الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماركس والتجربة السوفييتية (3-3)

نعيم الأشهب

2013 / 8 / 18
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


كان الاتحاد السوفييتي في مستوى الولايات المتحدة، بل متفوقا عليها في بعض الميادين، وبالمقابل، كان التخلف باديا ويتزايد في القطاع المدني. وحين انهار الاتحاد السوفييتي، كان ما يزال شائعا في متاجره العد وتحديد الحساب على الخرزات..


ميدان التخطيط الاقتصادي يشكل، بالإضافة الى الملكية العامة لوسائل الإنتاج، أساس الاقتصاد الاشتراكي وأهم عناصر تفوق الاشتراكية على الرأسمالية في الميدان الاقتصادي، وهنا راحت البيروقراطية السوفييتية، أكثر فأكثر، تجريه بشكل فوقي وبمعزل عن حاجات المجتمع المتنامية والمتطورة التي يمكن التعبير عنها فقط عبر الإشراك الفعلي لجمهور المنتجين في عملية التخطيط، ودون احترام لقوانين الاقتصاد السياسي للاشتراكية؛ وغدا الاهتمام بالكمية على حساب النوعية، وعلى حساب الإهدار المتفاقم للخامات. وبنيجة ذلك نشأت هناك ثلاثة اختلالات راحت تنمو وتكبر، مع مرور الأيام، الاختلال الأول: بين فرعي الإنتاج الصناعي أ و ب. أي بين إنتاج وسائل الإنتاج وإنتاج وسائل الاستهلاك. وحين انهار الاتحاد السوفييتي كان ينتج من الجرارات الزراعية ضعف ما تنتجه الولايات المتحدة؛ بينما انتاج البضائع الاستهلاكية في الاتحاد السوفييتي متخلف، بشكل ملحوظ عن انتاج وسائل الإنتاج فيه؛ الاختلال الثاني: بين حياة المجتمع السوفييتي الثقافية والمادية. في الميدان الثقافي، يمكن القول بأن الاتحاد السوفييتي كان الأول في العالم من حيث رخص أسعار الكتب والاسطوانات وغزارة الترجمات من اللغات الأجنبية، وتوفر المسارح ودور العرض، وغيرها من مقومات الثقافة؛ بينما لا يترافق الارتفاع المتواصل للثقافة بمستوى مواز في الحياة المادية للمجتمع السوفييتي، بل المزيد من الفوارق. وطبعا لا يجري الحديث عن تقليد مظاهر البذخ لقطاع محدود في الرأسمالية؛ أما الاختلال الثالث، فهو ما بين القطاع العسكري والقطاع المدني. في الأول، كان الاتحاد السوفييتي في مستوى الولايات المتحدة، بل متفوقا عليها في بعض الميادين، وبالمقابل، كان التخلف باديا ويتزايد في القطاع المدني. وحين انهار الاتحاد السوفييتي، كان ما يزال شائعا في متاجره العد وتحديد الحساب على الخرزات؛ وحتى في الأماكن التي جرى فيها، في وقت متأخر، كموسكو، إدخال الحاسبات الآلية البسيطة، كان تأثير العادة أن يدقق المحاسب نتائج الآلة الحاسبة بالعودة الى الخرزات!
أما المبدأ الثاني الذي صاغه ماركس لمرحلتي الاشتراكية والشيوعية في تقييم قوة العمل فكان كالتالي: في الاشتراكية أو المرحلة الدنيا من الشيوعية، من كل حسب مقدرته ولكل حسب عمله. هذا المبدأ قائم على تقييم قيمة العمل وفق قانون القيمة الرأسمالي، كما لاحظ انجلز. لكن ماركس استخلصه من دراسته للاقتصاد السياسي للرأسمالية. فالرأسمالية منذ نشوئها راحت تعاني من أزمات فائض الإنتاج. والسبب في ذلك أن العامل في بيعه قوة عمله للرأسمالي ينتج قيمة لا ينال إلا مقابل جزء منها، أما الباقي فيقتطعه الرأسمالي - القيمة الزائدة. وطالما لا يتلقى العامل كامل قيمة ما أنتجه، فإن قدراته الشرائية تظل دون ما طرحه في السوق من السلع، وبالتالي يتراكم فائض الإنتاج وتنشأ أزمات فيض الإنتاج. وللحيلولة دون وقوع هذه الأزمات في الاشتراكية كان لا بد من حصول العامل على أجر مساو لما ينتج، بحيث ترتفع قدراته الشرائية لتوازي ما يطرحه في السوق من السلع. وهكذا يتضح أن ماركس لم يصغ هذا المبدأ طلبا للعدالة الاجتماعية؛ بل إن هذه العدالة تتحقق كنتيجة وليست هي السبب. أما السبب فهو تلافي وقوع أزمات فائض الإنتاج في الاشتراكية، هذه الأزمات التي ترافق الرأسمالية من المهد الى اللحد. تماما كما كان استنتاجه بحتمية حلول الملكية العامة لوسائل الإنتاج مكان الملكية الخاصة، لم يكن سببه تحقيق العدالة الاجتماعية، بل إن هذه العدالة تتحقق كنتيجة. أما السبب فهو أن الملكية الخاصة تغدو منذ أن يصبح طابع العمل اجتماعيا - نتيجة التصنيع الآلي - وليس فرديا أو شبه فردي، فإنه يحتاج الى علاقات اجتماعية مماثلة، أي ملكية عامة، حتى يواصل تطوره بلا عوائق.
أما في الشيوعية - أو المرحلة العليا منها- فيسود مبدأ من كل حسب مقدرته ولكل حسب حاجته، استنادا الى تكنولوجيا رفيعة وإنتاج مادي غزير، مقرون مع مستوى رفيع من الثقافة الاجتماعية التي لا تعرف الأثرة.
لكن هذا النهج الاعتباطي العام في تقييم قيمة العمل كان ينسحب أيضا على تقييم قيمة السلع في الاتحاد السوفييتي؛ فحتى أواخر سبعينيات القرن الماضي كان سعر أنواع من البنزين دون سعر ماء الشرب!
مع مرور الزمن وتطور الاقتصاد السوفييتي، كان يتفاقم خرق وتجاهل البيروقراطية السوفييتية لمبدأ: من كل حسب مقدرته ولكل حسب عمله، البالغ الأهمية في تحريك الحوافز في الإنتاج. وساد بدلا منه نوع من مساواة الأجور. وقد نتج عن ذلك، بالإضافة الى اقصاء العامل عن المشاركة في عمليات التخطيط وإدارة العملية الإنتاجية، الشعور بالاغتراب، وما أسفر عنه ذلك من الترهل وتفاقم الإهدار للخامات واللامبالاة تجاه الملكية العامة، وغدا المعيار السائد هو معيار الكسول وليس العكس، إذ ما جدوى النشاط إذا كان المردود متساويا مع الكسل! ومن المفارقات الناجمة عن قتل هذا الحافز المادي، أن أصبحت إنتاجية العمل في الرأسمالية، على نفس الآلة، أعلى منها في الاتحاد السوفييتي، مع أن المفروض هو العكس؛ وإذا كان الاتحاد السوفييتي ينتج من الجرارات الزراعية ضعف ما تنتجه الولايات المتحدة - كما أشير سابقا - فإن انتاجية العمل في الزراعة بقيت في الولايات المتحدة أعلى منها في الزراعة السوفييتية بشكل ملحوظ.
وفي لحظة معينة من تراكم هذه التجاوزات، حانت ساعة "انتقام" القوانين الموضوعية التي طال وتفاقم تجاهلها؛ وبدأ تباطؤ النمو الاقتصادي في الاتحاد السوفييتي، منذ أواخر السبعينيات من القرن الماضي، ثم دخل مرحلة الركود. وراح قادته في التفتيش عن حلول براغماتية خارج قوانين الاقتصاد السياسي للاشتراكية لهذه الأزمة. وكان هذا مؤشرًا واضحًا بأنهم قطعوا علاقتهم بالاشتراكية والمشروع الاشتراكي؛ وحين انهار النظام السوفييتي، ذهب بعض هؤلاء القادة الى حد الإعلان عن عدائهم السافر للاشتراكية، كغورباتشوف وياكوفليف ويلتسين وشيفرنادزه. وتحوّل آخرون من رموز البيروقراطية السوفييتية إلى قادة مافيات لنهب ثروات الاتحاد السوفييتي.
ومستقبلا، سيكون على بناة الاشتراكية، ليس فقط استخلاص الدروس الأساسية من التجربة السوفييتية الحافلة وتقييم ماركس، من قبلها لتجربة كومونة باريس القصيرة؛ بل العودة إلى المبادئ العامة والملاحظات البالغة الغنى التي صاغها ماركس حول بناء الاشتراكية. (انتهى)



(الحلقة الاخيرة من ورقة نعيم الأشهب، في مؤتمر ماركس السنوي السادس الذي نظمه معهد إميل توما للدراسات الفلسطينية والإسرائيلية في حيفا، 6.7.2013 )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نعيم الأشهب تلميذ سيء الذكر خروشتشوف
فؤاد النمري ( 2013 / 8 / 18 - 19:34 )
يصر نعيم الأشهب أن يفرغ جرابه المليء بالأفكار السخيفة الخرشوفية على صفحات جرائدنا
أنا أتهم الأشهب بالتوطؤ مع المنحرفين في العداء للإشتراكية
ثمة شهادتان يمكن يشهدها الأشهب كي يبرئ نفسه من تهمة العداء للإشتراكية وهما ..
أولاً لماذا استقال مالنكوف في سبتمبر 1953 من منصب الأمين العام للحزب بالوكالة وإلغاء الخطة الخمسية الخامسة المكرسة لمضاعفة البضائع الاستهلاكية وكيف يجوز إلغاء خطة تنمية خماسية أقرها المؤتمر العام التاسع عشر للحزب ؟ ـ هل كان الحزب سيلغي الخطة الخمسية بحضور أبو البيروقراطية يوسف ستالين ؟

ثانياً لماذا تم طرد سبعة أعضاء من البريزيديوم من مجموع 11 عضواً ليبقى أربعة فقط ـ قد يقول الأشهب أن اللجنة المركزية هي التي طردتهم لكن كيف تجتمع اللجنة المركزية بدون دعوتها من قبل البريزيديوم
الأجوبة على هاتين المسألتين ستجعل من دعاوى البيروقراطية دعاوى ساقطة وغبية تثير الضحك والسخرية

اخر الافلام

.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب


.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in




.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي