الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألغام العلاقة السورية ـ الأميركية

عماد هرملاني

2005 / 5 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


نجحت الدبلوماسية السورية خلال السنوات الثلاث الأولى من عهد الرئيس بشار الأسد في إدارة دفة العلاقة السورية الأميركية على قاعدة معادلة دقيقة وازنت بين رغبة القيادة السورية في تثبيت دورها على الساحة العربية عبر بوابة تبني سياسات متشددة فرضت عليها أن تسبح في معاكسة اتجاه الاندفاعة الأميركية التي كانت قد بدأت تعصف في أجواء المنطقة منذ بداية عهد الرئيس جورج بوش الابن واشتدت رياحها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وبين حرص مضاعف أبدته القيادة السورية لتفادي الانجرار في طريق تصعيدات يمكن أن تقود إلى مواجهة غير محسوبة مع الإدارة الأميركية التي أظهرت ميلا مبكرا نحو تنفيذ عمليات تصفية حساب مع العديد من دول المنطقة التي وقفت سابقا في الخط المناوئ للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط ، ومن بينها سورية التي قال عنها وزير الخارجية الأميركي الأسبق وارن كريستوفر بأنها ستظل تشكل ((تحديا فريدا)) للسياسة الأميركية في المنطقة.
وإذا صح القول أن القيادة السورية استطاعت خلال السنوات الأولى من عهد الرئيس بشار الأسد أن تحافظ على المستوى المطلوب من التوازن لضبط مواقفها وسياستها تحت سقف ما تفرضه قواعد هذه المعادلة الصعبة، فإن مقومات ذلك التوازن ما لبثت أن تعرضت لهزة قوية بعد قطوع الاحتلال الأميركي للعراق وسقوط نظام الرئيس صدام حسين. ويبدو أن المفتاح الرئيسي الذي اعتمدت عليه القيادة السورية للحفاظ على التوازن المذكور كان يكمن في التقدير بأن دمشق لا تملك مصلحة ولا قدرة على الدخول في صدام عسكري مباشر مع الولايات المتحدة يمكن أن يضع مستقبل البلاد كله في دائرة الخطر، وفي الوقت نفسه فإنه ليس لدى دمشق مصلحة بأن تكون حليفا للولايات المتحدة أو وكيلا لمصالحها في المنطقة، وهكذا يمكن القول أن مفهوم دمشق للعلاقة مع الولايات المتحدة بني على قاعدة ((تفادي شرور)) هذه القوة العظمى، ورغم الاستعداد العقلاني الذي أبدته القيادة السورية لتقديم مقابل سياسي من أجل تحقيق هذا الهدف، يبدو أن الدبلوماسية السورية هجست دائما بمعضلة الوقوف عند خط الحد الأدنى للثمن السياسي الذي يتيح لها البقاء بمنأى عن مخاطر المواجهة العسكرية مع القوة الأميركية دون أن تضيف إلى هذا الحد الأدنى أية خطوة مجانية، وتدل مراجعة وقائع التجربة على أن الدبلوماسية السورية لم تنجح دائما في التقاط خط الحد الأدنى للثمن المقبول أميركيا والذي كان خطا متحركا باستمرار حسب متغيرات الظروف السائدة على الساحتين الإقليمية والدولية. ولعل هذه القراءة ما يفسر بعض المواقف التي أثارت شيئا من الاستغراب في توجهات الدبلوماسية السورية في مرحلة ما بعد سقوط بغداد، وفي المقدمة من ذلك مظاهر التساهل الذي أبدته القيادة السورية في تعاملها مع قائمة المطالب التي نقلها إليها في حينه وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول خلال الزيارة الشهيرة التي قام بها إلى دمشق بعد حوالي ثلاثة أسابيع من دخول القوات الأميركية إلى بغداد، وهي المطالب التي تناولت مسائل تتعلق بضبط الحدود مع العراق وإبعاد قادة الفصائل الفلسطينية المعارضة لخطة خارطة الطريق من دمشق وإخراج حزب الله من منطقة الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية، ومطالب أخرى تتعلق بموضوع السماح بالتفتيش عن أسلحة دمار شامل عراقية أشيع أنها نقلت إلى مواقع سورية وإعادة أرصدة مالية لمسؤولين في النظام العراقي السابق ذكر أنها مودعة في بنوك سورية ولبنانية ، ومطالبات تخص إجراء إصلاحات داخلية في سورية.
ورغم بعض الخطوات الإجرائية التي اتخذتها القيادة السورية بهدف إظهار تجاوبها مع مطالب باول من قبيل تشديد إجراءات الرقابة على الجانب السوري من الحدود مع العراق وإغلاق مكاتب المنظمات الفلسطينية المعارضة لخطة خارطة الطريق في دمشق ووقف عمليات حزب الله في جنوب لبنان، فقد ظلت دمشق تتمسك على المستويين السياسي والإعلامي بخطاب متشدد ينم عن قصدية موجهة في مكاسرة الإدارة الأميركية وتحدي ضغوطاتها، ولا يقتصر الأمر هنا على الملاحظات التقليدية التي تشير إلى اللغة المتخشبة التي يستخدمها الخطاب الرسمي السوري عادة في تكرار الحديث عن تمسك دمشق بثوابتها المعروفة في الحفاظ على سيادة واستقلال العراق ووحدة وسلامة أراضيه وعلى الدعوة إلى تحقيق سلام عادل وشامل وإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل والتمييز بين الإرهاب والمقاومة، فإلى جانب تلك المقولات التي وجدت فيها الإدارة الأميركية على الدوام ذريعة من أجل تشديد ضغوطها على دمشق، دفع رئيس الدبلوماسية السورية الوزير فاروق الشرع الخطاب السوري في طريق غير مسبوق لجهة الإعراب عن تنافر المواقف والمشاعر بين القيادة السورية والإدارة الأميركية وأضفى على الخلاف السياسي بعدا شخصيا من خلال التصريحات الصاخبة التي أطلقها أمام مؤتمر لاتحاد الصحفيين السوريين عقد بعد أشهر قليلة من زيارة باول إلى سورية ووصف فيها الإدارة الأميركية بأنها الإدارة الأكثر ((عنفا وحماقة)) في تاريخ الولايات المتحدة ووصف الخلاف بين أعضاء الإدارة بأنه ((خلاف على درجة الحمق والعنف))، وعلق بأن سورية ((لن تبكي)) إذا صادق الكونغرس الأميركي على قانون محاسبة سورية الذي كان يناقشه في ذلك الوقت واعتبر أن المتضرر الأكبر من هذا المشروع هو الشركات الأميركية، وفي وقت لاحق شبه الوزير الشرع في كلمة ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة دخول القوات الأميركية للعراق بأنه ((عملية سطو مسلح)).
وعند محاولة البحث عن سر هذا التصلب الذي أبدته دمشق في تعاملها مع أخطار بدا أنها أصبحت قريبة من لحظة الانفجار، يسهل التقدير بأن الدبلوماسية السورية بنت مواقفها على رهان بأن عمليات المقاومة التي واجهت القوات الأميركية في العراق أوقعت الإدارة الأميركية في مستنقع يردعها عن التفكير بتكرار المغامرة التي أقدمت عليها هناك في أية دولة أخرى داخل منطقة الشرق الأوسط. وبصرف النظر عن كل ما يمكن قوله في هذا السياق حول مدى دقة مثل هذه القراءة لحقيقة المأزق الذي يواجه الإدارة الميركية في العراق، يبقى اللغم الحقيقي الذي ينطوي عليه الرهان المذكور هو ملاءمته لتغذية حالة الخدر التي تعاني منها الدبلوماسية السورية وهي تواجه حركة المتغيرات المتسارعة التي تجري على ساحة المنطقة بطمأنينة خادعة جعلتها تفقد القدرة على تحسس الآثار المدمرة التي انطوت عليها نقلات من وزن قانون محاسبة سورية الذي وجد من يقول أن أضراره تصيب الشركات الأميركية أكثر مما تصيب سورية، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 الذي وجد أيضا من يرى في حذف اسم سورية من نصه وامتناع بعض أعضاء مجلس الأمن عن التصويت عليه علامة نصر للدبلوماسية السورية على العاصمتين الأميركية والفرنسية اللتين وقفتا وراء مشروع القرار، وصولا إلى منعطف الخروج الاضطراري للجيش السوري من لبنان والذي وجدت فيه الدبلوماسية السورية إنجازا طوعيا يعطيها حق المطالبة بالضغط الدولي على إسرائيل للانسحاب من الجولان. وهكذا، تحت سقف الرهان على انشغال الإدارة الأميركية بمأزقها العراقي تكاد الدبلوماسية السورية أن تصبح قادة على التكيف مع كل ما يمكن تخيله من هزائم ونكبات ولسان حال مسؤوليها يقول أن الأمور تبقى بخير ما دمنا قادرين على تفادي الضربة العسكرية المباشرة من جانب القوات الأميركية التي دمرت العراق ووصلت إلى تخوم الحدود السورية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر