الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوجهان المتضادان للنار - الوجه المفيد (2)

مجدى زكريا

2013 / 8 / 20
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


مع ان النار تحدث الخراب والدمارفهى من ناحية اخرى تفيد افادة كبيرة انواعا كثيرة من النباتات والحيوانات. وفى الواقع , تلعب ايضا دورا مهما فى الحفاظ على توازن الطبيعة. فكيف تفعل ذلك ؟
النار واحدة من اصدقاء الانسان القدامى. فقد أدفأته , اضاءت لياليه , وطبخت طعامه. استخدم سكان اوستراليا الاصليون طريقة للاعتناء بأراضيهم. فقد كانوا يشعلون نيرانا صغيرة الالسنة وغير شديدة لتخفيض تراكم المواد النباتية الميتة والجافة التى هى الوقود الرئيسى للحرائق الجامحة. واستعمال النار بهذه الطريقة المضبوطة مكن السكان الاصليين من استخدام الارض لاعالة انفسهم يفعالية وفى الوقت نفسه المحافظة على البيئة الطبيعية للنباتات والحيوانات. كما خفض من احتمال ان يعلق الناس فجأة بحبال الحرائق الجامحة الخطرة.
عندما اتى المستوطنون الاوربية الى اوستراليا قبل اكثر من 200 ستة , ابتدأ هذا التوازن الهش بين الانسان والطبيعة والنار يتقلقل. فمن وجهة نظر الاوربيين , كانت الحرائق البرية شيئا تلزم مكافحته. فقل حدوث الحرائق البرية , ولكن بسبب تراكم المواد
الميتة والجافة , فان الحرائق التى اندلعت صارت اشد والسيطرة عليها اصعب. ولكن فى السنوات الاخيرة , تعلمت الحكومات من سكان اوستراليا الاصليين وطورت استراتيجية تدعى الاحراق المراقب. وهذا الاسلوب يسمح للنيران بأن تشتعل بطريقة مضبوطة لمنع حدوث المزيد مكن الحرائق الجامحة المسببة للكوارث. وهذه الاستراتجية تقوم على اشعال نيران صغيرة فى غير موسم حرائق الاحراج. وهذه النيران تتحرك ببطء , السنتها قصيرة , وتزيل طبقة " الوقود " من دون الاضرار بالاشجار. وعموما يطفئها ندى المساء.
ان الهدف من تنظيم حدائق الاحراج باستخدام الاحراق المراقب هى حماية الحياة والممتلكات وفى الوقت نفسه المحافظة على تنوع النباتات والحيوانات المحلية. والاحراق المراقب يخفض من اجتياح بعض انواع الاعشاب الضارة الدخيلة. ويساعد ايضا على المحافظة على البيئات الطبيعية اللازمة لحفظ الحيوانات المحلية.
ان بعض انواع النباتات تعتمد كما يبدو على النار لتساعد بذورها على الانبات. فبعض البذور لديها قشور خارجية صلبة جدا بحيث تكون النار ضرورية لشقها لتتسرب الرطوبة الى الداخل. ويشير البحث ان الدخان المتصاعد من الحريق يساعد ايضا البزور ان تنبت. فهناك نحو 70 عنصرا فى الدخان يعتقد انها عوامل تحفز البذرة على الانبات. واحد هذه العناصر المهمة هو ثنائى اكسيد النتروجين.
ان الارض المحروقة حديثا تنتج تربة غنية بالمواد المغذية كالنتروجين والفوسفور. فالنار تطلق المواد المغذية المخزونة فى نثار الاوراق , تساهم فى نفاذ المزيد من اشعة الشمس الى الارض , وتخلق غطاء تربة مثاليا لتمد النباتات الجديدة جذورها فيه. فالسنطيات مثلا , تنبت بذورها بعد حدوث حريق وهى تنمو وتزدهر فى ظل الاحوال التى يخلقها الحريق.
ويبدو ايضا ان حيوانات كثيرة تستفيد من الاحوال التى تلى الحريق. وخصوصا من النمو الجديد للنباتات التى تكون طرية وريانة. فبعض انواع حيوانات الكنغر والولب تفضل الغابات التى تحرق مرارا ويقال انها تعتمد فى العيش على النار. وذلك لان النباتات التى تقتات بها وتتخذها مأوى تعتمد بدورها على النار لكى تتكاثر من جديد وتبقى.
ان الوجهين المتضادين للنار يصيران مفهومين اكثر , لكن تفاعل النار مع البيئة امر معقد. ولا يزال هنالك الكثير لتعلمه. فكيفية تأثير النار فى انواع معينة من النباتات والحيوانات هى امر يتطلب المزيد من الدراسة. وكيفية تفاعل النار مع بيئتنا وتأثيرها فيها من نواح عديدة تتطلب ايضا المزيد من البحث. وبعض الاسئلة التى تلزم الاجابة عنها هى : هل الحرائق هى احد العوامل التى تسبب مفعول الجنة ؟ اى تأثير هنالك لدخان الحرائق فى انماط الطقس ؟ وكيف تسلك النيران ؟
حاليا , هنالك برامج كمبيوتر مصممة للتنبؤ بسلوك النيران , وعملها هو تحليل المعلومات المتعلقة بالوقود , بالاضافة الى الحرارة , سرعة الرياح , والاحوال الجوية الاخرى. ومن المؤسف ان هذه البرامج ليست دائما دقيقة , ولا يمكنها ان تتنبأ بظواهر غير مألوفة كما عندما تشب النيران مندفعة الى الامام بغتة او تتأجج على نحو مفاجئ. ففى حرائق سيدنى التى اندلعت سنة 1997 , قتل اثنان من الاطفائيين الخبراء بسبب احد هذه الاندفاعات المفاجئة , التى تسمى على نحو ملائم " السنة الموت ".
ان الحرائق الكبيرة على وجه التخصيص يصعب التنبؤ بها , لانها تولد طقسها الخاص. ويشمل ذلك الرياح القوية , السحب , وحتى العواصف الرعدية. ورياح هذه الحرائق الكبيرة يمكن ان تغير اتجاهها او سرعتها فجأة , جاعلة النيران غير مستقرة.
نعم , يمكن ان تكون النار عدوا مخربا ومدمرا حين تصبح فوق نطاق السيطرة , ولكن يمكن ان تكون ايضا صديقا مفيدا. فهى تلعب دورا حيويا فى دورات الطبيعة لتجديد الارض والمحافظة على تنوع متوازن من الحياة النباتية والحيوانية.
يشبه وضع الدول كثيرا وضع الغابات التى تحتاج الى حريق غير مضبوط لكى تتجدد وترجع اليها حيويتها. وغالبية دول العالم المتحضرة بما فيعا اوروبا والاتحاد السوفيتى واليابان , مرت بهذه التجربة الحارقة , وخرجت منها , قوية متماسكة , ومتمدينة حضارية.
ونحن فى البلاد العربية والشرق الاوسط عموما , ربما مررنا بحرائق لكن لم تكن قوية كفاية لتصنع التغيير المطلوب لكى نأخذ بأسباب الحضارة والرقى. وهنا فى مصر وقد بتنا مثقلين تحت عبء التاريخ والدين , نبدو فى اشد الاحتياج لحريق الغابة الغير مضبوط , لكى نخرج وقد تخلصنا تماما من عبودية الدين والتاريخ لكى نأخذ بأسباب الحضارة , ويكون لنا دورنا البارز وسط الدول الحضارية والمستنيرة , ويبدو اننا فى الطريق الى الحريق الكبير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكونغرس الأمريكي يقر مشروع قانون مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا


.. لازاريني: آمل أن تحصل المجموعة الأخيرة من المانحين على الثقة




.. المبعوث الأمريكي للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط: على إسرا


.. آرسنال يطارد لقب الدوري الإنجليزي الممتاز الذي غاب عن خزائنه




.. استمرار أعمال الإنقاذ والإجلاء في -غوانغدونغ- الصينية