الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشروع محمد أركون الفكري : معنى العقل في الإسلام

ماءالعينين سيدي بويه

2013 / 8 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يقدم محمد أركون مشروعه الفكري قائلا "مشروعي العام الذي أعلنته عام 1984 حين نشرت لأول مرة كتابي بعنوان "نقد العقل الإسلامي"1 باللغة الفرنسية، وقد ترجم إلى اللغة العربية عام 1986 تحت عنوان مغاير هو "تاريخية الفكر العربي الإسلامي" على يد مترجم متخصص في فكره متحمس لمشروعه، هو الناقد السوري "هاشم صالح"، الذي يقول عنه أركون في مقدمة كتابه المذكور "وكنت حريصا دائما أن أجد مترجما متمكنا من اللغتين العربية والفرنسية، متدربا بمعاجم العلوم الإنسانية والاجتماعية، لينقل إلى القراء العرب نقلا وافيا علميا ما ألفته بالفرنسية من كتب2.
ويأتي المشروع "الأركوني" قصد تحقيق المهمة العاجلة المتمثلة في إعادة قراءة التراث الإسلامي على ضوء أحدث المناهج اللغوية، والتاريخية، والسوسيولوجية، والأنتربولوجية، أي مقارنة التراث مع بقية التراثات الدينية وبخاصة مع ما حصل في الغرب المسيحي.
ثم قصد القيام أيضا بتقييم فلسفي شامل لهذا التراث لطرح ما أصبح ميتا فيه ومعرقلا لحركة التطور، والإبقاء على العناصر الصالحة من أجل استخدامها في البنيان الجديد3. إنها البداية التي يفتتح أركون بها دراسة التراث بمناهج جديدة، معتبرا إياها معالم على الطريق الطويل والصعب لتأسيس تاريخ منفتح وتطبيقي للفكر الإسلامي.
يضع أركون مشروعه العام تحت عنوان "نقد العقل الإسلامي"، من أجل إعادة تقييم شامل للموروث الإسلامي منذ ظهور القرآن وحتى، وذلك بتمييزه لثلاث أو أربع مراحل أساسية لدراسة هذا العقل، وهي كتالي :
1 – مرحلة القرآن والتشكيل الأولى للفكر الإسلامي، وتمتد هذه المرحلة من السنة الأولى وحتى سنة 150 للهجرة (622 – 767م، هذه تواريخ تقريبية). عمل أركون على دراستها ضمن كتابه "قراءات في القرآن" وقال حينها بأن كلمة "عقل" على هيئة المصدر غير موجودة في القرآن. الشيء الموجود هو عبارات إستفهامية من نوع : أفلا تعقلون ؟ أفلا يعقلون ؟ أو صم بكم عمي فهم لا يعقلون ...إلخ.
ولأن القرآن ذو صيغة بيانية تذكرنا بصيغ الكتب المقدسة السابقة كالثوراة و الإنجيل فإن أركون يقدم تعريفا إجرائيا يحدده "كمجموعة محدودة ومفتوحة من نصوص باللغة العربية يمكن أن نصل إليها ماثلة في النص المثبت بعد القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي. وإن جملة النص المثبت على هذا المنوال نهضت بآن واحد بوظيفة أثر مكتوب وكلام تعبدي4. قصد دراسة كلام الله بإعتباره موضوعا لغويا، أو كحدث تاريخي حصل في لحظة معينة من لحظات التاريخ.
إذ من الملاحظ أن الطابع الإبداعي، الرمزي والمجازي، يطغى في الخطاب القرآني على الطابع العقلاني، الاستدلالي، البرهاني القائم على المحاجة، ما يعني أن موطن الفهم والإدراك الحسي والعاطفي هو القلب وليس الرأس. إذن فمفهوم العقل في القرآن لا ينفصل عن الحساسية والخيال والشعور مانعكس على علم التفسير الذي نشأ فيما بعد في البصرة ثم في بغداد والذي كان متأثرا بالفلسفة الأرسطوطاليسية، كان قد أسقط على القرآن مفهوم العقل بالمعنى المنطقي الاستدلالي وهذا خطأ، فهو غير موجود فيه5.
2 – مرحلة العصر الكلاسيكي أي عصر العقلانية والازدهار العلمي والحضري : هذه المرحلة التي تمتد من عام 150 حتى عام 450 هجرية (767 إلى عام 1058 ميلادية)، حيت شهدت نشؤء العقلانية وإزدهارها وهي التي توصف عادة ب "العصر الذهبي" للحضارة العربية – الاسلامية. هنا دخل العقل الاسلامي لأول مرة في مواجهة مباشرة مع عقل أجنبي عليه : هو العقل الفلسفي العلمي الإغريقي. عندئد حصلت المواجهة الحامية بين طرفين أساسين في الساحة الثقافية العربية –الاسلامية. طرف المقلدين أو المحدثين المرتبطين بالعلوم الدينية وطرف العقلانيين المرتبطين بالعلوم الأجنبية أو "الدخيلة" بحسب تعبير ذلك الزمان. كما أن هناك تضاد آخر أثر في طريقة إستخدام العقل في الساحة الاسلامية هو ذلك التضاد الكائن بين أهل الاجتهاد (مرحلة الخلافة)، وأهل التقليد (عصر الانحطاط).
3 – مرحلة العصر المدرسي، التكراري والاجتراري أو ما يدعي بعصر الانحطاط، وهي حسب أركون المرحلة التي ورثناها نحن المسلمين المعاصرين. وبالتالي فالإسلام الذي يهيمن علينا اليوم ليس هو إسلام العصر الكلاسيكي المبدع، وإنما هو إسلام عصور التكرار والتقليد والاجترار. فنحن نعاني من قطيعتين مرعبتين لا من قطيعة واحدة، أولا قطيعة مع الفترة الأكثر إنتاجا وإبداعا من تراثنا الكلاسيكي، ثم ثانيا قطيعة مع أفضل ما أنتجته الحداثة الأوروبية منذ القرن السادس عشر وحتى اليوم.
4 – مرحلة النهضة في القرن التاسع عشر وحتى الخمسينات من هذا القرن، وتبتدئ هذه المرحلة بدخول الاستعمار البلاد الاسلامية والعربية، ما كان له بالغ الأثر على مصير وصيرورة العقل في أرض الاسلام : فكانت إستفاقة العقل التقليدي صعبة جدا في البداية، وكانت صدمة الحداثة المريعة. هنا يميز اركون بين نوعين من الحداثة أي بين الحداثة المادية والحداثة الفكرية أو العقلية. ويقصد بهذه الأخيرة جملة الفتوحات اللاهوتية والعملية والفلسفية التي حصلت في أوروبا منذ القرن السادس عشر، وشكلت قطيعة واضحة بالقياس إلى المناخ العقلي للقرون الوسطى.
وإلى هذه المراحل يضيف أركون مرحلة خامسة يدعوها ب "الثورة القومية" مع جمال عبد الناصـر (1952-1970)، ثم مـع "الثـورة الاسلاميـة" (1970م وحتى اليوم). ويطلق على عقل هذه المرحلة العقل النضالي الذي يختلف في آن معا عن العقل الليبرالي وعن العقل التقليدي، وفي نظر أركون إذا ما أتيح لآخر قضية تحرير وطني أن تحل فإن العرب المسلمين بشكل عام سوف يجدون أنفسهم في مواجهة أنفسهم لأول مرة. عندئذ سوف تبتدئ مرحلة ما يدعوه أركون بالجهاد الأكبر، أي الجهاد ضد النفس الداخلية6. وعندئد نجد أن سؤالنا المحوري فيما يخص التراث هو : كيف نقرأ التراث والقرآن تحديدا، وهذا ما يسعى إليه أركون في مشروعه من خلال إجتراح طرق وآليات لذلك في ثنايا نقده الفكري للعقل الإسلامي أو الفكر الإسلامي.

1 - محمد أركون، من فيصل التفرقة إلى فصل المقال ... اين هو الفكر الاسلامي المعاصر ؟، ترجمة هاشم صالح، دار الساقي : طII ،
1995، ص : 7.
2 - محمد أركون، تاريخية الفكر العربي الاسلامي، ترجمة هاشم صالح، مركز الانماء القومي، المركز الثقافي العربي، ط III 1998،
ص : 7.
3 – محمد أركون، قضايا في نقد العقل الديني، كيف نفهم الاسلام اليوم ؟ ترجمة هاشم صالح، دار العودة، طII ، 2000، ص : 292.
4 - محمد أركون : الفكر العربي، ترجمة د. عادل العوا، منشورات عويدات، سوشبريس، ط 4، 1986، ص : 32.
5 - قضايا في نقد العقل الديني ....مصدر سابق، ص : 284.
6 - قضايا في نقد العقل الديني ....مصدر سابق، ص : 291-292.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد