الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أي خيار غير الذهاب نحو انتخابات سابقة لأوانها؟

سامر أبوالقاسم

2013 / 7 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


يواجه رئيس الحكومة الحالية معضلة على قدر كبير من الأهمية في هذه الآونة، والسبب فيها ليس إلا الحزب الذي ينتمي إليه، والمرجعية المثبتة في كل أدبياته، وهي معضلة التحالف مع باقي الأحزاب المتواجدة في الساحة. فحزب العدالة والتنمية من موقع قيادة العمل الحكومي يسقط في مطب البحث عن سبل ترميم أغلبيته، بعد انسحاب حزب الاستقلال، وبعد أن لم يتبق أمامه سوى حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة.

فالحزب الأغلبي لم يتوان في كل مراحل نشأته وتطوره عن التعبير على أن القاعدة بالنسبة له هي التحالف حسب البرنامج، وعن أن الموجه العام لتحالفاته هو الديمقراطية. واليوم وبقدرة قادر يريد هذا الحزب أن يتناسى بأن كل الفاعلين السياسيين المستهدفين بهذا الخطاب غير معنيين بمثل هذا التحالف، من منطلق أن مفهوم الديمقراطية القائم على التوظيف السياسي للدين غير موجود إلا لدى حزب العدالة والتنمية.

خاصة وأن الحزب حسب أدبياته يستمد «أصوله الفكرية وأسس مشروعه المجتمعي من المرجعية الإسلامية للدولة والمجتمع المغربيين...»، بل هو «حزب سياسي مدني ذو مرجعية إسلامية»، و«الدين حاضر في السياسة كمبادئ موجهة، وروح دافعة» و« الشريعة الإسلامية هي المصدر الأسمى للتشريع».

فالدين حسب اعتقاد كل الفرقاء السياسيين هو معتقد المغاربة في بعدهم الشخصي، والديمقراطية هي نظام اجتماعي، يؤمن به ويسير عليه المجتمع، على شكل أخلاقيات اجتماعية، ويحيل على ثقافة سياسية وأخلاقية وقانونية، تتجلى فيها مفاهيم الديمقراطية الأساسية.

والديمقراطية، من هذا المنطلق، تقوم أساسا على حكم الأغلبية وحمايةُ حقوق الجماعات والأفراد، بشكل تحافظ فيه الأكثرية على قدرتها على الحكم الفعال، الضامن للاستقرار والسلم، وبشكل تُمنع فيه الأقليات من تعطيل أداء الدولة بمختلف مؤسساتها، ضمانا للاستقرار والسلم، وتشجيعا لها على ممارسة معارضة وفية للأخلاقيات الاجتماعية والثقافة السياسية والقانونية المجسدة لمفهوم الديمقراطية.

ومن ثمة، فإن تطور الفكر البشري سار في اتجاه جعل الديمقراطية قائمة على مبادئ ومفاهيم أساسية؛ من قبيل: سيادة القانون، حكم الأغلبية، التداول على السلطة سلميا، فصل السلطات وما يقتضيه من تجزيء للصلاحيات، التمثيل والانتخاب، اللامركزية، المعارضة الوفية...

ومن هذه المنطلقات، يمكن للجميع أن يدرك طبيعة المطب الذي سقط فيه حزب العدالة والتنمية، من حيث البحث عن سبل ترميم أغلبيته الحكومية، على اعتبار أن الأحزاب التي يمكن أن يراهن عليها في مثل هذه العملية لا تتقاسم معه، لا من قريب ولا من بعيد، رؤيته بخصوص التوظيف السياسي للدين. بل الأكثر من ذلك، فأي تعاقد مع الحزب الأغلبي الحالي يفيد أن هذا الأخير أشر على التملص من القاعدة التي حددها لنفسه المتمثلة في التحالف حسب البرنامج الذي يختلف معه الفرقاء السياسيون، ومن الموجه العام للتحالف المتمثل في الديمقراطية التي لا يتقاسمها معه من حيث الفهم والتأويل أي فاعل سياسي.

يحتل مفهوم التوازن في النظام الاجتماعي الديمقراطي موقعا استراتيجيا من أجل ضمان الفعالية والاستقرار والسلم، سواء على مستوى البحث عن سبل تفادي التعارض الحاد بين مصالح الأغلبية ومصالح الجماعات والأفراد الذين قد يشكلوا أقلية داخل المجتمع في فترة من فترات تطور الأداء السياسي، أو على مستوى تلافي طغيان إحدى السلطات الثلاث على الأخرى (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، أو على مستوى السيطرة التي يمكن أن تحصل داخل المجتمع سواء من منطلق قبلي أو مجالي أو عرقي أو ديني...

وهذا هو بيت القصيد فيما يخص المنطلقات والخلفيات والغايات السياسية لحزب العدالة والتنمية في حالتنا الوطنية الراهنة، خاصة عند استحضار عمق الارتباطات الخارجية، التي تجعل من هذا الحزب أداة للتعبير عن أولويات خارج مدار التطلعات والتحديات والإكراهات الوطنية. وسقوط الحزب الأغلبي في معاداة جميع الأحزاب السياسية، وعدم استيعابه لمفهوم الديمقراطية التشاركية، وعدم قدرته على تدبير الشأن العام من موقع المسؤولية داخل الجهاز الحكومي، والتعبير عن رغبته في التحكم السياسي، كل ذلك حد من قابلية انفتاحه على أي احتمال للبحث عن سبل التحالف من جديد قصد ترميم أغلبيته الحكومية.

ونعتقد أن ما نطمح إليه، في ظل المشروع المجتمعي، هو العمل على إرساء قواعد ومبادئ مشكلة لمنظومة قيمية سياسية، تجعل من الممارسات والتصرفات والسلوكات السياسية في حالتنا الوطنية مساهمة في تخليق الحياة السياسية بصفة عامة، ومن خلالها يمكن إتاحة الفرص لجميع الطاقات والكفاءات للمشاركة في النهوض بالأوضاع داخل مجتمعنا، سواء على مستوى تنمية قدراته وإمكانياته الاقتصادية والاجتماعية، أو على مستوى تقوية قدراته وكفاءاته الفكرية والعلمية والثقافية والتكنولوجية. وهذا ما لم يستوعبه حزب العدالة والتنمية، وأبانت تجربته في قيادة العمل الحكومي على تقصير كبير في هذا النطاق، وهو ما أدى إلى عزله تماما عن باقي الفرقاء السياسيين.

وإذا كان أمر اختيار الديمقراطية، بما تحيل عليه من أخلاقيات وثقافة، يتفرع عنها العديد من المبادئ والمفاهيم المشار إليها أعلاه، محسوم من طرف مختلف الفاعلين في مجتمعنا المغربي، وإذا كان هذا الاختيار الاستراتيجي للمجتمع قد عملت مختلف الإطارات السياسية والمدنية على ترجمته في أدبياتها التنظيمية الموجهة لأدائها داخل إطارات المجتمع ومؤسسات الدولة، فإن أمر هذا الاختيار والتوجه المجتمعي العام بقي معلقا وغير محسوم لدى حزب العدالة والتنمية، بالرغم من كونه يشتغل داخل مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الحكومة. بل الأدهى من ذلك لم يتوان هذا الحزب في التوجه إلى مختلف الفاعلين السياسيين بالسب والشتم والقذف.

فبالقدر الذي تحيل الديمقراطية على أن أساس الأداء السياسي ـ في كل أبعاده ـ هو إنساني مائة بالمائة، ولا مجال فيه لتوظيف المقدس الديني المشترك داخل المجتمع، على اعتبار أن مثل هذا التوظيف من طرف بعض الجماعات قد يفضي إلى مآلات مهددة للاستقرار والسلم الداخليين، بالقدر الذي تأبى قيادة حزب العدالة والتنمية إلا أن تؤكد أنها تعتقد "أن المرجعية الإسلامية تجعل من السياسة مجالا عظيما من مجالات العبودية لله والتقرب إليه، باعتبارها عملا في خدمة العباد والبلاد مبنيا على مراقبة الله واليقين بالحساب بين يدي الله لتكون العاقبة إن شاء الله جنة عرضها السماوات والأرض"، وتثبت تشبثها بأسلوبها الهجومي على كل الأحزاب والفاعلين السياسيين.

فأي خيار بعد هذا، غير خيار الذهاب رأسا نحو انتخابات سابقة لأوانها؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة