الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تمثل الدين الليبرالي عند عبد الكريم سروش

عامر عبد زيد

2013 / 8 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



مدخل :
من أهم مقومات الثقافة العقلانية هي إعادة طرح الأسئلة التي عبرها تتجدد الثقافة بتجدد الرهانات والأسئلة ، التي تخرجنا من سيادة الأخر سواء كان الغرب أو التراث إلى سيادة الذات ، في الحالة الأولى أنت مرتهن إلى الأخر تقلده تسير على خطاه دون أن تتحصل لديك علة ما تفعل إما عندما تنتقل إلى سيادة الذات فانك تكون قد تحقق لك إمكانية العلم بما تعتقد به قولا وعملا مما يولد لديك العمق الديني والدراية العقائدية التي تجعك تتدرج في ميادين المعرفة والاعتقاد كل هذا يأتي من خلال السؤال فهو المحفز الأول في عملية توليد الأفكار و تطوير الرؤى الحقيقية، والسبيل لرفع الأوهام والشكوك والحُجُب عن عقل الإنسان.
لذا نحن بحاجة إلى تعزيز ثقافة التساؤل في مجتمعاتنا من أجل الرقي بالوعي الإنساني الحضاري، لنعيش العصر بكل تجلياتها.تلك الثقافة التي تحيلنا الى نسبية معارفنا وتاريخيتها و راهنيتها وبالتالي تجعلنا بحاجة إلى النظر إلى الإنسان لا بوصفه نتيجة بل صيرورة خاضعه للتغير المتواصل مما يعني أن عليه أن يتلافى أخطائه عبر الصفح والتسامح .
من هنا تأتي قراءتنا هذه لفكر سروش (-;-) وهو يقوم بإعادة النظر في مفهوم العلمانية من خلال إعادة النظر بالتراث من اجل إيجاد معالجة تقدم حلا للواقع الإسلامي المعاصر فالفكر الوافد لا يعني انه كامل بل هو رهين واقع قد يبدو مغاير لما نعيش فيه من رهان لكن هذا الواقع أيضا مغاير لما كان عليه التراث فهو الأخر يجب أن نخرج من سيادته إلى سيادة الذات .
إننا هنا نحاول أن نتطرق إلى تبين راهنيه المصطلح في ظل الواقع الغربي ثم التطرق إلى راهنيه المصطلح في فهم سروش .عبر التطرق إلى تحليل بنية الكتاب "الدين العلماني "( )ثم في المرحلة الثانية تحليل فهم سروش بالانفتاح على باقي مؤلفاته .محاولين الكشف عن العقلانية المطروحة في فكره والتي " قوامها إيجاد التعاون والتوازن بين الأصول والمباني الفكرية من خارج دائرة الدين وبين التعليمات والقيم المستوحاة من النصوص الدينية .وهذا هو الذي يضفي عامل الصحة على التحولات في دائرة الفهم الديني للإفراد . فالاعتراف الرسمي بهذه البلورالية والتنوع في الفهم الديني سيلقي بضلاله على نمط العقلانية بين جهاز السلطة وبين إفراد الشعب ويساهم بتكريس حالة الانعطاف والمرونة في تحمل الآخر المخالف في الوعي الأمة ويمنح الرعايا حقوقهم المشروعة ويحدد من قدرات السلطة والحكومة بقيود النظام الديمقراطي ويجعلها تتحرك في خط الإنسانية والعقلانية والعدالة "( )

أولا : رهانات الخطاب العلماني وتحولاته داخل الفضاء الغربي :

العلمانية في اللغة :
العلمانية مأخوذة من الكلمة الإنجليزية (secularism) وهي من العلم فتكون بكسر العين، أو من العالَم فتكون بفتح العين ،وهذه المفردة" العربية " مشتقة من مفردة علم وعلم أما في الإنجليزية والفرنسية فهي مشتقة من اليونانية بمعنى "العامة" أو "الشعب" وبشكل أدق عكس الإكليروس أو الطبقة الدينية الحاكمة؛ وإبان عصر النهضة بات المصطلح يشير إلى القضايا التي تهم العامة أو الشعب بعكس القضايا التي تهم خاصته. من هنا فالترجمة العربية للكلمة الإنجليزية (secularism) بحسب ما سبق فهي ترجمة غير أمينة ولا دقيقة ولا صحيحة، لأن الترجمة الحقيقية للكلمة الإنجليزية هي (لا دينية أولا غيبية أو الدنيوية أولا مقدس).ولعل هذا يظهر في التعريف الذي تقدمه دائرة المعارف البريطانية تعريف العلمانية بكونها: "حركة اجتماعية تتجه نحو الاهتمام بالشؤون الأرضية بدلاً من الاهتمام بالشؤون الآخروية."
العَلمانية بوصفها اصطلاحاً :
1- يعني فصل الدين والمعتقدات الدينية عن السياسة.
2- تعني أيضاً عدم قيام الحكومة أو الدولة بإجبار أي أحد على اعتناق وتبني معتقد أو دين أو تقليد معين لأسباب ذاتية غير موضوعية.
3- كما تكفل الحق في عدم اعتناق دين معيّن وعدم تبني دين معيّن كدين رسمي للدولة.
بمعنى عام فإن هذا المصطلح يشير إلى الرأي القائل بأن الأنشطة البشرية والقرارات وخصوصًا السياسية منها يجب أن تكون غير خاضعة لتأثير المؤسسات الدينية.وهناك من يفصل بين مفهوم "العلمانية "ومفهوم "العلمنة"
فالعلمانية : نظرية أو حركة نشأت وتطورت في السياق التاريخي للصراع بين الكنيسة والدولة القومية في أوربا ، للفصل بين الدين والدولة وحياة المجتمع من جهة ، وبين مفاهيم الكنيسة والمفاهيم العلمية الحديثة عن الكون والحياة والمجتمع ، من جهة أخرى .
إما العلمنة : فهي التطبيق العملي لتلك النظرية في الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، فالعلمنة تعني "اللاديني" على وجه الدقة ، وهي تكتفي بنفي أي دور "للإلهي " أو "الديني " في تنظيم شؤون المجتمع العامة ، كإدارة والسياسية والاقتصاد والتعليم والثقافة ، والإبقاء على هذا التنظيم بشريا بحتا .والعلمنة لا تعني الإلحاد أو المادية ، بل إبعاد الدين عن تنظيم المجتمع الإنساني وشؤونه السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، على أن يحفظ له دوره الأساسي في المجالين الروحي و الأخلاقي .( )
لكن ورغم راهنية المصطلح لكنه لا يعدم جذوره الممتدة في الفلسفة اليونانية القديمة لفلاسفة يونانيين ، غير أنها خرجت بمفهومها الحديث خلال عصر التنوير الأوروبي اذ يستشهد العلمانيون بأوروبا في العصور الوسطى بفشل النظام الشمولي لما بلغت إليه أوروبا من تردي عندما حكمت الكنيسة أوروبا وتعسّفها تجاه كل صاحب فكر مغاير لها.اذ عاشت اوربا الحروب الدينية في ظل عهد الطغيان الكنسي والاضطهاد الديني كان من أبرز معالمها "محاكم التفتيش" ،فلقد أنشأ البابا جورجوري التاسع في عهد لويس التاسع ملك فرنسا محكمة التفتيش عام 1123 ، ثم صدر عام 1252 أمر بابوي من قبل انوست الرابع يرسخ نظام محاكم التفتيش ويشرح عن الاضطهاد الديني ( ) هنا كان رهان الصراع متأجج بفعل العامل الديني والدولة من هنا ظهرت الدعوات التي رفعها الفلاسفة إذ كانوا يرتؤون أن الكنيسة لا يجب أن تخرج من نطاق جدران الكنيسة لتتحكم في قوانين الميراث والوقوف في وجه النهضة العلمية ونعتها بالسحر إبّان العصور الوسطى. في أوروبا كتب الفيلسوف وعالم اللاهوت " غيوم الأوكامي" (1295-1349) ( ) حول أهمية: "فصل الزمني عن الروحي، فكما يترتب على السلطة الدينية وعلى السلطة المدنية أن يتقيدا بالمضمار الخاص بكل منهما، فإن الإيمان والعقل ليس لهما أي شيء مشترك وعليهما أن يحترما استقلالهما الداخلي بشكل متبادل.
لكن مع الإصلاح الديني في أوروبا استعر الخلاف المذهبي فلم يعد الإيمان الحقيقي مرتبطا بالكنيسة الكاثوليكية بزعامة البابا ، إذ ظهر جمهور الكنائس والحكام "العلمانيين " في إجبار الناس على اعتناق إي معتقدات دينية يعدها الحكام والكنائس ايماناً حقيقيا وتحقيق وحدة الاعتقاد بما تراه الكنيسة والحكام ممثلا للايمان – الذي يؤسس ويستمر بالاكراه في كل دولة وولاية ( ) و في ظل هذه الصراعات جاءت حلول العلمانية والتسامح والتعددية الدينية ثم التحولات الحداثوية لتشكل تحولا مهما من بنية ثقافية الى أخرى . لقد جاءت الحداثة بوصفها خطابا فلسفيا محطما " الاصنام " و "ازالة الصبغة السحرية عن العالم ( )عبر منعطف ثقافي يقف بين عصرين ما قبل الحداثة والعصر الذي يؤدي الى الحداثة كما وصفه "ماكس فيبر :بالشرخ الكبير بين عالمين عالم الأسطورة وعالم إزاحة الأسطورة وقد قاد هذا التحول مجموعة من المثقفين وكما يقول "سروش" : فان المثقفين يولدون في مرحلة التحول والتغيير ، ويربطون بالعصور التي يوجد فيها قطيعة تاريخية في المجتمع البشري وفي مرحلة العبور من العقل التراثي إلى العقل الحداثوي ظهر المثقفون في الغرب من قبيل : اسبينوزا ، جون لوك ومونتسكيو وفولتير ، ولما تم (التحول تحول المثقفون الى كتاب ومفكرون وعلماء وفلاسفة ... بسبب انتهاء مرحلة العبور ).( ) و في ظل هذا التحولات الفكرية والصراعات الدموية بين الدين والدولة جاءة المعالجات التي تهدف الى ايجاد حلول عبر تطور العلمانية التي تنشأ كمذهب فكري وبشكل مطرد إلا في القرن السابع عشر، يمكن إن نرصد ابرز فلاسفتها وهم :
أ- لعلّ الفيلسوف إسبينوزا(1632-1677)كان أول من أشار إليها إذ قال أن الدين يحوّل قوانين الدولة إلى مجرد قوانين تأديبية. وأشار أيضًا إلى أن الدولة هي كيان متطور وتحتاج دومًا للتطوير والتحديث على عكس شريعة ثابتة موحاة. فهو يرفض اعتماد الشرائع الدينية مطلقًا و مؤكدًا إن قوانين العدل الطبيعية والإخاء والحرية هي وحدها مصدر التشريع.وقد جاء كتابه رسالة في اللاهوت والسياسة من أجل أمرين :الأول إثبات إن حرية الفكر لا تمثل خطرا على الإيمان ، أو بتعبير آخر ، إن العقل هو أساس الإيمان .أما الثاني أن حرية الفكر لا تمثل خطرا على سلامة الدولة ، أي أن العقل أيضا هو أساس كل نظام سياسي تتبعه الدولة ( )
ب- ثم جاء الفيلسوف الإنكليزي جون لوك (1632 – 1704) نلمس تحولاً جديدا ً في المشروع الحداثوي الذي يعد - تحولا فكريا مهما - عندما تم طرح أفكار جديدة تعبر عن ولادة سلطة الحداثة السياسية والفلسفية مع جون لوك ،وقد كان لها تأثيراً في فكره الذي انطلق من نقد السلطات السابقة ذات الجذور الدينية التي تقوم على أمر الله الذي قرر تلك القواعد وجعل لها عقوبات ذات وضع اسمي ونفعي(-;-) محض لا يرى في المجتمع سوى سلطة أكثر فاعلية وأكثر استقرارا لقمع انتهاكات القانون وهذا الموضوع يحدد لهذه السلطة حدا واضحا دقيقا فالمواطن غير ملزم بطاعتها إلا إذا تصرفت بموجب قوانين ثابتة دائمة لا بموجب قرارات ترتجل من وقت لأخر اذ كان يصر لوك "على ان تكون السلطة التشريعية هي السلطة العليا في الدولة وانه يجب ان تكون الحكم الفصل في كل ما ينشا من مواضع الخلاف والنزاع "( ) ومن ثم فأن السلطة اشتراعية لا تستطيع إن تفعل ما تشاء ولا تستطيع على الأخص إن تتصرف بأموال الرعايا بإخضاعهم لضريبة غير مقبولة عنهم فالميثاق بين الرعية والعاهل ثنائي الجانب ومن حق الرعية إن تثور على انتهاك القانون ذلك هو أصل السلطة الملكية وتلك هي طبيعتها. ( ) ومن هنا اراد في بحثه (في الحكومة المدنية)" ان يوضح بان الدولة هي عقد تم بين الإفراد لحماية متاعهم وأملاكهم فالمرجع النهائي فيمن يولي العرش هو الشعب وحده ووسيلة التعبير عن رايه هي الأغلبية " ( )وقد دافع لوك في كتابه (في التسامح) عن حق الإفراد في الحرية الشخصية وهو يحتم ان يكون لكل إنسان الحق الكامل في إبداء أرائه حرا من كل قيد ( )يقول جون لوك في الحكم المدني " لايستطيع احد ان ينتزع السلطة ليحكم رغما عن إرادة المحكومين وإلا أصبح مغتصبا فالاغتصاب هو استيلاء على ما هو من حق لامرئ اخر " ( )
اما في مجال العلاقة بين الدولة والدين : لم يكن بمستوى تطرف هوبز القائم على اخضاع الكنيسة للدولة بل فصل بينهما وبين سلطتيهما لانه يعلل هذا التوصيف بالقول :" ان سلطات الحكومة المدنية لا تتعلق الا بالمصالح المدنية وفقا لهذا تغدو الآراء الدينية تتمتع بحق بالمسامحة مطلق وشامل "( ) من هنا فان " لوك " يكون قد عزل السلطة المدنية عن الدينية واعطاء كل منها موضوعه .كتب في موضوع العلمانية: "من أجل الوصول إلى دين صحيح، ينبغي على الدولة أن تتسامح مع جميع أشكال الاعتقاد دينيًا أو فكريًا أو اجتماعيًا، ويجب أن تنشغل في الإدارة العملية وحكم المجتمع فقط، لا أن تنهك نفسها في فرض هذا الاعتقاد ومنع ذلك التصرف. يجب أن تكون الدولة منفصلة عن الكنيسة، وألا يتدخل أي منهما في شؤون الآخر. هكذا يكون العصر هو عصر العقل، ولأول مرة في التاريخ البشري سيكون الناس أحرارًا، وبالتالي قادرين على إدراك الحقيقة".( )
ج- مونتسكيو (1689)يمثل عتبه مهمة في التحول الحداثوي والعلماني إذ يمثل عصر التنوير مع فولتير وغيره ، فقد أكد سواء في كتابة الرسائل وروح القوانين إلى التأكيد على : أن التسامح بتعدد الاديان في الدولة لن يؤثر على أمنها من منطق مونها المذاهب الدينية كلها تدعو إلى الإذعان وتفرض الطاعة وهو ما يسهم في تحقيق الأمن في الدولة . والثاني ان التعصب يكمن في روح الحماسة لدى المهتدين الجدد والمعتنقين المتحمسين والذي يمكن ان يؤدي نحو الى انحسار العقلانية .
النتيجة : في ظوء الرهان الغربي فان العلمانية بزغت هنا في ظل مجتمع يعاني من اصطراع ديني أو طائفي أو مذهبي وبهذا يكون رهان العلمانية بوصفها " الشرط الضروري ولكن غير الكافي بالتأكيد لتحقيق السلام الاجتماعي الديني والمذهبي والطائفي والإيماني في المجتمعات الحديثة أو السائر في طريق التحديث والتنمية بشكل أو بآخر "( ) لكن أيضا يمكن التأكيد أن العلمانيّة لا تعتبر شيئا جامدًا بل هي قابلة للتحديث والتكييف حسب ظروف الدول التي تتبناها، وتختلف حدة تطبيقها ودعمها من قبل الأحزاب أو الجمعيات الداعمة لها بين مختلف مناطق العالم. رغم كل هذا إلا إننا نستطيع أن نرصد سماتها الإجرائية في النقاط الآتية :
1- فالعلمانية لا تحاول وغير معنية اصلاً بأن تتحول إلى عقيدة فلسفية تبغي أن تحل محل العقائد التي يؤمن بها الناس في المجتمع .فالفرد يملك الحق أن يؤمن بما يشاء ويحفظ إيمانه بما يعتقد ,ولا يتعارض ذلك مع علمانيته إذا آمن بحق الآخر بالاعتقاد وإبداء الرأي وإذا آمن بالتداول السلمي للسلطة وبحق الأغلبية في الحكم مع ضمان حقوق الأقليات الفكرية أو المذهبية أو الدينية أو العرقية المغايرة, وان لا مساومة في هذا,ويجب أن يتم حمايتها بقوة القانون.( )
2- التعامل مع الديمقراطية والعلمانية كحركات تحديثية تهدف إلى تشجيع مبدأ المواطنة والتمدن وترفض الدين كمرجع رئيسي للحياة السياسية .
3- اعتماد المعرفة العلمية المستمدة من الوقائع المادية للأمة كسبيل أوحد نحو تحضر المجتمعات ورقيها.
4- تعمل على ضمان حرية الإنسان واعتباره المرجعية الرئيسية للسلطات الشرعية والممثل الوحيد للإرادة الشعبية. على العكس من المرجعيات الدينية التي تعتمد على ما تعتقده حقائق مطلقة أو قوانين إلهية لا يجوز التشكيك في صحتها أو مخالفتها مهما كان الأمر
5- تدعو إلى الاحتكام إلى الأغلبية في بيان أشكال ومنطلقات المجتمع والسعي إلى استخدام آليات متفق عليها في تحديد هذه المفاهيم وتوفير الوسائل الضرورية للمجتمع في إمكانية طرح البدائل والسعي إلى تكوين إجماع شعبي مغاير للوضع القائم.
6- تنفي عن السلطة السياسية التدخل في فرض عقيدة على المواطنين لان هذا الأمر ليس من شانها .
7- وقد كثفها صادق جلال العظم في :حيادية الدولة الايجابية تجاه الدين ، مما يعني قدرتها الاستيعابية للمجتمع المتكثرة الأديان ،وذلك بضمان الدولة لفكرة استقلال الحياة العامة للمجتمع عن مبادئ دين الأكثرية ، عبر المساواة بين المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية ، وعبر صيانة حرية الضمير والمعتقد للمجتمع .( )

المبحث الثاني: تمثل الدين الليبرالية عند سروش :

نحن هنا نحاول أن نقف عند أطياف سروش عن العلمانية ضمن فضاءه الثقافي والاجتماعي ومن اجل أن نقوم بهذا وجدت من الضروري أن نعرض إلى فكره عن العلمانية من خلا كتابه الذي يحمل عنوان الدين العلماني ثم ربط فكرته بباقي مؤلفاته .
المطلب الأول : تحليل كتاب"الدين العلماني
يبدو ان الكتاب عبارة عن مقالات او محاضرات تنتمي إلى الطابع ألشفاهي في تواصلها مع الجمهور مما يجعل من المثقف هنا يحاول أن يتواصل مع الجمهور من خلال المفاتيح التواصلية : مناسبة معينه كانت جامعا من اجل إلقاء المحاضرة او موضوع معين كانت المحاضرة استجابة لها مما يجعل من الكتاب بطابعه ألشفاهي يميل إلى التواصل أكثر من كونه ذا طابع فلسفي ، لان المهم في الكتاب هو التواصل والتأثير بالمتلقي اذ كثير من العناوين تم طرحها ضمن مقالات وكتب أخرى وهي تقوم بالتحريض الذي يقوم به المثقفون الذين يجدون أنفسهم بين عالمين دورهم يكمن بادراكهم المنعطف التاريخي بين عصرين فهم " كانوا يعون التحول من التراث الى الحداثة بعضهم كان لم يتحول بقدر ما كان محرض علية" ( ) وهذا الأمر نجده أيضا ممكن أن ينطبق على سروش الذي ينتمي الى خطاب مشترك لمجموعة من المثقفين يتقاسمون معه الكثير من المفاهيم والمشتركات ، تحاول طرح خطاب حداثي جديد يحاول إعادة قراءة التراث وإعادة تأويله مما يجعل منه مقبول لأنه يمثل تجربه غنية بالمعيار الجديد في تأسيس العيش في ظل المكاسب الجديدة .
من هذا الرهان نستطيع أن نعالج تكوين الكتاب الذي كان قد حمل عنواناً لاحد المقالات قد يكون لوقع الملفوظ الصادم أو انه قاسم مشترك بين المقالات التالية علية أو تلك المتقدمة عليه وهذا ما نميل إليه في تناولنا لهذا أردنا أن نعرضه تكوينيا مبينين الطابع التعاقبي في الكتاب الذي اعتمد عرض الأفكار وتفسيرها شرحا او تقريبا من فضاء المتلقي وأحيانا اعادت تأسيسها في الفضاء السياسي والثقافي مما يفترض نقدها وإعادة تأويلها .ونحن سوف نحاول عرض مقالات الكتاب التي تنتمي إلى الفضاء ألشفاهي مما يجعلها محاضرات مرتبطة بمناسبات معينه تركت ظلها على المقالة؛ إلا أنها تعرضت إلى التحرير وإعادة الإنتاج .
فقد جاءت المقالة الأولى مسألة الدين والمجتمع وهي تجسد محاوله لبيان مفهوم المجتمع المدني وهو مفهوم حديث ينتمي الى الفضاء الحداثي فحاولاً تبيان ماهية هذا المفهوم من خلال بيان ماهية العلاقة بين الدين والمجتمع المدني وهي دراسة تأخذ طابع ألمقابله الضدية مع مفهوم أخر هو " المجتمع البدوي " لا ادري ما مدى دقة الترجمة إلا إني أجد انه هنا يستعيد تلك الثانية التي ظهرت في فكر هوبز في كتابه "اللفياثان "( ) والتي ناقشها جون لوك إلا أن جهد سروش التأسيسي يقول فيه "وهذا المصطلح طرح لأول مرة بواسطة الفيلسوف (جون لوك )وذكر أيضا مصطلحا آخر يرادفه في المعنى وهو (المجتمع السياسي)"يقوم على مفهوم مقابل للمجتمع المدني وفرقه عن المجتمع البدوي أذ يقول عن مفهوم المجتمع البدوي :هي حاله من الفرضية التخيلية بان نتصور الإنسان ما قبل المجتمع والنظام الاجتماعي ...كان يعيش كالحيوان ثم انتقل إلى حاله أخرى من النظام الاجتماعي ... ومن ملامح المجتمع البدوي كما يراه روسو انه كان يعيش حاله طبيعية في حركة الحياة وأن المجتمع المدني قد فرض على الإنسان نمطا خاصا وصناعيا في الحياة والمعيشة إلا إن روسو يرى في هذا أكراه للإنسان على الخضوع لنمط معين من القيم والأعراف .
لكن سروش يرى امرأ أخر بهذا يلفت نظرنا إلى حالة التعري والانفراد التي صاحبت الإنسان والحيوان إلا أن الإنسان متلف إذ لم يبقَ بحالته الطبيعية بل سعى إلى تشكيل مجتمع او التخلص من حالة التعري الطبيعي قد يكون مرد هذا إلى نظرية الحاجة ونظرية الاستخدام هو ما جعله ميال الى الخضوع إلى قواعد تجعله يميل إلى أن يستر نفسه بلباس الأخلاق والمدنية، قد يكون ومرد هذا إلى نظرية الحاجة والاستخدام وبكيفية أخرى حتى يتعلم كيف يعيش وهذا يفترض به أن يتعلم الأخلاق بالدرجة الأولى اجل أن ينسجم مع الحياة الاجتماعية - ثم القانون بالدرجة الثانية وفيها يحدد سروش عنصر الاختيار في القانون المدني من خلال تاكيد على وجود فارق بين الحاكم الذي يفرض حكومته على الناس ، وبين من يختاره الناس لهذا المنصب ويفوضونه امر الحكومة ثم أيضا القانون لابد ان يتوفر فيه الشمولية فلا معنى لوجود قوانين متعددة في مجتمع واحد ويعيش النظم والقوانين التي تتناسب مع الحق والعدل إلى جانب الحرية والديمقراطية، وضرورة إشراف الشعب على تصرفات السلطة وإشراكه في صنع القانون والنظام السياسي في حركة الواقع الاجتماعي. وهذا هو معنى التمدّن والتحضر ثم انه بعد التأسيس والتبيئة للمفهوم يضع هنا قواعد تهم واقعه الفكري والسياسي وهو ما تجلى في النقاط الآتية :
1- لا يمكن أن يكون الشخص المنتخب جامع لكل الصلاحيات فلابد من الفصل بين السلطات الثلاث القضائية والتشريعية والتنفيذية .
2- التوزيع العادل للمعلومات والأخبار، لأنه يمنع احتكار المعلومة وبالتالي توزيعها بصوره عادلة مما يمكن الفكر أن يميز بين صحة هذه المعلومات والإخبار .
3- ضرورة إشراف الشعب على تصرفات السلطة ، من خلال تحديد صلاحيات الحكومة ، واختيار القانون المناسب ، وهذا يتطلب أن يكون الناس احراراً في نقد الحاكمين فلابد من تقنين الأدوات والقنوات التي تمكن الشعب من الإشراف على تصرفات السلطة ، وهذه الأدوات : الأحزاب ، الصحف ، النقابات .
4- تحديد دور الأحزاب في المجتمع المدني ، من اجل تحقيق سيادة الشعب فلابد من ان يسير في منعرج التطور والأحزاب واحدة ومن الأدوات.
5- المجتمع المدني في منظار الدين : إن الإنسان وبسبب التدين يحضى بستر روحي خاص ويكون متأدباً بآداب معينة تمهد له السبيل إلى الورود إلى الحياة الإنسانية الواقعية ، ولو أنه لم يتأدب بهذه الآداب وخضع لسيطرة الشيطان فانه يتبدل إلى إنسان بدوي عار ، وهذا الإنسان العاري هو الشخص الذي يتوسل بالعنف والوحشية في تعامله مع الآخرين ويعتدي على حقوقهم .( ) ومن هنا سروش كأنه يجد في الدين ليس معارض بل ممهد إلى تمدن المجتمع .مثلما المدنية تستر عري الإنسان وتجعله صاحب خلق ومدنية وقانون فالمجتمع بسبب تدينه يحضى بستر روحي يمهد السبيل إلى الورود للحياة الإنسانية الواقعية ( )،ويخلص الى القول : ينبغي تصحيح فهمنا للدين وكيفية الاستفادة منه بالشكل المطلوب بحيث يتم التصالح بين الدين والمجتمع المدني ( ) وبهذا يكون سروش قد قام بالتعريف بالمجتمع المدني من خلال تبيان الحاجة إلية ثم قرب بينه وبين الدين وجعل من الأخير مقدمه له ، إلا انه أعاد فهم الحياة في ضوء هذا المفهوم الحداثي .
وفي مقالته الثانية: نجده يقوم بتعريف الخطاب الليبرالي من خلال التعرض لمباني هذا الفكر بالشرح والتفسير ، من خلال تقديمه تأصيل عن من تاريخ الليبرالية وبيان أصول هذا المذهب الفلسفي الذي يقوم على أساس التعددية وعدم احتكار الحقيقة ونفخ روح الجرأة والشجاعة في عقل الإنسان ليطرح علامات استفهام ، وهنا يعمل سروش على التأصيل ألمفهومي للخطاب الليبرالي وهويته وأبعاده ومبانيه، ويخلص الى أن الليبرالية ظهرت في ثلاثة محاور على الأقل: المحور السياسي، المحور الاقتصادي، المحور الفكري والنظري، وأهم شعار طرحته الليبرالية على مستوى الاقتصاد هي ضرورة إلغاء مضايقات الدولة في مجال التجارة والاقتصاد ولزوم تامين الحرية والأمان لرؤوس الأموال والقوانين والمقررات التي تساعد التاجر على التصرف بحرية في عمله ونشاطه التجاري. من هنا يمكن القول أن الليبرالية ظهرت في البداية في ميدان التجارة والاقتصاد ، ثم بعد ذلك تفرع من هذه ظاهرة التفكير الفلسفي والنظري لليبرالية، أي متطلبات العصر وزيادة السكان وتعاظم الثروة التي استدعت التفكير بصور جدية حول التنظير لهذا المحور الاقتصادي." وعلى هذا الأساس فانه يرى أن ظهور مفاهيم مثل " العدالة الاجتماعية" في نظر الليبرالية حالة عفوية تتولد بصورة طبيعية من خلال التفاعل الاجتماعي والاقتصادي بين الأفراد لا أمر يفرض على الناس من الأعلى. العدالة التي تفرض من الأعلى لا تهتم بالحقوق، بينما العدالة المتولدة تلقائيا في المجتمع تأخذ بنظر الاعتبار استحقاق الأفراد".( ) و بعد أن يستعرض الدكتور سروش لمحات سريعة من تاريخ الليبرالية، ينطلق في مقالته هذه من بيان أصول هذه المذهب الفلسفي الذي يقوم على أساس التعددية وعدم احتكار الحقيقية ونفخ روح الجرأة والشجاعة في عقل الإنسان، ليطرح علامات استفهام أمام مسلمات الدين وبداهات العقيدة والأخلاق والسياسة. إن أبرز وأهم شعار لليبرالية شعار ( لتكن جريئا في التعلم والمعرفة) فكل ما يدور حول مفهوم الليبرالية من هذا الشعار " وهنا يرى إن الدراسات التي ترصد التطورات في هذا المضمار العقلي يرجعها سروش الى المذهب الرومانطيقي بقوله : في الحقيقة أن ما يقال عن العقلانية المفرطة، أي إهمال العواطف والتحرك باتجاه العقل والعقلانية وهو الشيء الذي أفرز المذهب الرومانطيقي بعد ذلك كرد فعل للتأكيد على العقلانية والليبرالية، وكذلك تنكر للوحي والدين وإلغاء دور رجال الدين والمؤسسة الدينية ونفي المقدسات الدينية والحقوق الإلهية وأمثال ذلك كلها تتولد من رحم هذا الشعار ( لتكن جرئيا في طلب المعرفة)" يشير الدكتور سروش : إلى أن مفهوم الليبرالية يعني أن كل شيء وكل شخص ليس مقدسا إطلاقا وعلى الناس أن يتحرروا من شر المقدسات فلا ينبغي الاعتقاد بشخصية أو عقيدة معينة من خلال عنصر التقديس والتجليل فقط، فنحن بعد هذا اليوم من أهل التحليل لا من أهل التجليل، وأما العقلانية فهي وليدة الليبرالية، ومن هنا يبرز دور العقل في حياة الإنسان من خلال مهمة في التحليل والنقد لا في التجليل والتقديس. هذا في البعد المعرفي لليبرالية. ( )
أما في البعد الإنساني والانثروبولوجي في هذا الفكر، فأن محور الفكر الليبرالي يؤكد على حقوق الإنسان ، وترى أن العقيدة لا تمثل ركنا في إنسانية الإنسان، فكل الناس سواسية أمام القانون، و لا يحق لمذهب معين محاكمة الناس وإصدار عقوبات في حقهم بسبب الاعتقاد ببعض الأفكار أو اختيار عقيدة معينة " موقف الليبرالية من إنسانية الإنسان يتجلى في دائرة واسعة جدا، فلا أحد من أفراد البشر يسقط من الإنسانية بسبب العقيدة أو يكون مستحقا للقتل وسلب الحقوق لهذا السبب، إلا أن تقوم المحكمة القانونية بإصدار حكم الإعدام في حق أحد الأفراد لا من أجل العقيدة بل من أجل بعض الأعمال الإجرامية".( )
وعلى المستوى السياسي فالديمقراطية تمثل الواجهة السياسية للفكر الليبرالي وتقليص دور السلطة ودعوة الناس للمشاركة الجدية في اختيار الحاكم وتشكيل البرلمان " الليبرالية ترى بان جميع أفراد البشر لهم حق الحكومة والسلطة بدرجة واحدة وليس لأحد هذا الحق في مرحلة سابقة( ) ". من هنا يرى الدكتور سروش أن الدعوة إلى الحرية والديمقراطية ومشاركة الناس في اختيار الحاكم وتشكيل البرلمان و المساهمة في إبداء الرأي وعدم إلغاء أي عقيدة بصورة مطلقة ركائز أساسية لليبرالية.
وتحدث في المقالة الثالثة :عن مسألة الفقه في الميزان وفيها يطرح تساؤلات هامة أمام الفقه الإسلامي ومبتنياته الفكرية والتراثية، والتأكيد على ضرورة بلورة الأحكام الفقهية الجديدة من خلال رؤية نقدية جديدة.
على ضرورة بلورة الأحكام الفقهية الجديدة من خلال رؤية نقدية جديدة لاضفاء واقعية أكثر عليها لتحقيق الانسجام الفاعل بين متطلبات الدين ومقتضيات العصر.
المقالة جاءت جوابا على مقالة للشيخ المنتظري يؤكد فيها هذا الأخير على قابلية الفقه التقليدي السائد في الحوزات العلمية للتواصل مع الحياة العصرية والاستجابة لاحتياجات الإنسان في مواجهة تحديات الواقع الجديد، بينما يرى الدكتور سروش أن لا فائدة في الالتزام بالفقه لعقلنة القواعد الفقهية اعتقادا منه إننا نعيش في عالم تبدل المفاهيم وانقلاب المعايير والتغيير المتسارع في منظومة القيم والأعراف الاجتماعية مما جعل من الفقه التقليدي يقف عاجزا عن معالجة المساحات التي أفرزتها الحضارة الجديدة في حركة الحياة والواقع.
فيما تحدث في مقالته الرابعة : عن النسبة بين العدالة والقانون من خلال التساؤل عن مصدر القانون ومن له الحق في تحديد الإنسان وصياغة القانون الذي يتكفل استيفاء الحقوق مع المحافظة على أصل العدالة.
تحدث الدكتور سروش في مقالته الرابعة عن النسبة بين العدالة والقانون من خلال التساؤل عن مصدر القانون ومن له الحق في تحديد الإنسان وصياغة القانون الذي يتكفل استيفاء الحقوق مع المحافظة عل أصل العدالة.
هنا يطرح سروش عدة نظريات في هذا الخصوص وينتهي إلى القول بأن مشروعية القانون ( )لا بد أن تكون مستوحاة من رضا العامة وعلى أساس العقد الاجتماعي لا على أساس مشروعية القوة ولا على أساس الحق الإلهي لفئة رجال الدين ولا على أساس محورية المصلحة النوعية.

أما في مقالته الخامسة يتحرك الدكتور سروش للبحث في مقولة الدين العلماني بوصفه صوره تنطبق على سلوك بعض التيارات الإسلامية التي تنطلق في رؤيتها الدينية من موقع إيديولوجي، وترى أن الدين قد جاء لأعمار الدنيا وإقامة العدل والقسط في أرجاء المعمورة وأن يتحرك الإنسان في هذه الحياة على مستوى إصلاح الحياة الدنيا بدوافع دينية. إلا أن سروش يذهب في الغرض من الدين مذهب العرفاء حيث يمثلون نسبة الدنيا إلى الآخرة كنسبة الجنين في بطن أمه إلى العالم الخارجي(.وهذا موضوع سوف نتناوله بشكل أكثر سعة فيما بعد ).
وأخيرا نقرأ في مقالته السادسة دراسة عميقة عن كيفية الجمع بين الدين والديمقراطية في الحكومة الدينية، فبما أن هذا المعيار في جميع الحكومات الدينية والوضعية هو العدالة، وهذا المعيار يؤخذ من خارج الدين، أي من العقل العلمي، أمكن الجمع بين الديمقراطية والدين على هذا الأساس، وهذا لا يعني إلغاء دور الشريعة في ترشيد مسار المجتمع المدني والديني

المطلب الثاني - العلمانية في خطابات سروش
ان البحث في علمانية سروش تنبع من علاقة بين الدين والايديولوجيا اذ يرى ثمة خطابين في الفكر الاسلامي في العلاقة بين الدنيا والاخرة :الأول : الخطاب الذي يرى غلب الآخرة على الدنيا : وهو بدوره ينقسم الى قسمين الأول منهما هو "الخطاب الصوفي " الذي يهمل الدنيا ويسعى الى تحقيق النجاة الفردية ، تاركا الدنيا مغلبا عليها طلب الآخرة .إما القسم الثاني فهو الخطاب المهيمن في التراث وامتداداته المعاصرة والذي ينظر إلى الدنيا على أنها مجرد قنطرة من اجل الآخرة .
الثاني : وهو الذي جاء كرد فعل على تلك الرؤية التي ترفض الدنيا من اجل الآخرة وقد مثل هذا الخطاب كل من : جمال الدين الأفغاني (1838-1897)،إقبال اللاهوري (1873-1938) ، وبازرجان ( )، وعلي شريعتي(1933-1977) ، هنا هذا الخطاب يعطي دور الى الدنيا في علاقتها بالآخرة فمثلا يذكر قول الأفغاني :إن ترك الدنيا بالمعنى الصوفي أصبح غير ممكن للمسلمين ولا يصح التفوه به ، فنحن نعيش في هذا الزمن وفي العالم هناك الكثير من الشعوب تستخرج معادنها وتستخدم قوة الطبيعة لإحياء وأعمار هذا العالم ، فلا يصح للمسلمين أن يبقوا على الحاشية والهامش ويكتفوا بالنظر ، ولهذا نحن مضطرون إلى الوصول في ميدان المسابقة والتخطيط لحياتنا الدنيوية .( ) وما يقوله علي شريعتي :"إن الدين لا ينفع الإنسان قبل الموت لا ينفعه بعد الموت أيضا "( ) اذ يرى إن هذا النمط من الدين هو يحمل اسمان معا:
الدين العلماني: لأنه يجعل محل اهتمامه أعمار الدنيا وهو أمر مشابه لما يقوله العلمانيون في الغرب "العلمانيون يفصلون الدنيا عن الآخرة ، ولا يهتمون بالآخرة ، وفي نظري أن أهم واقعة حدثت في الحضارة الغربية هي أنهم غفلوا عن الحياة الأخروية أو أنكروها ، وعلى أية حال أنهم لم يعتنوا بتلك الحياة ولم يحسبوا لها حساب (رضوا بالحياة الدنيا وأطمانوا بها ) أي انه تحركوا نحو اشباع حاجاتهم الدنيوية ولم يجهدوا مجالا للتفكير في آخرتهم التي لا يشاهدونها فلماذا يتعبون أنفسهم في سبيل ما لا يشاهدوا ؟"( ) فالدين العلماني هو الدين الذي يقتبس تعاليمه من الوحي لغرض أعمار الدنيا وتدبير أمور هذه العالم أن هذا المفهوم للدين يتنافى مع معتقداتنا الدينية .( )
الدين الإيديولوجي : هنا يحاول أن يعبر عن معنى الايدولوجيا بوصفها بداية من اجل تحديد علاقتها بالدين والإيديولوجية كما حصلت في الفكر الإسلامي المعاصر
معنى الايدولوجيا :يرى بالعودة إلى ماركس أن الايدولوجيا نوع من الشعور الكاذب ، أي الجهل المركب ، وهو يرى ان لا يعلم الشخص أنه لا يعلم ويتصور انه يعلم .ولذلك فهي في الحقيقة وعي كاذب وتصور خاطئ.وهي مجموعة من الأفكار المنتظمة وليس المتناثرة وتقوم على الوهم والباطل . وتكون هذه الأفكار في خدمة منافع طبقة خاصة وتستغلها قدرة معينة في المجتمع لتحكيم وتعميق سلطتها وتزدري أفكار الآخرين بحيث أنها تغلب النظرة إلى العالم لدى صاحبها وتجعله موافقا لمصالحها الطبقية ، فمثل هذه الأفكار تسمى "إيديولوجيا ".( ) ومن ثم هناك آليات تعمل معها في إقامة خطاب :
الايدولوجيا بوصفها سلاح :غالبا ما يعمل المثقف الشمولي على ادلجة المجتمع من خلال التعامل مع الفكر بوصفه سلاح أو إلية قتل تفترض هناك عدو يحاول اجتثاثه أو إزالته والهدم ولا تقتضي البناء ، كما يقول لينين :"أن العمل الثوري يحتاج لنظرية ثورية "، العمل الثوري مفارق الى أي عمل أخر يقوم على التحول التدريجي فكونه مفارق تأتي من كونه عمل يقوم على المغايرة الثورية ؛ لأنها يقوم على التحول العنيف الشامل المغاير لما هو قائم وبالتالي هو عمل انقلابي منظم يرفض ما هو قائم ويحرض على تغيره ووسيلته هي العنف من خلال خلق قناعات ومعتقدات لهذا فالإنسان عندما يمتلك نظرية ثورية وهي " الأيدلوجية " يصبح ممتلك خطة أو رؤية وهي تجعله يدرك جيدا ماذا يصنع وماذا ينبغي أن يزيل ويهدم أي أنها ترسم الأهداف الواجب إزالتها ومسوغات ذلك وبالتالي هي بمثابة حربة بيد معتنقها .
الوضوح والدقة والصلابة : متى يتم تحويل الفكر الى سلاح فلا مفر من أن يكون " عبارة عن أفكار دقيقة وواضحة وحاسمة " ( )، لكن هذه الخطة-حسب النقطة السابقة - التي ترسم الأهداف لا تقدم له شروح تحليلية مفصلة من اجل مناقشة تحليلية ، بل أنها تتبع الطريق السهل العام الذي لا يحتاج الى رؤية تحليلية وهي لا تتوفر ؛ إلا لقلة من الإتباع في حين اغلب الإتباع لا يمتلكون هذه القدرة من هنا نرى أن الأيدلوجية تحاول تكثيف أفكارها في صياغة عامة واضحة في التلقي ودقيقة في رسم الهدف وصلبة تنفي أي اختلاف ، وهي أفكار لا تحتاج العقل بل القلب وهي تقوم على التلقين للإتباع وهو من البسطاء الذي يميلون الى التلقي بدون مناقشة . فعندما يقال الحزب الفلاني يحمل أيديولوجية ونعني بها مجموع القيم والأخلاق والأهداف التي ينوي تحقيقها .
الانتقائية :فالشخص الإيديولوجي الذي يحول الدين إلى إيديولوجية ، لا يستطيع التعامل مع مفاهيم دينية متشابهة ومحيرة أن يستعملها بوصفها سلاح قاطع في عمله ، ومن هذه الجهة فان كل ايدولوجيا تستخرج من قلب الدين ستكون انتقائية.... كما يستخرج النحات من قلب الصخرة تمثالا حجريا ، سواء قلنا أن هذا التمثال كان موجودا في الصخرة وجاء هذا الفنان وحرره من الصخرة ، أو لم يكن فيها وأن الفنان هو الذي نحته وصنعه "( ) فالتلفيق لا ينتج فكر برهاني بل أفكار عامة قابله أن تحوز إجماع لدي العامة وقادرة على تحريكهم .
تناسب السلاح مع العدو :من أهم خواص إيديولوجية الخصومة مع العدو بمثابة الضد على الطريقة المانوية – مجازا – لأنه بدون عدو لا حياة لها ""(اذا قلنا بوجود الصلابة والوضوح والحدة في الايديولوجيا ، فترتب على ذلك أن هذا السلاح ينبغي أن يكون متناسب مع نوع العدو ونوع المعركة والقتال ."( ) هذا العدو بمثابة الضد ألقيمي والوجودي ويمثل التضاد الواجب إزالته فتنظر الى ذاتها بوصفها تعبر عن( الوفاء والتضحية ) وتنظر الى العدو الخصم بوصف أديولوجات الخصوم تعبر بل وتجسد (أقنعة تتستر) وراءها نوايا خفية حقيرة لئيمة .
إيجاد الحركة لا طلب الحقيقة : إذ كانت النظرة الأيديولوجية تعني أنه يتخير الأشياء، ويؤول الوقائع بكيفية تظهرها دائماً مطابقة لما يعتقد أنه الحق فهي عبر ما تنتجه من تأويلات تعمل على اختلاق مخيال عقائدي يتأول الإحداث انطلاقا من رؤيته المحكومة بمصلحته الفئوية أو الحزبية فهذه الرؤية تعمل وتحرض على الانقلاب الاجتماعي أو السياسي أو الديني حتى يتواءم الواقع مع الفكرة الإيديولوجية التي تحملها الجماعة الانقلابية من اجل تحقيق هذا فهي تعمل على ايجاد الحركة ولا تطلب حقيقة ؛ لأنها لا تعلل أو تحلل الاخطاء من اجل تجنبه ""(فالحركة تتزامن مع القلق وعدم الصبر والخروج عن الاحتياط بينما الطالب للحقيقة )( )
الايدولوجيا تتعلق بمرحلة التأسيس لا الاستقرار : فإنها تمر بمرحلة التأسيس التي تمثل مرحلة الدعوة أو النضال يسعى إلى تغير الواقع القائم حتى ينطبق على الرؤية التي يجملها الحزب أو الجماعة
العلاقة بين الدين والايدولوجيا :
يبدو ان سروش ينتقد التصور الإيديولوجي الذي يربط الدين بالحياة من خلال حديث عن فئة اسماهم" المثقفون الإسلاميون" من خلال علاقتهم الشديدة بالدين من ناحية ومن ناحية أخر علاقته بالحياة العزيزة والكريمة في هذا العالم ، فعندما كانوا يرون أن غير المتدينين (الغرب) توجهوا لأعمار الدنيا واستفادوا من قوى الطبيعة لإيجاد حياة أفضل في نظامهم الاجتماعي وفي مقام تقنين القوانين في المجتمع البشري وكثير من المعطيات الحضارية الجديدة ، وفي نفس الوقت فان حكوماتهم (أي الغربية) لا تهتم للدين حيث وضعوا الدين في الكنائس والمعابد وطرحوه من ميدان السياسة والاقتصاد والاجتماع وتركوا ذلك للعقل ، ومن هنا واجه الإسلاميون وعلماء الدين هذه الحالة فآثرت فيهم الاهتمام في الحياة الكريمة في الدنيا أيضا .( ) وقد انطلقت هذه الرؤية من فرض مفاده( بان الدين يكون للدنيا والآخرة) إن عامة المؤمنين عندما يواجهون هذه الفرضية يقولون أن الدين جاء لسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة ، ومن هنا تتسرب الايدولوجيا مع دخول الدنيوية في مفهوم الدين ، فعندها ندعى أن الدين للدنيا و الآخرة فنحن عملا فتحنا نافذة لدخول الإيديولوجية إلى داخل المفهوم من الدين .( ) ثم انه يصف هذا المسعى لدى هؤلاء المصلحين الذين وسمهم (بالدين الإيديولوجي) في قوله : " فالدين الذي لا يضمن السعادة والعزة والاقتدار لإتباعه في هذه الدنيا فانه ليس دينا حقا ، هو معنى إيديولوجية الدين ، وهذا المعنى لا يتنافى مع كون الإنسان متدينا وملتزما بالإحكام الشرعية "( )

نقد سروش للدين العلماني والإيديولوجي :يبدو أن سروش هنا يعتمد من خلال خطابه إلى الجمهور عملية التورية والمجاز بدليل انه وضع عنوان الكتاب الدين العلماني وكأنه مقابل للدين الإيديولوجي في حين هو يعتبر الاثنين واحد لأنهما يعتمدان على الربط بين الدين والواقع / الدنيا فهم بنظره اقرب إلى الاتجاه العلماني واقرب إلى الايدولوجيا بكل حمولتها الدلالية التي أطنب في تحليلها ، ثم انه يعارض موقف الاصطلاحين(الأفغاني ، وعلي شريعتي ) من موقفهم من العرفان والتصوف خصوصا في موقفهم بضرورة عدم الاكتفاء بتغير النفس بل تغير العالم كما طرحها ماركس( ) وغرامشي (1891-1937)وتبناها شريعتي ويبدو ان سروش كان من خلال العرض يتبناها من خلال شرحه الذي يتطرق فيه الى القول : يرى من خلال استشهاداته العرفانية إلى ضرورة أن يصعد الإنسان بهدفه ويسمو بالغايات إلى الأمور المعنوية ولا يكتفي في إعماله لغايات دنيوية بقوله :"نحن نتصدى للظالمين ونتحرك في خط تحقيق العدالة لان الظلم يشكل مانعا أمام رؤية الله والإيمان بالله هو الدافع لنا على التصدي للظالمين والجبابرة ، فينبغي الالتفات بدقة إلى التابع والمتبوع والخادم والمخدوم في أغراضنا الدنيوية .وينبغي أن نلتفت إلى أهدافنا العليا في حركة الحياة في نفس الوقت الذي نمارس أعمالنا الدنيوية ، وهذا المعنى لا يتنافى مع رسالة الأنبياء التي هي "التخلص من الجوانب الدنيوية والتحرر منها " وهذا يحتم على الإنسان أن يهتم بالدنيا لا كما يتصور المتصوفة من أن ذلك يعني ترك الدنيا وعدم الاهتمام بها بالحاجات الدنيوية ، بل مراد الأنبياء أن الإنسان يجب أن يأخذ حصته من الدنيا ويعمل على إشباع حاجاته البدنية لكي لا تكون عائقا أمام أهدافه العليا ولا تشغل ذهنه في أمور أخرى ...فعندما نؤمن حاجات البدن يمكننا أن نتفرغ لحاجات الروح ، وهذا هو المعنى الدقيق لترك الدنيا والتحرر من متعلقاتها لا كما يظن المتصوفة " في حين انه كان يعني موقف أخر يقوم على ثوابت مختلفة نجده فيها ينحو منحى ليبرالي يفصل بين الدين والحياة العامة وهذا ما جاء في ملامح هذا الدين تحققي يقوم على الكشف الصوفي وبهذا أنه يقوم بإعادة فهم لدين عبر إعادة ترسيم حدود الحرية عبر غنائها بالبعد المعنوي الذي تجاهلته الأفكار السياسية ومن ناحية أخرى يعيد ترسيم المعنى عبر أعادت فهم دور الدين في التحريض على تغير الواقع من خلال البعد الباطني النفسي على مستوى الحرية والبعد الاجتماعي على مستوى العدالة إما البعد النفسي فهو يرى في كلام المتصوفة الصواب في ما ذهبوا إلية من التحرر من الروابط المادية إلا أنهم غير موفقين في الابتعاد عن الدنيا و" لكن حصرهم للحرية في عالم الباطن وعدم الاهتمام بالظاهر والخارج هو الخطأ ، حيث تصوروا أن القضاء على العدو لباطني يستلزم القضاء على العدو الظاهري ، في حين أنهم بانعزالهم عن الحياة السياسية فسحوا المجال للعدو الظاهر ليتوغل أكثر في مفاصل المجتمع الإسلامي حتى أنه أستطاع منعهم من جهاد عدوهم الباطني ، فالمسالة المهمة هي أن الجهاد الأكبر "جهاد النفس " يكمل ويدعم الجهاد الأصغر "جهاد العدو الخارجي " أي إن أحدهما يهيئ الأرضية للأخر ويعمل على ترشيده ودعمه "( )بالمقابل يرى ان الوقت الحالي هناك من اهتم بالعدو الخارجي وأهمل العدو الداخلي في حين أن سروش يؤكد : نحن نطالب بشيء واحد وهو الحرية ، من اجل تحصيل هذا الهدف علينا أن نتحرك بجدية نحو تحقيق العدالة في الخارج والاعتدال في الباطن .وهو يصب في العامل الاجتماعي فعلماء الأخلاق يرون أن المجتمع العادل هو المجتمع الذي يعيش جميع إفراده بصورة معتدلة في واقعهم النفساني ولكن النظريات السياسية في العصر الحديث جاءت بشيء أخر مفاده إن الحكام والمسؤولين يجب تحديد قدرتهم من الخارج بحيث انه إذا أرادوا الانحراف عن جادة العدالة فان جهاز الحكومة الحديث لا يسمح لهم بشيء من ذلك "
الواقع أنا وجدنا أفلاطون من قبل في" الجمهورية "رصد دور الملك الفيلسوف أو الإمام - بالعرف الإسلامي- ورصد فيه اشتراطات إلا انه عاد في كتاب القوانين وجد من الضرورة أن يقيد الحاكم بالقانون وهو بالعرف الحديث المؤسسة الدستورية .كما هي عند مونتسكيو من قبل .
و هنا يرصد سروش غياب الحضور الجدي لله تعالى في واقع النفسي والاجتماعي للناس بحيث يرى الإنسان نفسه في محضر الله تعالى ، وهذا المعنى غائب في الفهم الحديث مما يجعل مشكلاتنا في عالمنا المعاصر هو وجود الأشخاص الذين يتحدثون عن الحرية والعدالة لكنهم لا يأخذون الحقيقة الإلهية بجدية ، وهذا المعنى ايضا مختلف كثيرا عن مجرد التدين والالتزام بالتكاليف الشرعية .

وبذلك يخالف سروش التصورات التي انتقدها واسماها الدين العلماني أو الأيدلوجي فهي تجعل رسالة الدين في خدمة الدنيا وهي بهذا تجعل من الدين هو الذي يشمل الجوانب الأخروية والدينية وتستدل على نجاحه في الآخرة من خلال نجاحه في الدنيا كما جاء في حديث " شريعتي " بمعنى أن التصور هذا يوسع من سلطة الدين حتى تكون شاملة الدنيا والآخرة .
إما الرؤية التي ينطلق منها سروش فهي تحاول الفصل بين الدين والدنيا بمعنى أنها تريد التأكيد بأن رسالة الدين " في الأصل هي لتامين السعادة الأخروية . وليست السعادة الأخروية تابعة للسعادة الدنيوية بل هي مستقلة عنها . وطبعا هناك انسجام بينهما ، فالهدف من الدين في الأصل إنما هو هدف أخروي لا دنيوي ، وهذا لا يعني عدم إيديولوجيا الدين ، فالدين يتطرق إلى السعي الدنيوي في دائرة عدم إيجاد المزاحمة للآخرة ولدفع الموانع التي تمنع الإنسان في حركته المعنوية بطلب السعادة الأخروية ، فيعطي حصة الدنيا حتى لا تزاحم الآخرة" هنا سروش يمارس الفصل في شمولية الدين والإيديولوجية الدينية فيجعلها فقط متعلقة بجانب التعبدي وهو عينه التصور الليبرالي القائم على الفصل بين الدين والدولة وتحويله من نطاقه الشمولي إلى نطاق العلاقة الفردية في العلاقة مع الله من خلال القول أن الإيمان الديني مقوم بالرضا الباطني ، والانتخاب الواعي للدين لا من موقع الخوف والإكراه والتلقين " ( )
ثم انه يخلص إلى القول :إن الهدف من الدين غير الإيديولوجية، تامين السعادة الأخروية ، وإما الحياة الدنيا فإنما هي مطلوب بتبع الحياة الأخروية ولهذا فلا ينبغي أن تكون مزاحمة لها ، بهذه الصورة تكون مورد اهتمام الدين ، وهذا المعنى من الاهتمام لا يعني وضع البرامج الاقتصادية والسياسية لأعمار الدنيا من قبل الدين كما يتصور أصحاب الدين الإيديولوجي ففي هذا العصر يتم التخطيط لأعمار البلاد والنهوض بالاقتصاد والتعليم والصحة والصناعة والتنمية والزراعة وأمثال هذه الأمور الموارد ولا يمكن تاطير الدين بإطار إيديولوجي ضيق .( )
وهنا يشير إلى طبيعة الوعي العقلاني الذي يفترض الرجوع إليه في إدارة الأمور الدنيوية وفهم الدين أيضا إذ يشير إلى عناصر هذا الوعي العقلاني بالاتي :
أ‌. انها العقلانية التي تقوم على ايجاد التعادل والتوازن بين الاصول والمباني الفكرية من خارج دائرة الدين وبين التعليمات والقيم المستوحات من النصوص الدينية .
ب‌. ان هذا الوعي بدوره يضفي عامل الصحة على التحولات في دائرة الفهم الديني للافراد .
ت‌. الاعتراف الرسمي بهذه البلورالية والتنوع في الفهم الديني سيلقي على نمط العلاقة بين جهاز السلطة وبين إفراد الشعب ويساهم بتكريس حالة الانعطافة والمرونة في تحمل الأخر المخالف في وعي الأمة ويمنح الرعايا حقوقهم المشروعة ويحد من قدرات السلطة والحكومة بقيود النظام الديمقراطي ويجعلها تتحرك في خط الإنسانية والعقلانية والعدالة .( )
إن سروش يؤسس إلى تصور عن الدين ذا طابع فردي متأثر بالتحولات التي طرأت في اللاهوت المسيحي كما في تصورات تليش( ) : بأن الله فقط ممكن ان يكون موضوعا لهيامنا الغائي أو يكون غير مشروط ( ) تلك التحولات التي نلمسها في تصوراته عن الدين الليبرالي فعند المقارنة بين المجمع الليبرالي والمجتمع الديني يقول "ان الخطاب الديني وخلافا للخطاب الليبرالي لا يشجع على النقد والاستفسار بل يشجع الناس على الإيمان واليقين فالسؤال يعتبر مهما بمقدار أهمية الجواب ، في حين أن الليبرالية تشجع على النقد والسؤال ، والمجتمع الحافل بالنقد والأسئلة هو المجتمع الجيد لا المجتمع المبني على التعبد واليقين ، فالتعقل يفهم من خلال كثيرة الأسئلة ، وهذا التفاوت الأساسي بين المجتمع الليبرالي والمجتمع الديني الذي تحكمه حكومة دينية فالنسبة بين المجتمعين ليس نسبة تضاد بل نسبة أم غير متعين مع أمر متعين " وهنا يفرق بين الفهم المتعين نجده في الإجابات الخالدة : من إنا ؟ ومن أين أتيت ، والى أين أتوجه ، ولأي غرض خلقت ؟وما معنى السعادة ؟ ولماذا كل هذه الآلام ؟ والعذاب ؟ وما معنى الحياة ؟ وكيف ظهر العالم ؟ وأمثال ذلك .موقف الدين من هذه الأمور متعين رغم التغيرات التاريخية للفهم وتعرض للقبض والبسط والتكامل والتحول . ..في حين القراءة الليبرالية للدين هي أن لا يكون للدين موقف معيين وجواب محدد بالنسبة للأسئلة التي تهم الإنسان ، وأن لا يحتوي في رصيده سوى الأسئلة فقط ولا يكون الجواب واضحا ومعينا ، فالجواب قطعا سلبي وان كان المراد أن يتمكن المتدينون والمؤمنون من تحصيل الجواب من الأسئلة بكامل حريتهم .( )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح


.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة




.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا