظهرت جماعة الإخوان 1928 حتي تستمر في نفس النهج من طاعة العقول لرغبة السلطة حتي لو كانت السلطة هنا خارج دوائر الحكم . وليس من شك أن أسباب غياب العقل النقدي كثيرة ومتعددة سوف اذكر منها مثالا آخر كان ابن الشاطر عالم فلك مهم وكبير جدا في بلاد فارس وقد توصل قبل علماء الغرب أن الشمس وليس الأرض هي مركز الكون .. ولكنه اصطدم بالنص أو الفهم الديني أن الأرض هي محور الكون .. فأقلع عن أبحاثه كما يقلع الفرد عن ارتكاب الخطيئة .. هذا هو العقل العربي الذي ظل متمددا في جسد الأمة العربية حتي وقتنا الراهن .. عقل غير نقدي، غير تنويري، وبالتالي غير ثوري.. عقل يعيش منذ أكثر من 1500 عام رهن الرؤية المقدسة الواحدة والتفسير الوحيد لتلك الرؤية ..فمن أين يأتي بالثورة التي نبتغيها ؟؟؟؟ وهل لعقل كهذا أن يصنع ثورة ناصعة الأهداف وواضحة الرؤية ... هذا هو محور حديثنا القادم.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. المحكمة الابتدائية في تونس تقضي بإعدام 4 أشخاص أدينوا باغتيا
.. حكم بإعدام 4 مدنيين والمؤبد لشخصين بقضية اغتيال شكري بلعيد ف
.. شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني
.. فرنسا تدرس إحياء ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين
.. حركة النهضة تعتبر الأحكام في قضية اغتيال شكري بلعيد دليلا عل