الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ياسين الحاج صالح, ومسألة القيادة الثورية في الداخل السوري..

فؤاد سلامة

2013 / 8 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


عندما رمى ياسين الحاج صالح سؤالاً في جملة صغيرة حول حاجة سوريا لدكتاتور وطني, لم تتأخر الردود من بعض مثقفي الثورة وفي بعض هذه الردود تشكيك بنوايا "حكيم الثورة". يبدو لي سؤال ياسين الحاج صالح طبيعياً بالنسبة لثورة فريدة في العالم من ناحية حجم التضحيات والخسائر في الأرواح والعمران, ضد دكتاتورية فريدة في التاريخ من حيث حجم العنف المنفلت وبربرية الطغمة الحاكمة ومن حيث خارجية هذه الطغمة.. بإمكان المثقفين التغني من بعيد بعظمة الثورة ونبل الثوار وصبر الناس على ما حصل من مآسي.. ولكن الذي يده في النار غير الذي هو بعيد عنها. كيف يمكن وقف كل هذا الخراب وبلسمة كل هذه الجراح؟ العالم الحر يتفرج على الكارثة مفسحاً المجال لقيصر روسيا وملالي إيران بتحويل سوريا ومدنها إلى مرمى وحقل تجارب لكل ما تنتجه مصانع الدكتاتوريات من أسلحة دمار. والعالم يتفرج على استقدام الأصوليين من كل البلدان وتوجيههم للقتال في سوريا بل وتسليحهم من أجل إلحاق أكبر قدر من الخسائر بالجميع. في مواجهة كل هذا اللؤم والخبث من يستطيع انقاذ السوريين من جهنم حربهم؟ هل نكتفي بالتصفيق للثورة واعطاء النصائح للثوار؟

القول بأن سوريا الثورة بحاجة لقائد وطني "حقيقي" يمتلك الحكمة والحزم والترفع عن المصلحة الخاصة في نفس الوقت, هذ القول ليس فيه تجني ولا خروج عن المعقول. السؤال بغض النظر عن الوصف, يمكن صياغته بالشكل التالي: هل يوجد بين كوادر المعارضة السورية الشخص المؤهل لقيادة الثورة اليتيمة؟ لقد استهلكت التجمعات المعارضة معظم شخصياتها ولم يثبت في الساحة قائد حقيقي يجمع تلك الصفات ويمتلك تأثيراً على التشكيلات المسلحة التي تعاني من تشرذم رهيب يشكل سبباً أساسياً لعدم قدرة الثورة على تثمير تضحيات شعبها التي لا مثيل لها. المثقفون المعارضون الأكفياء والمخلصون هم قلة على الأرض, والكثير من القيادات المدنية تم إخراجها من المعركة, بالقتل أو بالاعتقال أو بالنفي, بواسطة النظام الذي استهدفها على الدوام ليخلي ساحة الثورة من القيادات الوازنة.

لا يصعب فهم أن يكون وجود شخص بحجم وأهمية ياسين الحاج صالح على أرض الثورة وفي قلب المعمعة أمراً يجعل مثقفين ثوريين كثيرين "يغارون" منه ما يدفعهم بشكل غير واعٍ لمحاولة إزالة الهالة التي تحيط به كمفكر من العيار الثقيل لم "يهرب" من ساحة المعركة ولا يزال يمد الثورة بما تحتاجه من فكر ومنهج و"براكسيس". هذا من دون إغفال الإشارة إلى مثقفي اليسار الستاليني والقومجي ومثقفي المخابرات الذين حاولوا جهدهم تشويه صورته وإظهاره كمثقف يحتمي بالأمريكان. ليس ياسين الحاج صالح قائدا عسكريا وربما من الأفضل ألا يكون كذلك, ولكنه يمتلك كل المؤهلات ليصبح, ليس الدكتاتور الوطني الذي قد تحتاجه الثورة لتجاوز الشرذمة, ولكن واحداً من الأشخاص الذين تجتمع فيهم خلطة مهمة من المؤهلات تجعل هؤلاء الأقدر على إفادة الثورة وحمايتها من المخاطر. هذا بالإضافة لكون ياسين الحاج صالح واحداً من المثقفين القلائل الأكثر خبرة بالنظام والأكثر إلماماً بالواقع المعقد لسوريا والأكثر التزاماً بشكل لا يحيد عن مصلحة الثورة, لا يقلل من هذا الانحياز انتقاده الدائم لتجاوزات الثوار. وهذا الكلام لا يشكل انتقاصاً من مثقفي الثورة في الداخل والخارج الذين لم يبخلوا كل في موقعه في العطاء من دون مقابل..

النقاش الذي نشب حول مفهوم الدكتاتور الوطني ومخاطر إعادة استدخال الدكتاتورية في ثورة مكلفة من أجل الحرية كالثورة السورية, يعيدنا إلى نقاش لا ينتهي حول "دكتاتوريين" من مثل عبد الناصر, ينقسم المثقفون حول مساهمتهم في تطور مجتمعاتهم, ودورهم في ترسيخ الدكتاتورية في العالم العربي. ولكن بغض النظر عن درجة الحقيقة والخرافة في "عشق" الشعوب للدكتاتور الوطني العادل والمستنير, فإن أمثلة لقادة دكتاتوريين في ظروف صعبة مثل لينين وأتاتورك وديغول تجعلنا ننظر ببعض الإيجابية لمفهوم "الدكتاتور الوطني" في المفاصل التاريخية الحرجة. (مع الأخذ بعين الاعتبار الحساسية المبررة للأكراد وبالأخص الأرمن تجاه أتاتورك) . الخطر دائماً هو في درجة النابوليون أو الستالين أو حافظ الأسد الذي يختبئ خلف الدكتاتور الوطني..

طبعاً ليس الهدف من هذا الكلام الدخول في جدل أكاديمي حول فكرة القائد والطليعة وضرورة مأسسة الثورة, ولكن فقط المساهمة في تبديد وهم إمكانية انتصار الثورة السورية من دون قيادة واعية حازمة ومخلصة في داخل سوريا, قيادة تعمل على تنظيم جمهور الثورة والتنسيق بين قواها العسكرية وحماية المدن والأرياف المحررة.. وفي جميع الأحوال فإن القيادة لا تُعطى كهبة ولكنها تُكتسب على أرض الواقع.. وقد آن للثورة السورية الباهرة أن تنتج قيادتها القوية بعد كل التضحيات التي قدمتها حواضن الثورة على مشارف نهاية عامها الثالث








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي