الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سورية...الثورة بين جهالتين

مضر رياض الدبس

2013 / 7 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


إن الصفة الوحيدة التي يصِحُ تثبيتها للجهل، بشكل عام، مُتضمنة في تعريف هذة الكلمة بالذات: الجهل هو عكس العِلم، و جَهلَ الأمر يعني خَفِيَ عَنهُ. فإذا كانت لحظات تأسيس الحراك السوري لحظات عِلم و تنوير، لحظات وعي بحقوق المواطنة أمام غطرسة الإستبداد، ولا أعتقد أن بهذا أي شك في لحظة كانت تستهدف كرامة الإنسان و حريته ( رغم أن الحرية تبقى في سياق دلالاتها المعرفية الإجتماعية: المتشبعة معرفياً بأفكار قريبة من مقاربة النظام و التيارات القوموية نفسها ).فإن الثورة تجد نفسها اليوم امام نوعين من الجهل يربكانها و يهددان حضورها الأول هو ما يسمية الكاتب الفرنسي أوليفييه روا "الجهل المقدس " و الثاني هو "الجهل المؤسس" و المصطلح للمفكر الجزائري الراحل محمد أركون.
إن الجهل المقدس هو الذي يأتي مع أفكار دينية معدة للتصدير و عابرة للقارات، تماماً كالسلع في عصر العولمة و اقتصاد المعرفة، فالدين عندما يتم فصله عن ثقافته بشكل ممنهج يصبح سلعة قابلة للتصدير و التسويق، كتلك الحركات التي تسوِّق للحوريات في الجنة. و يأتي بصيغ لدول دينية، من دون أي بعد ثقافي وطنيّ، يتساوى فيها البشتوني مع الكردي مع العربي، ليس بمنطق التعددية بل بمنطق تجريد الجميع من خلفيته الثقافية أمام الديني المحض، الذي انخرط فيه الجميع فأصبح من إنجازات العولمة كذلك: تجريديٌّ معدٌّ للتصدير. هذا بالطبع لا يعني حكماً أن كل ما هو ديني هو جاهل، و لا يعني موقفاً سلبياً ضد التدين و نكران له، بل يعني الحفاظ على الديني ضمن الثقافة التي نشأ فيها و احترام الديني و الرفض أن يكون سلعة للتجارة الدولية و الإقليمية البينيَّة لخدمة اهداف سياسية ضيقة، أو استخدام الإرهاب الذي ينتج من اصطدام الديني المجرد بواقع ثقافي ملموس و راسخ في سورية.
أما الجهل المؤسس فهو ذلك الجهل الذي يتم العمل عليه بشكلٍ ممنهج من قبل الأنظمة الحاكمة، في المناهج الدراسية و في طبيعة التربية المدرسية، فلا يخفى على أحد الطقوس البعثية التي يُرغَمُ التلاميذ و الطلاب على مزاولتها في المدارس من الإبتدائية إلى الجامعات، إنها علمانية الجهل و التجهيل، و إنها أيضاً جهل مقدس و لكن قداسته من الديكتاتور و دوغماه من الثوابت الإيديولوجية الحزبية و ليس من اللاهوت. و إذا كان ذاك الجهل المقدس قد أنتج مجاهدين إرهابين فإن هذا الثاني قد استطاع إنتاج مؤيديين إرهابيين ايضاً، و كلاهما تفنن في فعل الإرهاب لأنه لم يكن إلا "مجرداً اصطدم بواقع ملموس" و هو التعريف الذي اطلقه الفيلسوف المغربي عبدالله العروي على الإرهاب. هذه المقاربة حقيقة تفنِّد النظرية التي تقول: لا مانع من الإستعانة بالتطرف للقضاء على الإستبداد. وذلك لأن الإثنين من نفس الماهية الفكرية.
إن الثورة السورية ثورة سلمية بفطرتها الأولى و ما الحرب إلا نتاج الجهلين المؤسس و المقدس. هي حرب بين من يَقرن المواطنة بالإيمان بالقائد، و بين من يقرنها بالإيمان بالدوغما الدينية المعولمة القابلة للتصدير. و كلا الفكرين مفصولين عن أي ثقافة و لا تعنيهم اي ثقافة، سورية كانت أو غير سورية. فلا ضير عندهم في هدم تمثال المعري و لا ضير من هدم ضريح ابن الوليد. ينظر الإنسان للحرب في البدء على أنها كارثة تحمل طابع الجريمة و يجب تفاديها بما تحمل من الهمجية و العودة بالحضارة و الثقافة لعهود الهمجية الأولى و لكنها، أي الحرب، سرعان ما تبدو محتومة و "تشرع في التطاول إلى أن تبلغ ملء قامة القدر". بينما تزرع الخراب و الدمار، يدأب العقل على إدانتها و القلب على إجلالها شأن كل قوة يقر الإنسان بمجاوزتها قدراته، فتمسي الضحية تَقرَب الحرب كضرورة بعد ان كانت امراً لا مفر منه، و إذا الضحية لجأت للاهوت رأت فيها عقاب الله أو ابتلائه أو حتى نصره القدري القادم من السماء و إذا لجأت للفلسفة فإنها، ربما، صارت من أنصار هيغل...و كأني بالثورة أمام هذا الجهل أن تتلو: "...لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ "( سورة القصص آية 55 ) أو تتلو: "ِإذْ هُمْ مُظْلِمُو الْفِكْرِ، وَمُتَجَنِّبُونَ عَنْ حَيَاةِ اللهِ لِسَبَبِ الْجَهْلِ الَّذِي فِيهِمْ بِسَبَبِ غِلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ.")رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 4: 18)... نعم فما تَستعِيذ الثورة بالمقدس إلا لكي تتكلم: فلا سياسة و لا ساسة، إلى الآن، أجادوا الكلام باسمها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا خصّ الرئيس السنغالي موريتانيا بأول زيارة خارجية له؟


.. الجزائر تقدم 15 مليون دولار مساهمة استثنائية للأونروا




.. تونس: كيف كان رد فعل الصحفي محمد بوغلاّب على الحكم بسجنه ؟


.. تونس: إفراج وشيك عن الموقوفين في قضية التآمر على أمن الدولة؟




.. ما هي العقوبات الأميركية المفروضة على إيران؟ وكيف يمكن فرض ا