الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية في قريتي وفي وطني

محمد سليم سواري

2013 / 7 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


لن أنسى تلك الأيام من عام 1959 عندما رَكِب أهل قريتنا موجة التيار الشيوعي وكان في مقدمتهم المرحوم والدي والإبن الكبير لعمي الكبير والذي كان يمثل كبير القوم ورئيس العشيرة ونصح إخوانه وأقربائه وإبنه الكبير من مغبة هذا العمل الذي سينتهي بالندم وإنه سوف لن يمنعهم بالقوة ولكن عليهم أن يأخذوا الدرس البليغ بأنفسهم.. فتحولت قريتنا الجميلة بين ليلة وضحاها إلى معقل حصين من معاقل الحزب الشيوعي وبإسم الشبيبة أو الجمعيات الفلاحية ، حيث أنشأوا كًبرة ( ضليلة ) كبيرة في باحة القرية بمثابة المقر الصيفي وإنتخبوا والدي ليكون رئيس الجمعيات الفلاحية وإبن عمي رئيس الشبيبة وأحد الأشخاص المعروف بأمانته أميناً للصندوق أما مدير المدرسة وهو من أهل القرية المرحوم ( محمد الحاج صالح ) فكان هو المشرف على كل شيء والعقل المدبر وكان تحت هذه الكبرة وفي معظم الليالي والأوقات تحتدم المناقشات حول المستقبل والأيام الزاهرة التي تنتظرهم ومقارعة الإقطاعين والأغوات بأي ثمن وكان لمدير المدرسة القدح المعلى في هذه المناقشات وكان ملا القرية يشاركهم في هذه النشاطات والنقاشات ، وعندما كان الملا يترك القرية لأشغاله الخاصة ينوب عنه مدير المدرسة لإلقاء خطبة الجمعة وإمامة المصلين .. وفي النهار عندما كان يذهب معظم أهل القرية إلى أشغالهم خارج القرية كانت كلاب القرية تستغل الفرصة لتَتَسكع تحت الكبرة والتمتع بقسم من الراحة وكان والدي وبالرغم من صغر سني يكلفني بحراسة الكبرة من الكلاب.. ولن أنسى حيث بلغ حماس أهل القرية أوجها بمناسبة الذكرى الاولى لثورة الرابع عشر من تموز حيث أقبل أهالي معظم قرى المنطقة مع عوائلهم إلى قريتنا بملابسهم الزاهية والجديدة وخاصة النساء مع الطبال والزمار ليبدأ المهرجان الكبير وكان يتخلله العديد من النشاطات من الخطب الحماسية التي تضم عبارات ( يا .. يعيش .. وتسقط ) والدبكات وبعض المشاهد التمثيلية والشعارات التي كانت تتردد دائماً وباللغة العربية وأكثريتهم يجهلون المعنى ( عيني كريم للإمام ديمقراطية وسلام .. سنمضي سنمضي إلى ما نريد وطن حر وشعب سعيد ) وبين الحين والآخر يرددون أبياتاً من الشعر الكردي للشاعر الشاب آنذاك مسعود كتاني ( هه‌ر بژيت كيسن و سندان و مصاص بيكفه‌ بونه‌ كلواس هلون رابن دا بجن قه‌ستا جهي ژيني بكه‌ين ) أي ليخلد إلي الأبد المحراث والمطرقة والفأس هيا أنهضوا إلى جنان الحياة .. وبسبب هذا الإنجاز الكبير الذي سجل لقريتنا بصورة عامة ومدير المدرسة ووالدي وإبن عمي بصورة خاصة تم إستدعائهم إلى بغداد لتقديم الشكر لهم من قبل قيادة الحزب الشيوعي وهناك إحتد النقاش بين والدي الفلاح البسيط والقروي الساذج وبعض قياديي الحزب وفي النهاية عاتبهم والدي بالقول بأنكم لم تقولوا لنا هذه الحقيقة وبأن حزبكم ضد الصلاة والصوم والدين والله ، من الآن نحن أبرياء من هذا الحزب وعند رجوعهم إلى القرية أنهوا كل شيء حيث فككوا الكبرة التي كانت عندهم رمزاً للحزب الشيوعي وطلب والدي من أمين الصندوق أن يشتري بالمبلغ الموجود عنده من الإشتراكات حصراناً وصفيحتي نفط لمسجد القرية وكانت والدتي تمزح مع والدي بأن كلاب القرية فقدوا مكانهم المفضل في ظل الكبرة وكان والدي يشتاط غيضاً ويضغط على أسنانة عصبية وإمتعاضاً.
لم يذكرني بهذه الواقعة وأبطالها الذين غاب معظمهم عن مسرح الحياة ، إلا ما نحن عليه اليوم في هذا الوطن الذي إسمه العراق والذي يستظل بديمقراطية أنا على يقين لم يصل لمصداقية ديمقراطية قريتي في القرن الماضي وبين قرويين وفلاحين بسطاء وسذج .
فلا غرو إنني لست من المؤمنين بأن التأريخ يعيد نفسه ولكن الأشخاص هم من يقلدون الآخرين بصورة مباشرة أو غير مباشرة لتكون مشاهد الحياة متقاربة في بعض فصولها بين الحين والآخر .. وها نحن في عراق اليوم وقد مضى أكثر من عشر سنين وأكثرية السياسيين في العراق وبإسم الديمقراطية يضحكون على الشعب العراقي هذه الديمقراطية التي أشرقت علينا ومهما قيل من خلال فوهات الدبابات الأمريكية .. الديمقراطية التي ركب موجتها الأحزاب الدينية والقومية والعلمانية وحتى الوطنية.. إنها قضية غريبة أن تتفق كل هذه العقول غير المتجانسة والمختلفة بعضها مع البعض الآخر في النظريات والرؤى على هذه الديمقراطية ولو كان من أجل الوطن والمواطن لباركناهم ولكن نحن على يقين بأن الوطن والمواطن بعيدان عن مجمل هذه المعادلة والأيام أثبتت ذلك وكل ما يدعونه من ديمقراطية خلال العشر سنوات العجاف هو ديمقراطية القتل والسرقة والنهب والإستلاء على المناصب والمال العام وتدمير المواطن مادياً ومعنوياً وتحقيق كل الأجندة المستوردة من خارج حدود الوطن .
فمتى يكون وعي الشعب بالمستوى الذي يرفض كل أعداء الوطن بعد أن شهد شاهد من أهلها ومن الذي عرفناه من حديث السيد رئيس الوزراء نوري المالكي بعد أحداث سجني التاجي وأبو غريب وتأكيده بأن المحاصصة وما يسمى بالشراكة الوطنية حجر عثرة في طريق خدمة الشعب وبناء الوطن وما قاله رئيس الوزراء لا يمثل إلا القليل من معاناة وآلام وإرهاصات ما يسمى بالدولة العراقية إن كانت هناك دولة بالمعنى المتعارف عليه وليزرع الشك واليأس عند أبناء الشعب ويعيدهم إلى المربع الأول وكيف يمكن أن يعمر وطن إذا كانت الأحزاب ووزارائها في الحكومة ونوابها في البرلمان ويعارضون بناء مستشفيات ومدارس ومؤسسات خدمية أُخرى في البلد ويعطلون قانون الإنتخابات الجديدة وقانون التقاعد الجديد وتطوير مفردات البطاقة التموينية لكي لا تسجل نقطة إيجابية للحكومة وشخص المالكي وهم الشركاء في السلطة التشريعية والتنفيذية .. أليس النضال والجهاد ضد قيادات وأعضاء مثل هذه الأحزاب والفئات ذات النفوس المريضة والأجندة الخبيثة هو نضال حقيقي ومقدس في سبيل كل العراق أرضاً وشعباً ومؤسسات؟؟
فإذا كان أبناء قريتي وبوعيهم الساذج قد دمروا الكبرة التي كانت رمزاً لديمقراطية لم تدم طويلاً ولم يقتنعوا بها .. فما الأحرى بكل الشرفاء الواعين في عراق اليوم أن يهبوا هبة رجل واحد من أجل إنقاذ العراق بين أنياب الوحوش الكاسرة ويسعوا لتدمير كل الرموز التي تسيء للوطن والمواطن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE