الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميزانية العسكرة والاحتلال والرأسمالية المتطرفة

محمد بركة

2013 / 7 / 28
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



يعكس مبنى الميزانية العامة في اسرائيل، المزدوجة للعامين الجاري والمقبل، وايضا كل الميزانيات التي طرحت على مدى عشرات السنين، سياسة الحكومات المتعاقبة، التي ترتكز على مبدأ القوة وتضخيمها، وأنا أقصد هنا حصة ميزانية وزارة الأمن، وما يرافقها من صرف على الاحتلال والاستيطان، فهذا الصرف بمجمله يلتهم 32% من الموازنة العامة، اضافة الى هذا، فإن الصرف على سداد الديون والفوائد المترتبة على العسكرة (علما ان بند سداد الديون الخارجية يقع في المكان الثالث في مجمل بنود الميزانية)،مجموع الصرف العسكري وملحقاته يصل الى 48% من الموازنة.
وهذا الامر لا تجد مثيلا له في العالم، فالحديث هنا ليس عن مبنى ميزانية لمرة واحدة، بل عن معادلة قائمة منذ عشرات السنين، واثبتتها مختلف الابحاث، وهذا يعكس العقلية والايديولوجيا الصهيونية المسيطرة على الحكم، بغض النظر عن هوية الحكومة، وهذه الأيديولوجيا تعتمد على القوة والجيش كمصدر لحل مختلف القضايا.
لقد تحدثوا بداية في الحكومة، وقبل الانتهاء من بلورة الميزانية الحالية ، عن أنهم يريدون تقليص ميزانية وزارة الأمن بنحو 3 مليارات شيكل، وهذا بالتأكيد نكتة، ففقط قبل يومين "تبشرنا" بأنه كان في لجنة المالية البرلمانية بحث من أجل اضافة مليار شيكل لميزانية وزارة الأمن، وبناء على سياسة التقليصات التي شهدناها في السنوات الأخيرة، فإن لجنة المالية البرلمانية تتحول على مدى كل عام الى ختم مطاطي، للمصادقة على تحويل ميزانيات أخرى لوزارة الأمن، وفي نهاية المطاف، تلغى كل التقليصات في ميزانية وزارة الأمن، لا بل ويضاف لهذه الميزانيات مليارات أكثر، وفي المعدل يضاف الى ميزانية وزارة الأمن المباشرة حوالي 6 مليارات شيكل سنويا، وهذا عدا عن أكثر من ثلاثة مليارات دولار، هي الدعم العسكري الأميركي السنوي لاسرائيل.
وطالما لم تتبن حكومات اسرائيل خيار الحياة والانسانية وتتجه نحو السلام والتعايش في المنطقة، فإن شرائح المجتمع ستستمر معاناتها من هذه السياسة الكارثية الديماغوغية، وتدافع عن حقها بالعيش الكريم، لأنه في واقع الأمر فإن اسرائيل لا تدافع عن وجودها، بل تدافع عن الاحتلال من أجل استمراره، وتدافع عن سيطرتها على شعب آخر، وتدافع عن المستوطنات، ولكن في نهاية المطاف، فإن جميع من يجلس من حول طاولة هذه الحكومة يدركون أن لا توجد اية امكانية لاستمرار وجود المستوطنات على الارض.



دولة الأغنياء
في اسرائيل دولتان، وبالأصح ثلاث دول، دولة الأغنياء ودولة الفقراء، والثالثة هي دولة العرب، ففي دولة الأغنياء نشهد الثراء الفاحش، ووفق آخر تقرير عن الثراء في اسرائيل، نرى أن أغنى 500 شخصية حققوا خلال العام الأخير أرباحا بقيمة 10 مليارات دولار، أضيفت الى اجمالي ثروتهم التي بلغت بالمجمل بعد الارباح 94 مليار دولار، و57% من هذه الثروة هي بيد 24 ثريا.
وحينما نتحدث عن ثروة اجمالية بقيمة 94 مليار دولار فإن هذا يعني 130% من الموازنة العامة السنوية لإسرائيل كلها من دون حصة تسديد الديون والقسم الأكبر من اصحاب هذه الثروة، هم الأكثر استفادة من الامتيازات الضريبية التي تحظى بها الشركات.
فقبل ايام سمعنا عن تقرير لسلطة الضرائب يقول إن حجم الديون المدانين لسلطة الضرائب بلغ نحو 20 مليار شيكل، وهؤلاء بالتأكيد ليسوا من أصحاب رواتب الحد الأدنى، بل من اصحاب الشركات الكبرى الذين يتهربون من دفع الضرائب، ولكن كما يبدو أن هذا لا يكفي، إذ أن الحكومة تدفع امتيازات ضريبية لشركات كبرى تحت شعار "تشجيع الاستثمار"، ففي السنوات الست الأخيرة حصلت خمس شركات على 16 مليار شيكل، وكانت حصة شركة "طيفع" للأدوية، وحدها أقل بقليل من 12 مليار شيكل.
ولكن يسأل السؤال، هل هذه الشركات بحاجة الى كل هذا الدعم لتستمر في فتح ابواها وعملها، وواقع الأمر يقول عكس ذلك، فمثلا، حصلت شركة "طيفع" في العام الماضي لوحده، على امتيازات ضريبية بلغت 3,3 مليار شيكل (وهذا المبلغ اكبر من الذي اقتطعته من مخصصات الاطفال بقيمة 2,9 مليار شاقل)، بينما حققت الشركة ذاتها ارباحا صافية بقيمة 4,4 مليار دولار، ما يعادل تقريبا 16 مليار شيكل، وهذا بحد ذاته يكشف كل خيوط اللعبة.
ولكن كما يبدو أن هذا وحده لا يكفي، فقبل عدة أشهر، أعفى رئيس هذه الحكومة ووزير ماليته السابق يوفال شتاينتس، الشركات الكبرى من دفع 27 مليار شيكل، عن ارباحها من نشاطها في الخارج (ما يسمى بالرباح المحبوسة)، فهذه الشركات حققت ارباحا بقيمة 120 مليار شيكل، وكان يتوجب عليها دفع 30 مليار شيكل، إلا ان نتنياهو وحكومته "اكتفوا" بالحصول على ضرائب بلغت 3 مليارات شيكل.
اذا جمعنا كل هذه المعطيات، وحدها، دون حاجة لغيرها من تفاصيل لا أقل خطورة نصل الى 63 مليار شيكل تمنح بشكل مباشر او غير مباشر لحيتان رأس المال كان يمكن ان تشكلا حلا لاحتياجات التعليم والرفاه الاجتماعي والبنى التحتية والخدمات البلدية وغيرها.



دولة الفقراء والعرب
لقد دلّ تقرير الفقر الأخير على أن 25% من المواطنين يعيشون تحت خط الفقر، وهم يشكلون 20% من العائلات و35% من الأطفال، ما يعني ان كل ولد ثالث في اسرائيل هو فقير، وهذه ليست مجرد احصائيات جافة، بل إن كل واحد من هؤلاء المعذبين بالفقر عالم قائم بحد ذاته.
إن الأمور لا تقف عند هذا الحد، بل إن الصورة في قبحها تتكشف حينما نفحص التفاصيل، لنرى، أن نسبة الفقر بين المواطنين العرب وحدهم 56% وبين اطفالهم 67%، اي أكثر من ثلثي الأطفال العرب يعيشون تحت خط الفقر وهذا الظلم الواقع على الاطفال العرب لا تستطيع تبريره حتى اكثر النظريات عنصرية وفاشية.
مما يثير القلق اكثر أن الفقر ليس مجرد نسبة من السكان، بل هناك مقايس عمق الفقر، ويقول تقرير مؤسسة التأمين الوطني، إن المخصصات الاجتماعية (مخصصات الاطفال وتأمين الدخل وغيرها)، أنقذت 50% من الفقراء اليهود الى ما فوق خط الفقر، بينما أنقذت 11% فقط من الفقراء العرب، ما يعني ان الفقر بين العرب هو أشد عمقا، ونضيف الى هذا، أن مقياس الفقر الحقيقي حسب منظورنا يشمل كل اولئك الذين ارتفعوا الى ما فوق خط الفقر، بزيادة بضعة شيكلات على مداخيلهم، هذه زيادة لا تغير اطلاقا حقيقة فقرهم المدقع.
فأي عقل يمكنه ان يستوعب مثل هذه المعادلة، في دولة تنسب لنفسها صفة دولة متطورة، إن المنطق لديكم يبدأ في حساب أن أحدا ما عليه أن يطلق النار في الخليل، ولكن لماذا لا يبدأ تفكيركم من ضرورة تأمين الحليب لكل طفل في البلاد.
وهذه الأرقام والمعطيات لا تأتي من فراغ، بل من واقع سيء أيضا في سوق العمل، إذ أن 50% من الأجيرين في اسرائيل يحصلون على 75% على الاكثر من معدل الرواتب، بينما يحصل 33% من الأجيرين على حتى الحد الأدنى من الأجر، وهذا الواقع يجعل 38% من مداخيل العائلات الفقيرة من مخصصات الأولاد، التي تريد الحكومة خسفها.
كذلك، فإن كل مسألة العمل وسوق العمل لها مواصفاتها الجغرافية والقومية، فحينما يجري الحديث عن بطالة اقل من 7%، فإن الأمر ليس كذلك في سائر الشرائح، لأنه إذا ما تعمقنا في المعطيات الرسمية، يظهر أن البطالة بين العرب وحدهم، تتراوح ما بين 23% الى 25%، وفي كثير من البلدات تقفز عن 30%، بينما البطالة بين اليهود وحدهم، لا تزيد عن 4,5%، وهذه النسبة الأخيرة بالمفاهيم الاقتصادية السائدة لا تعد بطالة.
ولكن الأمر بطبيعة الحال لا يتوقف عند هذا الحد، بل يصيب كل زاوية في حياة المواطنين العرب، ففي الأيام الأخيرة ظهرت تقارير ومعطيات عن واقع الصرف على جهاز التعليم، ليتضح أن تمويل الطالب العربي يقل بما بين 6 آلاف وحتى 11 الف شيكل عن الطالب اليهودي، وهذا دون الحديث عن النقص في الغرف التعليمية.
وحينما نتجه الى وزارة التعليم طالبين المصادقة على بناء مدارس وغرف تعليمية، يقولون لك إن المشكلة تكمن في عدم وجود أراض في البلدات العربية، فمن اين هذا النقص نابع، أليس من المصادرة، ومن رفض "دائرة الاراضي" توسيع مناطق النفوذ، وأليس سياسة هذه الدائرة هي جزء من سياسة الحكومة..



رأسمالية متطرفة
إننا امام ميزانية تعكس سياسة اقتصادية، ترتكز على الرأسمالية المتطرفة، فإذا ما حققت النمو الاقتصادي، فإن ثماره لا تتوزع على كل الجمهور، بل إن هذه الثمار تكون من نصيب شريحة دقيقة جدا من المواطنين، ففي أي مكان طبيعي في العالم، تصل فيه نسبة النمو الى 4% و5%، ترى أن البطالة تنخفض عن 5%، أو الأهم أن ينخفض الفقر بنسبة ملحوظة، ولكن ليس هذا هو الحال في اسرائيل، بل في اسرائيل يزداد أعداد الفقراء سنويا من دون أي رابط بنسب النمو الاقتصادي.
ولهذا فإن حديثنا الأساسي عن الميزانية، لا يتوقف عند رقم هنا ورقم هنا، وبند هنا وبند هناك، بل عن سياسة وحشية تتبع اسلوب التمييز العنصري، عن اسلوب الاستبداد الرأسمالي، عن نهج العسكرة والاحتلال والاستيطان، لأن كل أمراض السياسة الاسرائيلية تتخلص في نهاية المطاف في عقلية الحرب والاحتلال.




(من كلمة النائب بركة في الكنيست لدى مناقشة ميزانيتي العامين 2013 و2014)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح


.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل




.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا


.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا




.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز