الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانقلاب العسكري في مصر وعودة النظام السابق

مروان عبد الرزاق
كاتب

(Marwan)

2013 / 7 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


إن لم يكن الذي حدث في مصر انقلابا عسكريا فكيف يكون الانقلاب!
قام الجيش المصري باعتقال الرئيس ومستشاريه, وهو أول رئيس منتخب بنزاهة وارادة حرة للمصريين, وقيادات الحزب الذي ينتمي اليه حزب "الاخوان المسلمين", وعين رئيسا جديدا, وهناك من يبرر ويوارب في التوصيف, على أن الجيش استجاب لمطالب الشعب وارادته الحرة, وأن الذي حدث ليس انقلابا! إنه استخفاف لا يُوصف بعقول البشر.!
لماذا لا نتفهم الانقلاب ومقاصده, ونتفهم ايضا دور الجيش والاجهزة الأمنية في ثورات الربيع العربي, باعتباره القوة العارية الوحيدة المنظمة, والتي بُنيت بالأساس للدفاع عن الانظمة في وجه الشعب, وليس للدفاع عن حدود البلاد, أو لتحرير فلسطين وفق الكذبة الكبرى للدول المجاورة لإسرائيل.
ليس المهم في التوصيف بقدر أهمية الموقف الذي ينتج عن هذا التوصيف. فاللغة السياسية السائدة تشير إلى أن أي انقلاب عسكري على السلطة السياسية, هو انقلاب ضد الشعب, ولذلك يجب الوقوف ضده. ورغم اهمية هذا الرأي إلا أنه يفتقر إلى المرونة في تحليل دور الجيش في ثورات الربيع العربي. نظرا للظروف المعقدة التي تحيط بهذه الثورات, وخاصة بنية الجيش والمنظومة الامنية, ومحاولة هذه الثورات التخلص من التراث الاستبدادي الطويل والذي يمتد ليس لحقبة ما بعد الاستعمار فقط, انما يمتد لآلاف السنين الماضية.
لقد تدخل الجيش في السياسة خلال الثورة المصرية مرتين.
الاولى: عندما فرض على مبارك التنحي لصالح ثورة 25يناير الشعبية. وهذا التدخل لا يمكن تسميته بالانقلاب, إنما هو تضحية بالرئيس من أجل المحافظة على النظام القائم. وكان تدخله خطوة لصالح الشعب, برحيل رمز الاستبداد الاول, ووقف نزيف الدماء. وهذا موقف يُحسب للجيش المصري والتونسي في الانضمام لمطالب الشعب وفتح البوابة الاولى للخروج من نفق الاستبداد التاريخي, والدخول في مرحلة انتقالية قد تطول أو تقصر, نحو بناء الدولة الديمقراطية الحديثة. ولولا فتح هذه البوابة, لم يكن ممكنا التحدث عن الانتقال نحو الحرية والديمقراطية. لأنه لا يوجد أية مشتركات بين هذه الانظمة المستبدة والشعوب الثائرة الباحثة عن الحرية والكرامة والعدالة. وكان الثوار في سوريا مثلا, يتمنون أن يقوم الجيش السوري بخطوة مماثلة ويحقن دماء الملايين من السوريين, ويُجنبهم الحرب الاهلية المدمرة التي تُعيد الوطن الى الوراء عشرات السنين. وهذه الامنية نفسها في ليبيا واليمن. لكن هذه الامنيات لم تتحقق لأسباب خاصة بتركيبة الجيش والامن الخاصة بكل بلد.
والثانية : عندما أزاح فيها الرئيس مرسي, والتي لا يمكن تسميها إلا انقلابا على الشرعية الدستورية, باعتبار أن الرئيس مرسي منتخب وشرعي, وهو أول رئيس منتخب في تاريخ مصر. في حين أن مبارك كان مغتصبا للسلطة. في المرة الاولى انضم الجيش الى الشعب ضد الرئيس, في محاولة لإنقاذ النظام ككل من يد الثوار الذين لن تتحقق مطالبهم إلا بهدم البنية الاساسية التي يستند اليها النظام وفي كافة المجالات. أما في الثانية فقد انضم الجيش الى طرف سياسي ضد طرف آخر. انضم الى تجمع المعارضة الذي شمل: فلول النظام السابق ورموز المعارضة الكلاسيكية من قوميين ويساريين وليبراليين وبعض القوى الشبابية الجديدة, ضد الاسلاميين الذي ينتمي اليهم الرئيس مرسي. وهذا تدخل سافر في السياسة, واغلاق الطريق بالقوة في وجه الحياة السياسية المدنية الحرة. وهذا التدخل يُذكرنا مباشرة بتدخل الجيش الجزائري إثر فوز الاسلاميين في انتخابات(1991) والذي نجم عنه دخول الجزائر في حرب اهلية مدمرة ومازالت آثارها تلقي بظلالها على الحياة السياسية والاجتماعية حتى الآن. لكن هذه المرة استفاد الجيش المصري من تجربته السابقة, فقام بتسليم السلطة إلى رمز مدني من القضاء, وهم شركاء معه في الانقلاب, ليختبأ ويحكم من خلفهم.
ومن المفيد العودة إلى بدايات تشكل المشهد السياسي الجديد-ما بعد مبارك- في مصر حتى نستطيع مقاربة الحدث الراهن.
- أولا: إن هدف الثورة بإسقاط النظام لم يتحقق برحيل الرأس, مع أن رحيل الرأس فتح البوابة الاولى الضرورية لممارسة الحرية, الا أن النظام بقي مستمرا بكل مفاصل الدولة. الجيش والامن والقضاء والاعلام والاقتصاد.
- ثانيا: عدم فرز الثورة لقواها السياسية ومنظماتها, وتجذرها في المجتمع, أفسح المجال واسعا أمام القوى السياسية التقليدية من اسلاميين وقوميين وليبراليين ويساريين. وهي بالإجمال استبدادية, وغير ديمقراطية, ولا تقبل بالرأي الآخر. ومن الضروري هنا عدم الخلط بين الليبرالية والديمقراطية. بين الليبراليين الداعين الى الحرية والانفتاح والحداثة, والذين لم يكن يهمهم الا الحرية الاقتصادية والتي انتجت طبقة رجال الاعمال الجدد التي نهبت, ومازالت تنهب ثروات مصر. وهم الذين رسخوا حكما استبداديا منذ السادات وحتى نهاية مبارك, لحماية مصالحهم. وبين الديمقراطيين الذين يسعون لبناء الدولة المدنية الديمقراطية, على اساس المواطنة والعلمانية وحقوق الانسان, والتداول السلمي للسلطة. الخ
بدأت الأزمة, منذ نجاح الاخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية والرئاسية, أي منذ وصول مرسي كممثل للإخوان المسلمين للرئاسة. وعندما أصبح الاخوان في السلطة, أصبح الجميع ضدهم. أو لنقل أطهر الجميع موقفهم العدائي ضد الاخوان. ولذلك رفض صباحي وغيره أن يكون نائبا للرئيس لأن الجميع يريدون الرئاسة! وكذلك فشلت كل الدعوات للحوار الوطني, الذي لم يختلف عن حوار الطرشان. هذا بالإضافة الى العداء الضمني والعلني للرئيس المنتخب, من مؤسسات النظام السابق وخاصة الجيش والامن والقضاء والاعلام. والحديث عن استقلال القضاء, ووقوف الجيش على مسافة واحدة من كل الاطراف السياسية, كله كذب ودجل اعلامي فاضح تكذبه كل الوقائع على الأرض.
وبالمقابل يتحمل الاخوان المسؤولية الاكبر في الفشل للوصول الى الوحدة الوطنية مع كل الاطياف لأنهم في السلطة. حيث سرعان ما وجدوا أنفسهم في خانة "اليك". دون أن يُدركوا ومرسي على رأسهم, أن الشرعية الانتخابية الدستورية لا تخولهم أن يحكموا مصر بمفردهم. وحتى تكون هذه الشرعية حقيقية يجب أن يرافقها رؤية واضحة لعقد اجتماعي جديد, يُعبر عن الارادة الحرة لكل المصريين, يكون اساسا لبناء الدولة-الامة الديمقراطية الحديثة. وكذلك لأن مصر تعبر مرحلة انتقالية بالغة الخطورة بعد خروجها الاولي من نفق الاستبداد. وقيادة هذه المرحلة على المستوى السياسي والتنفيذي, لا يمكن الا أن تكون مبنثقة عن وحدة وطنية تضم اغلب الاطياف السياسية لكي تكون قادرة على مواجهة فلول النظام السابق وهدم اسس الاستبداد والفساد الذي بُني عليها.
إن الفشل في تحقيق الوحدة الوطنية لقيادة المرحلة الانتقالية هو الاساس للازمة التي عاشتها مصر خلال العام الماضي. حيث راح مرسي يحكم مصر منفردا معتمدا على شرعية انتخابية غير كافية. ومع كل حركة أو قرار كان يُصدره, كانت تتصاعد الاحتجاجات ويشكل عداوات جديدة. بدءا من صراعه مع العسكر, والقضاء, حتى صياغته لمشروع الدستور الذي أراده وفق رؤية الاخوان, مرورا بالمسائل التنفيذية التي تتعلق مثلا: بتشكيل المجلس الرئاسي والاستشاري الذي جاء على مقاسه, أو تشكيل الحكومة وهي السلطة التنفيذية, التي كان يجب أن يشارك فيها الجميع وهذا لم يتم, أو تغيير بعض المحافظين أو المدراء المحسوبين على النظام السابق. واستبدالهم برموز اخوانية. الخ. كل هذا أظهر أن مرسي يعمل على "أخونة" الدولة وهذا صحيح. وهذا لم يقبله الشعب بالعموم, لأن الشعب أكبر من الاخوان, وأكبر من أية ايديولوجيا تحاول السيطرة على المجتمع ككل. كذلك لم تقبل المعارضة بهذه "الأخونة", وهذا يعود للحساسية التاريخية بين الاخوان وعموم الايديولوجيات الاخرى. وليس في مصر فقط, انما في كل الاقطار العربية التي يتواجد فيها الاخوان. وكان هناك دافع آخر للاحتجاجات وهو أن الرئيس الجديد لم يقدم للشعب أية مكاسب ملموسة على المستوى الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة. انما كان مشغولا بصراعه مع الآخرين. كما تبين أن الاخوان لا يمتلكون أي برنامج اقتصادي تنموي, يهدف الى رفع مستوى حياة الشعب, والتنمية الاقتصادية لمصر بشكل عام.
بعد الاستقلال حكم مصر القوميين(عبد الناصر), ثم الليبراليين(منذ السادات وحتى آخر أيام مبارك). وفي بداية مرحلة التحول الديمقراطي, نجح الاسلاميون. فلماذا لا يأخذون حقهم في الحكم كباقي التيارات الاخرى؟ وخاصة أن الشعب المصري بدأ يتعرف الى طريقه, في الاحتجاج السلمي المدني لتقويم سلوك الحكام. وأن ثورة 25يناير أبعدت نهائيا شبح الرئاسة الابدية؟ ولماذا لم يترك الجيش الصراع بين التيارات السياسية, مدنيا سلميا في الشارع والمنابر السياسية والثقافية, والتي ترسخ الثقافة السياسية للديمقراطية, بدلا من الاقصاء القسري بالقوة العارية. لماذا لم يترك الجيش الاحتجاجات الشعبية تأخذ دورها في اجبار الرئيس على تقديم تنازلات مهمة للشعب, بدلا من تغذيتها باتجاه الرحيل لا الحوار؟ وكيف يمكن أن تقوم حياة سياسية ديمقراطية مع الاقصاء بالقوة لبعض التيارات السياسية؟
كل الاجابات تضع الجيش في دائرة الشك. ليس الهدف كما يدعي الاستجابة لإرادة الشعب, أو حبا برموز جبهة الانقاذ التي تبحث عن السلطة, إنما بالضبط انتظر الجيش اللحظة المناسبة لتصاعد الاحتجاجات الشعبية, واستغلها ليأخذ دور الحكم, ومتآمرا مع مافيات النظام القديم, لإعادة انتاج النظام القديم من جديد, مقدما بعض الرشى لرموز جبهة الانقاذ.
وإن ترحيب المعارضة بتدخل الجيش, ورفضهم وصفه بالانقلاب على العملية الديمقراطية, يؤشر على أنه لا يهمهم انجاح العملية الديمقراطية, بقدر اهمية وصولهم للسلطة. فكيف يمكن بناء الديمقراطية إذا كان الجميع يريد السلطة دفعة واحدة. أي عدم القناعة العميقة بالتداول السلمي للسلطة, وهو أحد اعمدة البناء الديمقراطي. واذا كان المطلوب من الاخوان أن ينتقلوا من التطرف إلى الاعتدال, من الحزب الديني الذي يقوم على تديين السياسة, وتسييس الدين, إلى حزب سياسي معتدل وشعاره "الدين لله, والوطن للجميع", بدلا من شعار "الاسلام هو الحل". كذلك اليس من المطلوب من باقي التيارات السياسية أن تتحول إلى احزاب ديمقراطية حقيقية, بالممارسة وليس بالأقوال فقط. وأن تعي بأن فشل مرحلة التحول الديمقراطي الراهنة ستعيد الاستبداد من جديد. لأن قوى الثورة المضادة مازالت تملك الكثير من الاوراق لتفشيل الانتقال نحو الديمقراطية.
فالتحول السلمي نحو الديمقراطية, يهدف بالأساس الى نزع العنف من السياسة, ونزع العنف من المجتمع بشكل عام. وبالتأكيد كان من الأفضل ألف مرة, اجراء انتخابات رئاسية مبكرة, من الاقصاء القسري لأول رئيس منتخب, حتى لو كان اسلاميا. لكن يبدو أن مافيات النظام القديم, ومنها الجيش, لا تريد أن تتم عملية التحول بشكل سلمي ومدني. انها ببساطة تريد استمرار النظام القديم مع تغيير بعض الاقنعة على المستوى السياسي والاقتصادي.
إن تدخل الجيش السافر في الحياة السياسية السلمية لصالح طرف سياسي, ضد آخر, لن يُفيد في التحول السلمي للديمقراطية, والتداول السلمي للسلطة. انما بالعكس يسحب العملية خطوة إلى الوراء, والآثار التي سيفرزها هذا التدخل, ستجعل عملية التحول اكثر تعقيدا.
ومن اولى النتائج المباشرة لانقلاب الجيش. الاحتقان الموجود الآن في الشارع المصري بين الاسلاميين والمعارضة, , إن لم يُنذر بحرب أهلية, أو بزيادة أعمال العنف- والتي يبدو أن الجيش يرغب فيها- الا أنها ستزيد الاستقطاب والحساسية, بحيث ستحتاج لفترة طويلة لإزالتها. , وستضع مسألة الحوار الوطني على الرف, وستزيد التطرف الديني, في حين المطلوب التوجه نحو الاعتدال. وربما تتأجل عملية التحول الديمقراطي الى أجل غير معروف.
7-7-2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة