الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دراسة في مكونات المجتمع المدني وأدوارها في دولة المؤسسات, العراق نموذجا, الحلقة الثانية: عناصر العمل في منظمات المجتمع المدني وعوامل التأثير في أنشطتها

هيثم الحلي الحسيني

2013 / 7 / 21
المجتمع المدني


دراسة في مكونات المجتمع المدني وأدوارها في دولة المؤسسات,
العراق نموذجا

الحلقة الثانية
عناصر العمل في منظمات المجتمع المدني وعوامل التأثير في أنشطتها


رابعاً: عناصر العمل في المنظمات غير الحكومية
تعتبر المنظمات غير الحكومية (NGOs)، من أهم مكونات المجتمع المدني (C.S)، وأحيانا يترادف المفهومان في الكثير من الأدبيات السياسية, برغم التفسير الإجتهادي, أو التأويل اللفظي, لتعريف مفاهيم مكونات المجتمع المدني, التي يجمع عليها ضمن أدبياتها, بأنها المكونات المجتمعية, التي تقع مابين الأسرة والدولة, أو قد يعبّر عنها, بمجموعة التنظيمات التطوعية الحرة, التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة, لتحقيق مصالح أفرادها, أو هي مجمل التنظيمات الإجتماعية التطوعية, غير الإرثية وغير الحكومية.
وعليه ولاجل التخطيط للآليات الأفضل والأمثل, لأداء هذا التنظيمات المجتمعية، وتمكينها من ممارسة أدوارها وتحقيق أهدافها, في المجتمع ضمناً, وبينه وبين الدولة, يكون من الضروري استعراض الخصائص والمبادئ العامة, لأهم العناصر المعرّفة لها, أو التي تعد ضمن إشتراطاته التكوينية والوظيفية, فيما ستنصرف الحلقة القادمة, الى مقاربة خريطة مكوناته, ضمن الضرورات العملية, أو التداول الأكاديمي لها:
1. عنصر الاستقلال المالي.
تتشكل المصادر الطبيعية للتمويل في المجتمع المدني, من خلال الدعم المحلي أو الخارجي والتبرعات, بما في ذلك التمويل الذاتي من المنتسبين, أو الداعمين للمنظمة أو الهيئة, دون إشتراطات مسبقة, في منحها وتقديمها, وتوجد منافذ محلية ودولية متخصصة, لدعم وتمويل المنظمات غير الحكومية، حيث تقوم بتعريفها للجهات المتبرعة والمانحة للهبات المالية بوسائل مختلفة, منها الإعلام وشبكات المعلومات المحلية والدولية.
وبذلك يتمثل عنصر الإستقلال المالي, للمنظمة المجتمعية غير الحكومية, الذي يعد من إشتراطات تأسيسها, ومتطلبات عملها, والذي ينعكس إيجابا, في تحقيق إستقلالها التنظيمي, وحرية قرارتها, ومهنية أدائها الوظيفي, وعدم تبيعتها, لجهات تفرض رؤاها وغاياتها, من خلال التأمين المالي لإحتياجاتها.
2. عنصر العمل التطوعي.
تعتمد المنظمات المجتمعية, على الخدمات شبه المجانية والمجانية، التي يقدمها منتسبوها والمتعاونون معها، من خلال العمل التطوعي, مع نسبة محددة فقط من العاملين الدائميين فيها, لقاء أجر معقول, لتلبية حاجاتهم المعيشية, وهذا العنصر, يعد من إشتراطات وآليات العمل والأداء, في المنظمة المجتمعية غير الحكومية, فضلا أنه يوفر مختلف الكفاءات التخصصية والعامة, وذوي الخبرات المتراكمة, التي تلبي المتطلبات التشغيلية, للمنظمات غير الحكومية, ذات الإهتمامت والحقول المختلفة, في إتجاه ترصين ملفاتها وبرامجها.
3. عنصر الاستقلالية.
تتميز المنظمات المجتمعية غير الحكومية, بعنصر الإستقلالية عن الدولة, في العمل والأداء, فهي تدير أنشطتها ذاتيا, دون تدخل أو توجيه, من قبل الدولة, كما ويشترط فيها, أنها لا ترتبط بأحزاب سياسية, أو تنظيمات فكرية, أو جماعات عقدية, ذات أهداف سياسية محددة.
كما أن المنظمات المجتمعية غير الحكومية, لا تسعى إلى الوصول إلى السلطة، مع إمكانية إقامة علاقات عامة, مع مختلف الجهات الفاعلة في الدولة والمجتمع، وكذلك إمكانية أدائها لوظائف سياسية, مثل تدعيم المشاركة السياسية للمرأة, وضمان حقوق الأقليات, ودعم أدوار الشبيبة, والتجمعات المهنية.
4. عنصر عدم استهداف الربح في العمل.
يشترط في أنشطة المنظمات المجتمعية المدنية, توفر عنصر اللاربحية, من خلال عدم استهداف الربح في العمل, وينطبق ذلك على المنظمات التي وان حققت ربحا في أنشطتها، دون تعمّد ذلك, أو إستهدافه, فإنها توجهه إلى الغرض من تكوينها, وتلبية إحتياجاتها وتوسيع أنشطتها, مثل مساعدة ذوي الإحتياجات الخاصة، أو رعاية المسنين، أو تنظيم الأسرة ودعم الطفولة, وفقا لوظيفتها وتخصص أنشطتها المجتمعية, ويجري تثبيت ذلك, في كشوفات فعالياتها, وتقريراتها المالية الدورية بدقة.
وقد يواجه هذا العنصر الإشتراطي, كما وغيره من عوامل إشتراطات التكوين, والمهام والعناوين فيه, ضمن منظومة المجتمع المدني, إعتراضات ضمنية, قد تكون دواعيها, التقاطعات العقائدية, التي قد تفرضها التوجهات "الليبرالية", ومتبنيات السوق الحرة, أو طروحات الفكر الديني, والمتبنيات العقدية فيه, غير أن هذه الإجتهادات والرؤى, لا تعد من بين مقدمات هذه الدراسة, أو نطاقها وأهدافها, ولا تشكّل تغييرا, في مخرجاتها البحثية(5).
خامساً: عوامل التأثير في أنشطة منظمات المجتمع المدني
هناك مجموعة من العوامل, التي تؤثر في طبيعة عمل المنظمات غير الحكومية، ومستوى تطورها، ودرجة تأثيرها في المجتمع، ومن ثم محاور أنشطتها وتأثيرها السياسي, ومستوى الضغط, الذي تمارسه جماعاتها على الحكومة، وقدرتها على ايصال صوتها إلى مراكز القرار, والمشاركة في رسم ملامح النتائج الانتخابية الدستورية(6), في هذه الاتجاهات, ويمكن تأشير العوامل التالية:
1. العامل "الديموغرافي", السكان وتوزيعهم.
يؤشر العامل "الديموغرافي", من خلال الحضور السكاني وتنوعهم وكثافتهم, الى مستوى الأنشطة التي تمارسها المنظمات غير الحكومية، وانتشارها ومواقع تأثيرها جغرافيا.
2. عامل التكوين الاجتماعي للسكان.
ينعكس عامل التكوين الإجتماعي, والطبيعة الطبقية, على مستوى الانتماء في منظمات المجتمع المدني, وبالتالي خارطة تلك المنظمات، وأنواعها التي تكون اكثر تأثيرا وحضورا.
وعليه فإن هذا العنصر والذي سبقه, المتعلقين بالتكوين السكاني "الديموغرافي" والإجتماعي, يقرران على مستوى إمكانية مكونات المجتمع المدني وكفاءته وقدراته, فضلا عن متطلباته وتوجهاته, التي قد تتباين بين ساحة وأخرى, ليتمكن من ضمان تحقيق أحد المهام الأساسية في بنيويته الوظيفية, وهي لجهة بناء المجتمع السليم, وتأمين الخدمات الضرورية له, وفق إحتياجاته والواقع الذي يقوم عليه, ضمن العناصر السكانية والإجتماعية.
3. مستوى التطور في البناء الديمقراطي.
ان مستوى التطور للمؤسسات السياسية والدستورية، يتيح لمنظمات المجتمع المدني، أن تمارس دورها الاجتماعي بشكل حضاري, وفق تقاليد ديمقراطية, ومن ثم تأثيرها على المسار السياسي للدولة, ونوعية قراراتها.
4. مستوى انفتاح النظام السياسي.
ويعنى به انفتاح الدولة والحكومة والمؤسسات العاملة فيها, على مصادر المعلومات المؤسسة لعملية صنع القرار، والتأثير في مركز اتخاذ القرار, والتي تكون قاعدتها الرئيسة, منظمات المجتمع المدني، التي تكون فاعلة, في عمليات قياس الرأي العام, بمختلف وسائله الإستقصائية, في طرائق الإتصال أو الملاحظة أو المقابلات أو الإستبيان, وبذلك تساهم هذه المنظمات, في دورة القرار السياسي.
إن الدولة التي تعتمد نظام المؤسسات, ومسارات الديمقراطية طريقا لممارسة السلطة, عليها إعتماد كلٍّ من فلسفة الديمقراطية, وآلياتها, ومن بينها التعددية السياسية وعملية التداول السياسي السلمي للسلطة, من خلال الشرعية المستمدة من صوت الشعب, أو الكتلة الإنتخابية, كما يطلق عليها في النظام الإنتخابي.
كما أن الديمقراطية, لا تتحدد بالصندوق الإنتخابي حصراً, وسيلة لإستلام السلطة, والبقاء فيها وممارستها, بل هنالك وسائل أخرى, تنقل مؤشرات ضرورية, عن رضا القاعدة الشعبية بالأداء الحكومي, أو حتى لجزء من هذه القاعدة, فهذه الوسائل الأخرى, قد كفتلها الدساتير الديمقراطية, التي تعبر عن العقد الإجتماعي بين الشعب والدولة, كحقوق حرية التعبير, في الصحافة والتجمعات الشعبية, وحقوق الإحتجاج والإضراب, والتمرد أو العصيان أو الإعتصام المدني السلمي, والمسيرات أو التظاهرات السلمية, وغيرها من وسائل التعبير والإختلاف في الرأي والضغط الشعبي.
إن هذه الوسائل جميعا, تمارسها القاعدة الشعبية, من خلال أدوات الضغط, كي تكون ضامنة لمراقبة الشعب للأداء الحكومي, وموضوعية الحكومة ومصداقيتها, في البرامج السياسية التي طرحتها, ضمن ماكنتها الإنتخابية, وسلوكها وأخلاقياتها في السلطة, فهذه التدابير المختلفة, تمراسها المنظمات غير الحكومية, من خلال ما يعبّر عنه, بجماعات الضغط, وبذلك تضمن إنسجام آليات الديمقراطية, مع فلسفتها, وتعبر عن جوهرها ومضامينها, ولا تتقاطع معها.
فهذه الثنائية المتلازمة, بين آليات الديمقراطية, والفلسفة المعبرة عن جوهرها فكرا ورؤى, تمنع إستبداد الكيانات السياسية, التي تقبل ممارسة آليات الديمقراطية, كوسيلة توصلها لسدة السلطة والحكم, لكنها في جورها الفكري والعقدي, لا تؤمن بفلسفة الديمقراطية, فتنعكس عقديتها, في سلوكها غير الديمقراطي, بعد إستلامها السلطة, من خلال الإستفادة من آليات الديمقراطية حصرا, وتصيٍّد النهايات السائبة, في العملية الديمقراطية, التي قد يكون قد غفل عنها الدستور, أو قد تكون قابلة للإجتهاد, وإختلاف التفسير والتأويل فيه.
وعليه تعدّ مكونات المجتمع المدني, من بين الآليات الضامنة للممارسة الديمقراطية السليمة, في دولة المؤسسات, والتي تعبر عن فلسفة الديمقراطية وسلوكياتها وأخلاقياتها وأنسنتها, بصفتها نهجا في الحياة, وتمنع الإستبداد وقمع الحريات الشعبية, التي يكفلها الدستور والقوانين النافذة, فتكبح جماح الكيانات أو الأشخاص, الذين تتوفر فيهم مرئيات الديمقراطية, وإمكانية توظيف "معارفهم ومهاراتهم" في لعبتها, لكنهم يفتقدون لعنصر "الإتجاه" فيها, الذي يوفر السلوك والمبدئية والإيمان, بجوهرها ومدركاتها.
وإن هذه الإشتراطات, تمكن منظومة المجتمع المدني, من تنفيذ أحد أهم مهامها الوظيفية, وهي توفير الموازن الإستراتيجي للحكومة, ليحول دون الإستبداد الحكومي لحقوق الشعب, ومصادرة حرياته الأساسية.
وإن هذه الضمانة, يقررها عامل التطور في البناء الديمقراطي, الذي وصلته الدولة, وكذلك مستوى الإنفتاح في النظام السياسي, الذي تعتمده دولة المؤسسات, على آليات الديمقراطية, والقبول بفلسفتها ضمنا, بل ودعمها وتطويرها, لأنها ساندة وداعمة للدولة والحكومة المنتخبة, في تمكينها من تنفيذ برنامجها الحكومي والسياسي, والإيفاء بإلتزاماتها, إزاء الشعب عموما, ممن صوّت لها في الإنتخابات, أو لم يفعل.
5. العامل الاجتماعي الاقتصادي.
يرتبط العامل الإقتصادي الإجتماعي بدور الدولة، فعندما تنسحب الدولة, أو ترقق حضورها في مجالات وقطاعات معينة، مثل التعليم أو الصحة أو الإعلام، سيفرض ذلك على منظمات المجتمع المدني, لان تنشأ لسد وملئ الفراغ الناشئ عن ذلك, في تلك القطاعات، سواء بتقديم الخدمات فيها بأسعار رمزية أو مجانية, أو تشكيل التنظيمات الناشطة في تلك القطاعات, فضلا عن الحضور ضمن المجالات التنموية والإقتصادية, الموفرة للتشغيل والأيدي العاملة, أو ضمن الأنشطة المدرّة للدخل, وتأمين الحاجات المعيشية, للفرد والمجتمع, خاصة عندما تنحسر أدوار الدولة وفعالياتها, عن قطاعات حيوية, مثل الصناعة أو الزراعة.
6. عامل العلاقات أو الروابط الدولية المتيسرة.
نتيجة ازدياد الاهتمام الدولي والدعم العالمي, لانشطة المنظمات غير الحكومية، خاصة في الدول حديثة العهد بهذه الانشطة(7)، تتشكل علاقات بينية ودولية, داعمة وساندة للعمل المجتمعي, وتبرز في العالم, منظمات متخصصة لدعم منظمات المجتمع المدني, يطلق عليها "منظمات دعم المنظمات", أو الجهات الدولية المتبرعة والمانحة, الداعمة لأنشطة المجتمع المدني, عبر مختلف الوسائل والسبل، ومنها استخدام شبكة المعلومات الدولية "الانترنيت"، ووسائل الإتصال السريعة المتيسرة, وعبر منافذ التواصل الإجتماعي.
وعادة تستفيد منظمات المجتمع المدني, من هذه الطرق والمصادر في تمويل أنشطتها, ودعم العاملين فيها, مع ضمان عدم التأثير بتوجاهاتها وإستقلاليتها, وبشرط الإنسجام مع القوانين النافذة في الدولة.

الهوامش
5. من بين هذه الطروحات والرؤى الفكرية, في النظر الى المجتمع المدني, ومكوناته وإشتراطاته, ومهامه وعناوينه, مراجعة كتاب "معالم المجتمع المدني في منظومة الفكر الإسلامي", تأليف الأستاذ السيد مرتضى الحسيني الشيرازي, المقدمة والمراجعة المنهجية والشكلية للكتاب, هيثم الحلي الحسيني, "الباحث", دار التقوى للنشر, بيروت, 2013.
6. أماني قنديل، "الأستاذة الباحثة", المجتمع المدني في العالم العربي، دار المستقبل العربي، القاهرة 1994، ص 60.
7. علي الدين هلال (الدكتور), ونيفين أسعد(الدكتورة)، النظم السياسية العربية، قضايا التغيير، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت، نيسان 2000، ص 178.

دهيثم الحلي الحسيني
باحث في الدراسات الإستراتيجية
ومتخصص في التراث العلمي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يونيسف: نحو 4 ملايين طفل دون الـ 5 يعانون من سوء التغذية


.. مراسل الجزيرة: أي غارة إسرائيلية على رفح توقع شهداء وجرحي لت




.. لحظة اعتقال مواطن روسي متهم بتفجير سيارة ضابط سابق قبل أيام


.. واشنطن: طرفا الصراع في السودان ارتكبا جرائم حرب




.. عام على الحرب.. العربية ترصد أوضاع النازحين السودانيين في تش