الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المأساة السورية بين الحلم والواقع

عبد الله حنا

2013 / 8 / 12
مواضيع وابحاث سياسية






صاحبي المنهك اليائس والخائف من المستقبل المجهول جاءني صباحا مشرق الوجه مستبشرا بالخلاص القريب ، قال :
رأيت في الحلم سيدنا جبريل عليه السلام يقترب منّي وأبلغني أنه سينزل في التشارين للصلاة في دمشق في حسينية باب توما ومعه عدد من الصحابة في مقدمتهم معاوية بن أبي سفيان . وستكون الصلاة ، كما اخبرني ، جامعة لسائر المسلمين من مختلف المذاهب والفرق ، وسيؤم المصلين شخصية دمشقية من وسط ديني معروف ، وسيلقي خطبة الجمعة شيخ من شيوخ السلفية النهضوية التنويرية . وعند خروج المصلين سيفاجؤن في صحن الجامع بوجود أعداد من المذاهب الأخرى ومن " أهل الكتاب " تبادرهم بالسلام متقبلة صلاتهم . وسيستمعون عبر شاشة تلفزيونية ضخمة إلى الأديبة كوليت خوري حفيدة فارس الخوري ، داعية إلى وصل ما انقطع من تطور وطني نهضوي تنويري كان سائدا أيام جدها . وعند انتهاء السيدة كوليت من إلقاء كلمتها ، سيجتمع عقلاء القوم من جميع الأديان والمذاهب داعين إلى تحقيق المطالب التالية :
- سورية جمهورية نيابية مدنية ديموقراطية دين رئيسها الإسلام .

- رحيل أركان النظام السابق بعد أن يتنازلوا لخزينة الدولة عن أربعة أخماس ما يملكون من عقارات ومال وارصدة في البنوك السورية والأجنبية .

- رحيل المسلحين غير السوريين .

- إلزام بلدان النفط والغاز في الخليج وإيران بدفع المقادير نفسها من ملايين البترودولار ، التي حوّلوها إلى النظام والمعارضة المسلحة ، لإعادة إعمار ما دمرته الحرب ، التي كان وقودها المال النفطي .

- تشكيل لجان قضائية لإعادة الأموال المنهوبة من مسؤولي الحكم السابق وسماسرتهم وبطانتهم .

- تنظيم رقابة صارمة على صرف الأموال في البناء والتعمير ومعاقبة كل من يمد يده لسرقة مال الدولة .

- وضع جميع المؤسسات الثقافية والتعليمية تحت إشراف الدولة الوطنية ورقابتها لإعادة تأهيل الشباب بالروح الوطنية الجامعة . وفي الوقت نفسه تجفيف منابع المؤسسات والمراكز المثيرة للنزاعات المذهبية أو الطائفية .

- حقّ الأكراد في المساواة والاعتراف بلغتهم في أماكن تواجدهم الكثيف ، واحترام ثقافتهم .

- الدعاء بخلاص البلاد من الأردوغانية السلطانية العثمانية أحد أسباب البلاء .

- الدعاء بالخلاص من التدخل الإيراني في الشؤون السورية .

- الدعاء باجتماع العرب على كلمة سواء .

***

صاحبي المنذهل والمضطرب طلب مني أن أفسّر رؤيته ، فاستجبت فورا ، وشرعت في تفسير منامه بالآتي :
1 – صلاة جبريل مع جميع المسلمين من مختلف المذاهب أُريد منها الإبلاغ أن الهداية تشمل الخلق كافة ولا تقتصر على فئة معينة . وموقف جبريل هذا ينسخ ما تناقلته الأحاديث أن جبريل صلّى في مسجد رابعة العدوية مع الإخوان المسلمين المعتصمين من أجل عودة رئيسهم محمد مرسي . ونزول جبريل في دمشق الشام إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى يبسط جناحي رحمته على خلقه أجمعين ، وأنّ " الشام شريف " لن تُدمر كالمدن الأخرى .
2 – المقصود بالتشارين شهري تشرين الأول وتشرين الثاني . ولكن جبريل لم يحدد في تشارين أي سنة سيظهر تاركا للعباد ، الذين انهكتهم الحرب الطاحنة أن يعقلوا ويتوكلوا ويلقوا السلاح ويعودوا إلى جادة الصواب .
3 – اختار جبريل للصلاة مسجدا للشيعة في وقت يحتدم فيه النزاع لأسباب سياسية بين السنة والشيعة . والهدف من نزول جبريل التقريب بين المذاهب ، والتأكيد على روح الأخوة بين المؤمنين كافة . وصلاة الصحابة وفي مقدمتهم معاوية بن ابي سفيان في الحسينية إشارة إلى أولي الألباب أن يزورّوا عن حَمَلَة السلاح من كلا الطرفين ويستمعوا إلى صوت العقل ، ويحرروا الدين من أهواء السياسة . كما أن الصلاة في جامع تجاوره كنائس وأحياء مسيحية أمر لا تخفى رمزيته على أولي الألباب .
4 – اختيار جبريل لحسينية تقع في الحي الذي سكنه الشيخ رسلان ذا مغزى له دلالاته . فقد جاء في مخطوط " حدايق الأنعام في فضايل الشام " لإبن عبد الرزاق الدمشقي أن الشيخ رسلان كان " صاحب انفاس صادقة ورامات خارقة اتفقت على ولايته واعتقاده جميع أهل المحل والنحل والأديان " . وكان في شبابه " ينشر الخشب ( أي كان نجارا ) ويقسم أجرته ثلثا لنفسه وثلثا يتصدق به وثلثا لكسوته . وكان يتعبد في مسجد صغير جوار بيته داخل باب توما ، وحفر بئره بيده وكان الناس يشربون منه لبركته " . وذات مرة عندما كان ينشر الخشب " كلّمه المنشار قائلا : يا رسلان ما لهذا خُلقت . ويقال إنه أهدى قطعة من المنشار إلى السلطان نور الدين ، الذي أوصى عندما احتضر أن توضع قطعة المنشار في كفنه . وعندما ذاع صيته كوليّ خرج إلى ظاهر باب توما وبنى مسجدا دُفن فيه ، ولا يزال مسجده قائما وبقي تأثيره الروحي مخيما في سماء دمشق أيام الحروب الصليبية وما بعدها ، وهو ألذي يحمي دمشق من جهة الشرق في حين يتولى الشيخ محي الدين بن عربي حمايتها من الشمال . ورُوي عن العارف محمود الشيباني أنه رآه سائرا في الهواء كما رآه أكثر من مرة سائرا فوق الماء . ويضيف الشيباني : " حججت معه واجتمعت به في عرفة ، ثمّ رأيته في جميع المشاهد ثمّ فقدته . فلما جئت دمشق وجدته مقيما بها فسألت عنه فقالوا غاب عنّا يوم عرفة ... "
5 - سيؤم المصلين ، كما بدت لي الرؤية ، الشيخ معاذ الخطيب الحسني بما له من منزلة دينية ومكانة اجتماعية متصفة بالروح الوسطية والانفتاح والتسامح ، وهي من فضائل الشام . ولا يضير ذلك ما يتلقى الشيخ معاذ من هجمات لا تثنيه عن عزمه وهو يتقبلها برحابة الصدر الشامي المنفتح على الجميع . وعندما نشير هنا إلى الشيخ معاذ لا نقصد الشيخ معاذ بذاته بل ذلك التيار الديني الوسطي المتسامح المنفتح على العالم والمؤهل للمشاركة بفاعلية في بناء سورية بعد الخلاص من جائحتين هما : حكم الفئات الطفيلية والبيروقراطية العسكرية الحاكمة ، وعواصف التزمت الديني وما رافقها من انبعاث الغرائز الطائفية وتكفير الأخرين . فالبلاد بحاجة إلى تيار ديني اسلامي يسعى إلى غسل قلوب المؤمنين وإزالة ما علق بها من رجس النزاعات التاريخية والخلافات المذهبية ، التي استفحل أمرها مع الحرب الطاحنة الجارية هذه الأيام . وهذا التيار هو امتداد للتيار الإسلامي التنويري ، الذي ظهر في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر ، كما سنرى في الفقرة التالية .
6 - في ذلك الزمن نشأت في دمشق حلقة صغيرة ضمّت لفيفاً من علماء (شيوخ) دمشق المتنورين، وفي طليعتهم الشيخان عبد الرزاق البيطار وجمال الدين القاسمي " أخذوا يجتمعون على قراءة الحديث ويطلبون ، الدليل على أقوال الفقهاء". فما كان من سلطات دمشق العثمانية آنذاك إلا أن وجهت تهمة الاجتهاد إلى هؤلاء المشايخ ، وعقدت مجلساً خاصاً في المحكمة الشرعية لمحاكمتهم فيما عُرف بمحاكمة المجتهدين ( 1313 هجرية – 1896 ميلادية ) . وكانت حادثة المجتهدين هذه من الحوادث العظام في دمشق في عصر لم يكن في البلاد أحزاب وآراء متنوعة. " ولا يعرِف الناس إلا أن الخلافة إسلامية، وأن شرع الله يؤخذ عن مذهب أبي حنفية".
يصف الشيخ بهجت البيطار عام 1961، في مقدمة " حِلْيَة البشر في تاريخ القرن الثالث عشر " ، عصر جده الشيخ عبد الرزاق بأنه " عصر جمود على القديم ، وتلقي الأقوال بالتسليم ، من دون تمحيص للصحيح من السقيم " . والبيطار الجد إشتهر " بالإنكار على أرباب الخرافات ،وممن يقاوم بلسانه وبراهينه تلك الخزعبلات "
7 – حيثيات المنام تُذكّر بحياة الشيخ تاج الدين الحسني ابن محدث الشام بدر الدين الحسني . الشيخ تاج الذي سار مع الكتلة الوطنية في بداية تأسيسها ثمّ انقلب عليها وسار مع الانتداب ، الذي دعّم موقعه بوضع الأوقاف الإسلامية وما تدره من أموال تحت تصرفه . وكانت للشيخ تاج شعبية راسخة في اوساط متعددة لم تستطع قوة الكتلة الوطنية وبأسها أن تهزّها . ترأس الشيخ تاج الحكومة في أوائل ثلاثينيات القرن العشرين ،وشُيّدت في عهده مبان للدولة منتشرة في كل مكان . ثمّ اعتلى سدة رئاسة الجمهورية إلى أن وافته المنية فجأة في شباط 1943 ، وعندها أُفسِح المجال أمام قادة الكتلة الوطنية لتسلم زمام الحكم .
مما يُروى عن الشيخ تاج أنه كان مقبلا على الدنيا ومباهجها . ولكن مقامه الديني لم يكن يسمح له بتحقيق رغبته في دمشق . وذات مساء استقلّ سيارته ، التي يقودها سائقه المخلص ، متوجها إلى مصيف بحمدون في جبل لبنان . وبعد أن ابتعدت السيارة عن مشارف دمشق توقف سائقها في مكان منعزل ، فخلع الشيخ تاج عمامته وأخذها السائق ووضعها في " طبون " السيارة . ثم سارت السيارة دون توقف ، فالحدود آنذاك لم تكن موجودة بين سورية ولبنان ، حتى وصلت إلى بحمدون وترجّل الشيخ تاج قاصدا أحد الفنادق لأكل وشرب ما لذّ وطاب في بلاد الأرز ،متذكرا شعر الأخطل أمام أحد خلفاء بني امية :
إذا ما نديمي علّني ثمّ علّني ثلاث زجاجات لَهنّ هدير
خرجت أجر الذيل تيها كأنني عليك أمير المؤمنين أمير
وفي الهزيع الأخير من الليل عاد السائق بالشيخ تاج إلى دمشق متوقفا في المكان المنعزل ، وأتى بالعمامة من " طبون السيارة " لتأخذ مكانها على رأس الشيخ ، " وكأن شيئا لم يكن " . ( هذه القصة رواها لي عام 1972مدير الوثائق التاريخية المؤرخ الشامي نادر العطار ، وهي مرفقة بتتمة شيّقة تتعلق بالحوار الجاري بين السائق ووزير داخلية الشيخ ، الذي حاول ان يأخذ من فم السائق مستمسكا على الشيخ تاج فلم يُفلح ... ) هذا وجه من وجوه " الوسطية الشامية " ، التي تمسك العصا من منتصفها ، ولا تسمح لشعرة معاوية بالإنقطاع . ألم يكن معاوية مؤسس إمبراطورية عربية ( وعلمانية ) مهدت السبيل لحضارة عربية اسلامية عظيمة اتخذت من العقلانية ديدنا لها ، ومع انحسار العقلانية خبت تلك الحضارة في القرن الثاني عشر الميلادي .
8 - عند خروج المصلين سيفاجؤن في صحن الجامع بوجود أعداد من المذاهب الأخرى ومن " أهل الكتاب " تبادرهم بالسلام متقبلة صلاتهم ، مع شاشة تلفزيونية ضخمة ظهرت عليها الأديبة كوليت خوري حفيدة فارس الخوري داعية إلى وصل ما انقطع من تطور وطني نهضوي تنويري كان لفارس ورفاقه دور في تشيده . ومعروف أن فارس الخوري كان قبل 1914 من حلقة الشيخ طاهر الجزائري ، التي ضمت نخبة من المثقفين النهضويين الوطنيين ، الذين قادوا البلاد في معارج الرقي ودروب الوطنية . وفارس الخوري من مؤسسي الدولة الوطنية العربية في دمشق ، التي ترأسها الملك فيصل . فارس الخوري من مؤسسي حزب الشعب عام 1925 ، الذي ترأسه القائد الفكري للثورة السورية عبد الرحمن الشهبندر . فارس الخوري هو من كبار قادة الكتلة الوطنية التي أوصلت البلاد إلى الاستقلال . وأخيرا وليس آخرا كان فارس الخوري رئيسا للمجلس النيابي لعدة دورات ، واختاره الجميع في منتصف الخمسينيات في اعقاب دكتاتورية عسكرية رئيسا للوزراء . وشاءت الأقدار ألا يكون لفارس الخوري حفيدا بل حفيدة وحيدة هي كوليت خوري . ولهذا ساقت هذه الأقدار الأديبة والوجه النسائي وحفيدة فارس ان تكون الخطيبة في الجموع ، " ولو من وراء حجاب " ، كي تسهم في جمع الشمل والخروج بالبلاد من مأساتها .
ولا نعلم سرّ المصادفة من أن كوليت هي ابنة سهيل الخوري ، الذي ورث المجد عن أبيه ولكنه لم يكن في نظر الكثيرين وارثا فكريا لأبيه . فسهيل الخوري الذي وصل إلى المجلس النيابي عام 1954 بأصوات أتت بعد خالد العظم وقبل خالد بكداش بفضل سمعة أبيه واعتراف الجميع بفضله . الغريب أن النائب سهيل الخوري سار في المجلس النيابي مع كتلة العشائر ، التي وقفت ضد مشاريع القوانين الداعية إلى التطور والانعتاق . ولهذا عُرف سهيل بوجه مغاير لوجه والده الوطني " الشامي الوسطي " المتزن صديق الجميع . ولم يكن غريبا أن تضرب السيدة كوليت بسيف جدها ، وتتجاهل سيف أبيها حليف كتلة العشائر النيابية ، التي ولّى زمانها في أواخر خمسينيات القرن العشرين . فقد وجّه الإصلاح الزراعي لشيوخ العشائر وهم من كبار ملاك الأرض الإقطاعيين ضربة أليمة وصدّع قاعدتهم الإقتصادية بتجريدهم من القسم الأكبر من ملكياتهم الزراعية وتوزيعها على الفلاحين . ولكنهم سرعان ما استعادوا بعضا من نفوذهم بفضل علاقتهم المصلحية مع " المخابرات السلطانية " وصلاتهم التاريخية الوثيقة مع أمراء النفط في شبه جزيرة العرب . وهل هيَ محض مصادفة تَسنّمْ بعض ابناء شيوخ العشائر مراكز مرموقة في الائتلاف الوطني ؟ ..
9 – أرى ظهور جبريل في دمشق في ظرف تتعرض البلاد فيه لخطر التقسيم ليس له معنى إلا الإنتصارا للدولة الوطنية السورية ، التي تواجه خطرين داهمين : وإذا كان الخطر الأول ، خطر الدولة الأمنية ومباحثها السلطانية في طريقه إلى الزوال ، فإن الخطر الثاني خطر التنظيمات السلفية الجهادية يجسم فوق صدر الوطن . ويُفهم من الحلم أن سبب نزول جبريل هو لدرء خطر تنظيمات هذه السلفية الجهادية والعمل مجددا لبناء الدولة الوطنية السورية ، التي شوهتها المباحث السلطانية ودولتها الأمنية .
10 - السلفية منهج اسلامي يدعو الى الرجوع إلى الكتاب والسنة والتمسك بما نُقل عن السلف الصالح من الصحابة التابعين . وباستثناء السلفية النهضوية ، فإن أحد اركان السلفية بمختلف تلاوينها هو تقديم النقل على العقل . وقد لعبت المحطات الفضائية الدينية في الربع الأخير من القرن العشرين دورا هاما في نشر الفكر السلفي ، الذي ضرب عرض الحائط بالعقلانية أساس التقدم والرقي . وتُطلَق السلفية الجهادية اليوم على جماعات الاسلام السياسي التي تتبنى الجهاد ( واستخدام العنف ) منهجا للوصول إلى غاياتها .
11 - الاحتلال الأميركي للعراق أدى إلى إستياء شعبي عارم في سورية . ولهذا استجاب لدعوة السلفية للجهاد في العراق آلاف الشباب السوريين المعبئين فكريا بمنطلقات الإسلام السياسي المتطرف . وفي غمرة الجهاد هذا سار سلفيو سورية تحت قيادة تنظيم القاعدة في العراق .
وقد وجدت السلطات السورية في السلفية الجهادية وسيلة لخلق الصعوبات امام الاحتلال الأميركي للعراق الطامع في الهيمنة على سورية . وهكذا فُتحت معابر الحدود السورية العراقية امام المجاهدين السوريين وغيرهم لخوض الحرب ضد الأمريكان .
إضافة الى ذلك حقق النظام السوري من جراء استيعابه للجهاديين السلفيين هدفين : امتصاص النقمة المتصاعدة ضده نتيجة النهب الذي تقوم به البورجوازيتان البيروقراطية والطفيلية , ودفع الشباب المتدين الناقم على الأوضاع باتجاه الاحتلال الإميركي للعراق وإخلاء الساحة السورية من عناصر متمردة .
12 - تستند السلفية الجهادية إلى ارضية مجتمعية متدينة سنية في عدد من المناطق ، مستغلة طبيعة السلطة الغالب عليها اللون العلوي . وهذا اللون العلوي للسلطة هو أحد الحجج الرئيسية للسلفية الجهادية لكسب أفئدة كتل شبابية متدينة شاركت في التحركات الشعبية ، التي اندلعت في ربيع 2011 ، ودفْعِها باتجاه " التطييف " ، أي إصباغ اللون المذهبي المغرق في التدين على التحركات الشعبية وإفراغها من خطّها السياسي الوطني المنادي بالحرية والكرامة والمواطنة ، والمستاءة من نهب رموز النظام للمال العام .
ولا شك ان التدين المتحجر الغريب سابقا عن بلاد الشام والقمع الوحشي للنظام ، اسهما في تغليف التناقضات الإجتماعية بأردية مذهبية وطائفية وتحويل الأهداف السياسية للتحركات الشعبية المنادية بالحرية والكرامة إلى شعارات إيمانية وقلب التناقضات رأسا على عقب . أي تحويل التحركات الشعبية السلمية ذات الأهداف السياسية ( ضد الاستبداد والطغيان ونشدان الحرية ) والإجتماعية ( الطبقية المتمثلة بالإستياء من نهب رموز السلطة للمال العام والخاص ) إلى جحيم الإحتراب المذهبي والطائفي .
وقد ادى استخدام نظام الدولة الأمنية الرصاص الحي للقضاء على التحركات إلى الإنزلاق أكثر نحو عسكرة التحركات الشعبية ( سَمِّها ما شئت : ثورة ،انتفاضة ، حركة احتجاجية ، والنظام يسميها ارهابا .. ) حيث استغلت القوى التكفيرية الوضع في اتجاه حشد مذهبي سني ضد العلويين , الذين يهيمن من اغتنى منهم على مفاصل النظام القائم . هذه القوى الأصولية الظلامية نجحت إلى حد بعيد في حرف التحرك الشعبي عن مساره الوطني والطبقي وتوجيهه للعداء لمذهب معين والكره لطائفة بكاملها . وهذا الفكر الظلامي ، كما النظام ، يطمس الدوافع الإقتصادية الإجتماعية للتحرك ويغمض العين عن الاستبداد ولا ينظر إلى الأمور إلا من زاوية دين ضد دين أو مذهب مخالف لمذهب . ويعتبر الفكر الظلامي نفسه " الفرقة الناجية " وما سواه فهو كفر وضلال وجاهلية . ويخدم هذا التيار المتزمت والمتحجر والمستند إلى الجوانب المظلمة من تاريخنا النظام بسبب إخافته للطوائف الإخرى ( بما فيها العلويين ) وجعلها ترى في النظام طوق النجاة .
ومعروف أن أبناء الطائفة العلوية , الذين لم يغتنوا أو لم يستفيدوا من فتات الحكم هم في أعماقهم غير راضين عن ابناء طائفتهم ممن ارتشى وسرق واغتنى وتاجر بوسائل مشروعة وغير مشروعة وتحكّم في البلاد والعباد . وعدد المناهضين للحكم وعدد من دخل من احرار العلويين السجون ( في عهد مايسمى الحكم العلوي ) معروف بكثرته لدى متتبعي الأحداث . وهؤلاء قاسوا الأمرين من اضطهاد النظام وطغيانه عليهم . إضافة إلى ذلك يزخر التاريخ السوري بالعشرات من العلويين المبدعين في مختلف الميادين الذين رفعوا راية الوطن السوري عاليا وكانوا في طليعة المنادين بالعروبة ومجد الحضارة العربية الإسلامية أيام ازدهارها . فهل يجوز أن نضع الشريف والمرتشي في سلة واحدة ؟ ..
13 - هذه الأوضاع الداخلية المضطربة زادها استعارا ، ضخّ البترودولار ( الخليجي والإيراني ) ، والسياسات الإقليمية والدولية ، ووضع الدولة الوطنية السورية في مهب الرياح . وتتفاقم الأزمة مع إعلان قوى الاسلام السياسي المتطرف دولة " الخلافة الاسلامية " ، المتناغم مع قرع طبول الأردوغانية العثمانية معلنة النفير للقضاء على الدولة الوطنية السورية ، التي شادتها سواعد القوى العربية بعد انهيار الدولة العثمانية عام 1918 .
ونزول جبريل في دمشق يعني حسب الرؤية شد أزر الدولة الوطنية العربية السورية المدنية الديموقراطية ، التي تتعرض لنيران استبدادي القوتين المتصارعتين : المباحث السلطانية والسلفية الجهادية .
14 - الملفت للنظر في مقررات العقلاء ابتعادها عن المطالبة بمعاقبة من تلوثت ايديهم بالدماء كي تتجاوز خطورة الثارات المذهبية والطائفية بُغية لأم الجراح النازفة والعودة بالمجتمع إلى وضعه الطبيعي .
15 - الأمر الهام الآخر في مقررات العقلاء هو تجاوز الصراع الطائفي والمذهبي المخفي والمعلن ، والعودة إلى جذور الأزمة السورية المتمثل بنهب المسؤولين في الدولة الأمنية ومباحثها السلطانية وبطانتها للمال العام ، والسعي لاستعادة الأموال المنهوبة إلى خزينة الدولة . من جانب آخر لا اعلم مدى واقعية قرار تغريم بلدان النفط في الخليج وإيران بدفع المقادير نفسها من الأموال التي انفقتها لتسعير اوار الحرب الأهلية بغية انفاقها على ما دمرته الحرب .
***
بعد خراب البصرة لم يبق لنا إلا الحلم وشعاع من الأمل العامر في القلوب ..
ولم يبق للعبد الفقير كاتب هذه الأحرف إلا اللجوء مكرها إلى تفسير الأحلام يتلمس فيها طوق النجاة من الأزمة الخانقة ..
وإلى متى سنبقى غارقين في هذه المأساة الدامية ؟ . .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كلمة إلى السيد عبدالله حــنــا
غـسـان صــابــور ( 2013 / 8 / 12 - 19:57 )
يا سـيـد عبدالله حــنــا
اؤكد لك بكل جدية واحترام أن موسوعتك الآكاديمية عن الأحلام, هي أصدق واقرب إلى الواقع من كل ما كتب في وسائل الإعلام المقبولة والمرفوضة والمحجوبة عن سوريا والأزمة السورية, من أول هذا الشهر حتى هذا المساء.
أرفع لك قبعتي احتراما, وأطالب جميع الزملاء, الحياديين منهم, والملتزمين مع عشرات الأطراف المشتركة, بهذه الأزمة ــ النكبة, أن يعيدوا تكرارا قراءة تفسيرات حلمك هذا... علهم يتعظون, وينادون معك ومعي, جميع القوى الخارجية والداخلية.. الإسلامية وغير الإسلامية, أن يقفوا ولو بضعة لحظات, لقراءة ما كتبت... وبهذا نربح هدنة ولو لبضعة دقائق, يسلم خلالها مئات الأبرياء من السحل والقتل وقطع الرقاب وافتراس القلوب...
وحتى نلتقي.. يا سيد عبدالله حــنــا, لك كل مودتي واحترامي.. وأصدق تحية مهذبة.
غـسـان صــابــور ــ لـيـون فــرنــســا

اخر الافلام

.. وزير الخارجية التركي: يجب على العالم أن يتحرك لمنح الفلسطيني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي عيتا الشعب وكفر كلا جنوبي لبنان




.. بلومبيرغ: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائف


.. التفجير الذي استهدف قاعدة -كالسو- التابعة للحشد تسبب في تدمي




.. رجل يضرم النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترمب في نيويورك