الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-آرت بازل- 44 ووجه آسيا الحاضر

يوسف ليمود

2013 / 7 / 28
الادب والفن


جاء "آرت بازل" الرابع والأربعون هذا العام، الذي يقام كالعادة في منتصف يونيو/ حزيران، ضعف حجمه المألوف إذ جرت تعديلات وإضافات معمارية بديعة في المبنى الرئيسي ومجموعة المباني الملحقة به وكذلك في الميدان الذي يضم أرض المعارض هذه، والتي يقام فيها، سنويا، إلى جانب هذا السوق الفني الأكبر والأهم، أشهر سوق للمجوهرات في العالم وآخر في مجال التصميمات. يبرر هذا التوسع المحلي توسع أكبر عابر للقارات حيث تم إفتتاح فرع آخر لـ"آرت بازل" هذا في هونج كونج في مايو الماضي، قبل ثلاثة أسابيع فقط، على غرار فرع السوق نفسه الذي يقام في ميامي بأمريكا منذ ثلاث سنوات. كان لهذا الفتح الفني في آسيا آثاره الواضحة على المنظر العام للسوق، فقد طَعّم الجالاريهات المشاركة، التي وصل عددها هذا العام إلى 340 ساحة عرض من 39 بلدا من القارات الخمس، بعدد من أشهر الجالاريهات الآسيوية، خاصة من اليابان والصين وكوريا، بأعمالها الحديثة والمعاصرة، التي حتى وإن تماهت مع النتاجات الفنية الغربية، إلا أنها تظل تحمل بصمة الثقافة الآسيوية أو لمسةً من روحها.

هذا الحضور الآسيوي قوي إلى درجة أن المشروع الفني الذي أقيم في الساحة الخارجية لأرض المعارض، أي قبل الدخول إلى مباني صالات العرض، نفذته الفنان الياباني تاداشي كاواماتا وهو عبارة عن ثمانية عشر كوخا خشبيا مستوحى من المباني العشوائية والأحياء الفقيرة بأمريكا اللاتينية. هذا العمل شِبه التفاعلي، إذ تجلس فيه كاستراحة أو تأكل شاندويتشا أو تشرب شيئا ما، هو نموذج للأعمال التي نستخلص منها درسا جوهريا في فلسفة الفن ألا وهو أن الأعمال الفنية يمكن أن تتغير معانيها وقيمها باختلاف الأجواء أو الأماكن أو الغرف التي تعرض فيها، بل إن عملا ما يكون جميلا أو ذا معنى في مكان ما، يصبح قبيحا أو خاليا من المعنى في مكان آخر، فهذه الأكواخ لو عرضت في حي عشوائي في بلد أفريقي أو أمريكي ـ لاتيني، لفقدت فورا مغزاها الفني والجمالي الذي يمكن أن تراه عينُ ساكنِ المدينة الأوربية المتحضرة.

بشكل أكثر كثافة من أي عام مضى، تحضر الفنانة اليابانية المقيمة في برلين شيهارو شيوتا، بخيوطها السوداء التي تنسج منها في فراغ العرض المتاح ما يشبه بيت عنكبوت هائل ومتداخل الأنسجة والطبقات وبداخله مفردات كالبيانو أو المقاعد أو درجات السلم، هي المفردات ذاتها التي شكلت كوابيس طفولتها بعدما رأت بيت الجيران يحترق حتى الرماد. كذلك يبرز الفنان الصيني الشاب ليو واي بأربع كتل ضخمة تصور مدنا عصرية وناطحات سحاب تنذر بكارثة على وشك الوقوع، وحين نقترب أكثر لنلمس بأعيننا الخامة التي صنع الفنان منها منها مدينته نجدها تلا هائلا من الكتب المضغوطة نحتها أو بالأحرى قرضها صانعها ليحيلها إلى هذا المعنى الغامض أو الملتبس، بين مدن الواقع الآيلة للسقوط ومدن المعرفة الخالدة. أما الفنان الكوري الأمريكي ميشيل جوو، يجذبنا عمله المعلق في الفراغ عبر خيوط من السقف تنتهي، قبل أن تلامس الآرض، بأشياء كثيرة ومتنوعة، هي مفردات من واقع الحياة اليومية لا يكاد يبرر اجتماعها شيء أو معنى محدد، تماما كعبثية اجتماع أشياء الواقع جنبا إلى جنب بلا معنى، إذ ينشأ التساؤل عن ماهية الأشياء وكيفية استقبالنا وإدراكنا لإشاراتها وإثاراتها لأعماقنا.

ثمة عشرات من وجوه جديدة على هذا السوق لفنانين آسيويين تعود أعمال بعضهم إلى خمسينيات القرن العشرين. وفي المقابل مئات من الفنانين الغربيين تغطي أعمالهم مساحة أكثر من مئة عام، منذ التجارب الأولى في بدايات القرن المنصرم وحتى النتاج المعاصر الذي لم تمر شهور على تاريخ انتاجه. ثمة وجوه عربية تمر أيضا من هنا، كان منها هذا العام الفنان المصري حسن خان بفيديو "طموح أعمى" المهموم فيه بالقاهرة، وكذلك اللبناني أكرم زعتري بـ" كمال الأجسام" وهو عمل يجمع بين الفوتوغرافيا والرسم... أما الفرنسية ـ الأمريكية لويز بورجوا، أكثر الوجوه الفنية وأشهرها التي بصمت القرن العشرين بأعمالها متنوعة المفاهيم والوسائط والأداءات، حيث عاشت مئة عام إلا سنة واحدة، والتي رحلت منذ ثلاث سنوات فقط، تحضر هنا وهناك في أكثر من جاليري في هذا السوق الكبير، ودائما ما نرى لها أعمالا لم نرها من قبل وكأنها ما تزال تعيش وتعمل في الخفاء لتفاجئنا. غير أن هذا متوقع من فنانة ظلت تعمل حتى آخر أيامها، وحين لم تعد تحتمل يدُها التعامل مع المواد الصلبة وجدت وسيطا مناسبا حققت فيه فتحا فنيا جديدا ألا وهو خياطة العرائس القماشية والاشتغال عليها تعبيريا في موضوعات تتقاطع مع فكرة العجز التي تستدعي الحرب وبتر الأطراف، كما أنها تلامس أيضا مجال العلاقة بين الرجل والمرأة ومناطق الالتباس النوعي بينهما. من هذه الأعمال القماشية نرى أكثر من عمل مركب صغير الحجم، إلى جانب أعمال أخرى ضخمة ذات وسائط أخرى من مراحل فنية سابقة. ثمة أيضا العديد من أعمال الرسم على الورق باللون الأوحد (الأحمر غالبا)، فرادى أو في مجموعات تشكل عملا متكاملا.

لن نستطيع المرور على أعمال ألف فنان في هذه المساحة المحدودة، لكن ربما كان في ذكرنا لويز بورجوا نوعا من المرور على رحلة تطور الفن في القرن العشرين، من الحديث الى المعاصر، وهو ما نراه كل عام في هذا الحدث الضخم الذي ما يفتأ يزداد ضخامة. عديد من الفنانين حاضرون بأعمالهم هنا مثلما حضروا بأعمال مشابهة في بينالي فينيسيا الذي افتتح قبل أسبوعين من هذا الحدث، فهل كان ثمة فارق في استقبالنا لها وإحساسنا بها وقد حضرنا هذا في عقب ذاك؟ الفارق كبير لا شك. ربما الروح التجارية الواضحة ورائحة المال التي تغلف هذا السوق وتعكس لمعانها على الأعمال هي ما تسرق شيئا من الروح الفنية للأعمال، أو ربما حقيقة أن الأجواء والأماكن المختلفة تغير معاني الأشياء فتزيد أو تنتقص من قيمتها. الأكيد أن الفن، كما الحياة، هو دائما في مكان آخر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا