الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتفاضات العربية: جوع للسلطة وكراهية لللاصلاح

آزاد أحمد علي

2013 / 8 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


بعد مرور حوالي عامين ونصف على بداية الاحتجاجات الشعبية والانتفاضات السياسية في البلدان العربية، وبصرف النظر عن من وصفها بالربيع العربي، حيث لايمكن لجهة اعلامية أو سياسية محددة ان تؤكد اسبقيتها في اطلاق هذا المصطلح الرومانسي. وعلى الأرجح توافقت وتواردت الخواطر عند جهات اعلامية وسياسية متعددة لتسمية هذه المظاهرات والاحتجاجات بالربيع العربي، وذلك تقليدا ومحاكاة للثورات الأوربية منتصف القرن التاسع عشر(1848)، حيث عرفت عهدئذ بالربيع الأوربي، وربما جاءت التسمية تيمنا بانتفاضة براغ عام 1968 التي سميت بربيع براغ أيضا. هذا وقد سبق وأن سمي الحراك الديمقراطي في سورية بعد عام 2000 بربيع دمشق. من جهة التصنيف العلمي فان هذا المصطلح السياسي ليبراي في جذره التاريخي وجوهره، أما من زاويتها البيئية فالربيع عموما دال على التجديد والخير والاخضرار، كما ان الربيع في دلالته الشعرية والسياسية الرمزية عكس القحط واليباس والتسلط. لذلك سيظل الانسان ينتظر الربيع كل حين، ومن الصعوبة ان تتخلى مجتمعاتنا المنكوبة بالاستبداد عن حلمها في تحقيق ربيع انساني جميل، ربيع منشود تتحقق فيه العدالة. نذكر القارئ بهذا العنوان الذي كان واعدا بعد اكثر من سنتين اطلاقه، ليس من باب رفع المعنويات، بصرف النظر عن مآلات الانتفاضات، وثمرة منجزاتها السياسية، وانما من منظار تاريخي، وكمساهمة نقدية متواضعة وتقييمية ازاء مجمل ما حدث، وبالتالي المحاولة في تلمس جذر المشكلة، التي أخلت بتوازن مسار الانتفاضات. وأخيرا تجنبا لاصطناع عدو خارجي جديد.
لقد كانت المشكلة أساسا داخلية وبنيوية، اذ طغى كل ما هو متشدد وشعبوي وأيديولوجي على المشهد السياسي للحراك، وصولا الى ماهو مخادع، قريب من الأوهام. ربما جاء ذلك انعكاسا لاحتياجات مجتمعاتنا الملحة للتغيير، وبسبب انسداد الأفاق السياسية أمام قطاعات واسعة من النخب والعوام، اضافة الى تسلط أنظمة استبدادية حزبية وعائلية على أغلب الجمهوريات والممالك العربية، أدى كل ذلك، فضلا عن مقدمات أخرى ابان بداية الاحتجاجات، الى تشكل قناعة عامة بأن جموع الجماهير المتضررة قد ثارت، وأن الانتصار والتغيير قريب ولا شك فيه. ولقد رفدت تلك القناعات بنشاط اعلامي وتبشري محموم، يجزم بان ما يحدث هو ثمرة لتراكم تاريخي وضرورة موضوعية ونقلة في حياة شعوب المنطقة، وبالتالي هي (ثورات عربية) معاصرة، ثورات جديدة، رائدة وملهمة. وبخاصة التونسية منها، التي قيل عنها انها غطت بمخمليتها وعمقها على الثورة الفرنسية. وما على باقي المجتمعات الا السعي الى استنساخ هذه التجربة الرائدة، فوقع جل القيادات الشبابية والسياسية السورية منها خصوصا تحت تأثير هذا الحدث العظيم، وتداعوا للسير نحو ذرى الكرامة والمجد والتغيير.
وحدث ما نعرفه جميعا، فبعد كل هذا الكم من التضحيات والنهوض الشعبي الاستثنائي، ما الذي اتلف ثمرة هذه الانتفاضات، التي كادت ان تهز العالم، وتغيير ثوابت المنطقة؟
لقد نشرت العديد من الدراسات والآراء التي كان اغلبها مفيدا وصحيحا، لكن ما هو صحيح أيضا، اننا قد خرجنا منذ أمد بعيد من عصر الثورات السياسية، بالمعنى المعجمي للكلمة، ودخلنا عهد يتطلب تغييرات تدريجية في البنى الاجتماعية – السياسية، ومن ثم في اشكال الحكم. فالثورات الشاملة تحتاج الى مقدمات ثقافية ومعرفية عميقة وفاعلة. لكن ما روج له اعلاميا ابان ذروة الانتفاضات العربية كان غير ذلك، وبالتالي لم تتح الفرصة للكثيرين للقول: بأن أي حركة احتجاجية جماهيرية، أو انتفاضة عفوية في وجه القهر والظلم لاتشكل بالضرورة ثورة على المفاهيم ومنظومات القيم وبنية السلطة السائدة. فما حدث على الأرض كان غير ما تم تلميعه سياسيا، ودفعه باتجاه الأيقنة الثورية التي كانت الجماهير بغنى عنها. فأغلب القوى المشاركة في الانتفاضات العربية - وهي قوى متنوعة في بلدان مختلفة بيئة ومنشأ وأهدافا - كانت تريد تغييرا منسجما ومتوازنا، لتحقق أهداف الاصلاح السياسي والاقتصادي، ولتأمين فرص العمل للشباب، ولتوفير الأرضية لاعادة توزيع الثروة. فحتى الرمز الأيقوني للربيع العربي كان شابا جامعيا عاطلا عن العمل، أحرق نفسه واستشهد احتجاجا على الظلم الاجتماعي وطلبا للعمل والخبز، ولم يكن احتجاجه مؤدلجا ولا مسيسا، ولم يأتي في سياق العمل السياسي والعسكري لتغيير نظام الحكم.
لقد تشكلت بيئة الانتفاضات العربية بمعزل عن بيئات سياسية معارضة ومجاهدة تاريخيا. ما يعني ان جوهر الاحتجاجات العربية كانت اجتماعية اقتصادية، تحولت بالضرورة الى حراك سياسي، فعنف عفوي في مواجهة عنف السلطات. الى ان تطورت الى حروب داخلية، طائفية واقليمية تستلهم طاقتها من جذور تاريخية وميثيولوجية.
فمن الذي حول مسار هذه الانتفاضات؟ وما هي العوامل الخفية والظاهرة الكامنة وراء هذا التحول والتعقيد، وبالتالي سببت الاخفاق في تحقيق الأهداف الاجتماعية على الأقل للانتفاضات العربية.
قد تكون الاجابة الكافية غيرة متوافرة حاليا، لكن ان خرجنا من حقل فرضية المؤامرة، ثمة مؤشرات واضحة على مواضع خلل داخلية، بل أعداء داخليين. أول عدو للانتفاضات العربية هو الاستعجال عموما، واستعجال تغير السلطة خصوصا. شكل الاستعجال سلوكا ترجمته النكتة المصرية المتلخصة في يافطة كرتونية مرفوعة في ساحة التحرير مكتوب عليها: "خلاص ارحل ايدي تعبت".
هذه النكتة تحولت الى دراما يومية لاحقا في كل من ليبيا واليمن وسورية، فإلى صراع دموي جامح على السلطة. الى ان عادت وتمظهرت مرة أخرى في استعجال تغيير حكم مرسي، انطلاقا من ساحة التحرير نفسها. هذا الاستعجال الذي يعبر في أحد جوانبه عن جوع شديد من قبل بعض أواساط قيادات المعارضة الى السلطة، اضافة الى بديهية تمسك حيواني - غرائزي للقوى الحاكمة بالسلطة والكرسي المتقاتل عليه. ان الجوع العربي الى السلطة - ان جاز التعبير- لم يمهد الطريق لحروب أهلية حقيقية وحسب، وانما استرجعت كل حروبها التاريخية السابقة التي دارت على عروش السلطة وحول مشروعية الخلافة، وان ارتسمت في صيغ ومسميات جديدة. وللأسف لم يصطحب هذا الجوع للسلطة رغبة موضوعية للاصلاح، بل نفور وكراهية لكل مايمت الى الاصلاح والحوار السياسي، ورغبة جامحة لقلب كل النظام السياسي والسلطة القائمة.
لقد دفعت عوامل ضعف قوى التغيير الى استرجاع الجانب القاتم من التاريخ، هذا الجانب الذي لايمكن له أن يجدد الواقع، ولا أن يؤسس لنهضة سياسية، أو مستقبل واعد، الا في حالات استثنائية. لقد استرجعت انتفاضات الربيع العربي التاريخ استراجاعا مؤدلجا ناتجا من قمع السلطة العنيف من جهة، واستجماعا لكل الطاقة الروحية والمعنوية والايديولوجية في مواجهة سطوة وجبروت وبطش السلطات الحاكمة من الجهة الأخرى.
وصدف انه لم تكن للانتفاضات العربية أي مناعة اتجاه الأمراض المذهبية والأيديولوجية المزمنة، لن بيئآتها الاجتماعية كان تفتقر أصلا إلى مقدمات ثقافية معرفية، ولم تمتلك منهجية علمية لتشخيص طبيعة السلطة والسلطات التي تناضل من أجل تغييرها، هذه السلطات التي استعصت بنيويا على التغيير، ولايكفيها شعار ارحل، أو عشرات الألوف من الضحايا، لأنه وعلى الأرجح يتطلب زوالها عملية اصلاح وتفكيك منهجية، بجهود المجتمع الدولي ومؤسساتها الشرعية، غير المنتبهة بعد إلى وظيفتها الجديدة والصعبة هذه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الهجوم الإيراني على إسرائيل.. هل يغير الشرق الأوسط؟| المسائي


.. وزارة الصحة في قطاع غزة تحصي 33797 قتيلا فلسطينيا منذ بدء ال




.. سلطنة عمان.. غرق طلاب بسبب السيول يثير موجة من الغضب


.. مقتل شابين فلسطينيين برصاص مستوطنين إسرائيليين في الضفة الغر




.. أستراليا: صور من الاعتداء -الإرهابي- بسكين خلال قداس في كنيس