الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللغة الفارسية والمحاكاة

نافذ الشاعر

2013 / 7 / 24
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يتميز الفرس باستيعاب الحضارات والاستفادة منها في إعادة تجديد حضارتهم وضخ دماء جديدة في ثقافتهم لتتلاءم مع الزمن الذي يعيشون فيه، وربما هذه هي الميزة الأولى التي يتميز بها الفرس عن غيرهم من الشعوب الأخرى، فإذا نظرنا إلى اللغة الفارسية وجدناها عبارة عن نسخة صناعية أو نسخة غير أصلية من اللغة العربية، أو هي محاكاة للغة العربية بطريقة ذكية.!
ولذلك نرى، كما أن الفرس اتخذوا التشيع بديلا للمذهب السني على الطريقة الفارسية، كذلك اتخذوا اللغة الفارسية بديلا للغة العربية على الطريقة الفارسية..
فإذا كان الواقع يفرض نفسه عليهم ولا ينحني لهم، فليحاولوا هم أن ينحنوا للواقع ثم يسيروا معه قليلا؛ ثم يباغتوه من حيث يحتسب أو لا يحتسب.!
وكذلك نقول في اغلب العقائد الشيعة كالتقية مثلا، التي هي عبارة عن أسلوب وتكنيك للتلاؤم والعيش مع أي ظرف خارجي قاهر يفرض نفسه على حياة الشخص ويهدد حياته..

ونعود إلى موضوع اللغة الفارسية فنجد اللغة الفارسية قد مرت بثلاثة مراحل:
1-المرحلة الأولى: وهي مرحلة اللغات الفارسية القديمة، وتبدأ منذ تفرعت اللغات الإيرانية عن المجموعة الآرية، أي منذ بداية الألف الثاني قبل الميلاد، وحتى القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد. وأهم اللغات التي سادت في هذه الفترة اللغة الفارسية القديمة والأفستية. والفارسية القديمة هي التي دون بها الملوك أخبار حروبهم وانتصاراتهم منذ قورش الكبير (559 – 552 ق.م).
2-المرحلة الثانية: وهي مرحلة اللغات الفارسية الوسطى، وتبدأ من القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد، وأهم هذه اللغات: البهلوية الأشكانية، والبهلوية الساسانية، والخوازمية..
3-المرحلة الثالثة: وهي مرحلة اللغات الفارسية الحديثة، التي نشأت متأثرة بالأدب العربي والدين الإسلامي، واستعملت الأبجدية العربية؛ حيث نشأت أول الأمر في شرق إيران (خراسان)؛ ثم انتشرت في كل أنحاء إيران، ابتداء من القرنين الثامن والتاسع بعد الميلاد، يعني من نهاية القرن الثاني الهجري واستمرت حتى عصرنا الحاضر.
ولا شك أن الفارسية الحديثة امتداد للفارسية الوسطى من حيث قواعد اللغة، إذ ليس بينهما اختلاف يذكر، لكنهما مختلفتان من حيث الكلمات ونطق الأصوات.
ومن المعلوم أن اللغة الفارسية لغة آرية من مجموعة اللغات الهندية الأوربية، واسعة الانتشار في الهند وأوربا. أما العربية فهي من اللغات السامية، ومع ذلك فإن أصول الفارسية الحديثة ترجع للعربية وليس للغات الهندو أوربية.

والمرحلة الأخيرة من مراحل تطور اللغة الفارسية كانت عبارة عن محاكاة للغة العربية في كل شيء؛ سواء في بحور الشعر العربي، مع بعض الزيادة والتغيير، أو في الاستعارات والكنايات، أو في اشتقاق الكلمات. واللغة الفارسية الحديثة تكاد تكون لا علاقة لها باللغة الفارسية القديمة إلا من حيث القواعد، يعني معظم الكلمات الموجودة في اللغة الفارسية هي كلمات منحوتة من اللغة العربية. وقد أصبح الشاعر الإيراني بعد الإسلام لا يستطيع قول الشعر بلغته الفارسية ما لم تكن معرفته باللغة العربية كاملة، أو حافظا لأشعار العرب ومطالعا لأقوالهم.
يقول المستشرق إدوارد بروان: (لو أن أحدا أراد أن يكتب شيئا بالفارسية بحيث تكون كتابته خلوا من الألفاظ العربية لتعسر عليه الأمر، كما يتعسر على من يريد أن يكتب شيئا بالانجليزية؛ بحيث تكون كتابته خالية من كل كلمة يرجع اشتقاقها إلى أصل يوناني أو لاتيني أو فرنسي.. ولربما استطاع بعض الناس أن يفعلوا ذلك على نطاق ضيق، ولكن كتابتهم تظل عسيرة الفهم إذا لم يستعن القارئ على فهمها بمعجم من المعاجم اللغوية).

وكذلك شعراء الفرس الكبار؛ لم يكونوا يستطيعوا الكتابة باللغة الفارسية دون اقتباس من اللغة العربية، ومن أمثلة هؤلاء الشعراء الكبار سعدي الشيرازي، شاعر القرن السابع الهجري؛ وكذلك الشاعر حافظ الشيرازي، شاعر القرن الثامن الهجري، والذي هو من أعظم الشعراء الغنائيين لدى الفرس، وقد نظم غزليات تحتوي على أبيات عربية وفارسية..

وحتى في طريقة الأمثلة أو الجمل البلاغية مثل (من البدو إلى الختم) يعني من البدء إلى الختام، أو (بديده حسرت بچيزى نگريستن) يعني النظر بعين الحسرة، أو قولهم: (مثل سايه كسى را تعقب كردن) أي تعقب الشخص كظله، أو قولهم (اميدش بر باد رفت) يعني ذهبت آماله أدراج الرياح.
كل هذه الاستعارات عبارة عن ترجمة حرفية من اللغة العربية..

أما إذا جئنا لمعرفة تأثر اللغة العربية باللغة الفارسية فهو تأثر طبيعي، يحدث لأي لغة في كل زمان ومكان، فاللغة العربية قد أخذت من الفارسية بعض الألفاظ والمفردات التي اختص بها الفرس وبرعوا فيها، مثل تأثرنا اليوم بلفظ كمبيوتر وتلفزيون وتلفون.. فهذه الأسماء غلبت على أي محاولة لتغييرها في أي لغة دخلت فيها. وهذا ما حدث مع اللغة العربية في الألفاظ التي اقتبستها من اللغة الفارسية، مثل: الخندق، والجورب، والبنفسج، والسرداب، والجلنار، والسراج، والديوان، والدهقان..
إذن فتأثر اللغة العربية كان في نطاق ضيق محدود حيث أنها لم تأخذ من الفارسية إلا الأسماء فقط، ولم تأخذ أفعالا أو حروفا، وهذا عكس ما حدث في الفارسية حيث اقتبست من العربية عبارات وجمل وتركيبات..
هذا في حين أن الألفاظ الفارسية التي اقتبسها العرب من الفرس كانوا قد أخضعوها لقواعد العربية وأبنيتها فكانوا يبدلون الحروف التي ليست من حروفهم إلى أقربها مخرجا، وكذلك غيروا البناء من الكلام الفارسي إلى أبنية الكلام العربي، وهذا التغيير تم بإبدال حرف مكان حرف، أو زيادة حرف، أو نقصان حرف، أو إبدال حركة بحركة، أو إسكان متحرك، أو تحريك ساكن، فكان لابد للعرب من تبديل هذه الحروف وتغييرها حتى تخضع هذه الكلمات للأصوات الخاصة بالعربية.
هذا مع العلم أن هذه الألفاظ الفارسية التي اقتبستها اللغة العربية من اللغة الفارسية قد اندثر أغلبها ولم تعد مستخدمة لدى العرب، إنما فقط استخدمت في زمانها التي اقتبست فيه؛ ثم تركت فلم يعد يستخدمها أحد في كلامه.
أما التغييرات التي طرأت على الكلمات العربية في الفارسية فكانت في تغيير نطق الكلمة بتغيير حركاتها من ضمة أو فتحة أو كسرة.. أو كانت بحذف التنوين والهمزة، أو بتشديد الحروف غير المشددة، أو بزيادة حرف إلى الكلمة.. أو بتغيير معان الكلمة الأصلية إلى معنى بعيد أو قريب، يعني اقتبسوا نفس الكلمة ولكنهم أطلقوا عليها معنى آخر غير الذي يعرفه العرب ويستخدمونه في كلامهم.. هذا بالإضافة إلى التغييرات التي ادخلوها على طريقة كتابة الكلمات العربية..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم